رسالة بوح و إنسانية
كانت دموعي تتدفق ساخنة على وجهي كمياه ينبوع دافئ،كلما مسحتها تحدتني بسيلانها من جديد مبللة أطراف اصابعي وزهور مخدتي.
ليس للدموع مكابح ولا فرامل آنية أوعلى الأقل هذ ه تجربتي معها حين تغلبني فإنها تغلبني بجدارة؛ أجد في تنهيدة و أخرى استراحة لكن لا أجد زرا ولا درعا يقاوم الدموع.
كنت أبكي وأضع يدي على جنيني ،أحسه يتحرك، فألوم نفسي وأعذبها أكثر، بأي حق تبكي الأمهات وبأي حق يسمحن لأنفسهن بإزعاج ملاك يعيش بداخلهن ، تخيلت وجه جنيني ملائكيا يرنو إلي ودموعي تواصل مسيرتها فأحببته أكثر وتمنيت أن أُقَبِله وأن أضُمه وأن لايحس بحزني و ازدادت الدموع دموعا.
الشعور بالأذى و الأسى يتراكم مع الزمن بشكل عجيب غريب، يستيقظ كبركان خامد أحيانا وقد يبدو الأذى الذي لحق بنا بسيطا و يسيرا لكن معظم النار من مستصغر الشرر و البسيط يتآلف مع المعقد و المُرَكب، الفرق بيني وبين جنيني أننا نعيش في جسد واحد بروحين ، روح بيضاء نقية لم تخدش بعد وروح تحاول باستمرار استعادة البياض و النقاء لكنها تحمل في طياتها جروحا و خدوشا وأعباء ا.
كلما تقدمنا في العمر كثرت التجارب و صور الذاكرة لذا فبعض الأذى و الإساءة يعزز بعضه ، يترابط بحلقات ويتسلسل ليظهر شريطا متناسقا تعجيزياً.
ليلة حزينة قضيتها أثبتت لي أن شكسبير كان محقا حين قال أن الدموع تثبت حبها لكنها لا تداوي .
قصدت المنتزه وقلبي مثقل ضيق بكل مايحمله .
لا الشمس كانت مشرقة ولا شهيتي للنزهة كانت منفتحة.
أخذتني خطاي للعرض الأول للدلافين لأجدني في مقعد عالي يطل على المسبح بشموخ وابتدأ العرض:
مياه بزرقة البحر وأسماك تقفز و تدور وتصافح وتصدر أصواتا تلامس الروح ، وجوه الدلافين ليس فيها قبح ولا عنف ولا عدوان وحين تتجاوب مع إشارات المدربين فهي تفعل ذلك باستئناس و مرح ،أخذتني هذه العلاقة الحميمية بين الإنسان و الحيوان إلى دنيا من حب وإلى محبة الله.
الدلافين هذه المخلوقات الجميلة البريئة تضرب مثلا للتناغم في هذا الكون، تقابل الحب بالحب و العطف بالشكر و الحنان بالصداقة و الإستئناس.
الدلافين حيوانات يقال عنها ذكية وذات قابلية للتعلم ،يستعان بها للتواصل مع من لديهم إعاقات جسدية ونفسية تعتبر مستعصية ، لكنها في الجوهر و الحقيقة مخلوقات من هذا العالم الذي أبدعه الله و زرع فيه المحبة والخير وتضرب مثلا للإنسان الذي ميز بالعقل بأن في الإنسجام و التناغم والتعامل الحسن سعادة وجمال.
خرجت من العرض لأجد فظا ضخما يلف و يدور سابحا غير مبال ،يصدر صوتا ليس فيه من الرقة شيء لكنه يعبر عن وجوده و كينونته ويتناغم مع طبيعته و خلقته.
وجدتني مجددا أتأمل هذا المخلوق الرائع و أسبح بعظمة الله الذي صور الحسون و الفظ كل لحكمة يعلمها هو ولكل طبع خاص ونمط عيش وجمال مختلف.
كان لي في العرض الثاني موعد مع أسماك شبيهة بالدلافين ومن فصيلتها أظن أصغرحجما لكنها ليست أقل ودا، إنتهى العرض ووقفت أصدر أصواتا بفمي فصارت تتطلع لي كطفل يريد مصافحتي؛كلما أشرت لها وكلمتها بحنو ولطف وأصوات ناعمة تسبح مسرعة في اتجاهي وتطل علي رافعة رأسها مستأنسة بي.
لم أدري ماالذي حدث بالضبط لكن تلك المخلوقات أغرقت حزني في مياهها وبتجاوبها وجمالها وروعتها.
كانت هناك فقمات أيضا تُقَبل مدربيها وتتصرف كالبهلوانات ترجو تصفيقا و تتفاعل مع الضحك و المرح ، لم يكن بها عقد نفسية ولا تراكمات أحزان وتمنيت لو تنزلق يدي على رأسها الأملس و أهمس في أذنها إنك أجمل مني وأنت تختزلين الطبيعة الجميلة في سلوكك الأخاذ وتبعثين المسرة في قلوب من يتأملك.
خرجت من المنتزه وإحساسي بالله الأكبر في كل مكان، في كل ماأبدع و كل ماصور.
ياالله كم أن الإنسان صغير أصغر من نملة تدب وتحمل معها آلاف الأسرار،ياالله كم نحن عُمْيٌ نضيق الرؤيا على نفسنا و نضببها بمشاكل و أحزان زائلة وفي كل ما حولنا من خلق درس للألفة والمحبة والتناغم .
سبحانك ربي لك في خلقك شؤون ولك في قلبي حب كبير يتجدد كل يوم ليخمد براكين الدموع و الأذى والأحزان ويزرع بداخلي بساتين محبة ينيرها تواضعي أمامك وحبي لك.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|