( سِفر الجنون )
طالما أن الأمر هكذا .. وأن رياح الجنون بدأت تعتري مخيلتي فكان لا بد من فتح سِفر الجنون .
لم أشأ أن أمضي قدما ً في جنوني على غير هدى .. كان لا بد من القراءة والتمحيص
والتنقيب بين السطور وما وراء الحروف حتى يكون لجنوني مذاق وطعم متميز وليس
مجرد جنون عادي كالذي يعتري البعض فيجدون أنفسهم قد نصبوا مجانينا ً دون أن يعوا كيف ولماذا ؟
أردت لجنوني طقوسا ً غريبة بعض الشيء .. فريدة في نوعها .. مميزة في عرضها .. لم أشأ أن تكون مجرد حركات بهلوانية على إيقاعات غير مفهومة وأنغام شاذة لا تسمن ولا تغني من جوع .
هو الجنون نعم .. لكن ليس كأي جنون .. هو جنون ألوانه أشبه بألوان الفرح .. لا تحتوي في طياتها أو بين ثناياها الألوان الداكنة .. لا يدخل اللون الأسود في مكوناتها .. ألوانها أرجوانية كألوان الطفولة
حين كنا نرسمها في دفتر الرسم .. أحمر .. أصفر .. برتقالي .
كذلك خطوطه .. أريدها خطوطا ً متعرجة .. الخطوط المستقيمة هي خطوط العقلاء فقط .. خاصة تلك التي تنتهي بزاوية ثم تجد نفسك منحشرا ً فيها إلى يوم البعث ..
أنا لا أريد زوايا ولا خطوط مستقيمة إنما
خطوط متعرجة طويلة ليس لها نهاية حتى لا نختلف جميعنا على النهاية ونتسابق في الوصول اليها .. نؤذي بعضنا .. نطعن انفسنا .. نطعن الغير وقد نصفي بعضنا حتى نصل تلك النهاية الهالكة قبل الآخرين .
الحروف في سفر الجنون ليس لها أبجدية تتكون من ثمانية وعشرين حرفا ً فقط بل تحتمل الكثير من الحروف المساعدة والمؤازرة والمساندة والمرافقة والمعاضدة.. حروف جديدة .. جميلة .. زاهية لها حنجرة تغرد مع عصافير الصباح وأنفاس تنطلق مع النحل في رحلته الدؤوبة للبحث عن ينابيع العسل .. حروف سفر الجنون حيّة منتعشة لا تعاني من أزمات قلبية حادة ولا إرهاصات فكرية .. ليست حروف خاملة تموت مع الوقت فلا يبقى منها إلا الجثث الهامدة التي انتزعت منها الروح منذ أمد بعيد .
يتبع