( شبح الجنون )
أيتها الغافية على بابي .. أيتها الغافية على باب الجنون .. تفضلي بالدخول .. إخلعي نعليك وتقدمي كما أنت حافية القدمين .. جففي من عينيك قطرات الدموع .. امسحي ما تبقى من أثار الكحل المرسوم .. انثري خصلات شعرك عناقيد الفل على أكتاف الربيع .. في مملكة الجنون هنا نساؤنا لا يتطيبن .. رائحتهن هي رائحة الورد والفل والياسمين .. لا تلون الأصباغ وجناتهن الغضة ولا شفاههن المكتنزة ولا زهرالخدود .
أنا كنت فيما مضى عصفورة .. عصفورة الشجن .. ثم عصفورة الألم .. ثم عصفورة الحزن والآن أنا عصفورة البكاء .. أريد أن أصبح عصفورة الفرح .. عصفورة الضحك .. عصفورة الأمل .
وما الذي يبكي عصفورة الشجن ؟
ضاق صدري بالهواء الملوث في مدينة العقلاء .. رئتايّ الصغيرتان لم تعودا تقويان على استنشاق هوائهم العكر .. هناك امتزج الخير بالشر فأصبحا جسما ًواحدا ً له وجهان ولكنهما متشابهان يصعب عليك ان تميز الخير من الشر من بينهما .
وماذا بعد يا عصفورتي ؟
في مدينة العقلاء ترتدي الثعالب أثواب الحملان الناصعة البياض .. والأفاعي خرجت من أوكارها وانتشرت تسرح وتمرح وتلعب وتلدغ ولا تختبىء .
وماذا أيضا ً؟
قتلوا الحب في مدينة العقلاء .. رأيتهم بأم عيني يقتلون الحب .. وجوه غريبة ناعمة الملمس تندس في جيوب الحب فتمزقها وتطعنها حتى ترديها قتلى .. رأيتهم يلقون بمشاعرهم على أكتاف آخرين .. يثقلون عليهم .. يريدون منهم أن يرتدوا هذه المشاعر كعباءة فوق ظهورهم .. وعندما تثقل كاهلهم عباءة المشاعر المفروضة عليهم يلقونها جانباً فقط كي يلتقطوا أنفاسهم .. لكنهم سرعان ما تباغتهم طلقات الرصاص .. طلقات الغدر المباغتة .
هي ضريبة الحب في أسواق بورصة الحب العالمية .
ويفر الجناة إلى حَمل آخر وتستمر اللعبة ويستمر تساقط القتلى.
أهذا هو الحب يا شبح الجنون ؟ أين ذهب الحب العذري وشفافيته وطهارته ونقاؤه ؟
أم أن هذا هو حب القرن الواحد والعشرون ؟
ضاق صدري من هوائهم الملوث العكر وتعبت عيناي من مشاهدة الزيف والخداع .
حبهم مؤامرات .. اتفاقاتهم خيانات .. همسهم فحيح أفاعي .. تعبت يا شبح الجنون ولا أريد العودة لمدينة العقلاء .
تريثي يا صغيرتي وأخلدي للنوم الآن .. في الصباح يحلو لنا الكلام .
يتبع