عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 03 / 2009, 52 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رائحة الحيّ الشعبي

[align=justify]
تنفلت رائحة المكان لتملأ بتميزها كيانك كله ، فتعرف عندها وإن كنتَ مغمض العينين أنك موجود في هذا الشارع أو ذاك ، وتكاد وأنت في رحلة تنفسك الصاعد الهابط تتلمس ملامح الوجوه وترسمها بقلم سحريّ على جدار الهواء .. هل أبالغ حين أدّعي ذلك ، أم أنني أقول جزءا من الحقيقة التي تتعلق برائحة المكان ؟؟.. ظني ، أنني أتلو في النشيد المعتمد على دفتر الذاكرة القليل من الحقيقة .. ومن أراد أن يطلع أكثر على كتاب السحر المشغول برائحة المكان ، أن يقرأ شيئا غير قليل من ألوان العبق اليوميّ في أيّ حي شعبي ..فالأحياء الشعبية تضجّ بلغة العشق هذه وتكاد تبوح بها لكل واحد من أبنائها ..
أذكر ، وعلينا دائما أن نشدد على التذكر ، أنّ أديبنا الراحل الدكتور بديع حقي ، قد لخص فلسفة الرائحة وألحان جمالياتها في كتابه " الشجرة التي غرستها أمي " حيث مال الميل كله إلى القول بتأثره بل امتداد امتلائه ، برائحة المكان التي تساوقت مع ذكرى الأمّ التي كانت مسكونة بالزهور والورود وعشق الشجر .. وقد أخبرني – رحمه الله – أنه رغم مرور السنوات الطويلة مازال ابنا وفيا لهذه المرحلة ، لأنها المرحلة التي شكلت الذائقة الأدبية وأشعلت فيها حبها وميلها لهذه الرائحة أو تلك ..وليس بعيدا عنا ما ذكره الشاعر الراحل نزار قباني في قصته مع الشعر ، في هذا العشق الأزلي لرائحة المكان الذي ولد وتربى فيه ، إلى حد حمله لهذه الرائحة في الحل والترحال .. وشواهد الأدب كثيرة لا تعد ولا تحصى ، حتى ما كان منها وليد الصحراء والأطلال وما شابه ..لكن ما ميزة الحي الشعبي هنا ؟؟..
كان لميلادي ونشأتي وقضاء السنوات الطويلة في الصالحية ، حي الشيخ محي الدين ، أكبر الأثر في تكوين فلسفة جماليات رائحة الحي الشعبي عندي ، كون هذه الفترة من حياتي ، وأقصد هنا عاطفة متأصلة كل حياة ، هي الثابت الوحيد وجدانا وتشبعا وارتواء وامتلاء ، وكل ما أتى من بعد ، أعتبره مجرد هوامش على هذا الفصل أو ذاك .. والدليل على أنّ الأمر أكيد أصيل بالنسبة لي ، يبزغ من خلال سنواتي الحاضرة وزمني الراهن ، فما زلت ، أتنفس الصعداء ، أو تنفس العاشق الولهان ، كلما زرت هذا الحيّ وأخذتني رائحته إليها بحنان كبير فتان .. ولأن البيوت في الحي الشعبي متهامسة أو شبه متعانقة بطريقة بنائها ، تجد أنّ الرائحة فريدة متميزة أصيلة في هذا الحي .. وما مررت مرة بسوق الجمعة ، إلا ورأيت خطواتي بتوازن غريب مع أنفاسي تكاد ترقص تأثرا وحبا وولها .. خاصة حين يكر مع الرائحة العذبة شريط الأيام الماضية ، فيروح الطفل الذي كنته سابحا مثل طائر مسحور في فضاء مكان لا تجد مكانا يشبهه ..
قد يجد بعض الكتاب ، ممن لم يعيشوا ذلك كله أو بعضه ، أن في الأمر مبالغة تأبى ريشة الأديب إلا أن تعايشها .. لكنني أجزم أنّ الرجوع إلى الأدب المشغول برائحة الحي الشعبي ، عن أصالة ومعايشة ، سيعطي ألف دليل ودليل على أنّ الانجذاب إلى رائحة المكان الخاصة ، وتلون الكلمات بها، أمر بديهي نهائي ..وباعتقادي يفترق هذا قليلا أو كثيرا عن خصوصية المكان في الأدب ، وهي خصوصية معروفة مدروسة..والافتراق هنا ، افتراق حواس ومشاعر وأحاسيس ، قد لا يظهر إلا لمن يدقق النظر كثيرا بل طويلا في هذا الافتراق .. فالرائحة تنزرع في الأنفاس لتتوزع على الجسد كله ، مما يخلق توأمة غريبة بين الشخص والمكان وتكاد تطلع في الملامح والحركات والسكنات .. وما أسهل أن تتسرب ببساطة إلى الريشة لتطبع العمل الإبداعي وتعطيه ميزتها الرائعة .. فهل حاول أحدكم أن يدرس فلسفة رائحة الحي الشعبي ، أو رائحة المكان ،في العمل الإبداعي ؟؟.. ليتنا نفعل ..
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس