شبح الجنون ..4
طال غيابك يا عصفورتي وساورني القلق .. خشيت أن تكوني عدلت عن فكرة الإبحار معي
إلى عالم الجنون .. خشيت أن مدينة العقلاء ما زالت تسكن في قلبك وأهل مدينة العقلاء لم
يبرحوا أماكنهم في فؤادك ؟
يا شبحي لا أعلم ماذا أقول لك ؟.. مذ نويت الرحيل معك والبحث عن تلك الكلمة السرية والوصفة السحرية
التي أرقت مضجعي .. فجأة دون سابق إنذار غابت صورهم من مخيلتي .. لا أعلم كيف ولماذا ؟
وجدت نفسي بدونهم .. بدون صورهم .. بدون كلامهم .. بدون مشاعرهم .. أصبحت خالية يا شبحي .
هذا كلام مطمئن .. أم كنت تودين أمرا ً آخر ؟
لا يا شبحي .. ولكن أين اختفت صورهم وأحاديثهم وجلساتهم وذكرياتهم ؟ هذا أمر مؤرق أيضا ً.. لم أكن أعلم
أن الحياة الخالية ليست حياة على الإطلاق .. قد كانوا كل همي .. كل تفكيري ..كيف ذهبوا ؟ أين اختفوا ؟
أرجوا ألا تكوني قد عدلت عن فكرة الذهاب معي والمكوث هنا في انتظار عودتهم ؟
لا أعلم يا شبحي ماذا حل بي ّ؟ ولكن هل أنت مصرٌّ على رحيلي معك ؟
عصفورتي .. أنا أحبك .. انتظرتك أعوام طوال .. كنت ِ في ملهاة عني .. راهنت ِعلى قلوب خائنة ومشاعر مزيفة
كنت تغوصين في بحار من الوهم .. هم لم يتغيروا بل أنت من كنت معصوبة العينين .. هم كانوا أوضح من اشعة الشمس
لكنك شاركتهم في خداع نفسك وتعذيب ذاتك .. هانت عليك هذه الروح المرحة فأقحمتها في أجواء القهر والحزن
حتى كادت تموت بين يديك .. والآن تقولين لي اختفوا ولا اعلم كيف ولماذا ؟
ولكنك يا شبحي لم تصارحني بحبك فكيف تحاسبني على أمر مجهول ؟ ولماذا لم تتدخل فتنقذني عندما رأيتني
أهيم على وجهي بين أؤلئك الذئاب .. أنا هانت علي ّ روحي .. أنت لماذا هنت أنا عليك ؟
لم تهوني في يوم قط .. لم أصارحك بمشاعري لأني لم أشأ أن أخدش مشاعر الطفولة في قلبك .. وجدت أن كلمة
أحبك قد تجعلك تكبرين قبل الآوان .. أردتك أن تشبعي من طفولتك وسنيّن عمرك العذبة .. كتمت مشاعري
كمن يبتلع خنجرا ً في جوفه حتى لا أؤذي مشاعر عصفورة طاهرة نقية .. خفت أن تسأليني عن أبجدية
الحب العذري .. الحب الطاهر .. فأسقط في خجلي وأخسر معك أوراق حبي فصمتُّ على مضض .
أنت مشترك معهم في الخيانة .. بل هم أقل منك ظلما ً وجورا ً .. هم ربما أحبوني و ربما لم يشعروا بوجودي
لكن أنت كنت تحبني وتركتني أتطفل على بابهم .. أسترق السمع لمشاعر لا أعلم ان كانت لي أم لغيري
أقطف ورودا ً لأهديها لهم في عيد الحب وهم يغرسون مخالبهم في قلبي .. أمسح دموعهم بأناملي الغضة الطرية
وهم يزرعون سهاما ً في قلبي .. وفي النهاية يأتون ويعتذرون بكلمات لا معنى لها وأنا أصدق وأغفر وألتمس الأعذار .. وأنت
تقف متفرجا ً عليهم يمزقون قلبي إربا ً إرباً .. صامتا ً تخاف أن تخدش حياء الوردة .. الوردة التي مزقوها أمامك
واليوم تطلب مني بل تحثني على الرحيل معك !
عصفورتي عندما تكبرين ستعذرين جبني وخوفي .. ولكنني اليوم لا استطيع أن أتركك هنا بمفردك .. تعذبتِ بما يكفي
وأنا صبري نفذ .. لا أستطيع أن أراك تكفكفين دموعهم وتهدهدين آهاتهم .. هم لا يستحقون .. قد خانوك .. خانوا
هذا القلب اليافع البريء .. خانوا تلك العيون الصافية التي لا تعرف إلا الحب .. خانوا كل المشاعر الصادقة
وماذا تنتظرين بعد ؟ أرجوكِ لا بد أن نرحل من هنا .. أنا سأعوضك عنهم .. بداخلي حب يغرق مدنا بأكملها
لن تحتاجي حبهم المزيف .. لن تحتاجي مشاعرهم المتلونة .. سأغرقك في حب صاف ٍ نبيل ٍ طاهر ٍ ..دعي
لهم حبهم الملوث الملون المزيف .
دعني أخلد للنوم الآن وفي الصباح أجيبك .. أنا تعبت منهم .. وأنت ذكرتني بقسوتهم .. ربما في الغد أرافقك
في رحلتنا إلى عالم الجنون .. يشفع لك عندي أنني كلما كنت أبحث عنك أجدك تحوم حولي لا تفارقني .. في الصباح يا شبحي
قد يحدث التغيير ..
عصفورتي .. حبيبتي .. لن أتخلى عنك مهما حييت .
يتبع ربما