الثقافة والخضوع للهوى
[align=justify]
لا نستطيع أن نلغي مسألة التأثر بالمزاج والهوى عند من يكون قيما على نتاج وإبداع الآخرين .. يأتي ذلك عند من يوافق أو لا يوافق على مخطوط مقدم للنشر ، وعند المسئول الثقافي في صحيفة أو مجلة أو جهة ما ، وعند من يعطيك رأيا في نص أدبي تقدمه له .. وقد تطول القائمة إن أردنا أن نعدد ، لنصل إلى الوقوف داخل دائرة مغلقة لا خروج منها .. كيف ؟؟..
سنأخذ الشعر مثالا .. يقدم المخطوط للموافقة ، وآلية الموافقة تقتضي أن يوجه المخطوط لشاعر دون الانتباه إلى هوى هذا الشاعر ومزاجه ، فقد يميل إلى الشعر العمودي ، ويكون صاحب المخطوط ممن يكتبون شعر التفعيلة أو قصيدة النثر ، وهنا يكون مصير المخطوط الرفض ، ليحول إلى قارئ أو شاعر آخر يكون واحدا من ثلاثة فإذا كان ممن يفضلون العمودي فقد قضي الأمر وصار مآل المخطوط الرفض .. ومن حق الشاعر صاحب المخطوط أن يسأل لماذا ؟؟.. وهذا طبيعي ، وستكون الأجوبة غائمة لا معنى لها .. ولن نلوم من حول المخطوط إلى هذا الشاعر أو ذاك لأنه من غير المعقول أن يكون عنده قائمة تحدد من يكتب العمودي ومن يكتب التفعيلة ومن يكتب النثر .. وفي النتيجة نضيع جهد شخص دون وجه حق .. وسيكون استغراب هذا الشخص كبيرا حين يغير عنوان المخطوط فقط وتأتيه الموافقة ، فيتهم من يتهم ناسيا أنّ المخطوط قد قرئ من قبل شعراء آخرين لهم هوى نحو القصيدة التي يكتب شكلا .. فهل هناك حل ؟؟..
طبعا لا ، لأن الهوى لا يخضع لقانون رياضي ثابت .. وحتى نتجاوز هذا التخبط يفترض أن تكون الموافقة ملتزمة بالحس الجمالي فقط ، وأن يقدم المخطوط في ثلاث نسخ تقدم لثلاث قراء يقدم كل واحد منهم أسباب الرفض أو القبول بعيدا عن الشكل ، وقريبا من الجمال والحس الجمالي لا غير.. طبعا هذا سيشكل عبئا مخيفا على الجهة المسئولة لأن الكم الذي يقدم من المخطوطات كبير جدا..
أما في الصحف والمجلات والجهات الثقافية ، فحدث ولا حرج عن الأمزجة .. فهذا تعجبه القصيدة العمودية ، فلا نقرأ إلا قصائد عمودية ، وهذا تعجبه قصيدة التفعيلة، فلا نقرأ غيرها ، وهذا ميال لقصيدة النثر .. وهكذا .. تصبح الصحف أو المجلات مختصة بنشر نوع معين من الثقافة مما يخرج المطبوعة عن التميز بتعدد الألوان الثقافية وتنوعها لتكون أسيرة نوع واحد ولون واحد .. ونعود لنسأل ما العمل إذن؟؟..
لا يمكن أن نخضع الثقافة لأي ميل أو هوى .. لذلك يفترض أن نختار من عرف بسعة ثقافته وميله للجمال والغنى الثقافي وليس للشكل الثقافي أو اللون .. لا ننكر أن الهوى سيبقى عند من اتسعت ثقافته ، لكن هذا سيبقى شيئا ثانويا في المحصلة لأن سعة الأفق ستحميه من مطب التضييق في كل شيء .. لذلك نجد غنى واسعا في المطبوعة التي تختار مسئولا ثقافيا معروفا واثقا من ملكته ومن نفسه ..لأنه عند هذا الحد يحترم مواهب الآخرين ويعطيهم حقهم دون أن يكون خائفا من كل إبداع كبير يظن أنه ما جاء إلا ليزاحمه على المنصب الذي هو فيه .. فيكون هواه مدافعا عن منصبه وعن الشكل الذي يحب ويفضل .. ولا نستغرب أن تصير المطبوعة على وتيرة واحدة وكأنها تكرر نفسها كل ذلك خوفا من أي إبداع كبير .. بينما المبدع الكبير يعرف دائما أن الإبداع الكبير في المطبوعة التي يشرف عليها يحميه ولا يمكن أن يضره ، يزيد من رصيده ولا يمكن أن ينقصه .. فلنحسن الاختيار حتى نحظى بثقافة رفيعة عالية غنية ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|