الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الأخ الغالي (admin) المدير العام لشبكة الرباط:
أشكركم من كل قلبي على مشاعركم النبيلة، وهذا الترحيب الحار، وما هذه الكلمات سوى أمانة غالية في عنقي أسأل الله تعالى أن يعينني على الوفاء بها والحفاظ على العهد الذي عاهدتكم به ويجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم.
في أسرة الرباط الفلسطينية تأصلت جذور الأخوة والمحبة والألفة .. أشعر بدفء المشاعر الصادقة ورابطة الاخوة الحقيقية.
وبهذه المناسبة الغالية أنتهز الفرصة لأوجه تحياتي وتقديري الى كل الأخوات والاخوة أعضاء أسرتنا الكبيرة أسرة الرباط الفلسطينية
ويسعدني أن أبدأ الحوار معكم:
الأسئلة
عايشت النكبة من أول يوم رأت عيناي فيه النور، فهي في كياني، وعشتها كذلك مما حفظته الذاكرة الفلسطينية، ومن أحداث سمعت عنها أو قرأتها، فذاكرة الشعوب تتشكل من ايمانها بالله وبأقدارها وبسجلها الحافل بالتضحيات والصمود والعزم والاصرار..
كانت ولادتي في العاشر من شهر كانون الثاني / يناير (كانون الثاني) 1947 م في بيت العائلة بعكا .. على ساحل البحر الابيض المتوسط .. مدينة ذكرها التاريخ، فعلى أسوارها تحطمت الحملة الاستعمارية الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت وعاد خائبا مدحورا. بعكا رأت عيناي النور، تنفست هواءها النقي، لامس جسدي ترابها الطاهر وأنا أحبو عليه وروت عروقي خيراتها وكُتبت شهادة ميلادي بأحرف عربية تحت أسم حكومة فلسطين وكان هذا شرف ولادتي.
لقد تأثرث مثل باقي أطفال فلسطين بالتهجير القسري ورحلة العذاب التي عاناها أهلنا.
هل تعتبر من المهجرين؟.. وهل تذكر أيام التهجير؟.
من خبرتك ومن معايشتك لتلك الأيام.. أيام النكبة.. هل لك أن تصف لنا كيف كان حال الناس.. الأرض، الحرب، أين ذهب الناس؟ .. أي نريد صورة عن تلك اللحظات..
لم يعاني شعب على سطح المعمورة كما عانى شعبنا مرارة التهجير القسري، ولا زال كذلك، ويعتبر كل فرد من شعبنا مهجرا الى ان يعود الى وطنه وأرضه، في أي مكان يعيش ومهما كان وضعه، لايلغي حقه في العودة، فهو حق مشروع لكل فلسطيني سواء ولد على أرض فلسطين أم ولد في الغربة..
روايات كثيرة ومتشابهة تتحدث عن كيفية استيلاء عصابات صهيون على أرض فلسطين وكيف نشروا الرعب بين الناس، كانوا يحرقون الأراضي ويقتلون الأهالي ويغتصبون النساء ويدمرون كل شيء حي ، وكانوا يتركون - عن قصد - بعض الاشخاص على قيد الحياة من أجل أن ينقلوا مشاهداتهم لباقي القرى بقصد نشر الرعب واخلاء الارض من سكانها قبل وصولهم اليها.
كانت العصابات الصهيونية مدججة بالسلاح والعتاد بينما كان السلاح محرما على السكان العرب، ومن كانت عنده رصاصة واحدة كان يعدم! ويذكر أن جنود الاحتلال الانكليزي أعدموا شخصين وجدوا على باب بيتهم حزام رصاص فارغ!! ( ولا زالت الصورة تتكرر حتى اليوم !! فهل من ذلك عبرة؟ )
وعن تذكر أيام التهجير فهي وكما رواها لي والدي عن أيام النكبة أنه في اواسط أيلول (سبتمبر) من عام 1948 غادر أهلي مع من بقي من الأهالي مدينة عكا باتجاه حدود لبنان القريبة مشيا على الاقدام، وتركوا كل شئ على ماهو عليه سوى الزاد الذي يكفيهم للطريق، وذكرت لي والدتي انني كنت محمولا على كتف جدتي وفي جعبتها كمية من الحليب البقري الطازج وكمية من البطاطا المسلوقة، وتولت والدتي حمل أختي التي لم تتجاوز حينها شهورها الثلاث الاولى، وحمل والدي مايكفي من الملابس لرحلة قدروها انها لعدة أيام أو اسابيع على أبعد تقدير، وبعدها يرجعون الى بيوتهم.. ( بقي عدد من أفراد العائلة في البيت، في هذه الفترة قام اليهود المغتصبين بالاستيلاء على البيت ووضعوا من بقي من اهلي في غرف صغيرة بحديقة المنزل الى أن تم طردهم من البيت بالقوة في عام1952. )
أيام وليال من العذاب في الطريق، يفترشون الارض ويلتحفون السماء، الى أن وصلوا الى حدود لبنان. كان الاهالي في استقبالهم، منهم من قام باستضافة بعض العائلات، ومنهم من تطوع بإرشادهم الى أماكن تجمع العائلات الفلسطينية. توجهت عائلتي الى بيروت لما علموا بوجود عائلة والدتي هناك. كان الأمل بلقائهم ضئيلا، ولكنها كانت محاولة تستحق العناء من اجل الاطمئنان على بعض أفراد العائلة. وبعد جهد جهيد تم اللقاء وأمضت عائلتي معهم بعض الوقت الى أن حان موعد البحث من جديد عن عائلة أبي التي غادرت مدينة صفد باتجاه الجولان السورية ومنها الى دمشق.. فكان على والدي مغادرة لبنان باتجاه دمشق.. كانت هذه ايضا رحلة بحث شاقة الى ان التقى والدي مع والديه واخوته في دمشق .. يومها تشكلت لجان احصاء وبحكم تواجدنا هناك تم تسجيل اسماءنا على اننا لاجئين فلسطينيين في سوريا ولم يعد اهلي (كغيرهم) قادرين على المغادرة الى أي مكان الا باذن وتصريح، وكانت هذه بداية الإغتراب عن الوطن..
ماهو رأيك بالقدس عاصمة للثقافة العربية ..
وما أهمية هذه العاصمة عربيا واسلاميا ..؟؟
ان اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية هو إعادة احياء قضية القدس في ضمير المسلمين والأمة العربية وتأكيدا على هويتها العربية، وهو أقل ما يمكن عمله من رد اعتبار لمدينة تتعرض لحملة تهويد ديمغرافي وثقافي شرسة، لان أهمية القدس في الايديولوجية الصهيونية وكما عبر عنه هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية: "إذا حصلنا على القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل ما ليس مقدسا منها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون "وهذا يعني بالمفهوم الصهيوني: ازالة أي أثر مقدس اسلامي ومسيحي وتهويد المدينة بالكامل!
وأهمية القدس بالنسبة لنا كمسلمين كونها قبلتنا الاولى، وجزءا من عقيدتنا، وهي آية من كتاب الله عز وجل، وأرض باركها الله وبارك من حولها، فقد أسرى اليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعرج منها الى السماء، ولا يمكن ان ننسى كيف تسلّم سيدنا عمر بن الخطاب مفاتيحها، وتضحيات المسلمين بدمائهم بقيادة صلاح الدين الايوبي من أجل تحريرها وحمايتها من الغزوات الصليبية الاوروبية للسيطرة عليها، انها تمس عقيدة وحضارة وتراث كل المسلمين، هي جوهر الصراع وموطن الرباط والجهاد واليها تُشّد الرحال كما أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انها تعيش في سويداء قلوب المؤمنين في كل مكان.
للأسف لم تتح لي الفرصة لزيارتهما حتى الآن، هو حلم يراودني في كل لحظة أن أحظى بزيارة أرض الوطن، وأن أرشف قبلة من ثراه، وأصلي في المسجد الأقصى. وكل آتٍ قريب. باذن الله
أعيش حالة الإغتراب كأي فلسطيني يحلم بالعودة. اينما وجد الفلسطيني وعلى أي أرض فهو مغترب... في دول الشتات عربية كانت أم غربية، في الضفة والقطاع، طالما كان تحت تهديد وغطرسة الاحتلال الصهيوني... وحتى في الاراضي الفلسطينية المحتلة - وما يطلقون عليها أراضي 48 - طالما كان الفلسطيني يتعرّض لأساليب الإبعاد والتمييز العنصري والتهجير القسري وطمس لهويته العربية، فهو في حالة إغتراب حتى يتحقق النصر بالتحرير والعودة.
هل هناك اي تميز ضد الفلسطيني في هولندا .. ؟؟
لايخلو الأمر من ذلك، وخاصة وأن هولندا من الدول التي تتعاطف مع دولة الاحتلال، وفيها جالية يهودية كبيرة، ولها تأثير واضح على سياسة الدولة الرسمية. ولكن الحرية التي يكفلها القانون للجميع، يتيح لنا طرح آرائنا بحرية وعبر كل وسائل الإعلام. وأذكر هنا على سبيل المثال، وفي ذكرى إعلان قيام دولة الاحتلال قبل أيام، كان هناك نشاطا كبيرا للجاليات العربية والاسلامية والمسيحية، وتم عرض عدة أفلام تفضح السياسة الصهيونية قديما وحديثا وعلى شاشات هولندا الرسمية منها فيلما وثائقيا لجماعة يهودية معادية للصهيونية يطلقون على أنفسهم اسم " يهود ضد الصهيونية " وينسف هذا الفيلم كل ادعاءات الصهيونية بحقهم في أرض فلسطين ويدين الاحتلال وما يتعرض له شعبنا داخل الوطن وخارجه.
وهل سترجعون الى الارض حينما يتيسر ذلك .؟؟
هل هناك خوف من التجنيس خارج فلسطين ؟؟ وماذا يعني ذلك ؟؟
لاشك بأن العودة حلم كل فلسطيني، بالنسبة لي أعيش وأموت من أجلها، والتجنيس لايعني التخلي عن هذا الحق، حق العودة حق شرعي، لايسقط بالتقادم، وهو حق فردي لكل فلسطيني، لايمكن لأحد التفاوض عليه مهما كان.
شعبنا - حتى في الضفة حيث السلطة شكلية - لايملك هوية فلسطينية حقيقية، كذلك في فلسطين المحتلة. وما شاهدناه من أحداث في الفترة الأخيرة في بعض المدن والقرى العربية ورغم حصولهم على جواز سفر لدولة الاحتلال لم ينفي أو ينزع عنهم فلسطينيتهم.
ماالفرق بين ذكرى النكبة ال 61 وغيرها من الذكريات،،
اي ان هذا الوقت حرج أكثر من غيره ؟؟
تمر هذه الذكرى الـ 61 للنكبة والقلب يعتصر ألما من الوضع الفلسطيني الحالي المنقسم على نفسه، هذا يضعف حاليا موقفنا عربيا واسلاميا وعالميا، انه مخطط صهيوني استطاع ان يؤثر في بعض النفوس المريضة والمتخاذلة، التي تعتبر ان تحرير فلسطين يأتي عن طريق الاستجداء وليس عن طريق ماأخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة.. لقد راهن العدو الصهيوني على امكانية أن تموت القضية مع موت الأجيال التي عاشت وعانت من النكبة، ولكن ذلك لم يتحقق كما خططوا له وعملوا من أجله. وعلى الرغم من الفترة العصيبة التي يمر بها شعبنا جراء الانقسام الفلسطيني والعربي فان روح المقاومة تزداد وتتعمق وتتجذر في شعبنا، الانتفاضة الاولى والثانية وصمود أهلنا في غزة وازدياد الدعم العالمي ووقوفه الى جانبنا،
وايماننا وثقتنا بالله وبان وحدة شعبنا ستتحق لمتابعة مسيرة النضال والتحرير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يتبـــــع>>>