تسرني هذه التفاعلات والإضافات التي تنمي معلوماتنا وتضرب أمثالا في قدرةالإرادة على النصر وعظمة الوطنية والإخلاص للوطن .
الأستاذ مازن أضاف مقالة عن التجربة الجزائرية ونظيرتها الفلسطينية وبدوري سأضيف مقالا حول محاولة الأمريكيين استغلال التجربة الفرنسية في الجزائر لإحكام القبضة في العراق:
امريكا تعتمد في العراق استراتيجية الاحتلال الفرنسي في الجزائر. - فيصل جلول
عندما كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يقود حملة دولية ضد احتلال العراق كان وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رامسفيلد يشاهد مع القادة العسكريين في وزارته فليما سينمائيا فرنسيا بعنوان "معركة الجزائر" يروي تفاصيل سيطرة الجيش الفرنسي على العاصمة الجزائرية وتفكيك قواعد المقاومة بوسائل بربرية ومن بينها: التعذيب الجسدي والاغتيال الكيفي واعتقال الاقارب والانتقام منهم والاغتصاب والرشوة والضغط الاخلاقي على الزعماء المحليين من غير المنخرطين في المقاومة واخفاء جثث الاسرى ... الخ.وقد روى الجنرال "بول اوساريس" احد ابرز القادة العسكريين الفرنسيين والمسؤول عن عمليات التعذيب في تلك الفترة روى تفاصيل ما جرى في كتابين( الاجهزة الخاصة ولم اقل كل شيء) يطفحان فظاعة وانحطاطا اخلاقيا مع الاشارة الى ان الرجل كا ن في تاريخ سابق قد نقل خلاصة تجاربه الدموية الى المخابرات الامريكية خلال حرب فييتنام.لم تدم ممانعة جاك شيراك لحرب العراق اكثر من سحابة صيف وهي لم تحل في اي وقت دون تبادل الخبرات في قضايا الاحتلال ومكافحةالمقاومة خصوصا ان لفرنسا تاريخا طويلا في مجال الاستعمار وتجارب متنوعة في اخضاع الشعوب المستعمرة والسيطرة عليها.
هكذا وعلى الرغم من انتقال شيراك ورامسفيلد الى دوائر الظل في باريس وواشنطن فان تبادل الخبرات لم يتوقف بين البلدين واخرها ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية في نشرتها غير العربية في 27 تموز ـ بوليو الجاري عن مساع امريكية لتطبيق الدروس الفرنسية في الجزائر على مدينة بعقوبة الواقعة في شمال شرق العراق. فقد اكد الرائد الامريكي كيفن رايان المكلف بالقضاء على المقاومة العراقية في بعقوبة انه يطبق تعاليم الكاتب الفرنسي روجيه ترانكييه الواردة في كتابه" الحرب الحديثة" والكاتب مقاتل سابق في حرب الجزائر ويؤكد رايان ان الجيش الامريكي قسم المدينة الى عدد من المستيطلات وزرع في كل مستطيل مجموعة من البؤر المشكلة من "مجالس الصحوة" ومؤيدي الاحتلال وانه يسير دوريات كثيفة ومن تظمة من منزل الى منزل تعد كل منها اضبارات معلوماتية عن السكان واعمارهم واعمالهم وارائهم السياسية وفي الوقت نفسه تسألهم عن حاجتهم للماء والكهرباء والعمل والخدمات الاخرى. ويعتقد رايان ان الاستراتيجية الواردة في الكتاب اعتمدها الفرنسيون في معركة الجزائر وقد حققت نتائج باهرة في بلد المليون شهيد وهي تحقق نتائج مهمة في بعقوبة حيث تراجعت المقاومة على ما يزعم واصبحت علاقة السكان بالمحتل وثيقة الى حد ان الجيش الامريكي يتهيأ لاعادة اعمار مئات المنازل المهدمة بفعل الحرب. ويخلص الضابط الامريكي الى القول نقلا عن ترانكييه ان شرط النجاح في حرب العراق يقوم على انتزاع تاييد السكان والطعن بصدقية المقاومة عبر تلبية حاجاتهم ولا ينسى أن يلفت نظر محدثه الى ان الجيش الامريكي يطبق الاستراتيجية الفرنسية دون ان يآذار التعذيب الذي آذاره الفرنسيون في الجزائر ولعله يأمل عبر هذه الاشارة ان يصدقه الراي العام رغم فضيحة ابو غريب وفضائح غوا نتامو متناسيا أن تقنيات التعذيب والترهيب كانت شرطا حاسما في نجاح الاستراتيجية المذكورة في الجزائر وبالتالي فانها شرط حاسم لنجاحها في بعقوبة ايضا.
بالمقابل يبدو ان المقاومة العراقية التي تعاني من حصار عربي ودولي قاهر ومن تفتت مخيف في تنظيماتها يبدو ان لديها هموما أخرى غير الانشغال بالافادة من الدروس الجزائرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي خصوصا ان هذه الدروس تنطوي على الوسائل الضرورية لمواجهة الاستراتيجية الجديدة في بعقوبة وغيرها فاذا كان المحتل يعتمد دروس محتل اخر مهزوم فمن المنطقي ان تبادر المقاومة الى اعتماد دروس مقاومة اخرى ناجحة ومظفرة علما ان المقاومتان تنتميان الى فضاء عربي واحد ومرجعية تاريخية واحدة.
وإذ تغيب المؤشرات على اعتماد المقاومة العراقية حصيلة تجارب المقاومة الجزائرية فان ذلك مرده (ربما) لتشتت الاولى وتعدد مصادر القرار في كنفها واصرار الطرف الابرز فيها على قتال المحتل تحت راية العودة للنظام السابق وفي اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لاحاجة لفتحها ناهيك عن تلك النزعة المستهجنة التي برزت مع الاحتلال والتي تقول بوجوب امتناع العرب عن التدخل في شؤون العراقيين.
ثمة من يفسر هذه النزعة بحساسية العراقيين ووطنيتهم الحادة ازاء نطق بن لادن او ابو مصعب الزرقاوي باسمهم وبوجوب رسم حدود وطنية للمقاومة العراقية لكن ذلك على الرغم من اهميته كان يصب الماء في طاحونة العراقيين المتعاونين مع المحتل والذين كانوا ومازالوا يطلقون العنان لحناجرهم ضد المتدخلين العرب من مناهضي الاحتلال في الشأن العراقي مفترضين انه شأن خاص بهم وان عراقيتهم تجيز لهم مباركة الاحتلال والانخراط في مشروعه الى ابد الدهر.
يفيد ما سبق في القاء ضؤ كاشف على السبب اوالاسباب التي تحول دون افادة المقاومة العراقية من دروس التجربة الجزائرية علما ان هذه الدروس تبدو حيوية للغاية في مجابهة الاستراتيجية الامريكية المستمدة من حرب الجزائر نفسها ولعل الافادة يمكن ان تشمل ايضا تكتيكات المقاومين الجزائرية التي تتعدى معركة الجزائر وبالتالي اعتماد اساليبهم في توحيد المقاومة تحت راية جبهة التحرير الوطني و استدراج التاييد العربي والاسلامي والعالمي من حولها عبر خطاب وطني منفتح وبعيد عن الاستفزاز والعنجهية والمبالغة.
في بعقوبة يجرب الاحتلال حظه مع القبائل العراقية بوسائل استعمارية فرنسية نجحت في السيطرة على الجزائر العاصمة لمدة سنتين لكنها اخفقت في انقاذ المحتل الفرنسي من الهلاك ما يعني ان مصير المحتل الامريكي في بعقوبة لن يكون افضل من مصير المحتل الفرنسي في الجزائر وهذا درس آخر يهمله المحتل لغرض مفهوم في حين يهمله المقاوم العراقي لغرض غير مفهوم .. حتى الان على الاقل.
انتهى.
مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية