عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 07 / 2009, 55 : 09 AM   رقم المشاركة : [3]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

أولاً : الانتفاضة بين عفوية انطلاقتها وحتمية حدودها‏

[align=justify]
[/align]
[align=justify]أولاً : الانتفاضة بين عفوية انطلاقتها وحتمية حدودها

أولاً
ثمة من يرى أن انطلاقة الانتفاضة كانت عفوية، لم يخطط لها أحد، بل حدثت مصادفة... لكن، وعلى افتراض صحة هذه الرؤية،يظل من غير الجائز تعميم توصيف العفوية) على جميع مراحل ثورة بحجم الانتفاضة، وزخم فعالياتها، وشموليتها، وقدرتها على الاستمرار لأكثر من عامين.. ذلك أن إطلاق تعميم كهذا ينطوي على قدر كبير من التبسيطية، وربما يعد خاطئاً، إلى حد كبير، لعدم انسجامه مع كثير من معطيات الواقع وحقائقه... وبالتالي، فإذا كان ثمة ما يمكن توصيفه بالعفوية، من مراحل الانتفاضة، فهو انطلاقتها حصراً.. وقد لا يوجد من يعترض على هذا التقييم، حتى بين الإسرائيليين أنفسهم...‏
وهنا يبرز سؤال هل يعني القبول باطلاق صفة العفوية على انطلاقة الانتفاضة، عدم توقع حدوثها، أو نفياً لحتميتها...؟‏
بالطبع لا.. فهذه الانطلاقة، حسب الكثير من الشواهد والوقائع التي سبقتها، كانت متوقعة ومرتقبة، من الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، وذلك بوصفها الذروة الحتمية التي لا بد أن يبلغها تطور الصراع، بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبين العرب الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة الرافضين لاستمرار وجود هذا الاحتلال فوق أراضيهم، ولمآذارات سياسة القمع التي ينتهجها ضدهم...‏
وعلى هذا، فإن انطلاقة الانتفاضة، حتى وإن صح توصيفها بالعفوية، لم تولد من فراغ سياسي، بل كانت بداية لمرحلة صراعية جديدة، حتمية ومرتقبة.. فقد شكل تراكم سلبيات سياسة الاضطهاد العنصري الإسرائيلية، ونتائج مآذاراتها القمعية، ضد الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، جملة الأسباب القوية التي تضافر مجموعها في النهاية، ليوصل الإنسان الفلسطيني إلى مرحلة نفاد الصبر، والتهيؤ، بالتالي، لتحويل عمليات مقاومته الضيقة إلى ثورة شعبية شاملة، مستعد لتفجيرها، في أي لحظة، ولأي سبب من الأسباب التي ربما كانت تبدو له فيما مضى، بسيطة، ومن الممكن احتمالها..‏
وهذا ما حدث في الواقع.. فبعد أكثر من عشرين سنة، انتقلت استعدادات الفلسطينيين، في الأراضي العربية المحتلة، لخوض ثورة تحريرية شاملة، من حالة الكمون إلى حالة الفعل، بسبب حادث لايمكن اعتباره غير مألوف، حين يقارن بتلك السلسلة الطويلة من مآذارات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية... ولكن اللحظة التي حدث فيها، كانت لحظة نفاد الصبر الفلسطيني على احتمال المزيد من القهر والاضطهاد، فانفجر بركان الغضب الكامن، واندلعت الثورة... وعلى هذا، لم يتعد دور ذلك الحادث المألوف) كونه مفجراً للثورة المتوفر لها كل ما يحتاجه انفجارها من أسباب وحوافز، ومن شروط ملائمة.. وهذا يعني أن الانفجار كان حتمي الحدوث، سواء كان السبب إقدام سيارة إسرائيلية على دهس أربعة من العمال العرب، في غزة، قصداً، أو كان السبب أي حادث آخر، أقل أهمية ووحشية أو أكثر... تماماً كالشرارة التي تصنع حريقاً.. لا يهم إن كانت ضئيلة الحجم أو كبيرة، كما لا يهم إن كان الذي قدحها يقصد إلى اشعال الحريق أولا يقصد، بل المهم أن سقوطها قد صادف هشيماً قابلاً للاشتعال، وريحاً مواتية يمكن أن تزيد ضرامه، فهذان العاملان هما اللذان أقدراها، بالدرجة الأولى، على صنع الحريق، ولولا توفرهما، لماتت نارها وانطفأت بعيد ثوان من انقداحها..‏
ويقود تحليل مضامين بعض القصص التي ألفت، داخل الوطن المحتل، عن الانتفاضة، إلى امكانية الزعم بأن مؤلفيها، قد أدركوا عمق الصلة بين مآذارات السياسة الاضطهادية التي نهجها الاحتلال الاسرائيلي/ وما يزال، ضد العرب في الوطن المحتل، وبين حتمية انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية، وتحولها إلى ثورة شعبية شاملة، ضد نتائج تلك السياسة العدوانية، وضد الأساليب العنصرية الوحشية التي تنفذ بها... لقد أدركوا أن تلك الثورة العارمة كانت، بالدرجة الأولى، وليدة تراكم سلبيات تلك النتائج والأساليب، على مختلف صعد الحياة التي أكره الإنسان الفلسطيني على أن يحياها في ظل هيمنة استعمار استيطاني لا يرحم... "فالتراكم يولد الانفجار"، كما يقول القاص نبيل عودة، في قصته الحاجز)‏


ففي هذه القصة القصيرة الرائعة التي تعدّ من بواكير النتاج الأدبي الذي استلهم أحداث الانتفاضة، حسبما يستدل من تاريخي كتابتها ونشرها
(1) ، وأثناء جولان مؤلفها في العقل الباطن لبطلها -الطبيب الشاب أحمد، نلاحظ شروع الأديب الفلسطيني في تلك المحاولة التساؤلية الشاقة والمعقدة.. شروعه في رحلة البحث عن أسباب الثورة العارمة التي انتظر وشعبه ميلادها، منذ عشرين سنة..‏
ومن الخطوة الأولى، في مسيرة هذه الرحلة، يتجنب نبيل عودة تأكيد الايحاء بعفوية انطلاقة الانتفاضة، هذا الايحاء الذي يثيره في الوهم، حادث الإعتداء الاستفزازي الذي قام به جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد مجموعة من تلاميذ المدارس في مخيم جباليا) بقطاع غزة، صباح يوم التاسع من شهر كانون الأول عام 1987، خرجوا يرجمون السيارات الإسرائيلية بالحجارة، تعبيراً عن احتجاجهم على حادث الشاحنة الإسرائيلية التي دهست، قصداً، في اليوم السابق، عدداً من العمال العرب، على مفرق جباليا -بيت حانون، وأودت بحياة أربعة منهم على الفور، في حين جرحت سبعة آخرين، على مرأى من عشرات العمال والأهالي العرب الذين كانوا متجمعين عند المفرق نفسه.. فقد هاجم جنود الاحتلال التلاميذ العرب بوحشية، وحين لم تفلح هذه الوحشية في تفريقهم، أطلق قائد القوة العسكرية الإسرائيلية الرصاص على التلاميذ الذين طوقوا عساكره، فقتل شاباً صغيراً، وجرح ستة عشر آخرين، استشهد أحدهم، بعد نقله إلى المستشفى.. وحين هرع سكان المخيم جميعاً، غاضبين، ليحملوا جثمان الشهيدين من المستشفى، في موكب ضخم، ردت قوات الاحتلال باطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع عليهم، ثم فرضت نظام حظر التجول.. وكان هذا إيذاناً بإنطلاق شرارة الانتفاضة التي امتد لهيبها من غزة إلى الضفة الغربية فالقدس....


(3)
وكالباحث الموضوعي الذي يؤيد نتائج بحثه ويدعمها بالشواهد والوثائق، يقدم نبيل عودة نماذج من تلك الاهانات، ومن صور المآذارات القاسية الأخرى التي عاناها شعبه، في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والتي تحولت إلى ضغوط أدى تراكمها، في النهاية، إلى انفجار الانتفاضة... "أن تعيش تحت طقطقة الأعقاب الوحشية، أن تعيش طفولتك وشبابك أمام حواجز الجند ونظراتهم الحاقدة.. أن تبلع كل يوم مرارة انتظار الفرج الذي لا يبدو أنه قريب.. أن تعيش حالماً بالفرج الإنساني، بينما واقعك مليء بالترقب المقيت لرصاصة من فوهة بندقية يحملها جندي ما، كل ذلك يتجمع لينفجر في لحظة ما بعنفوان لاضابط له..

(4)
نعم، إن د يمومة الإرهاب، وكابوس التهديد الدائم، والاذلال العنصري المتواصل للكرامة، مع ما يصاحبه من نظرات استعلاء وحقد واحتقار، على المستويين الشخصي والقومي، والخوف من قدوم الموت المجاني برصاصة لامبالية، دون أي مسوغ جرمي معقول، واليأس من قدوم الفرج دون تضحيات؛ كل هذا، وكثير غيره مما يشبهه، يتجمع، في النهاية، ليشكل منظومة الأسباب والعوامل التي تجعل الانفجار على استمرارية هذا الجو الكابوسي، حتمياً، لا مناص من حدوثه، مهما كانت العوائق والعقبات كثيرة وقوية، ومهما كان حجم التضحيات المحتملة كبيراً.. وذلك، متى بلغت القدرة على الاحتمال زباها... متى طفح كيل الصبر وفاض...‏
وإذا أضفنا إلى ذلك كله، الرفض الفلسطيني القاطع لوجود الاحتلال الإسرائيلي منذ حدوثه، بأي صورة كان، وأياً كانت سياسته ومآذاراته، لأدركنا أن الثورة قد تفجرت، أصلاً، من كينونة هذا الرفض نفسه، وجاءت مآذارات الاحتلال القمعية لتغذي عوامل انفجارها...‏

[/align]

محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس