14 / 07 / 2009, 03 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [4]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
ثانياً: التمييز العنصري الصهيوني... وتمظهراته الفاشية والطبقية
[align=justify]
ثانياً: التمييز العنصري الصهيوني... وتمظهراته الفاشية والطبقية
عرض مؤلفو قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، لموضوع التمييز العنصري الصهيوني، بوصفه المادة الخام الرئيسة التي تدخل في تركيب معظم دوافع سياسة الإرهاب الإسرائيلية، وما تخطط له هذه السياسة، وما تنتهجه من ممارسات الاضطهاد والقمع، ضد العرب في فلسطين المحتلة، على المستويين: القومي والطبقي... وربما لهذا، قلما نجدهم يعرضون لهذا الموضوع، كموضوع مستقل، أو يتخذونه محوراً وحيداً، يديرون حوله مادة مضمونهم القصصي.. ذلك أن التمييز العنصري الصهيوني، ضد أبناء شعبهم، قد استقر في وعيهم وتفكيرهم، بمختلف تمظهراته وصيغه وألوانه، كطابع نوعي مميز، تتسم به جميع ممارسات الإرهاب الإسرائيلي وأساليبه.. هذه الممارسات التي عدوها، في قصصهم، أسباباً وعوامل، غير مباشرة، أدى تراكمها إلى تأجيج دوافع الرفض العربي لاستمرار الاحتلال، وإلى صنع حتمية الانتفاضة.
وفي الواقع، يقود استقراء ما أمكن الحصول عليه من قصص الانتفاضة؛ إلى رؤية ظلال التمييز العنصري وتأثيراته الدوافعية، تخيم على كل ما ذكره مؤلفو تلك القصص وساقوه كأسباب صنعت حتمية حدوث الانتفاضة.. فهذا التمييز كان أساس الدافع إلى اضطهاد الفلسطينيين قومياً وطبقياً.. كان وراء اعتقال حرياتهم وزجهم في السجون ظلماً، ووراء التفكير والتخطيط الدائم لاقتلاعهم من أراضيهم المحتلة، والعمل على ترحيلهم وابعادهم، جماعياً وفردياً.. كما كان وراء ممارسة أعمال القتل الوحشية ضدهم، جماعات وأفراداً أيضاً.. هذا، فضلاً عن كون ذلك التمييز وراء استغلالهم طبقياً، ووراء حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، كحق تقرير المصير، والعيش بكرامة واطمئنان، والتعبير عن آرائهم وما يعتقدون بحرية، وحصولهم على ما لا غنى عنه للإنسان من خدمات تعليمية وصحية.. وغيرها..
فقط، قصة واحدة، بين المتوفر من قصص الانتفاضة، تناول مؤلفها التمييز العنصري الصهيوني بشكل مباشر، واتخذ منه محوراً رئيساً أدار حوله جل المادة المضمونية لقصته، محاولاً، عبر إضاءة بعض تمظهرات هذا التمييز، على صعيد الممارسة، بيان تأثيرها السببي في تأجيج كوامن ثورة التمييز.. وهذه القصة هي: طبق الحلوى)(1) للقاص الفلسطيني مصطفى مرار.
ففي هذه القصة، حاول مراراً، في بدايتها، رصد تموجات نبرة الاستعلاء الفاشي، في تلافيف تركيبة النفسية الصهيونية العنصرية للاسرائيليين، مستوطنين وقادة، من خلال رجل القضاء العسكري روني) وزجته باتيا).. ولكن ترجيع هذه النبرة لا يستمر، حتى نهاية القصة، صدى لعزف منفرد على وتر الاحتجاج الفلسطيني ضد تمظهرات التمييز العنصري الصهيوني الفاشية، فقط، بل يمتد إلى تمظهراته الطبقية، أيضاً..
وبتعبير أكثر تفصيلاً، انطلق مراراً من قناعته العميقة بأن تلك التمظهرات، بلونيها الفاشي والطبقي، ما هي إلا نتاج أيديولوجية واحدة ومتكاملة؛ وأن هذين اللونين، لدى النظر إليهما علىضوء معاناة الإنسان الفلسطيني لهما، يبدوان وجهين لجوهر تلك الأيديولوجية التي ترسم نهج سياسة المحتل الإسرائيلي، تجاه ذلك الإنسان... وبالتالي، لا يمكن الفصل بين هذين الوجهين، لا على صعيد النظرية ولا على صعيد التطبيق، إلا بتحطيم ذلك الجوهر المعشق بينهما أولاً.. أي بمنع الايديولوجية الصهيونية من الاستمرار في تجسيد منطلقاتها وأهدافها العنصرية، عبر سياسة الحصار والاضطهاد التي ينتهجها المحتل الإسرائيلي، مطوقاً بممارساتها اليومية الباهظة مختلف مجالات حياة الفلسطيني، الثقافية والسياسية والاقتصادية والنفسية... وغيرها..
وبالفعل، ينجح مرار في إيصال شيفرة قناعته هذه إلى قارئه، على الرغم من أنه بثها في مضمون قصته، بشكل غير مباشر.. ذلك أنه عمد إلى عرض صورة الممارسات العنصرية، على المستوى الفاشي، متداخلة بصورتها، على المستوى الطبقي، تداخلاً عنصرياً وثيقاً، كي يقدم لقارئه، من تداخلهما، طبقاً من الحلوى الشديدة المرارة، آملاً أن ينبه تذوقها وعي ذلك القارئ، وأن يحرك كوامن الثورة في نفسه، على استمرارية تلك الممارسات، أياً كان الثمن الذي ستكلفه ثورته عليها..
تبدأ القصة باستعراض انتقائي لبعض وقائع "حفلة صاخبة في قاعة المحاضرات الكبرى، في مبنى البلدية؛ أقيمت لتكريم الإرهابيين القدماء وأبناء عائلاتهم.(2) وبدهي، في جو حفلة، كل حضورها من الإرهابيين، أن تسيطر أحاديث الاستعلاء العنصري، وما يمازجها، عادة، من مزايدات التباهي والتبجح، كل بما اقترفت يداه من جرائم.. وبالفعل و"من خلال كؤوس الراح"(3) يتبادل أولئك الإرهابيون" كل ما حوشوا من الأحاديث والذكريات عن الحروب، والانتصارات، والتوسع، و"الحدود الآمنة"، و"الشطحيم"*، وعن التقتيل والتشريد وعن الصراصير، وعن "عماليق"** العصر الذين تجب إبادتهم، والتخلص منهم، ومن ذكرهم، إلى الأبد(4)
ومن خلال التقديم بهذه الأحاديث المفعمة بنبرة الاستعلاء العنصري، يحاول مصطفى مرار الدخول إلى صلب الموضوع الذي اختاره محوراً رئيساً ووحيداً لمضمون قصته.. فنراه يبدأ بعرض بعض ملامح صورة العربي الفلسطيني كما تراه عينا عدوه الإسرائيلي، من خلال عدسات التركيبة العنصرية لنفسية هذا العدو المريضة..
ومن الملفت للانتباه، أن مرار، وقبل شروعه بعرض ما شوهته النظرة العنصرية لبطل قصته الإسرائيلي روني) من ملامح الإنسان الفلسطيني، يحاول إطلاق هذه النظرة من إسار محدوديتها الفردية، ليجعلها نظرة ذات طابع شمولي عام، يمارسها معظم الإسرائيليين، من مدنيين وعسكريينن على حدٍّ سواء...
وربما لكي ينجح مرار في محاولته هذه، وليدخل نتيجتها في قناعة قارئه، نراه يختار من بين نماذج الشخصيات التي يكوّن مجموعها قوام التجمع الاستيطاني الصهيوني، في فلسطين المحتلة، شخصية عسكرية ذات وزن ونفوذ، في المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، لتقوم بعرض ما شوهه الحقد العنصري من ملامح الإنسان الفلسطيني .. فـ روني)، صاحب هذه الشخصية، هو أحد أولئك الإرهابيين الصهاينة القدامى الذين تمّ تكريمهم) في تلك الحفلة التي حضرها برفقة زوجته باتيا) كما ورد في بداية القصة.. وهو، إضافة إلى هذه الصفة المميزة، لم يتقاعد بعد عن ممارسة ساديته العنصرية ضد العرب، بل ما زال على تماس يومي مباشر معهم، بحكم المنصب القضائي الكبير الذي يشغله، بوصفه شاهداً رئيساً)، في إحدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية المبثوثه في الأراضي المحتلة.. وبالتالي ما زال لقراره وزن كبير في تحديد نوعية الأحكام التي تصدرها تلك المحاكم، على العرب هناك...
وعلى هذا، تعد شخصية روني) ببعديها السابقين، رمزاً واضح الدلالة على القيادة الإسرائيلية التي اختارته ليجسد سياستها في أحكامه الجائرة التي يصدرها على من يقع في قبضته من العرب. وبالتالي، يمكن القول: إن ما جرى على لسانه، في سياق القصة، من توصيفات عنصرية للعرب، لا يعبر عن موقفه الشخصي منهم فحسب، بل يعبر عن موقف قيادته الحاكمة ككل.. وهذا، إذ صح التوهم، ما أراد مرار الايحاء به لقارئ قصته، بشكل غير مباشر...
وكما وفق مرار في بناء الشخصية الرئيسة، في قصته، وفق أيضاً في اختيار المناسبة الحدثية التي هيأها لصاحب هذه الشخصية، كي يعبر عن نظرته العنصرية ضد الفلسطينيين.. فعقب خروج روني) وزجته باتيا) من حفلة تكريم) الإرهابيين، راحت باتيا) تكيل الثناء لزوجها ورفاقه ممن حضروا تلك الحفلة، وتبدي إعجابها الشديد بما دار بينهم من أحاديث، وخصوصاً حديثهم //عن النية في التخلص من بقايا العماليق الجدد//(5) أي العرب الفلسطينيين، مما جعل روني) ينتفخ كبراً وغروراً، حتى كاد يفقع،(6) وهو يؤكد لها: ولسوف نفعل يا "باتيا". نحن أقوياء، والأحزاب في قبضتنا.(7) وهنا، وفي ذروة انتفاخه بالغرور، فاجأته زوجته المعجبة، برغبتها في مصاحبته إلى الأراضي العربية المحتلة، لتمتع عينيها برؤيته وهو يجول ويصول، في المحكمة هناك، ويمارس اضطهاده للعرب في الأحكام الجائرة التي يساهم في استصدارها بحقهم.. "فخذني، معك، غداً إلى المحكمة.. خذني إلى الـ"شطحيم*"...(8)
وكمن لدغته عقرب، أو أصيب، فجأة، بصعقة تيار كهربائي، ارتعدت فرائص.. "روني"(9) إثر سماعه رغبة زوجته.. وهنا، تدخل مرار، في الوقت المناسب، لينجح نجاحاً مدهشاً، في نقل قارئه من السياق العام للحدث القصصي إلى عالم لا وعي روني)، ليضيء، من خلال تعليل سبب الاضطراب المفاجئ الذي اعترى هذا الشخص، في تلك اللحظة، حقيقة ما يحاول تمويهه وإخفاءه بوهم تظاهره الدعائي بـ السوبرمانية) المزيفة أمام زوجته...
لقد رصد مرار لحظة تداعي ذلك الوهم، بكل ماتموج به صورته، من مظاهر الغرور والخيلاء الكاذبة، ليرى القارئ، بوضوح، كم هو كبير حجم تلك المفارقة بين المظهر السوبرماني) الزائف الذي تزعمه الدعاية الصهيونية لشخصية العسكري الإسرائيلي، وبين حقيقة هذه الشخصية، في الواقع، تلك الحقيقة التي تبدو، من خلالها، شخصية ضعيفة، هلامية وهشة، إلى حد بعيد، ترتعد فرائص صاحبها، وتتبخر مزاعم قوته) الخرافية/ فجأة، ودفعة واحدة، لمجرد مرور صورة ممارسات البطولة الحقيقية لعدوه الفلسطيني، في خاطره.. ناهيك عما يمكن أن يصاب به، إذا ما التقى هذا العدو وجهاً لوجه..
لهذا، ارتعدت فرائص"روني" فهو تصور نفسه هناك وأن "محِّبيل"** قد خرج عليه، من زاوية أحد الأزقة.. فهو كان "هناك" بالأمس فعلاً وهو "نفد من تحت الخوصة. حيث طعن زميل له من "الهاغا"*** أمام عينيه، ولولا أنه "ذكي ورميح" فلربما لم يعد إلى "باتيا"..(10)
ولكن، ولأن زوجته؛ شأن غيرها من يهود إسرائيل المضللين بأوهام القوة) الخرافية التي يزعم قادتهم العسكريون امتلاكها، لم تدرك سبب التحول المفاجئ الذي طرأ على زوجها، وبالتالي؛ صعقها ما رأته "من تغير لونه" وهمود حركته"(11) فسألته بعفوية نابعة من احساسها بتلك المفاجأة "ما بك يا حبيبي؟"(12)
وهنا، كان على "روني" أن يسارع جاهداً لاخفاء ما بدا عليه من علائم الذعر المفاجئ أمام زوجته، وبأي ثمن... وشأن كل مدّع يجد حقيقته البائسة التي جهد عمره للظهور بمظهر يناقضها، وقد صارت على وشك الانفضاح، عمد روني) إلى التهوين من شأن عدوه، إلى أقصى ما يستطيع، في محاولة لايهام زوجته بـ تفاهة) ما ترغب رؤيته، عسى أن تنجح هذه المحاولة في ثنيها عن رغبتها بمرافقته إلى الأراضي العربية المحتلة.. تلك المرافقة التي من المحتل أن يتعرض لخطر الانفضاح، خلالها، كل ما جهد لإخفائه من الحقائق عن زوجته التي ما تزال مخدرة بأوهام بطولته) الزائفة..
وفي حمى هذه المحاولة التي تسعى إلى الحيلولة دون انفضاح الحقيقة المخزية بتسميك طبقة الكذب فوقها، كان بدهياً أن تفيض مشاعر روني) الحقيقية تجاه العرب الفلسطينيين، كلمات حاقدة مستهزئة، تجري على لسانه، مضيئة تركيبة نفسيته العنصرية المريضة، ومبدية إياها، كأوضح ما تكون وذلك، من خلال الصورة المنفرة التي راح يرسمها لأولئك العرب أمام ناظري زوجته: "ولكن، ما لك أنت و"الشطحيم".؟ افتحي التلفزيون، أو فقومي بجولة في المدينة: وسوف ترينهم في ألف صورة، يكنسون الشوارع ويغسلون السيارات ويحفرون لأنابيب الصرف. أم تراك تريدي* أن تشمي رائحة عرقهم؟ إن هم إلا صراصير منتنة!"(13)
ولا شك أن تحليل جزئيات هذه الصورة وأبعادها، ينضي افتراض الخطأ في توصيفها، بأنها صورة نمطية sterortype)، يفصح تشكيلها ينفي، بوضوح، عن حقيقة الموقف الصهيوني العنصري، بشكل عام، تجاه الإنسان الفلسطيني.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يضيء نسيج هذا التشكيل، مدى تداخل عقدة التفوق الفاشي "إن هم إلا صراصير منتنة"، بعقدة الاستعلاء الطبقي" يكنسون الشوراع ويغسلون السيارات.."، في بنية النفسية العنصرية للإسرائيلي، سياسياً كان أو عسكرياً، أو حتى مجرد مستوطن عادي..
ونلاحظ في نهاية القصة، أن مؤلفها ينجح في إيصال هذا التداخل بين العقدتين، إلى أقصاها.. وذلك/ أثناء تقديم روني) طبق الحلوى، الذي وعد به زوجته، إثر نجاحها في حمله على القبول باصطحابها معه إلى الأراضي العربية المحتلة.. ففي هذا الطبق -الذي وصفه شهياً، قبل تقديمه لها: "وإنه لطبق لم تذوقي مثله عمرك!"(14) -يتمازج الفاشي بالطبقي تمازجاً تاماً، يصعب معه فصل أحدهما عن الآخر...
ذلك أن حلاوة) ما يحويه هذا الطبق، تتأتى عبر التسلية العنصرية الفظة والسمجة التي يتمتع بها الزوجان روني وباتيا)، أثناء وجودهما، في ما أسماه مؤلف القصة "عكاظ العبيد" الذي يقام كل صباح "على أطراف المدينة الحدودية المحتلة، وعلى بعد خمس دقائق من كفارسابا"(15) ** ففي "عكاظ العبيد" ذاك، ثمة سوق يتجمع فيها العرب الذين سُدّت أبواب العمل في وجوههم، جراء سياسة الحصار الاقتصادي التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على مناطقهم، وحولتهم، بسببها، إلى عاطلين عن العمل، لاخيار لهم، من أجل تحصيل لقمة العيش، سوى تقديم عضلاتهم رخيصة(16) ، على أعتاب السادة اليهود) الذين يأنفون) من مزاولة ما يضطرون العرب إليه من أعمال، بل يأنفون) حتى من النظر إلى العاملين(17) في تلك الأعمال.. وبالطبع، لم يكن هدف روني) استئجار عضلات أيّ من العمال العرب، بل وهذا بيت القصيد، في القصة- كان يهدف إلى امتاع نفسه وزوجته بإطلاق العنان لنزواتهما العنصرية الحاقدة، ضد الإنسان الفلسطيني، ممثلاً بأولئك العمال... وذلك، من خلال التسلي الفظ باستغلال حاجة هذا الإنسان الماسة إلى العمل، أي عمل، يمكن أن يسكت بمردوده جوعه وجوع عياله.. فأثناء تلك التسلية اللاإنسانية، سيتاح لكليهما -كما هيأ لهما خيالهما العنصري- أن يتطلعا، بتلذذ مريض، إلى ما سطره الفقر على وجه هذا الإنسان، وفي عينيه وكلماته وحركاته، من ذل الحاجة إلى لقمة العيش، وأن يتشفيا به، وهو يرمي نفسه أمامهما، ويهدر كرامته) على أعتابهما، كي يحصل على تلك اللقمة...
وقبل أن يشرع الزوجان روني وباتيا) بممارسة هذه المتعة السادية، يشيرروني) إليها، وقد اقترب بسيارته من جمهرة العمال العرب الذين اقتعدوا طرفي الشارع، يأكلون، ثم يقول لها، مبتسماً "أولئك هم، يا "باتيا.. افتحي عينيك، وأذنيك، وسدي أنفك، وسيكون "طبق الحلوى" الذي وعدتك"(18) .ثم -وبغرور مجنون العظمة يسوق سيارته حتى يحازي جمعهم... ثم يوقفها ليناديهم، موهماً إياهم بأنه يريد اصطحاب أحدهم ليؤدي له عملاً...
وهنا، يبرع مرار في نقل تلك الصورة المؤلمة والمثيرة معاً، والتي تحكي ما آل إليه حال الإنسان الفلسطيني، من وضع معيشي مزرٍ، ومن حالة إنسانية بائسة، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي سرق أرض ذلك الإنسان، وحرمه من خيراتها جميعاً.. يقول مرار مصوراً: "القط، إذا يقفز مروعاً، لا ينثر ما بين يديه،لكنه يحمله، في فمه، ويبتعد. أما "العزاتي"* الذي يحلم بيوم، أو هو نصف يوم عمل، فحين هب لينطلق باتجاه سيارة الخواجا، فإنه قفز بيديه قبل قدميه "فتناثر كل ما ضمت "العقدة" فتات الخبز، أو حبات الزيتون" وقرون الفلفل... (19) وما هي إلا لحظات، حتى كانت الأجساد تتدافع متزاحمة على جسم السيارة "لتقدم عضلاتها، رخيصة على أعتاب الخواجا".(20)
وكان هذا، هو ما سعى روني) إلى رؤيته... ولذلك، حين رآه يتحقق أمام ناظريه وناظري زوجته، أحس كلاهما، بقرب بلوغهما النشوة العنصرية، "ابتسم الخواجا روني راضياً، ودفع "كاتيا" بمرفقه، دفعاً هيناً، فابتسمت منتشية بما ترى...(21) ثم بلغت هذه النشوة ذروتها أخيراً، وهما يستمعان متلذذين إلى المناقصة التي أقامها أولئك العمال، فيما بينهم، على ثمن عمل كل منهم... وحين وصلت تلك المناقصة التعسة بعروضها المطروحة أمام مجنون العظمة العنصري روني) أسفل درك لها، شعر بأن عليه اسدال الستار على آخر فصل من فصول تسليته اللإنسانية. فداس على "البنزين" مخترقاً جمهرة الأجساد الجائعة التي سقط بعضها على الأرض(22) . وهو ينظر بتقزز إلى من يعتبر العبث بإنسانيتهم "مهمة... قومية"(23) ...! أما زوجته فكانت" تستر أنفها خشية الرائحة و... العدوى!."(24)
وبعد، فمن الممكن القول: إن مرار قد نجح، وإلى حد كبير، في عرض موضوع التمييز العنصري الذي مارسته إسرائيل، وما تزال، ضد العرب الفلسطينيين، في الوطن المحتل، بوصفه واحداً من أهم الأسباب التي أدى تراكم نتائجها السلبية، على مدى أكثر من عشرين سنة، إلى صنع حتمية انطلاقة الانتفاضة...
ومن خلال عرضه التمظهرات الفاشية لهذا التمييز متداخلة مع تمظهراته الطبقية، وقدرته على توظيف هذا التداخل، توظيفاً فنياً موفقاً، في بنية الحدث القصصي، وفي حركية الشخصيات الرئيسة الفاعلة في هذا الحدث، والموجهة لمساره، نجح مرار، أيضاً، في إقناع قارئه بما عرضه، وفي تحريك الكثير من كوامن الثورة في نفسه، ضد استمرارية هذا التمييز، بسائر تمظهراته وممارساته.
(1) نشرت قصة طبق الحلوى)، في صحيفة الاتحاد) بعددها 200/44)، الصادر بتاريخ (8) كانون الثاني 1988، الصفحة (5) .
(2) من قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(3) من قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
*- كلمة عبرية تعني في قاموس الاستعمار الإسرائيلي المناطق العربية المحتلة ) عام 1967.
**- الصراصير) والعماليق)، تعبيران فاشيان شائعان في الخطاب العنصري الصهيوني، لوصف العرب الفلسطينيين،
(4) المصدر رقم (6) .
(5) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
(6) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
(7) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
* - الشطحيم) كلمة عبرية تطلق على الأرضي العربية المحتلة عام 1967
(8) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
**- محِّبيل) كلمة عبرية تعني مخرب) ويطلقها الإسرائيليون على أي مناضل فلسطيني يسعى لتحرير أرضه، وخصوصاً على الفدائي الفلسطيني)..
***- الهاغا) اختزال عبري يعني الحرس المدني)
(10) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(11) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(12) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
*) هكذا وردت في النص الأصلي، والصواب تريدين).
(13) قصة طبق الحلوى) ، مصدر سبق ذكره.
(14) قصة طبق الحلوى) ، مصدر سبق ذكره.
(15) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
** - كفارسابا) مدينة إسرائيلية تقع قرب تل أبيب، ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 1903)، وقريباً منها سوق واسعة لليد العربية العاملة، وكثير من العمال العرب الذين يتجمعون بها يأتون من غزة.
(16) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره.
(17) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(18) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
* - العزّاتي: كلمة عبرية تطلق على المواطن العربي في قطاع غزة.
(19) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(20) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(21) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(22) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(23) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(24) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|