عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 07 / 2009, 06 : 10 AM   رقم المشاركة : [5]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

ثالثاً : الإبعاد والطرد... والتهديد بالترحيل الجماعي (الترانسفير)‏

[align=justify]
ثالثاً : الإبعاد والطرد... والتهديد بالترحيل الجماعي (الترانسفير)‏

بين أبرز ما عدّه مؤلفو القصة القصيرة، في الوطن المحتل، من أهم الأسباب التي زادت حجم رفض الفلسطينيين لاستمرارية وجود الاحتلال الإسرائيلي، فوق أراضيهم، والتي ساهم مجموعها في صنع حتمية انطلاقة الانتفاضة كتعبير عملي عن بلوغ رفض هذا الوجود حدّه الأقصى، اتساع نطاق عمليات الطرد والابعاد التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، على المستويين الفردي والجماعي، بحق الفلسطينيين، في الأراضي العربية المحتلة.‏
ومن الملاحظ أن مؤلفي قصص الانتفاضة في الوطن المحتل، قد حاولوا الإيحاء لقارئهم بأن تزايد القلق الفلسطيني من اتساع نطاق عمليات الطرد والابعاد، ومساهمة هذا القلق في التعجيل بانطلاقة الانتفاضة، كان مبعثه، بالدرجة الأولى، تخوف الفلسطينيين من احتمال تطور هذه العمليات، في المستقبل، إلى محاولة إقدام إسرائيل على اقتراف جريمة ترحيلهم، بعيداً عن وطنهم، ترحيلاً جماعياً قسرياً..‏
ولعل مما زاد عوامل هذا التخوف، في نفوسهم، قوة، إمكانية صيرورة احتمال الترحيل الجماعي ممكناً... وذلك في أعقاب ارتفاع حرارة نبرة التهديد، بقرب تنفيذ هذه الجريمة، في تصريحات بعض المصابين بحمى الفاشية، من العنصريين الصهاينة، مستوطنين وقادة، على حد سواء... تلك التصريحات التي راحوا يهذون بها، داعين إلى ضرورة الإسراع في اقتلاع العرب الفلسطينيين من أراضيهم المحتلة، وافراغ هذه الأراضي منهم، بنفيهم خارجها، على نحو جماعي كحل وحيد) للخلاص من وجودهم، وما يثيره استمرار هذا الوجود من مشكلات أبرزها، اصرارهم على رفض الاحتلال ومقاومتهم له...‏
وقبل الشروع في إضاءة الكيفية التي طرح موضوع الترحيل الجماعي، من خلالها، في قصص الوطن المحتل القصيرة، الصادرة زمن الانتفاضة، ربما من المفيد الاشارة إلى أن هذا الموضوع الذي درجت الأدبيات السياسية، على استخدام لفظ مصطلحه الانكليزي ترانسفيرTrans-fer)، للدلالة عليه، قد تم طرحه، في تلك القصص، بوصفه واحداً من أكثر تمظهرات النزعة الفاشية، تطرفاً، في الفكر والسياسة الصهيونيين... وهو طرح صحيح إلى حد بعيد... لأسباب من أهمها:‏
أن الدعوة إلى الترانسفير تنبثق مباشرة، من الأرضية العنصرية للأيديولوجية الصهيونية التي تزعم نقاء) اليهود عرقياً، على الرغم من اختلاف أجناسهم، وتعدد ألوانهم ولغاتهم وانتماءاتهم الحضارية .. هذا من جهة ومن جهة أخرى تنبثق هذه الدعوة، أيضاً، من الطبيعة الخاصة للمشروع الصهيوني الاستعماري، بوصفه مشروعاً إستيطانياً إحلالياً، هدفه الأساس هو إحلال شراذم اليهود وتجذيرهم، في الأرض العربية الفلسطينية، مكان سكانها الأصليين من العرب...‏
وتأسيساً على هذا، فإن الدعوة إلى إفراغ فلسطين من سكانها العرب، ليست جديدة، وإنما هي قديمة قدم الفكرة الصهيونية نفسها... ولاأدل على ذلك، من كثرة الإشارات إليها، في معظم كلاسيكيات الأدبيات الصهيونية سواء في المرحلة الجنينية لتكون الصهيونية كفكرة، أو في المرحلة التي تلتها، أي في مرحلة تبلور تلك الفكرة كحركة سياسية، سعت لتهجير يهود العالم، إلى فلسطين، وتجميعهم فيها، (1) تحت شعار "فلسطين أرض بلا شعب، يجب أن تعطى لشعب لا أرض له"، الذي صاغه الصهيوني يسرائيل زانغويل)..‏
فمن الواضح، أن الشق الأول من هذا الشعار -وهو الشق الأساس فيه- يتناقض مضمونه، تناقضاً صارخاً، مع جملة الحقائق الواقعية والتاريخية، لأرض فلسطين... وبالتالي، فإن طرحه كان يعني، ضمناً، إحداث تغيير جذري في هذه الحقائق، على المستوى الواقعي، بالدرجة الأولى... الأمر الذي يعني إفراغ تلك الأرض من سكانها الأصليين، بأي وسيلة وبأي ثمن... وذلك لتنسجم، واقعاً، مع مضمون ما يزعمه الشق الأول من الشعار الآنف... لأن تصييرها فارغة، يفتح أبواب الممكن أمام تحقيق شقه الثاني، من جهة، كما يوفر الغطاء الذرائعي الضروري لتسويغ ما يحتاجه تحقيقه من فعاليات وأنشطة، كالهجرة وإقامة المستوطنات وما شابه.‏
ومن المعروف أن محاولات الصهيونية لافراغ فلسطين من عربها، قد حققت أول تعبير عملي لها، في عمليات شراء الأراضي من بعض كبار الإقطاعيين في فلسطين، ثم في إجلاء العرب عمّا اشتري منها، لتوطين الهيود المهاجرين فيها مكانهم... وقد ظلت محاولات الإفراغ، ضمن هذا المجال الضيق والمحدود، حتى عام 1948، حين تم تحقيق تجربة الترانسفير الأولى والأوسع، بطرد ألوف الفلسطينيين خارج وطنهم، طرداً جماعياً، عبر ممارسة أكثر ألوان الإرهاب تطرفاً...‏
ويبدو أن تجربة 1948 تلك، قد ظل تكرارها يدغدغ شهوات القيادات الإسرائيلية المتعاقبة، بعد حرب حزيران عام 1967... وقد صاغ المسؤولون، في تلك القيادات ذرائع شتى لتسويغ تكرارها.. وكان من أبرز تلك الذرائع، ما زعموه من ضرورات الحفاظ على ما أسموه "نقاء الدولة اليهودية"... هذا "النقاء الواجب تحقيقه)، ضمن أي حدود يمكن أن تصل إليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ذات الأطماع التوسعية اللامحدوده، في أي وقت، تبدو فيه الجغرافيا السياسية الرخوة للأرض العربية قابلة للتراجع أمام حركية تلك الأطماع، واندفاعاتها العسكرية العدوانية...‏
ولكن، وعلى الرغم من كل ما انتهجته القيادات الإسرائيلية، من سياسات الاضطهاد ضد الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وما قامت به من ممارسات القمع والإرهاب، لم تفلح في تكرار تجربة 1948... ذلك أن العرب، في الضفة الغربية وقطاع غزة، كانوا أنضج وعياً ممن سبقهم؛ ولهذا، ظلوا مصرّين على بقائهم في وطنهم لا يبارحونه، مهما كان ثمن استمرار بقائهم فيه باهظاً. الأمر الذي عطل تحقيق الحلم الإسرائيلي بتكرار ترانسفير 1948، دون أن يلغي الأمل بإمكانية تحقيقه مستقبلاً.. وهذا ما يفسر، إلى حد بعيد، استمرار الدعوات الترانسفيرية قوية، في أوساط القوى السياسية المختلفة، في إسرائيل تلك الدعوات التي يعلو صراخها ويعنف، كلما تصاعدت درجة الرفض الفلسطيني لاستمرارية الاحتلال الإسرائيلي، وكلما عبر هذا الرفض عن نفسه بأي شكل من أشكال النضال والمقاومة..‏
ولما كانت الانتفاضة الحالية، تعد أعلى الذرى التي انتهى إليها النضال الفلسطيني المعبر عن رفض الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، كان بدهياً أن يعلو صراخ الترانسيفيريين الصهاينة، على مختلف مستوياتهم وانتماءاتهم، مؤكدين، عبر ذلك الصراخ الهستيري، أن الحل الأمثل والوحيد) للقضاء على الانتفاضة، قضاءً نهائياً مبرماً، هو ترحيل العرب الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة المحتلتين، بشكل جماعي، إلى أي مكان يرضى باستقبالهم..‏
وبعد، يمكننا أن نرى جزءاً لا بأس به مماسبق كله، في مرآة أكثر من نموذج قصصي، صدر داخل الوطن المحتل، في زمن الانتفاضة.. لكن أكثر هذه النماذج احتفالاً بموضوع الترانسفير، كان قصة قصيرة بعنوان وتكون لنا راية)(2) للقاص الفلسطيني نبيه القاسم..‏
ففي هذه القصة، يشكل موضوع الترانسفير أحد محاورها الرئيسة، إن لم يكن محورها الأساس. أما الزاوية التي اختار نبيه القاسم الاطلال منها على هذا الموضوع، فهي تلك التي تكشف عن الدوافع العنصرية /العرقية الكامنة وراء اطلاق دعوات الترانسفير الإسرائيلية، وعن البعد الفاشي، تحديداً، لهذه الدعوات.. هذا البعد الذي يتمظهر، على أرض الواقع، بتلك السلسلة الطويلة، من الاهانات وممارسات الاذلال اليومية المرهقة التي يعانيها أبناء الشعب العربي الفلسطيني على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلين والتي تعبر عن دوافعها العنصرية؛ بنظرات الاحتقار والاستعلاء، وبهذه المجموعة من الصفات التي يطلقها الإسرائيليون على العرب، والتي تتساوق، في دلالاتها، مع تلك النظرات، وما يصاحبها من ممارسات...‏
فالعرب -كما تبين القصة- ليسوا بشراً) في نظر المحتلين الاسرائيليين، بل ليسوا حتى مجرد حيوانات) وإنما هم أحط قدراً) بكثير.. إنهم تجمع كبير من جنس تلك الحشرة الكريهة، الصرصار)!!!... ولأن وجود الصراصير مزعج، في أي مكان يتكاثرون فيه ويتجمعون، فإن التخلص منهم لا يبدو مستحباً فقط، بل ضرورياً...، أياً كانت الوسيلة القادرة على تحقيقه كهدف... سواء كانت هذه الوسيلة إبادة جماعية شاملة، أو كانت بديلتها الأخف جرمية، من حيث الظاهر، أي الترحيل الجماعي...‏
ومع أن التعطش لاهدار الدم العربي، يجعل الإسرائيليين -كما يستشف من القصة، وكما يؤكد تاريخهم الحافل بالمجازر الجماعية ضد العرب- أكثر تحبيذاً لاتباع الوسيلة الأولى، لأنها أكثر إرواءً لساديتهم العنصرية، نراهم يضطرون، لأسباب دولية وأخرى محلية، إلى تجنب القيام بحملات إبادة جماعية، وإلى تركيز جهودهم، في مجال محاولة أخرى، هو مجال خلق الأجواء والمناخات الملائمة، لتسويغ احتمال أقدامهم على ترحيل عرب الضفة الغربية وغزة ترحيلاً جماعياً، في المستقبل..‏
ومن مأزق حيرة الإسرائيليين، في الخيار بين وسيلتين لتنفيذ جريمة عنصرية، هي اجتثاث شعب بأكمله، من أرض وطنه، ومحاولة إلقائه خارجها، ينطلق خيال بطل القصة ليرسم، على نحو سريالي تقريباً، صورة عالم غريب، يدور فيه صراع بين جنرال إسرائيلي، ترمز ملامحه وتصرفاته للقيادة الاسرائيلية السياسية والعسكرية معاً،وبين عرب فلسطين المحتلة الواقعين في القبضة الاحتلالية، لتلك القيادة العنصرية، والذين لا يرتفعون، في نظرها، عن مستوى الصراصير)..!!‏
والذي يقدح الشرارة المثيرة لخيال بطل القصة، كي يرسم تلك الصورة السريالية للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، تشبيه عنصري، يمر بخاطره، عبر سيالة ذكرياته مع حبيبته التي "بعد استماعها إلى تصريحات ذلك الجنرال الذي وصف العرب بالصراصير"(3) شاءت أن تطرح عليه السؤال الغريب التالي: "ماذا لو صرت صرصاراً تنتقل بحرية حيثما تشاء لا يوقفك جندي، ولا يجوس في داخلك أنبوب مطاطي يقربك من الموت؟.(4) فقد انطلق خيال بطل القصة من غرابة مضمون هذا السؤال، محلقاً في سماوات سخطه التي رفعتها رغبته في تحدي صائغ ذلك التشبيه العنصري -تشبيه العرب بالصراصير- ورغبته في ردّ كيده إلى نحره، ولو عبر الحلم الثائر... وهكذا، ومن خلال امتزاج السخط بالثورة وبرغبة الانتقام، راحت تتشكل على صفحة مخيلته الصورة السريالية التالية:‏
"رأى نفسه مع مئات آلاف العرب يتحولون إلى صراصير، وأخذت هذه المئات تتوالد بسرعة مذهلة حتى غدت، في وقت قصير، ملايين لا نهاية لتناسلها، وراحت تتسابق في اعتلاء بزة الجنرال، وتتجمع في حلقه مكتظة حتى بات من الصعب على الجنرال أن يحرك أي عضو من أعضائه، فلم يعد يرى شيئاً، وأخذ يصيح طالباً المساعدة، والصراصير ترقص فوق بزته العسكرية، وهو في حالة فزع لم يعرفها في حياته، حتى في أثناء وجوده في الجنوب اللبناني.(5)
حسب القرينة المكانية، الجنوب اللبناني)، الواردة في نهاية المقطع الآنف، ربما من الجائز التوهم بأن يكون الجنرال المعني في سياق هذا المقطع، هو رفائيل إيتان) الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أثناء اجتياح هذا الجيش للبنان، في حزيران 1982، والمتهم بكونه أحد أبرز المخططين لمذبحة صبرا وشاتيلا المريعة: ولعل مما يرفع هذا التوهم إلى مستوى اليقين، أن ايتان)، وبعيد تلك المذبحة بقليل، تقدم للحكومة الإسرائيلية باقتراح يدعو فيه إلى تقسيم الأراضي العربية المحتلة وتقطيعها، بالمستوطنات اليهودية؛ وعندها، يصبح العرب، في أراضيهم، "كالصراصير المخدرة في قنينة"، على حد تعبيره العنصري الذي صاغه في تصريح علني أذيع على لسانه، آنذاك... ومن الملفت للانتباه، أن ايتان) قد أطلق تصريحه الآنف، في فورة انفعال هستيرية، استولت عليه أثناء انتفاضة التضامن) -كما دعيت في حينه- التي قام بها السكان العرب في فلسطين المحتلة، استنكاراً واحتجاجاً على مجزرة صبرا وشاتيلا..وهكذا، وعبر تشابه الظروف والأحداث والتصريحات الإسرائيلية العنصرية ضد العرب، في زمني انتفاضة التضامن) عام 1982، والانتفاضة الحالية، شكّل خيال بطل القصة تلك الصورة السريالية لثورة المستضعفين المضطهدين، على من اضطهدهم، مستمداً معالمها وحركيتها الحديثة من معطيات واقع الصراع الدائر بين الطرفين على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومؤكداً، من خلالها، يقينه بحتمية انتصار أولئك المستضعفين، في النهاية... وذلك، عبر رؤية نافذة لامكانيات القوة الكامنة في ضعفهم) الظاهري، والغائبة عن عدوهم، إلى تلك الدرجة التي جعلته لا يرى فيهم، أمام غروره بقوته العسكرية، سوى صراصير) ضعيفة، لا حول لها ولا قوة.‏
ومن هذه المفارقة بين القوة الكامنة للفلسطينيين وبين الضعف الذي توهمه فيهم عدوهم الإسرائيلي، حدثت صدمة المفاجأة التي أصيب بها هذا العدو، حين صحا يوم 9/12/1987، من الأوهام التي هيأتها له قوته الغرورة، ليجد من استضعفهم واستهان بهم يخرجون مصرين على تحديه وتحدي كل ما بحوزته من أسلحة وعسكر، وليشعر، وهو في ذروة مفاجأته، باحتمال انتصارهم عليه...‏
ومع استمرار التحدي وتصاعده، بدأ صراخ هذا العدو يعلو طالباً المساعدة، وداعياً إلى ضرروة التخلص من وجود الفلسطينيين المخيف، بترحيلهم جماعياً، خارج حدود أرضهم التي يحتلها... وذلك كحل أمثل) يضع -كما توهم- حداً لثورتهم عليه ولتحديهم له... خصوصاً، بعد أن فشلت كل الحلول والمحاولات القمعية الأخرى، التي جربها، في وضع حد لتلك الثورة ولذلك التحدي العنيد...‏
وعند هذه النقطة، "تخيلا معاً- بطل القصة وحبيبته- ملايين الملايين من هذه الصراصير، وهي تحمل في شاحنات لاعدّ لها، توزعها على كل محطات العالم، وفي كل الموانئ تحقيقاً لرغبة نائب وزير كبير، وجد أن الحل الأمثل لتزايد السكان العرب ترحليهم في شاحنات كبيرة...(6)
ولكن، حتى على المستوى التخييلي الذي ينطلق منه مؤلف القصة، في طرح افتراض نجاح العدو الإسرائيلي بتحقيق أهدافه الترانسفيرية، نراه يتجنب طرح احتمال أن يؤدي هذا النجاح المفترض، تخييلياً، إلى إنهاء قضية الإنسان الفلسطيني، إنهاءً كاملاً... ذلك أن المؤلف يعمد، وعلى المستوى التخييلي، أيضاً، إلى نقل هذه القضية من محلية إشكالياتها المحدودة، بوصفها قضية شرق أوسطية، ليجعل منها قضية دولية، تفرض نفسها على ساحة الاهتمام العالمي ككل: "قد يهتم بنا العالم يومها عندما يضايقهم وجودنا وتكاثرنا، فيعملون علىحل قضيتنا بإيجاد وطن مستقل لنا لا يقربنا فيه أحد.(7) "... أو، وهذا احتمال آخر خطير، "قد يتفق الجميع على اختراع سلاح فتاك يقضي على وجودنا في هذا العالم، فيحلون بذلك القضية ويهدأ الجميع..."(8)
وطرح مؤلف القصة لهذا الاحتمال، هو صياغة إيحائية لاتهامه المجتمع الدولي كله، بالتآمر على مصير الشعب العربي الفلسطيني وقضيته، سواء تمظهر تآمره عليهما بمشاركته، مباشرة، في جريمة القضاء عليهما، أو بالسكوت على تنفيذها، وعدم محاولة منعها.‏
وواضح، من سياق القصة ومضمونها، أن الهدف من توجيه مؤلفها لهذا الاتهام، تحذير المجتمع الدولي من مغبة الصمت على جرائم العنصريين الإسرائيليين، وتنبيهه إلى خطورة استمراره في اتخاذ موقف المتفرج إزاء التطور الهمجي المتصاعد لتلك الجرائم... ذلك أن مثل هذا الموقف يشجع المجرم على التمادي في تطوير فعله الإجرامي، ليصل إلى حدوده القصوى، وحشية وعنفاً... وبالتالي، لا يعود مستبعداً إقدام هذا المجرم على ارتكاب مجازر إبادة جماعية، تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني قضاء مبرماً، إذا ما فشلت محاولات قيادته، في اقتلاع هذا الشعب من أرضه المحتلة، ونفيه خارجها، بأسلوب الترانسفير...‏
ولكي يؤكد مؤلف القصة أنه لا يرمي إلى إدانة المجتمع الدولي، بل إلى تحذيره، وتحريضه على المبادرة إلى الحيلولة دون إقدام القيادة العنصرية، في إسرائيل، على تنفيذ إحدى هاتين الجريمتين، نراه يحاول الايحاء بأن إمكانية إقدامها على تنفيذ إحداهما، لا تبدو احتمالاً مستحيلاً أو خيالياً .. وإذا كان لابد من مؤشر مادي ملموس على توقع صيرورة هذ الاحتمال ممكناً، فيكفي أن ينصت المرء إلى إيقاعات التهديد الإسرائيلي المنذرة بإبادة العرب أو ترحيلهم ترحيلاً جماعياً...‏
هذه الإيقاعات المتضمنة في تصريحات بعض كبار السياسيين، في إسرائيل، وهم يدلون بها جهاراً، على شاشة التلفزيون... ويضرب مؤلف القصة المثل على ذلك النمط من التصريحات، بإيراده بعضها:‏
"كان صوت المذيع يخرجه عن طوره، وهو ينقل تصريحات العديد من المسؤولين: إن العرب أصبحوا يشكلون قنبلة موقوته داخل البلاد تهدد بالانفجار واستنفزه صوت أحد المتكلمين* بأن الحل الوحيد لمشكلة العرب هو ترحيلهم أو القضاء عليهم..."(9)
وبعد، ثمة قصص أخرى تناول مؤلفوها موضوع الترانسفير كأحد الأسباب الهامة التي هيأت لانطلاقة الانتفاضة، إلا أن تناولهم له كان عرضياً، إلى حد كبير، الأمر الذي دفع إلى التركيز على قصة وتكون لنا راية)، دون غيرها، لأن موضوع الترانسفير كان أبرز محاورها الرئيسة.‏
(1) للاطلاع والتوسع، راجع مثلاً، كتاب الفكرة الصهيونية - النصوص الأساسية): الذي يضم حشداً من كتابات أوائل زعماء الصهيوينة ، أمثال موسى هس، ويهودا القالي، وزفي هيرش كاليشر، وهيرتزل،.. وغيرهم.. والكتاب من ترجمة لطفي العابد وموسى غنز، وقد اشرف عليه الدكتور أنيس صايغ ، وعرفه الدكتور د. أسعد رزوق وقام بمراجعته هلدا شعبان صايغ وابراهيم العابد. وقد صدر عن مركز الأبحاث في م.ت.ف، في بيروت ، في شهر حزيران عام 1970، ويحمل الرقم (21) ضمن سلسلة " كتب فلسطينية".‏
(2) نشرت قصة وتكون لناراية) في صحيفة الاتحاد)، بعددها 212/44) الصادر بتاريخ (22) كانون الثاني 1988، الصفحة (4) .‏
(3) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..‏
(4) قصة وتكون لنارايه)، مصدر سبق ذكره.‏
(5) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..‏
(6) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..‏
(7) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..‏
(8) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..‏
*- على الأرجح، المتكلم المقصود هنا هو الجنرال رحبعام زئيفي) زعيم حركة موليدت العنصرية، ومؤسسها.. وهي حركة ترفع الترانسفير) شعاراً لها وهدفاً..‏
(9) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..‏

[/align]

محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس