الفصل الثاني "رسالة الانتفاضة"
"قراءة في مبادئ الثورة وأهدافها"
تمهيد...
لا شك أن تصور عدم وجود رسالة محددة لثورة في حجم الانتفاضة وشموليتها وزخمها وقدرتها الفذة على الاستمرار والتغيير، هو تصور يفتقر إلى المصداقية، افتقاراً واضحاً ... وذلك لتعارضه مع الكثير من معطيات الواقع، ولعدم توفر حدّ أدنى من الانسجام بين مضمونه وبين النتائج التي تقود إليها أي محاكمة موضوعية لتلك المعطيات... وتوصيفه على هذا النحو، يقود، بداهة، إلى الشك في احتمال كونه تصوراً ساذجاً، يعبر عن قصور في قدرة صاحبه على قراءة المعطى الحدثي، وعلى تحليل أبعاده ونتائجه، تحليلاً صحيحاً معافى...
والشك في احتمال كون هذا التصور ساذجاً، هو تأكيد، غير مباشر لقصدية تخيله وإنشائه من جهة، ولقصدية السعي إلى إشاعته وتسويقه، من جهة ثانية... كما يعني اتهاماً لدلالات مضمونه بعدم براءة مراميها، أي بكونها مغرضة، من جهة ثالثة... ومصدر اتهامه باللابراءة هو التطابق، إلى حد كبير، بين مايمكن أن تدخله تلك الدلالات، في روح متلقيها وفكره، من قناعات خاطئة، وبين ما تبثه أجهزة الإعلام الإسرائيلية، عبر أبواقها الدعائية المختلفة، من توصيفات تبسيطية لفعاليات الانتفاضة ونشاطاتها، من مثل:
"أعمال شغب، اضطرابات، أعمال فوضى..." وما شابه من توصيفات هدفها الحط من عظمة هذه الثورة، والتهوين من قيمة نتائجها، ومحاولة إفراغ هذه النتائج من أي دلالة إيجابية... بتعبير آخر أكثر تحديداً ووضوحاً، يبدو هدف التوصيفات الإٍسرائيلية لفعاليات الانتفاضة، محاولة قصدية لنفي أي رسالة ناظمة، تصدر تلك الفعاليات عنها أو تسعى إلى تحقيقها هدفاً، على أرض الواقع... أي محاولة للإيهام بأن هذه الفعاليات لا تعدو كونها مجرد (فوضى غوغاء) غير واعين، وذلك وصولاً إلى الإيهام أيضاً، بأن لا خطر حقيقياً يمكن أن يترتب أو ينجم عن فوضاهم، هذه، لا على المدى القريب، ولا على المدى البعيد... وبالتالي، فإن قمع تلك (الفوضى الغوغائية)، هو مسألة وقت لا أكثر، حسب أجهزة الإعلام الإسرائيلي... وهذا كله، كما هو معروف، نقيض معطيات الواقع وحقائقه الملموسة والثابتة...
إذن، وعلى عكس ما يزعمه مضمون التصور السابق، للانتفاضة رسالة.. وهي، لمن يبحث عنها بموضوعية، تبدو رسالة واضحة المعالم والبنود، عظيمة، عظمة الثورة التي تتبناها وعن هذه الرسالة - كما يستطيع الباحث أن يلاحظ دون كبير عناء -يصدر صانعو الأحداث التاريخية العظيمة، في الوطن المحتل، وإياها يتبنون دستوراً ومنهجاً، في ممارسة فعلهم النضالي، وإلى ما تدعو إليه، من أهداف نبيلة وسامية ومشروعة، يسعون مضحين بكل ما لديهم، بالنفس والمال والولد، علىأمل التمكن من تجسيد تلك الأهداف واقعاً مغايراً لذلك الذي انطلقوا منه بالأمس القريب، منفلتين من إساره، ومن مناخاته المضببة بالاضطهاد وممارسات القمع والقهر والاستعلاء العنصري...
ربما يكون صحيحاً أن تبلور هذه الرسالة واكتمالها قد جاء تالياً لانطلاقة الانتفاضة، وتشكل قياداتها وكوادرها التنظيمية، وأن تطورها، طروحات وأهدافاً، كان مرافقاً لتطور تلك الثورة، لكن هذا لا يعني أن بذور تلك الرسالة لم يكن لها وجود أصلاً قبل انطلاقة الانتفاضة... بل كانت موجودة، وعنها ومن أجلها انفجر الحدث... إلا أنها لم تكن على مثل ما آلت إليه من تبلور ووضوح، بعد انفجاره...
وبعد، فهذه الرسالة التي لها قامة الإرادة الفلسطينية الثائرة والمصممة على تكوير شمس المستقبل الفلسطيني، خلاصاً وحباً وأمناً؛ قد استقطبت جزءاً كبيراً من اهتمام عديدين بين مؤلفي قصص الانتفاضة، داخل الوطن المحتل، فتناولوا البارز والأهم من معالمها وبنودها وأهدافها، وسلطوا الضوء عليه، إما بشكل سريع وعابر، وإما باتخاذه موضوعاً محورياً، لهذا الجزء أو ذاك، من مضامين قصصهم القصيرة...