عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 07 / 2009, 27 : 10 AM   رقم المشاركة : [12]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

الدعوة إلى الشمولية..، ورفض المحايدة...

[align=justify]
الدعوة إلى الشمولية..، ورفض المحايدة...

بين أبرز ما ركزت عليه الانتفاضة، في رسالتها، تلك الدعوة الدائمة والملحة التي تحث أبناء الشعب العربي الفلسطيني، في الوطن المحتل، على ضرورة مشاركتهم جميعاً، بمختلف فئاتهم وطبقاتهم ومستوياتهم، في فعاليات الثورة ضد الوجود الاحتلالي الإسرائيلي، وممارساته العنصرية... وهي تحثهم على المشاركة، سريعاً، في هذه الفعاليات، مهما تكن الظروف المحيطة بكل منهم قاسية وصعبة... إذن، هي دعوة ترمي إلى توسيع نطاق الثورة وممارسة فعالياتها، لتكون نتائجها أبعد تأثيراً وأكثر عمقاً وأسرع في تحقيق الأهداف المرجوة...‏
ولدى تلمس آثار هذه الدعوة، في مضامين المتوفر من قصص الانتفاضة نلاحظ أن من أشار إليها، من مؤلفي تلك القصص، داخل الوطن المحتل، قد ضمن إشارته إليها، في سياق معالجته لموضوع رفض المحايدة، ولم يعمد إلى إفراد تلك الإشارة في محور مستقل، بين ما يشتمل عليه مضمون قصته من محاور أخرى... ولذا، وتقيداً بالنصوص القصصية المختارة للمناقشة، في إطار هذه الدراسة، وتوازياً مع طرائقها في طرح الموضوعات، ستتم مناقشة هذه الدعوة إلى شمولية المشاركة في الانتفاضة، في سياق مناقشة الدعوة إلى رفض المحايدة..‏
والدعوة إلى رفض المحايدة مصدرها -إذا صح التخمين- الاعتقاد بأن لا محايدة في زمن الثورات الشعبية الضخمة التي يهدف مفجروها إلى إحداث انعطافات حادة وحاسمة، في المسارات المألوفة والسائدة لحياة ابناء شعبهم كافة. ذلك أن ماينجم عن هذه الانعطافات من نتائج ومتغيرات، لا ينحصر تأثيره في المجالات الحياتية للذين شاركوا في فعاليات الثورة فحسب، بل يمس ذلك التأثير المجالات الحياتية لسائر فئات الشعب وطبقاته، على مختلف المستويات والصعد، ودون استثناء...‏
ومن هذه الزاوية المحددة، في الرؤية، لا خيار لأحد في أن يتخذ موقفاً محايداً، إزاء صراع تمسه النتائج التي سيسفر عنها، شاء أم أبى... وبالتالي، يبدو أن لاذريعة يمكن أن يسوقها المستنكف عن المشاركة في الفعل الثوري، كمسوغ مقبول لعدم مشاركته، لأنه، في النهاية، معني بنتائج هذا الفعل، ايجابية كانت أم سلبية...‏
وتأسيساً على افتراض صحة الرؤية السابقة، وانطلاقاً منه، يمكن القول إن المحايدة، كموقف، ليست سلبية فقط، كونها هدراً مجانياً لجزء كبير من الطاقات التي تحتاجها الثورة، أي ثورة، في اندفاعها نحو أهدافها، بل هي أيضاً، محاولة هروبية لا مجدية في مجال توفير النجاة، لمن يلتزمها موقفاً، من أذى العدو وعسفه وإرهابه... وسبب عدم جدواها، في هذا المجال، واضح وبسيط جداً، يتمثل في اختفاء المناطق المحايدة بين أي طرفين يخوضان صراعاً مصيرياً، يهدف كل واحد منهما، في نهايته، إلى تحطيم إرادة خصمه وقواه، تحطيماً كاملاً .. ذلك أنه من البدهي، في الأجواء والمناخات التي تسود صراعاً كهذا، أن يصير أفراد كل طرف، دون استثناء، أعداءً، في نظر أفراد الطرف الاخر سواء من يشارك منهم في فعاليات الصراع وأحداثه، ومن لا يشارك.. ومصدر هذه النظرة، وخصوصاً عند الطرف المستهدف بالثورة، هو القناعة التي تتشكل في وهمه يقيناً، بأن محايد اليوم هو احتمال ثائر لم يتحرك ضده بعد، لهذا السبب أو ذاك... أي هو رصيد احتياطي كامن من الطاقة المعادية له... ولذا، فإن البطش به وتحطيمه قبل انتقاله من وضعية الكمون، إلى وضعية الحركة والفعل، تعد ضرورة، تمليها حاجة هذا الطرف إلى تقليص حجم الطاقات المعادية له، الكامنة والفاعلة، على حد سواء، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..‏
وبعد، فإن الدعوة إلى رفض المحايدة، وتركها إلى المشاركة في فعاليات الثورة، وصنع شموليتها، كانت محوراً رئيساً لاثنتين، من قصص الانتفاضة التي توفرت امكانية الإطلاع عليها وقراءتها... وكلتا القصتين تناولتا هذه الدعوة، وأشارتا إليها، من زاوية رؤية واحدة، تقريباً، هي كون المحايدة موقفاً لا يحمي صاحبه من أذى العدو، ولا يجنبه احتمالات التعرض للممارسات العنصرية اللاإنسانية التي ينهجها هذا العدو ضد الفلسطينيين، دون تمييز بين ثائرهم ومحايدهم...‏
في أولى القصتين، وهي بعنوان اسحب تربح)(1) يقدم لنا مؤلفها صبحي حمدان، بطلها الصغير جوالاً في الشوارع والأزقة الضيقة، يبيع أوراق اليانصيب في الصباح، والترمس في المساء، منصرفاً بكليته إلى المشاركة في تأمين لقمة عيش أسرته، بعد أن استقال أبوه من عمله في سلك الشرطة، استجابة وتلبية لنداء قيادة الانتفاضة... وهذا يعني أن الذريعة التي سوغ بها لنفسه الاستنكاف عن المشاركة في الثورة، ذريعة ذات طابع اقتصادي /معيشي، ترتكز على حاجة حياتية يومية لا يمكن تجاهلها...‏
لكن اختياره البقاء خارج دائرة الصراع المحتدم، والاستغراق في البحث عن اللقمة، لا ينجيه من احتمالات التعرض لعدوانية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي لا تفرق بين فلسطيني وآخر، لأنها لا تتعامل مع الفلسطينيين حسب نوعية مواقفهم، وإنما حسب هويتهم الواحدة المشتركة... وعلى هذا، وجد الصغير نفسه، وعلى غير توقع، هدفاً لرصاصات المحتل، الحية والمطاطية...‏
كان ذلك حين قاده قدره إلى شارع مستهدف من قبل قوات الاحتلال التي راحت تتعقبه، كونه الوحيد الذي رأته في ذلك الشارع الخالي، آن عبورها فيه، ودون أن يحاول أيّ من أفرادها استبانة موقفه، محايد هو أم ثائر... "ووجد أن خطاه قد قذفته إلى شارع رئيسي، الشارع خالٍ. زاد ضغط أصابعه على الورقة بشكل غريزي، أسرع الخطا، قاصداً الولوج إلى أول زقاق، هدر صوت عربة فجأة، أسرع أكثر "بو، بو" سمع زعيقاً فجأة فأسلم ساقيه للريح لم يدر كيف، أو إلى أين جرى. ولم ينتبه إلى صوت الرشاشات وذخائرها الحية والمطاطية تتعقبه، كل ما انتبه إليه أنه دخل أول بيت صادفه، وأن ربة البيت هي أول من قابله، والتي استوعبت كل شيء في لمح البصر، فاقتادته إلى إحدى الغرف وأحضرت له قميصاً وبنطالاً، وقالت له: خذ، بدل ثيابك، واجلس مع الأولاد."(2)
وهنا، في هذا البيت الفلسطيني الذي استقبلته ربته، مدركة سبب لجوئه إلى بيتها هارباً، بدأ الصغير يدرك خطاً موقفه، كمحايد، ولا جدواه، بعبارة أدق، بدأ يدرك أن لا وجود لأي مناطق محايدة على أرض الصراع الدائر بين أبناء شعبه ومحتل وطنهم... فكما لم تميز قوات الاحتلال، حين طاردته، بينه وبين أي فلسطيني آخر، ولم تحاول استبانة موقفه مما يجري، محايد هو أم ثائر، كذلك فعلت صاحبة البيت الذي لجأ إليه... فقد استقبلته، وراحت تبذل كل ما بوسعها لحمايته، على الرغم مما قد يجر إليه تصرفها هذا من مخاطر على بيتها وأهله، وذلك لمجرد كونه طفلاً فلسطينياً... فهي أيضاً لم تسأله عن موقفه، بل لم تحاول أن تسأله حتى عن سبب هربه ومطاردة عسكر الاحتلال له...‏
وقد كان المؤلف موفقاً، حين جعل اشراقة الإدراك التي أضاءت وعي الصغير بالحقيقة، تبزغ من خلال ذلك الحوار القصير الموحي الذي أداره بين ذلك الصغير وصاحبة البيت، وهما في ذروة الاحساس بالقلق والخوف من احتمال مداهمة عسكر الاحتلال للبيت... فبعد أن خلطته تلك المرأة الرائعة بأطفالها، تحسباً لاحتمال أن يميزوه، فيما لو داهموا البيت، وأن يقتادوه معتقلاً، ظل القلق عليه يساورها، وخصوصاً حين التقطت آذانهما" أصوات الدربكة مختلطة بتكسير أبواب وشتائم بذيئة، وكان ثمة صليات إطلاق نار تأتيه واضحة من بعيد يتخللها أصوات اطلاق قنابل الغاز اللعين..(3) عندها، خطر لها، زيادة في الحيطة والحذر، أن تجعله يبدو مريضاً طريح الفراش... وما كاد هذا الخاطر يستقر في وهمها كمخرج مضمون لنجاة الصغير، حتى بادرته بلهجة آمرة: "اسمع، نَمْ في الفراش وادع المرض.".(4)
قالت له ذلك، وهي تعتقد يقيناً أنها إنما تحمي ثائراً، وأن مساعدتها له على النجاة من الاعتقال، إنما هو جزء من صميم واجبها كفلسطينية... لكن هذا الاعتقاد ما لبث أن انكشف متحولاً إلى شك استنكاري، حين فاجأها الصغير، مستغرباً ما تحيطه به من أسباب الحيطة والحماية، قائلاً" باحتجاج رقيق: لكن لم أفعل شيئاً."(5)
وبالطبع لم تغيرّ معرفتها لهذه الحقيقة المؤسفة والمخيبة، من موقفها تجاهه شيئاً، إلا أنّها لم تملك نفسها من توجيه السؤال الاستنكاري له: "ولماذا هربت إذن؟ تساءلت بشك."(6) وكان هذا السؤال كافياً لوضع الصغير على أول مدارج الوعي الصحيح... فقد قادته بسؤالها المتشكك إلى إعادة حساباته كلها... حقاً، لماذا هرب من الشارع، ولماذا يختبئ هنا خائفاً متدارياً، إن كان لم يفعل شيئاً، كما يقول ويعتقد؟‏
ويأتي الجواب عفوياً، متضمناً اشراقة الإدراك لخطأ المحايدة، في زمن المواجهة الشاملة.. يأتي مؤلفاً من كلمتين فقط، تسيلان على لسانه، كمحصلة للمحاكمة السريعة التي أجراها، بينه وبين نفسه، لموقفه المحايد، ولموقف المحتل منه ومن أمثاله، فينطقهما، وكأنه مازال يتحدث مع نفسه: "إنهم لا يميزون"(7) .‏
ويكون إدراكه لهذه الحقيقة بداية رحلة تحوله من المحايدة إلى الثورة... فما داموا لا يميزون، لماذا يختار أن يكون سلبياً، في موقفه منهم...؟ لماذا لا يقتدي بهذه المرأة التي استقبلته وحمته، معبرة بتصرفها الرائع هذا عن تضامنها مع ثورة شعبها الذي تلاحم معظم أفراده مع بعضهم، وصاروا كلاً واحداً وكياناً متجانساً، في مواجهة عدو لا يميز بين ثائرهم ومحايدهم...؟‏
وتأتي الأحداث التالية لتؤكد قناعته بصحة تحوله إلى مشروع ثائراً، أو إلى ثائر محتمل... فما كاد يصل إلى بيته بعد مغادرته لبيت المرأة التي حمته، حتى فوجئ بخبر اعتقال أخيه جميل)، وغياب أبيه المثير للقلق... وكان هذان الخبران كافيين لتسريع مبادرته إلى الانخراط والمشاركة في فعاليات الانتفاضة... وهذا ما حصل فعلاً...‏
ففي "صباح اليوم التالي15 أيار، يوم الاضراب والمواجهة، كان يقف عند ناحية الشارع الرئيس مشرفاً على مفترق طرق حساس، مستكشفاً الأطراف البعيدة والقريبة، ممسكاً بين أصابعه الغضة ورقة السحبة، محولاً عينيه بين الحين والحين صوب الشباب المتأهبين على حذر، ليسمعوا نداءه العصفوري الحاد منذراً أياهم على أي خطر أو مفاجأة، يتردد مموسقاً في جنبات الشارع المقفر من السابلة، ويسمعه القاصي والداني.. اسحب تربح..."(8)
وبهذا التحول، يكون قد تمّ الإعلان، في خاتمة السياق الحدثي للقصة، عن ميلاد ثائر فلسطيني جديد... وهو تحول فذّ، على الرغم من عجز صياغته الفنية عن مطاولة دلالاته، وعن الايحاء بكامل أبعاده... وبسبب توصيفه بـ "الفذ" ما يوحي به من مزج بارع بين الثورة السياسية للفلسطيني، ببعديها: الوطني والقومي، وبين ثورته الطبقية... فكما هو ملاحظ من بناء خاتمة القصة، لم يلغ انتماء الصغير إلى الثورة ومشاركته في فعالياتها، عزمه على مواصلة السعي من أجل المساهمة في تأمين لقمة العيش لأسرته، وخصوصاً بعد اعتقال اثنين من معيليها الرئيسين، هما: والد الصغير وأخوه... بل العكس هو ما حدث... فقد تحول النداء الذي كان يطلقه بطل القصة، في بدايتها، من مجرد نداء لترويج ما يبيعه، إلى نداء موظف في خدمة فعاليات الانتفاضة واهدافها... أي إلى تلك الشيفرة التحذيرية التي تنبه الثوار إلى اقتراب قوات الاحتلال من مكامنهم... وهكذا، صار نداء مزدوج المغزى والهدف...‏
وفي سياق حدثي مختلف، وصدوراً عن نفس القناعة التي انتهى إليها بطل قصة اسحب تربح)، يطرح القاص الفلسطيني سمير رنتيسي موضوع رفض المحايدة، ولا جدواها كموقف، في قصته القصيرة حوار مع النورسي) (9) التي صاغ حوارها بالعامية الفلسطينية، ظناً منه أن اللهجة العامية تكسب أحداث قصته وطروحاتها طابعاً أكثر واقعية، وأكثر قدرة على التأثير في متلقيها...‏
وكما في قصة اسحب تربح)، نلاحظ أن بطل قصة حوار مع النورسي) هو طفل فلسطيني من الوطن المحتل، لا يتجاوز الحادية عشرة من العمر... وهذا الطفل الذي يدعى عماد)، ليس محايداً كبطل القصة السابقة، بل هو ثأئر مقتنع بالثورة حتى الشهادة.. ومن هذه القناعة، وعلى خلفيتها، ينطلق في تعليله لرفض موقف المحايدة إزاء ما يشهده شعبه ووطنه من أحداث كبيرة ومصيرية... وعماد هذا لا يتوجه بخطابه المعلّل لضرورة مشاركة كل فلسطيني في الانتفاضة، إلى فلسطيني مثله، وإنما كما يوحي سياق القصة - إلى صحفي أو إلى محقق إسرائيلي كان يستجوبه...‏
فحين يسأله محدثه، وكأنه يستغرب إقدام طفل بعمر عماد على تحدي جنود كالذين في الجيش الإسرائيلي. "ليش كنت تسب وتضرب حجار عالجيش؟"(10) تنتقل حالة الإحساس بالاستغراب، إلى الصغير عماد، وذلك عندما يفتش في تلافيف عقله عن سبب منطقي واحد يدعو ذلك الرجل إلى طرح هذا السؤال عليه، فلا يجد...‏
فحسب قناعات هذا الثائر الطفل، وحسب المنطق الذي تغذى به عقله، يبدو بدهياً، أن يرد المرء على من يتحرش به، معتدياً، بما يمكن أن يدفع عنه هذا العدوان، ويحول دون تكراره... فإن لم يستطع، فلا أقل -وهذا أضعف الإيمان- من أن يرد على المعتدي بشتيمة، أو حجر يقذفه به، مؤكداً بذلك حرصه على كرامته، واستعداده للدفاع عنها، وإن لم يكن بقدرته الدفاع عن وجوده... أما أن يستسلم للإعتداء، ويتقبله ذليلاً، ثم ينسحب مجرجراً شظايا كرامته التي أهدرها عدوه، دون أن ينم عنه أي رد فعل من أي نوع، فهذا ما لم يجد ما يسوغه، ويدعو إلى القبول به، بين كل المبادئ والقيم التي ربي عليها...‏
ولهذا، وانطلاقاً من هذه المبادئ والقيم، نرى معالم وجه الصغير تحتد، لدى سماعه سؤال محدثه، وتبدو عليه العصبية يركز نظرته نحو الرجل وينطلق صوته حازماً لا تحشرجه البحة..."(11) ليشرح في دفاعه عن أسباب محاجرته لعسكر الاحتلال، وليسوق بين يدي هذا الدفاع، كل ما يعتقده اعتقاد اليقين، تعليلات لا تقبل الجدل، لاصراره على الاستمرار في محاجرتهم، حتى ولو كلفه إصراره على ذلك، أن يدفع حياته ثمناً... يقول عماد، راسماً، بكلماته العفوية البسيطة، دهشة المفاجأة على وجه الرجل الذي سأله:‏
"ليش لأ..؟ آه ليش لأ..! يعني أنا قبل شهر كنت في الحارة.. أجوا.. واحد منهم طب علي... ضربني على وجهي... قال إنه أنا ضربت حجار... والله يومها طوله كنت ألعب بنانير... ما ضربت ولا حجر... بعدها دعس على أصابع رجلي بالبسطار... شوف.. اصبع رجلي... شوف. من يومها ما بقدر أحركه... وبعدين.. حضرة جنابك... بتقول ليش براجل عليهم حجار...؟!(12)
فعلاً، لكم يبدو سؤال محدثه، مستغرباً ومستهجناً، أمام ما ساقه عماد من أسباب محاجرته لعسكر الاحتلال... ذلك أن هذا السؤال يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، أي إنسان، في الدفاع المشروع عن نفسه وكرامته... أما جواب الصغير، فواضح الدلالة في قصديته إلقاء التبعة أولاً وآخراً على جنود الاحتلال الذين يتحرشون بالعرب، ويعتدون عليهم دونما سبب واضح ومعقول... وإذا كان تحرشهم الاستفزازي لامسوغ له، في نظر هذا الطفل الفلسطيني، سوى إرواء نزعتهم إلى ممارسة عنصريتهم، فإن ردّه، وردّ الفلسطينين جميعاً على هذا التحرش، له ما يسوغه من الذرائع، وأولها، الرد على هذا التحرش العنصري نفسه...‏
وما دام الأمر كذلك، وما دامت عنصرية الإسرائيلي لا تميز بين فلسطيني وآخر، فمن الغباء أن يتخذ أي فلسطيني موقف المحايد... هذا الموقف السلبي الذي لا يحمي من يلتزمه، ولا يصون كرامته... بل على الجميع -جميع أبناء الوطن المحتل- أن يبادروا إلى المشاركة في الرد على استفزازات المحتل العنصري وممارساته العدوانية، لاشعار المعتدي بأنهم يرفضون المهانة ويأبون الضيم والسكوت على الذل في وطنهم.‏
وواضح أن عماداً ومن في سنه، وكذلك الغالبية من أبناء شعبه، لم يجدوا أفضل من حجارة وطنهم المحتل وسيلة، يترجمون بقذفها على عدوهم اصرارهم على هويتهم وكرامتهم ورفضهم لبقاء ذلك العدو غاصباً لأرضهم، ومضطهداً لهم... وهذا ما توحي به كلمات الصغير عماد التي اختتم بها المؤلف قصته، مفجراً، بما اشتمل عليه مضمونها من دلالات، القناعة الخاطئة التي يحاول العدو ترويجها، والتي مفادها أن السلامة في المحايدة)... ليؤكد من خلال تفجيره لها وإلغائها أن السلامة الحقيقية تكمن في نجاح الإنسان الفلسطيني بتحقيق هدف واحد ووحيد، مهما غلت التضحيات في سبيل تحقيقه؛ وهذا الهدف هو تحرير الوطن الفلسطيني من غاصبه، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه، وقد تطهر بكامله، من رجس ذلك الغاضب...‏
يقول عماد، رداً على استثارة محدثة له بتخويفه من احتمال التعرض للموت، إذا ما استمر يقذف جنود الاحتلال بالحجارة: "مش مهم كثير... أن بستشهد... بس بصير مع الشهداء... وبصير عندنا وطن.. وكمان دولة..."(13) وبهذه الكلمات التي ينطقها بعفوية، يؤكد عماد أن الثورة والشهادة -وليس التزام موقف المحايد الخائف من الموت- هما، فقط، وسيلة الفلسطيني وخياره لتحقيق حلمه بالعيش في وطن حرٍّ ودولة مستقلة تخصه...‏
(1) قصة اسحب تربح) لصبحي حمدان. نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 43/45)، الصادر بتاريخ(1) تموز1988، الصفحة (4) .‏
(2) قصة اسحب تربح)، لصبحي حمدان. نشرت في صحيفة الاتحاد) بعددها ذي الرقم 43/45) الصادر بتاريخ (1) تموز 1988، الصفحة (4)
(3) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.‏
(4) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.‏
(5) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.‏
(6) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.‏
(7) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.‏
(8) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..‏
(9) قصة حوار النورسي)، لسمير رنتيسي، نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 265/45) الصادر بتاريخ (24) آذار 1989 ، الصفحة (5) وهي، كما يشير التذييل الوارد في خاتمتها، من مجموعة قصصية للمؤلف، بعنوان دولة الصغار).‏
(10) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.‏
(11) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.‏
(12) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره..‏
(13) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره..‏

[/align]

محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس