عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 07 / 2009, 30 : 10 AM   رقم المشاركة : [13]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

الدعوة إلى مواصلة الثورة... حتى التحرير...

[align=justify]
الدعوة إلى مواصلة الثورة... حتى التحرير...

من البدهي أن تحتل هذه الدعوة الحيز الأكبر من رسالة الانتفاضة... ذلك أن الإصرار على مواصلة الثورة واستمراريتها حتى بلوغها كامل أهدافها، وبشكل خاص، هدفها/ الغاية الذي هو تحرير الوطن الفلسطيني وإنسانه من ربقة محتلهما الإسرائيلي، هذا الإصرار هو الشرط الأول والأهم للوصول إلى تلك الغاية... ومصدر هذه الأهمية هو، بالدرجة الأولى، قناعة الثوار، في الوطن المحتل، بأن أي توقف، في منتصف الطريق، أو أي فتور أو تراجع، لا يعني ارتداداً انتكاسياً إلى نقطة البداية فحسب، وإنما يعني ضربة عنيفة جداً لإرادة التحرير الفلسطينية، قد تؤدي إلى إصابة هذه الإرادة بالعجز، ولفترة طويلة، عن متابعة محاولتها التجسد واقعاً... فعبر قراءتهم التحليلية المتأنية والواعية لسجل النضال الفلسطيني الطويل والحافل بالكثير من الاخفاقات المريرة، والنجاحات الصعبة، توصل أولئك الثوار إلى القناعة التامة، بأن الضربة التي لا تقصم ظهر عدوهم، تقويه...‏
وعلى خلفية هذه القناعة، تتبدى واضحة ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، مهما بهظت التضحيات، ومهما بدت الطريق إلى الغاية المنشودة ملغومة باحتمالات الإخفاق، في بعض المواضع والميادين... ذلك أن الإخفاق المرحلي، أو المحدود يمكن تدارك نتائجه وتجاوز سلبياتها، لكن النكوص أو الهزيمة لا يعنيان إلا السقوط وسط طقوس تراجيديا عنصرية مروعة، سوف يمارسها العدو إذا نجح في القضاء على الثورة، قبل وصولها إلى غايتها المنشودة...‏
ومن زاوية الرؤية الخاصة هذه، تحول الإصرار على مواصلة التحدي والنضال، إلى استراتيجية ترسم حركية ثوار الانتفاضة، وأهداف نشاطاتهم وفعالياتهم... وبالفعل، يستطيع من يتابع ما يصنعه هؤلاء الأبطال من أحداث، وكيف يصنعونه، وبأي روح وإرادة وتصميم، يستطيع أن يتبين، ودون كبير عناء، بأنهم قد أحرقوا جميع سفن احتمالات عودتهم إلى الأجواء الكابوسية لواقع ما قبل الانتفاضة الذي انطلقوا منه، ثائرين على استمراريته، وعلى استمرارية بقائهم القسري فيه...‏
وفي القصة، كما في الواقع تقريباً، نلاحظ اهتمام عديدين من مؤلفي قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، بالدعوة إلى الإصرار على مواصلة التحدي والنضال حتى تبلغ الثورة كامل أهدافها... وهم، في معرض طرحهم لهذه الدعوة وتأكيدها، لا يغفلون ما تكلفه تلبيتها من تضحيات باهظة جداً، ولكنهم يحاولون تسويغ احتمال تلك التضحيات بالإشارة إلى أنها مهما بهظت، يظل احتمالها أهون وأقل بما لا يقاس، من احتمال نتائج اخفاق الانتفاضة في الوصول إلى أهدافها... وعلى أساس قناعتهم بصوابية هذه الرؤية، نراهم يرفعون اصبع التحذير، معلنين أنه من الممنوع على من شقوا الطريق أن يتوقفوا في منتصفه، أو أن ينكصوا عائدين مسربلين بيأسهم وإخفاقهم...‏
ولأن التزام هذا الممنوع ضرورة، لا جدال فيها، برأيهم، نراهم يحرصون على تجنب تقديم ثائر الانتفاضة، إلى قارئهم، كبطل فرد، كلي القدرة، بوجوده وبقائه تستمر الثورة، وبانقصامه أو استشهاده تتوقف وتنتهي... وهذا يعني، اقتناعهم بضرورة نفي البطولة الفردية، في القصة والواقع، على حد سواء، والتأكيد بالمقابل، أن الانتفاضة هي فعل جماعي، وأن نموذج البطل فيها، هو مجموع الشعب وليس أي فرد من أفراده، حتى وإن تهيأ للوهم احتمال أن يكون هذا الفرد خارقاً...‏
ومن الملاحظ أن طرح مؤلفي قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، لموضوع الدعوة إلى الإصرار على مواصلة التحدي والثورة، لم يكن طرحاً خطابياً مباشراً، كما أنه لم يشكل، في أيّ من القصص، محوراً موضوعياً مستقلاً، بل كان متضمناً في سياق التأكيد لنفي مفهوم البطولة الفردية، في صنع أحداث الانتفاضة ومنجزاتها، وبالتالي، نفي احتمال توقف استمرارية الانتفاضة بسقوط أيّ من أبطالها أو القضاء عليه...‏
ومن أكثر قصص الانتفاضة احتفالاً واهتماماً بهذين الموضوعين، ومن أكثرها وضوحاً في طرحهما، قصة الزمن الجديد) لنبيل عودة. ففي نهاية هذه القصة الغنية، يسقط قائدها الفذ سليم) شهيداً، قبل أن يكمل ما بدأه من تغيير في قناعات أهل قريته ومفاهيمهم ومواقفهم، وقبل أن تكتحل عيناه برؤية نتائج التغييرات التي أحدّثها واقعاً ملموساً.... ولكن استشهاده لا يعني توقف أهل قريته عن مواصلة الثورة التي هيّأهم لتفجيرها والاستمرار فيها، سواء بقي هو الذي يقود خطواتهم فيها، أو صار القائد غيره.. فالثورة ليست هذا الفرد أو ذاك، حتى وإن كان صانعها ومفجرها... وبالتالي، فإن استشهاد القائد لا يهم كثيراً، ما دام يوجد بين أتباعه والمؤمنين بنهجه وأفكاره، من يستطيع حمل المسؤولية بعده..‏
بل إن أي ثائر صادق، يرفض أن تنتهي ثورته وتنطفئ بانتهائه قائداً لها... ذلك أن مثل هذا الثأئر لا يعنيه كثيراً أن يشهد بعينيه نتائج ما بدأه، بل يعنيه استمرارية السعي إلى تحقيق ما خطط له، في حركية من يليه /النابعة من إصرارهم على إكمال الدرب التي بدأها.. لأنه، وبهذه الإستمرارية فقط، يتحول استشهاده إلى حياة، فيسطيع أن يرى ثمار نضاله وانتصار رسالته بعيون الذين تابعوا حملها بعده، ونجحوا في تحقيق أهدافها واقعاً.. أي يتحول موته إلى معبر لخلوده...‏
وإيماناً من سليم نفسه بهذه الحقيقة، نجد أن جوهر الوصية التي يتركها لأتباعه هو دعوتهم إلى ضرورة مواصلة الثورة بعده، فيما لو سقط شهيداً وبالفعل، ما يكاد خلفه وليد) يتيقن من استشهاد ذلك القائد الفذ، حتى ينطلق في أزقة القرية وحواريها، ناشراً تلك الوصية، ليحضّ أهل القرية على متابعة الثورة التي فجرها سليم، صارخاً بأعلى صوته:‏
"سليم لم يمت... سليم معنا للأبد... سليم يقول لكم لا تصدقوا أنه يموت... سليم يقول لكم اصمدوا، واحموا كل البلد. سليم يحبكم وينتظر أن يسمع أخباركم المشرفة... سليم معكم في كل مكان. سليم يوصيكم أن تدفنوه في تراب وطنه المحرر سليم لا يموت... لا يموت... لا يموت.".(1) من الواضح أن سليم في الصياغة السابقة، قد خرج من محدودية كينونته المادية الضيقة، ليصير رمزاً تتجسد فيه روح الثورة الشعبية التي فجرها في أهل قريته، وليصير رمزاً لكل الشهداء الذين ضحوا بحيواتهم الدنيا من أجل إيصال مبادئ الرسالة التحريرية لثورة شعبهم إلى أهدافها، ومن أجل تجسيد هذه الأهداف كحقائق، على أرض الواقع... ولهذا، فهو لا يموت، ولا يمكن للموت أن يجد سبيلاً إليه... لأن موته، على مستوى الرمز الذي يجسده، يعني انطفاء شعلة الثورة بعده، واستحالة وصولها إلى تحقيق أهداف رسالتها...‏
وعلى افتراض صحة القراءة السابقة لنهاية قصة الزمن الجديد)، يمكن القول إن الدعوة إلى ضرورة مواصلة الثورة، متضمنة في كل جملة دخلت في تركيب تلك النهاية... وتكاد هذه الدعوة تتخذ صيغة الخطاب المباشر، في دلالات الجملة الأخيرة التي يوصي فيها سليم أهل قريته بأن يدفنوه في تراب وطنه المحرر... إذ كيف لهذه الوصية أن تنفذ، إن لم تستمر الثورة بعده، حتى تحقق كامل أهدافها، وخاصة هدفها /الغاية... أي تحرير تراب الوطن الذي أوصاهم أن يدفنوه فيه...؟‏
وبإشارات أقصر تردداً، واقل وضوحاً وتركيزاً، دعا أدباء آخرون في ثنايا مضامين قصصهم إلى ضرورة الإصرار على مواصلة التحدي والنضال حتى تحقق الانتفاضة أهدافها جميعاً..‏
ففي قصة اسحب تربح)(2) لصبحي حمدان، نجد أن بطلها الصغير هو الذي يحمل على عاتقه مواصلة دور أبيه وأخيه في المساهمة بصنع أحداث الانتفاضة، وذلك بعد اعتقال سلطات الاحتلال لكليهما... وفي انتقال مسؤولية هذا الدور إلى الصغير، إشارة غير مباشرة، من مؤلف القصة، إلى أن اعتقال هذا البطل أو ذاك، من أبطال الانتفاضة، لا يعني إيقافاً لاستمراريتها، أوحدّاً لتصاعد فعالياتها، ما دام يوجد، دائماً، من هو مستعد للحلول محله، ولملء الفراغ الذي يتركه أي ثائر، حين يتم اعتقاله..‏
وفي سياق حدثي مختلف، نلاحظ الإشارة السريعة غير المباشرة إلى الدعوة لضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، في قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)،(3) لسعيد نفاع... فإيماناً من بطلة القصة صباح) بأن السجن لا يمكن أن يعدّ حائلاً يمنع تدفق الحياة وإرادتها في الإستمرار، وبأن السجين مهما طال حبسه لا بد خارج يوماً لمواصلة نضاله، تقرر الزواج من سجين ما يزال محتجزاً خلف القضبان... وهي حين تصر على إعلان خطبتها له قبل إطلاق سراحه، لا تعبر بإصرارها هذا عن "حب مراهق"(4) بل تعبر عن إيمانها القوي" بحتمية زوال السجن وزوال السجان أمام إرادة الحياة.".(5) وبالفعل ما يكاد يخرج هاشم من سجنه، حتى يسارع إلى متابعة عمله النضالي، غير هيّاب من احتمال اعتقاله ثانية، أو من أي احتمال سيئ آخر. حتى ولو كان التعرض للموت..‏
إن الإشارة المتضمنة للدعوة إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، تبدو، في هذه القصة ومثيلاتها، مترافقة ومتداخلة مع الدعوة إلى ضرورة الإصرار على تجاوز العقبات المعرقلة التي يضعها العدو الإسرائيلي عصياً في عجلات انطلاقة الثورة، بغية منع استمراريتها... والسجن هو إحدى تلك العقبات.. وهو بين الوسائل التي يعتقد العدو، متوهماً، أنها قادرة على تثبيط إرادة الثورة في نفوس أبناء الوطن المحتل..‏
ومن القصص الأخرى التي تلازمتِ وتداخلت، في دلالات مضمونها، الإشارتان السابقتان إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، وعلى تجاوز العقبات المعيقة لاستمراريتها، قصة وتكون لنا راية)،(6) لنبيه القاسم... ففي نهاية هذه القصة أيضاً؛ وبينما كان جنود الاحتلال يدفعون بطلها، خارج بيته، ليسوقوه أمامهم معتقلاً؛ أي في اللحظة التي من المفترض أن تكون قواه خائرة أثناءها، نراه يندفع هاتفاً بأعلى صوته: "بلادي بلادي... الله أكبر... ليسقط الاحتلال... الفاشية لن تمر..."(7) مؤكداً بهذا الهتاف المتحدي إصراره، كفلسطيني، على مواصلة الثورة، من جهة، ومؤكداً، من جهة ثانية، أن اعتقاله، كثائر، لن يكسر ذلك الإصرار ولن يحدّ من اندفاعه أو تصاعده... وذلك انطلاقاً من قناعته العميقة والراسخة، بأن ما يفعله ليس عبثياً، وإنما هو سعي واعٍ لهدف محدد ومقدس، هو تحرير نفسه وشعبه وأرضه، مرة واحدة وإلى الأبد... ولعل رغبة المؤلف في الإشارة إلى قدسية هذا الهدف، وضرورة الإصرار الفلسطيني على تحقيقه، على الرغم من واقع الاعتقال والاضطهاد والقمع، هي ما حدت بذلك المؤلف إلى إنهاء قصته بتكرار مضمون ذات الجملة التي بدأها بها: "وشعر للمرة الثانية هذا اليوم، أن له راية وله نشيد وله ما يقاتل وما يعتقل من أجله.".(8) فبهذه النهاية، يتحد هدف نضال الفلسطيني بدافعه إليه، في كلّ واحد مقدس، هو إلغاء واقع الاحتلال، والتحرر منه...‏
وأخيراً، وفي القصة القصيرة هنية)(9) التي تلاحقت أحداثها متسارعة، على إيقاعات الانفعال المتوتر لمؤلفها محمد نفاع)، تنطلق الدعوة إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة حتى تصل إلى تحقيق كامل أهدافها، مجسدة في حركية إنسانية رائعة ومدهشة، تمارسها تلك الأم الفلسطينية هنية)، على نحو لا يملك القارئ معه السيطرة على رغبة حنجرته في إطلاق صيحة إعجاب بها، وإكبار لتضحيتها...‏
فهذه الأم التي دفعت بأولادها الثلاثة إلى ساحة المعركة، الواحد تلو الآخر، ليكونوا وقوداً لاستمرارية الانتفاضة، نراها، وقد فقدتهم جميعاً، تتعالى على إحساسها الفاجع بثكلهم، وتقف، فوق أحزان أمومتها الملتاعة، بشموخ الأرض التي ترمز إليها، في القصة، ثم ترفع أصابعها "راسمة شارة النصر"(10) مؤكدة استمرار تحديها، على الرغم من التضحية الباهظة التي تكبدتها، ومهيبة بغيرها من الأمهات الفلسطينيات أن يحذيّن حذوها، ويقدمن فلذات أكبادهن وقوداً جديداً لمواصلة الثورة واستمراريتها...‏
(1) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..‏
(2) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..‏
(3) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..‏
(4) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..‏
(5) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..‏
(6) قصة وتكون... لنا راية) مصدر سبق ذكره..‏
(7) قصة وتكون.. لنا راية)، مصدر سبق ذكره..‏
(8) قصة وتكون.. لنا راية)، مصدر سبق ذكره..‏
(9) قصة هنية)، لمحمد نفاع، نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 224/44)، الصادر بتاريخ (5) شباط 1988، الصفحة (4) .‏
(10) قصة هنية) لمحمد نفاع ، مصدر سبق ذكره.‏

[/align]

محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس