عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 07 / 2009, 42 : 10 AM   رقم المشاركة : [16]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

الفصل الثالث :"بطل الانتفاضة... ملامحه في منجزاته".‏

[align=justify]
الفصل الثالث :"بطل الانتفاضة... ملامحه في منجزاته".‏

بطل الأرض المحتلة... ينهض منها، ليحررها...‏

-1-‏
عشرون سنة مرت على الإنسان الفلسطيني، وهو رهن الاحتلال، في وطنه... عشرون طويلة، سلحفاتية الدقائق والثواني -عشرون كئيبة، ملبدة السماء بغيوم كثيفة تحجب نور الشمس... لا تنجلي، ولا تمطر أبداً..‏
عشرون سنة من معاناة الظلم والعسف.. من الإحساس المزمن بالخوف والقهر والقلق... عشرون من الاضطهاد، والانسحاق تحت وطأة الاستعلاء العنصري تارة، وتارة تحت وطأة الجوع وذل الفقر... عشرون مرهقة... توالت أيامها، كلها، ليلاً كابوسياً مرعباً... ما تألق فيه نجم، ولا أطلّ قمر..‏
عشرون سنة متواصلة، لزجة... قضاها الإنسان الفلسطيني، على رصيف الانتظار، مبركناً بالترقب، وهو يحلم أن يرى فجر حريته يبزغ، يوماً، من يديه، ومن رحم الأرض التي أحبها، لتغتسل بنور ذلك الفجر، متطهرة من أحذية الغزاة ورجسهم..‏
عشرون سنة، وهو يلف تلك الأرض، ويحتضنها حبيبة، محاولاً إخصابها بماء ثورته وشوقه إلى حريتها.. وعشرون سنة أخفقت محاولاته... لكنه أبداً لم يفقد أمله بحدوث المعجزة... كان عقب كل خيبة، يبتلع فشله، ويكظم يأسه، ثم يعيد المحاولة، متفائلاً، من جديد..‏
وحين استحال تفاؤله شمساً، أشرقت في قلبه وعقله، وعداً بالخلاص... وأملاً، أيقن أن المحاولة نجحت أخيراً... وأيقن أن موعد المخاض المقدس، قد صار قريباً..‏
وعندها، نفض العشرين عن كتفيه، لينهض، من تحت ركامها، مارداً، له قامة الريح...‏
ضغط آلام معاناته بين أصابعه، بقسوة فصارت حجراً، عبّأ في الحجر مأساته وحلمه... شحنه بإرادته... ثم شمرّ عن ذراعيه القويتين، وتهيّأ، محضراً نفسه، ليساعد أرضه على وضع مولودهما المنتظر: الحرية...‏
وها هو.. بطل الأرض المحتلة، ينهض منها ليحررها..‏
-2-‏
ها هو.. يقبل غامضاً، كالغيب.. وكالريح لا يرد.. يلبس عريّ الحق، ويحرك الإنسان، الطير، الصخر، الجبل، البحر... ويضمهم في صحبته، جنداً وشهوداً..‏
ها هو... ينهض منبعثاً من مأساته... ينهض من أول دفء الزهر المتحد بدفق الدم... ينهض ليشكل مستقبله بيديه... /وكما يحلم...‏
ها هو... يمشي فوق النار بشيراً... وفي خطواته معجزته.. نوره يتضاعف آلاف المرات/ بفعله... والعالم ظلّ يجري خلف طهارته، ويغتسل بآلائه..‏
ها هو.. يخترق زمانه الموبوء بالحقد وبالجشع... زمانه المصاب بالشلل والترهل واللامبالاة. يرفضه... يتحداه.. يحطمه.. ويسحق شظاياه على جدران مأساته، ليعلن عودة الفرح إلى مدن القهر... عودة الإنسانية للإنسان..‏
ها هو .. يحطم حدود اليأس والقنوط واللاجدوى... ويحطم أغلاله. كي يقتحم الوجود بقوة... ليرسم الدهشة على الوجوه، ويزرع في العيون الجوعى للنور والحرية، حقولاً من أمل أخضر..‏
ها هو... يفعل ويفعل... يخلق معجزته، بدءاً منه.. وبأفعاله، ينسجها أسطورة... يطلقها، في ذاكرة التاريخ ووجدان الناس، خلوداً... يطلقها، نغماً ينبعث طرباً، من أعماق الأرض وقلبه.. نغماً فطرياً وأصيلاً، حلواً وشجياً.. نغماً يجتاز بسامعيه حدود الوعي الضيق، نحو عوالم رحبة...، لا محدودة... عوالم أمل، يتفتح المستحيل فيها وعوداً ممكنة..‏
هو ليس خيالاً أو وهماً، بل معجزة حية.. وسرّ معجزته يكمن في أنه أمة... فهو المرآة التي يرى الجميع وجوههم فيها، وهو بذات الوقت- الوجه الخالد أبداً... الوجه الذي ترتسم قسماته على كل الوجوه العابقة بالثورة، وبحلم التحرير... هو الكل في واحد... الشعب في واحد..‏
-3-‏
هو ... بطل الأرض المحتلة، ينهض منها، ليحررها... ينهض طفلاً، يقذف حجراً... فيصير الحجر، بقدرته، شمساً تطلع، في الآتي، وطناً حراً.. ينهض أمّاً صلبة...، ترفض أن تبكي من فقدت، وتظل الأرض الخصبة تعطي، من كبد حرى... ينهض أختاً وحبيبة، ترفض أن تركع صاغرة\... ترفض أن تستسلم أو تتحطم... ينهض شيخاً قسّامي الوجه، ورجلاً، ما زالت، في يده، تبكي لعبة طفلته المقتولة غدراً، تستصرخ ثأره...‏
ينهض شعباً، صنعته تجاربه المرة، سيفاً عربي النصل ورمحاً... ينهض شعباً من لهب ضار، وحنان.ينهض شعباً / أملاً، قرر أن يبني غده بإرادتهِ، وحجارة أرضه..‏
-4-‏
ربما ليس خطأ اتهام المقاطع الثلاثة السابقة، بأنها خارجة عن حدود البحث النقدي وطبيعته، أسلوباً ومنهجاً... ذلك أنها، في مضمونها وصياغتها أقرب إلى الخاطرة الذاتية منها إلى النقد والدراسة... لكن، وعلى افتراض صوابية هذا الاتهام، ربما يستطيع الباحث أن يعثر على ما يتعلل به، كمسوغ، لخروجه القصير، من الموضوعي إلى الذاتي، في كون بطل الانتفاضة، وعلى المستويين الواقعي والقصصي، يعدّ محرضاً قوياً للنفس، يدفعها إلى التغني بأفعاله ومواقفه، وبنتائجهما... وثمة مسوغ آخر، يتمثل في انسجام ملامح بطل الانتفاضة، في المقاطع الثلاثة السابقة، مع الكثير من ملامحه في قصص الانتفاضة التي شكلت دراستها نسيج هذا البحث..‏
فقد اهتم مؤلفو هذه القصص، بإبراز بعض ملامح البطل الفلسطيني الذي فجر هذه الثورة العظيمة، وصنع أحداثها ومنجزاتها، وما يزال... اهتموا بإبراز ملامحه: طفلاً، وشاباً، وامرأة، وشيخاً، طاعناً في السن، وشعباً.. ولكن تعبيرهم عن هذا الاهتمام، لم يكن مباشراً، في أغلب الأحيان. بتعبير آخر لا نجد، في قصصهم حديثاً مستقلاً خاصاً بأي من ملامح بطل الانتفاضة.. بل نجد إشارات موحية، تدل على هذا الملمح أو ذلك وترسمه، في ثنايا الحديث عن أفعال ذلك البطل، وعن المتغيرات التي أنجزها باستمرارية ثورته، سواء على مستوى بنائه النفسي، أوعلى مستوى القناعات والمعايير الاجتماعية التي كانت تسود محيطه، قبل انطلاقة ثورته، أو على مستوى وضعيه.: السياسي والفكري..‏
وعلى افتراض صحة التصور، بأن مؤلفي قصص الانتفاضة قد اتخذوا من منجزات بطلها ملامح مميزة لشخصيته التي رسموا صورتها في قصصهم، وعلى خلفية الاعتقاد بأن أهم هذه المنجزات يتمثل، بجملة المتغيرات التي حققتها استمرارية ثورته، فإن ثمة ما يدفع إلى تركيز الحديث على أبرز تلك المتغيرات التي تعدّ، وبحق، المشكل الرئيس والأهم لخصوصية هذه الثورة وصانعها..‏
-5-‏
وعلى ضوء مراجعة مضامين ما توفر من قصص الانتفاضة التي صدرت، داخل الوطن المحتل، وتحليلها، يتبين أن المتغيرات التي أحدثتها هذه الثورة، على المستوى الفلسطيني، في الداخل تحديداً، قد استقطبت اهتمام مؤلفي تلك القصص، وجذبته، أكثر من تلك التي أحدثتها على المستويات: العربي والصهيوني والدولي.. وربما يعود ذلك، إلى ما تتمتع به المتغيرات، على المستوى الفلسطيني الداخلي، من أهمية خاصة، في نظر أدباء الوطن المحتل... وهي أهمية يمكن إدراكها، والتعرف عليها، وتعليلها، من جهتين:‏
فمن جهة أولى، تكتسب المتغيرات، على ذاك المستوى، أهميتها الخاصة، من كونها مؤشرات قوية الدلالة، يعين استقراؤها على استشراف ما تمتلكه الانتفاضة من إمكانيات القدرة الذاتية على الاستمرار، وعلى تصور المدى الزمني المحتمل لهذا الإستمرار، في ضوء تقدير جملة الظروف والمعطيات المحيطة بالثورة وثوارها، بفعالياتهم وإمكانياتهم، راهناً؛ وفي ضوء ما يتوقع أن يطرأ على تلك الظروف والمعطيات، من تغيير، مستقبلاً..‏
ومن جهة ثانية، تستمد المتغيرات، على المستوى الفلسطيني، أهميتها الخاصة، أيضاً؛ من فعالياتها التأثيرية، في مجموع البنى الفلسطينية النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بشكل خاص، وداخل الوطن المحتل تحديداً..‏
لهذا، فتأسيساً على ما سبق، وانطلاقاً منه، ستقتصر هذه الدراسة، تالياً، على عرض أهم المتغيرات التي أحدثتها انتفاضة أبناء الوطن المحتل، على المستوى الفلسطيني، دون غيرها، ومن زاويتين، تحديداً:‏
أولاً: من زاوية محاولة استبانة الكيفية التي طرحت بها هذه المتغيرات، فنياً، ومدى ما أصابه مؤلفو القصص المدروسة من نجاح، في طرحها، وفي إيصالها إلى قارئهم.‏
ثانياً: من زاوية السعي إلى تبين القدرة الدلالية لهذا الطرح، على رسم ملامح بطل الانتفاضة، وعلى إضاءة ما تتميز به شخصيته من خصوصية، توازي خصوصية ثورته ونتائجها..‏

[/align]

محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس