رد: قراءات معاصرة في تيسير النحو العربي
[align=justify]
الدكتور محمد خير الحلواني (رائد في تجديد النحو العربي)
مقدمة
يعد الدكتور محمد خير الحلواني (1933-1986) رائداً من رواد تجديد النحو العربي، وإن لم يذكر بين المجددين، أمثال عبد السلام هارون وعباس حسن، ود. مهدي المخزومي، ود. شوقي ضيف وغيرهم، لكن من يطلع على ما كتبه، وما ضمَّن كتبه من آراء وأحكام يجد أن عنده تجديداً لا يكاد يصل إليه الذين سبقوه، ولا سيما في كتابه «النحو المُيسَّر» الذي ضمَّ معظم أبواب النحو، فقد بثَّه أحكاماً تستند إلى المنطق، والقاعدة، والتحليل الرياضي، فوصل منها كلها إلى الاستنتاج والاستنباط، وكان هذا في منهج تميَّز به من غيره.
لقد بدا التجديد عند الحلواني في عدة أشكال، منها طريقة عرض المادة، وتبويبها، وتشعيبها، وتقسيمها، ومنها الأمثلة التوضيحية التي تفاوتت بين القرآن والشعر الذي يُحْتَجُّ به، والشعر الذي تجاوز عصر الاحتجاج حتى وصل إلى العصر الحديث، بل كانت العبارة القريبة من القارئ، من حياته ومحيطه الشاهد الذي استند إليه كثيراً ليوضح قاعدة، أو يقيم أخرى، أو يشرح ثالثة، ليأتي بحثه سهلاً معروفاً خالياً من التعقيد والإشكال.
كما بدا التجديد في مناقشة أقوال القدماء والمحدثين على السواء، فرفض أحكاماً عدَّها من الشاذ، أو مما تأوّله القدماء، أو مخالفة للقياس، وكانت عنده الجرأة في تقديم قواعد جديدة انفرد بها، قامت على المحاكمة والتحليل، ولم تكن مخالفة للاستدلال الذهني الذي أرسى عليه عدداً من الأحكام، وكذا المعنى الذي كان نصب عينيه دائماً عند شرح القاعدة وتحليلها وإعرابها شواهدها وأمثلتها.
وقد يكون تجديد الحلواني متميزاً عن غيره، وأعيد هذا إلى أنه مارس التدريس في مراحله كلّها، ومن يعمل بالتدريس يكتشف أشياء قد تكون خافية على الطالب أو المتعلم، فهو يريد أن يقربها من ذهن الطالب الذي صعبت عليه عبارة القدماء مرة، وآراؤهم مرات عديدة، فكان هدف الحلواني أن يقدم المادة قريبة مختصرة سهلة مشفوعة بالشواهد التوضيحية قائمة على فهم المعنى لأنَّ الإعراب في المعنى، فكان أن اجتهد في كثير من القواعد فأصاب في معظمها، وجانبه الصواب في قليل منها، لأنَّ ثمة قواعد لم يقتنع بها، أو لم ترق له فغيَّرها، ولو رصد الشعر الذي يتصل بكل القواعد لكان عنده وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره التي أثبتها، وهو الذي رصد في كثير من القواعد شواهدها، ولا سيما من القرآن الكريم، وربما يعود هذا إلى وجود المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لكن الشعر يستحيل عليه وعلى غيره، وهذه القواعد إنما هي قليلة لا تشكل شأناً كبيراً، ولا تقلل من ذاك الجهد الذي بذله، ووجهات النظر التي وصل إليها والتي تفوّق فيها، ويكفيه أنه قدَّم النحو ميسراً سهل التناول بلغة قريبة من عقل المتعلم، ويكفيه أنه لم يشأ من التجديد الحذف والاختصار والإخلال والإخلال وأحياناً الهدم كما فعل كثيرون!! بل إنَّ ما قدمه د. الحلواني يشكل حلقة من حلقات تجديد النحوي، وهي حلقة قوية متينة أحكم صُنعها، ولا شك في أنَّ ما قدّمه يستحق الوقوف عليه والدراسة، ومن ثمَّ الحكم.
تقدّم أنَّ نحو الحلواني جمعه في كتابه «النحو الميسَّر» وهو الكتاب الذي جمع فيه جهوده من عدد من الكتب، ولنقل: هو صفوة ما وصل إليه في تلك الكتب بعد أن استقرّت عنده الآراء والأحكام واستوت، وهذه الكتب هي «الواضح في النحو» و«المختار» الذي قال في مقدمته «إنه تتمة لكتاب الواضح في النحو أو جزء ثانٍ له»، و«المنهل» و«المعين»و«المنجد» وهي كتب تعليمية، يُضاف إليه كتابان في الصرف ضمَّ «المغني الجديد في علم الصرف» وكتاب «الواضح في الصرف» مضافاً إليه المدخل إلى علم الصرف وجذور الكلمات وأبنيتها، والتعبير عن الجنس (التذكير والتأنيث) … وما يلاحظ أن جهوده في الصرف لم تكن ذات شأن كبير إذا ما قيست بجهوده النحوية، ربما لطبيعة البحث في الصرف، ولكنَّ منهجه فيه كان كمنهجهم في علم النحو من حيث التبويب والتقسيم، واعتماده علوم اللغة الحديثة ولا سيما على الأصوات لكنَّ هذا لم يمنعه من مناقشة القدماء واستقرائه المادة الصرفية موضوع الدراسة.
من هنا كان اقتصار البحث على التجديد في النحو. بل اقتصر على ما في كتابه «النحو الميسر» للأسباب التي تقدمت، مع التلميح إلى غيره إذا ما تفرّد به، ولم يضمّه في «النحو الميسر» وهذا قليل جداً. وقد اقتضت طبيعة البحث أن يخلو من الحواشي لأنه قائم على قراءة الجوانب التجديد في النحو عند الحلواني، كي لا تكون الإحالات إلى أرقام الصفحات في كتابه، فأثبتت الصفحة من خلال البحث، كما فرضت عليّ قراءة النحو عنده عناوين محددة وصلت إليها، ولكنني لم أعرض لآرائه كما هي أو كما رآها هو، بل ناقشته في بعضها، وخالفته في بعضها الآخر، ورأيت أنه قصَّر في بعضها الثالث، وأقول ـ بداية ـ إنَّ معظم ما وصل إليه الحلواني من الجديد الصحيح السليم، لأنه قام على المنطق والمحاكمة العقلية، بأسلوب علمي في عرض الأبحاث من التعريف إلى المقدمة إلى الشاهد إلى التبويب وصولاً إلى النتائج … ووصلت إلى قناعة أنَّ الحلواني رائد من رواد تجديد النحو، لأنَّه تميّز بما وصل إليه، وتفرّد في بعض المسائل ولا سيما التي فيها تأويلات، يُضاف إلى هذا دقة العبارة، ورصد دقيق لكثير من الأحكام مع العناية بالمصلطح وتحديده تحديداً دقيقاً، فكانت كل هذه عناوين للبحث.
1- عرض المادة:
آ ـ الطريقة:
قدَّم د. الحلواني مادته منظَّمة مبوّبة بعد تعريف يعتمد الفكرة والتعبير واللغة ثم الدخول إلى البحث من خلال الشرح، وكان تأثير علم اللغة الحديث، وعلم الدلالة واضحاً في معظم ما قدّمه، ثم يبدأ توزيع البحث إلى فصول، وشعب، وجداول، وتشجير، وهذا واضح في الحديث عن النكرة والمعرفة (1/138-149) وحديثه عن (أو) التي تقع في جملة الأمر وجملة الاستفهام وجملة الخبر (2/734-735) وكذا الحال في تقسيم حروف العطف، والمعطوف … وقد عمد في هذا إلى المناقشة العلمية لكلّ ما قدّمه مستنداً في ذلك إلى الأحكام والآراء، وبمنطق علمي دقيق سليم، دفعه أحياناً إلى المقارنة بين بحثين مثل التمييز والحال (2/510) ، والتمييز والمضاف إليه (2/512) والتمييز المحول وغير المحول (2/523) .
وكان في خلال كلامه يعرض لآراء النحويين ولا سيما القدامى وكان يفندها، أو يعلّلها، أو يرفض بعضها، أو يضعّف بعضها، وأحياناً يعرضها بلا تعليق، بل إنه كان يقدّم البحث بلا جديد فيه، وربما يعود هذا إلى طبيعة البحث نفسه الذي لا يجد فيه القارئ أياً كان مادة للمناقشة والتعليق مثل (فعلا التعجب) (1/203) و (أفعال المدح والذم) (1/208) ، و (اسم الفعل) (1/213) ، ثم كان يعرب بعض الجمل والشواهد التي أثبتها على المسألة، وينهي البحث بعدد آخر من الشواهد للتدريب.
ب ـ الأسلوب الذي كتب به:
تفاوت أسلوب الحلواني في التعبير عن البحث موضوع الدراسة بين السهولة الكبيرة، وبين الصعوبة التي تمثلت بمناقشة العلماء القدماء بلغتهم، فمن حالات السهولة جداً حديث عن سبب قولنا الحركة المقدرة على الياء للثقل، وعلى الألف للتعذر (1/30) وكذا حديثه عن حركة جمع المذكر السالم الذي تجاوز الصفحة قليلاً (1/36/37) والذي يمكن اختصاره بسطرين اثنين، ومثله الممنوع من الصرف (1/38) والأفعال الخمسة (1/65) فبعد أن كان يعرض لوجوه الخلاف بين النحويين بلغة سهلة جداً، استشهد بقراءة قرآنية ومثل هذا أنه كان يعرض لوجوه الخلاف بين النحويين بلغة تفوق المستوى الذي قدم به البحث كاملاً كالحديث عن الضميرين (أنا) و (نحن) (1/81) وصاحب الحال، والعامل فيها، فأنت تشعر أنك أمام كتاب مختص جداً من القرن الرابع الهجري (2/491-498) .
ولا شك أن لغته كانت متميزة أو خاصة به استطاع أن ينفذ فيها إلى ما يريد، ونستشهد بعدد من الأمثلة على هذا، يقول عن وظيفة الإعراب: «وللإعراب في اللغة العربية وظيفة مهمة، فهو من القرائن اللفظية، والتركيبية التي تفرق بين المعاني النحوية، والمعاني الأسلوبية أيضاً» (1/24) بعد ذلك يستشهد بعدد من الشواهد والأمثلة والجمل في ضبط الكلمة الواحدة للتدليل على أن ضبط الحرف الواحد يفرق المعنى في تركيب الجملة كقوله تعالى: )إنما يخشى الله من عباده العلماء(، وقولك: ما أجمل (بالفتح) وما أجمل (بالضم) .
ويقول في الضمير: «للضمير في لغة العرب أهمية كبيرة، فهو كثير الاستعمال لأنه يؤمن للغة عنصر الاقتصاد الذي تسعى إليه» (1/70) ونقل عن بعض النحاة أنهم جوزوا عطف المتضايفين في الشيئين يصطحبان كاليد والرجل في قول بعضهم «قطع الله يد ورجل من قالها». ويتابع فيقول: «ويقال قياساً على هذا جئت قبل أو بعد العصر» (1/646) .
ومن هذا أيضاً ما ذكره في تقديم (ما) خبراً على المبتدأ (1/245) يضيف فيقول: «فالتقديم والتأخير في الجملة العربية إذن وسيلة تعبيرية لأنهما يكونان واجباً لا اختياراً يقتضيهما التركيب في العبارة العربية..» (1/256) .
ومن هذا كلامه على النداء عندما سأل ما الذي يُنادى؟ يجيب فيقول: «إن طرفي النداء يجب أن يكونا كائنين بشريين واعيين ولا بد من حضور الطرفين في مكان واحد بحيث يسمعه كلّ منهما الآخر، ولكن هذا الأصل العام قد يدخله بعض التغيير فقد ينادي الإنسان من ليس معه في مكان واحد كما يحصل في كتابة الرسائل وفي الشعر والأدب عامة، كما قد ينادى من لا يبادله الوعي والاستجابة كالبحر، والنهر، والسحاب، والأرض، والطلل، وغير ذلك من عناصر الطبيعة، كما قد ينادى الميت المندوب متفجعاً عليه، وهذا كله يدخل في باب المجاز» (3/538) .
لقد عمدت إلى إثبات النص الأخير كما هو ليتضح للقارئ لغة الحلواني في عرض المادة، وهذا ما كان في معظم ما كتبه، فتجاوز هذه اللغة إلى لغة جديدة في النحو، فيسمّي نون المثنى وجمع المذكر السالم ما يشبه التنوين (2/642) وعلق (كما) بصفة مصدر منتزع من الفعل (المختار 183 و 277) وعطف بالفاء السببية المفردات حين يكون المعطوف جملة أو اسماً مشتقاً استعمل استعماله فقط (2/729) .
وقادته هذه اللغة إلى الدقة في الكلمة أو الجملة أو العبارة أو الحكم، فلما تكلم على (ذو) من الأسماء الستة قال: «ولا يجوز أن يضاف مثلاً إلى صفة صرفية، فلا يُقال إنَّه ذو صالح، أو ذو عالم وكذلك لا تجوز إضافته إلى الضمير» (1/57) قال هذا كي لا يبقى في ذهن الطالب أنَّ الأسماء الستة يجب أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فحدّد بدقة المواضع التي لا يجوز فيها إضافتها. ورأى «أن الأسماء تبنى بناء أصيلاً ما عدا الاسم الموصول واسم الإشارة في حال التثنية …» (1/68) . ورأى أن أفعال الرجاء تخالف (كان) التي تحدد زمن الجملة الاسمية بالماضي، لأنها تحدده بالمستقبل على الرغم من أننا نعربها أفعالاً ماضية» (1/297) ونبّه الطالب كي لا يقع في إعراب خطأ مثل إعراب سلاماً في قولك «سلمت سلاماً»، فسلاماً ليس مفعولاً مطلقاً لأنَّ مصدر سلمت (تسليم) (2/439) وميّز له (واو) المعية عن (مع) وقال «يجوز أن تحذف الواو ويتم المعنى أما مع فلا» (2/448-449) ومثله التمييز بين التمييز المحول الذي لا يقبل (من) البيانية وغير المحول الذي يقبلها (2/523) وكذا في حديثه عن الأفعال الناقصة التي شببها بالأدوات (1/270) وعدم دخولها على الجملة الاسمية التي مبتدؤها من أسماء الصدارة (1/285) .
ومن هذا الباب أيضاً كلامه على (عسى) والمصدر المؤول بعدها (1/302) وكلامه على أداة النداء التي تنْزل منْزلة الآخر إذا كانت للبعيد أو القريب (2/535) وكلامه على اسم الفاعل الذي يعمل عمل فعله لكنه لا يبلغ مرتبة الفعل لأنه فرع عليه، ولا بدّ من شروط يستوفيها حتى يكون قادراً على العمل (1/223) واقرأ ما قاله عن وصف الصفة (2/681) وتعليله لمجيء الحال الجامدة المؤولة بمشتق (2/478) وإعراب الواو والفاء اعتراضيتين مع أنك لا تجد هذا في كتب الأقدمين ولكن تجده في الكتب الإعرابية (المختار 120-121) وحديثه عن الفعل (شعر) بمعنى علم الذي اتخذ في بناء الجملة العربية سمتاً خاصاً إذ جمد على صورة من صور التمني، وجاءت الجملة المفعولية بعده بصيغة الاستفهام (ليت شعري هل أبيتنَّ) (المختار 90-91) و (النحو الميسر 1/309) .
ومن هذا دقته في العبارة التي عرّف بها الاستثناء التام، قال «فإذا ذكر المستثنى منه تمت أركان الأسلوب الاستثنائي» (2/457) . لقد استعمل اللغة الاقتصادية التي سماها في غير مكان من كتابه، فلم يقل كما قالت معظم المصادر والمراجع اكتفى بوجود المستثنى منه ليكون هناك استثناء.
ومن هذا ما قاله في نداء المنقوص والمقصور إذ تثبت الياء والألف والسبب زوال التنوين لأنهما يحذفان في غير النداء (2/550) .
وفي النداء أجاز ترخيم الاسم العلم الثلاثي إذا كان آخره تاء مربوطة، مثل هِبة، وصِلة، ورُولة (2/564-565) . أما غيره فلا يجوز، قال: يحذف حرفان إذا كان خماسياً وما قبل آخره ألف مدّ، نحو: مروان، عثمان، عفراء، رغداء (2/565-566) أما إذا كان أقل من خمسة فيحذف الأخير نحو (يازيا) في (يا زياد) .
ومن هذا إعراب الأفعال الناقصة التي تبدأ بـ (ما) ما عدا (ما دام) فهي مؤلفة من (ما) النافية والفعل الناقص، والدليل ـ عنده ـ لا الناهية مع المضارع منها (1/281) وفي هذا توجيه للطالب لمعرفة الإعراب الدقيق، لأن كثيرين لما يزالوا يعربون (ما زال) كلمة واحدة، وهذا غير صحيح، وهذا يجرّهم إلى إعراب (ما دام) أيضاً كلمة واحدة، وهي (ما) المصدرية و (دام) ، وفيها مصدر مؤول وهذا واحد من أسباب التجديد، أقصد التيسير والتوضيح.
ومثل ما ذكره في أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة وإعراب الجملة جراً بالإضافة بعدها (المختار 93) وتشبيه المصدر المؤول بشبه الجملة لأنه أثر العامل فيه مخفي (1/33) ونبَّه إلى ضرورة تعليق شبه الجملة «والمهم في الأمر هو اعتماد المعنى في تحديد العامل في الجار والمجرور» (2/602) .
واقرأ ما قاله في رسم (إذن) إملائياً ترَ دقة العبارة التي تناول فيها إعرابها، وإملاءها (المختار 379) .
وما يلاحظ في هذا الجانب أنَّ الحلواني عمد إلى التبسيط والتسهيل بكل الوسائل ومنها اللغة التي خاطب بها القارئ، حتى إنه كتب بلغة تناسب الطفل الصغير في وقت ارتفعت اللغة وسَمَتْ حتى خاطبت المختصين، وفي هذا تفاوت كان يفترض ألا يكون.
فلّما ذكر علامات الأفعال استشهد بأفعال مجردة «علمتُ، وكتبتَ وقرأتِ» (1/15) وأضاف أنَّ هناك أفعالاً لا تقبل التاء مع أنها أفعال ماضية كأفعال الاستثناء، وحبّ في المدح والذم (1/15) ومثله في عدم تنوين المعرف بـ (ال) مثل الرجـلان، والمطاران والعاملـون أو الباغون … (1/59) وهذا واضح جداً، وكذا ما ذكره في ضمير الرفع المنفصل (1/85-86) ولم ينسَ أن يشير إلى أنَّ ياء (في) وألف (على) تحذفان لفظاً إذا وليهما ساكن (2/623) .
وأنهي هذا الجانب بموقفيْن اثنين يختصران ما تقدم ويزيدان إضافات جديدة تميز أسلوب الحلواني وعباراته الدقيقة.
الأول: ففي كلامه على المبتدأ والخبر يقول: «وعلى الرغم من أن المبتدأ والخبر اثنان نرى الفائدة المعنوية منهما لا تتم إلا بعد إدراك ثلاث دلالات:
دلالة المبتدأ: وهي دلالة الكلمة على المعنى المنوط بها، وهي دلالة عرفية معجمية.
دلالة الخبر: دلالة عرفية تُعرف من البيئة أو من المعجم.
العلاقة بينهما: هي دلالة نحوية تركيبية ولولا هي لاسْتَقلَّ المبتدأ عن الخبر، ولانقطعت صلة بعضهما ببعض.
والثاني: عن الظرف في آية وحديث يقول: «فأنت ترى أن (يوم) في الموضعين جاء بعد حرف جر، ولكنه استجاب لعامل الجرّ في الآية ولم يستجب له في الحديث فجاء معرباً مجروراً في الآية ومبنياً على الفتح في الحديث، والكلمات التي من هذا النوع كثيرة في اللغة العربية، ولا شك أنها لا تبنى في موضع ولا تعرب في موضع آخر اعتباطاً بل هناك نظام دقيق جداً يعتمد على المعنى حيناً، وعلى علاقات لفظية في التركيب حيناً آخر» (1/126-127) .
ج ـ الـرصد:
إنَّ الوصول إلى الحكم الدقيق يجب أن يقوم على رصد الشاهد أو رصد القواعد، وقد خلت معظم الكتب من هذا ولا سيما المعاصرة التي يُفترض أن تعتمد عمليةَ الرصد ما دامت وسائل الحضارة متوافرة وفي رأسها الكمبيوتر، ولو اعتمدنا هذا لوصلنا إلى أحكام دقيقة في كثير من قواعدنا النحوية التي لا تزال تفتقر إلى الدقة والحكم الصحيح، بل ما زال كثير منها يعتمد الظن والاعتقاد، والتفسير، والتأويل، وهذا ما لم يَرق للدكتور الحلواني فيما قدّم فاعتمد الرصد في كثير من المواضع ووصل إلى نتائج دقيقة وهذه مهمة العمل السليم، ومما وصل إليه من خلال الرصد.
إن ارتباط جواب الشرط بـ (إذا) الفجائية نادر جداً (1/181) .
وأنَّ الجزم بجواب الطلب يكون في الأمر خاصة (1/187) .
وأنَّ (كاد) لم تأتِ في القرآن إلا خبرها جملة فعلية فعلها مضارع مجرّد من (أن) (1/292) .
وأنَّ عسى هو الفعل الوحيد من أفعال الرجاء الذي استعمل في القرآن (1/297) .
وأنَّ الباء غالباً ما تقع زائدة في خبر (ما) العاملة عمل (ليس) ، وأضاف «ويكفي أن تعرف أنَّ في القرآن ثلاث آيات فقط جاءت فيها (ما) دون أن تزاد الباء في خبرها، وعلى حين جاءت في مئات الآيات بالباء الزائدة، وقلّ مثل هذا في الشعر العربي القديم أما (ليس) فأكثر ما تستعمل دون باء» (1/321-322) وإن كان هذا ينقصه رصد ديوان شاعر للتدليل والتأكيد.
وأنَّ (لا) العاملة عمل ليس لم يُسمع عملها صراحة «وهي مستوفية شروط عملها إلا في بيتين أوردهما النحاة من دون أن يذكروا لهما قائلاً معرفاً» (1/326) وكأننا بالحلواني يريد أن يقول لا شواهد عليها، ويؤيد بهذا رأي من أهملها وقال غير موجودة في الشعر.
وأنّ (آ) و (أي) للنداء نادرتا الاستعمال «ويبدو أنهما منقرضتان منذ زمن بعيد» (2/533) .
وأن كتاب سيبويه يخلو من نص أو نقل عن العرب في ترخيم اسم ما (567) .
وأن الباء لم تأت زائدة مع (حسب) في القرآن الكريم (2/586) .
وأنَّ الكاف لم ترد في نص نثري اسماً بمعنى مثل كالشعر (2/609) . ونقول ولكن هل يمكن رصد كل النثر، قد يُقاس على الشعر ويُرصد ما فيه اعتماداً على الكمبيوتر، أما النثر فلا.
وأنَّ (عن) و (على) «لا يكونان اسمين إلا إذا دخل عليهما حرف جر شعراً ونثراً» (2/610) .
ورأى أن حروف الجر إذا تجاوزنا الآراء الفردية والخلافية لا تزيد على واحد وعشرين حرفاً (2/579) .
ويتضح رصده للغة التي شعر أن كثيراً منها انقرض، وقد يكون هذا الرصد ناتجاً عن متابعة القاعدة عند الأقدمين.
ومن هذا أنَّ اسم الإشارة (ذا) له أشكال لفظية قديمة انقرضت هي ذائه، وذاؤه وذاء (1/101-102) .
وكان الأفضل ألا يدخل في اللهجات واللغات القديمة ما دام الكتاب في تيسير النحو.
ومن هذا ما ورد عند القدماء، جاء أخُك، ومررت بأبِك، ورأيت حَمك في اللغة المنقرضة في الأسماء الخمسة كما سماها (1/57) .
ومن هذا أيضاً ما حدده بأواخر العصر الجاهلي ولم يستعمل إلا في العصر الإسلامي إلا نادراً، وهو أن يلزم الياء الملحق بجمع المذكر السالم، وتجري الحركة على آخر النون كما في قول سحيم بن وثيل الرياحي:
وماذا يبتغي الشعراء منـي وقد جاوزت حد الأربعين
وأقول إذا كان الشاهد وحيداً، فإننا لا نقيس عليه، بل نقول: لماذا لا يكون من قبيل الضرورة الشعرية؟!.
لقد بدا أن الحلواني يُسرُّ عندما يشعر أن لغة قديمة قد انقرضت إذا كان فيها من التعقيد ما فيها، لأنها تساعده في التيسير والتسهيل، قال في الاسم الذي يقع بعد مذ ومنذ مرفوعاً: «ويعد هذا التركيب ـ على تصحيح النحاة له ـ رديئاً لا تكاد تعرفه النصوص المنقولة، وقد انقرض في عصرنا الحاضر والحمد لله» (2/613) .
د ـ المصطلح:
إن التحديد والدقة اللتين رأيناهما عند الحلواني تجديداً، وصلا به إلى التحديد والدقة في المصطلح، فكان عنده شيء من التجديد في المصطلح فلم يعتمد ما عُرف وعُهد على الأقدمين، بل إنه رفض تسمياتهم وصرّح بهذا، فقد رفض تسمية الفضلات التي سماها متممات الجملة، لما قد يجر من توهم الزيادة (1/27) .
أما الاسم المتمكن فيعنون به أن اسميته أصلية صافية غير مشوبة بشبه الحرف (1/23) والمبتدأ المتمم هو ما يضاف إلى المبتدأ، أو يوصف به. وسمّى الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر «الأفعال التامة الناسخة» (1/307) وقال في خبر (كان وأخواتها): «وهذه التسمية مجرد اصطلاح لا يدل على واقع لأن الخبر ليس خبرها حقاً، بل هو خبر اسمها لأنه يخبر عنه لا عنها» (1/285) وفي التمييز يقول: «وههنا يمكن أن نصوغ قاعدة جزئية ومطردة هي أن التمييز يتضمن معنى (من) البيانية إلا أن بعضه يصلح لمباشرتها لـه» (2/509) . وعلل سبب تسمية حركات الإعراب الضم والرفع، والفتح والنصب، والكسر والجر … (1/26) .
وزيادة في التوضيح كانت الدقة في الحكم على المصطلح كتقسيم الفاعل إلى فاعل نحوي، وفاعل حقيقي (1/347) وفي النداء قال: «إنَّ الذي يُعرّف قصد المنادى لا النداء لأنّ النداء في ذاته لا يعرف …» (2/543) ويكفي أن نقرأ الدقة في المصطلح عندما تكلم على الاسم المفرد:
يقول: صرفياً: - يدل على واحد يقابل المثنى والجمع.
- كلمة بسيطة غير مركبة.
نحوياً: - لا مضاف ولا شبيه بالمضاف.
لا جملة ولا شبه جملة.
ليس من ألفاظ العقود (2/545) .
ويؤيد كلامنا السابق أنَّ الحلواني حدد زمن المصطلح تحديداً دقيقاً، من هذا نائب الفاعل يقول فيه «تسمية هذا الباب نائب فاعل متأخرة أول من أطلقها فيما أرجح ابن مالك وكان يقال من قبل ما لم يسمّ فاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله» (1/367) . ومنه التركيب المزجي قال «لم يرد ذكر هذا المصطلح في كتب القدماء قبل القرن السابع، ولعلّه من وَضْع ابن مالك أو غيره من المتأخرين» (1/44) .
وفي هذا ما يشير إلى أنّ الحلواني يؤيد كثيراً ابن مالك في بعض آرائه فقد ذكره غير مرة، وأيّده مثلاً في زيادة (من) بعد الشرط، وإعراب (أن) المصدرية قبل الفعل الماضي.
2- مناقشة القدماء:
تقدّم قبلُ أنّ الحلواني لم يكن يُسلّم بما قاله القدماء، بل خالفهم مرة وأيّدهم مرات، وناقشهم في كل ما كان فيه وجهة نظر، ورفض التأويلات التي لم تقدم شيئاً مفيداً، وما كان يدل على اضطراب، وتكلفهم في بعض ما أوردوه، وحاول الوقوف على مسائل ومشكلات ليجد حلاً لها مستنداً في هذا إلى العلم والمنطق الرياضي … وقد يكون ما توصل إليه صحيحاً لأنه اختص بدراسة الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين في غير دراسة وكتاب، ومن هنا نطمئن إلى ما سيقوله:
آ ـ فقد أنكر عليهم عدم اهتمامهم بتوزيع الخصائص وتنظيمها بل خلطوا بعضها ببعض، فلم يميّزوا مثلاً السمات الصرفية عن النحوية عن الدلالية في خصائص الاسم (1/9) .
وعدَّ أقوال القدماء في بناء (نحن) ظنوناً وأوهاماً (1/82) .
وفضل إغفال آراء كثيرة في (ضمائر النصب المنفصلة) لكثرتها واضطرابها، فالقدماء لم يستقروا ـ بزعمه ـ على رأي ثابت في هذه الكلمة (1/87) .
ورفض الدخول في «متاهات الحديث عن العامل في المستثنى، فليس في الآراء المذكورة في ذلك رأي واحد يخلو من النقص أو الاعتراض» (2/451) وكان قد ذكر هذا نفسه في كتابه المختار (336) .
ولم يرق لـه الأصل الذي قرّره القدماء في إعراب الجمل لأنه غير مستقيم على الرغم من دفاعهم عنه وتكلفهم في التقدير (المختار 78) ويضيف «أما الأصل الذي تجده يستقيم في إعراب الجمل فهو مجيء عامل ما قبلها أدخلوا الكلام معه» (نفسه 78) .
لم يوافق البصريين في أن (من) لا يأتي لابتداء الغاية في الزمان بل يقتصر على المكان، وقال إنّ هذا لا يقره متن اللغة العربية (2/616) ، ورأى في اعتبار (إلى) لانتهاء الغاية من تكلف النحاة وتعسفهم (2/622) .
عدّ حذف المضاف إليه مستهجناً وإن ورد منه عند القدماء (2/645) .
ورفض تسمية القدماء لام البعد في أسماء الإشارة، وهو يرى أن النحويين تأولوا هذا، ويقول: «ومثل هذا التأويل يجعل القواعد غير مستقرة» (1/105) ومثله كاف الخطاب فهي غير واضحة في كثير من النصوص، انظر في قول الشاعر:
لا تحسبنَّ الموت موت البلى
وإنما الموت سؤال الرجـال
كلاهمـا موت ولكـن ذا
أفظع من ذاك لذلّ السؤال
فعلى الرغم من أن المشار إليهما في منْزلة واحدة من القرب والبعد نرى الشاعر يشير إلى الأول بـ (ذا) ويشير إلى الثاني بـ (ذاك) «هذا إذا تجاوزنا التمحّل في التأويل والتماس الحيل» (1/105) .
ولمّا وجد كلاماً يناسبه أيّده فقد أيّد النحويين الذين رأوا أنّ في استعمال ضمير الشأن ضرباً من المبالغة، وقال «وهم على حق فيما يذهبون إليه، لأنه يقع موقعاً يثير الانتباه لما فيه من غموض وإبهام، ثم تعقبه جملة مفسرة لـه، كاشفة عن غموضه» (1/94) ، ويعلق على بيتين في هذا الباب، الأول قول الشاعر:
إذا مت كان الناس صنفان: شامت
وآخر مثـنٍ بالذي كنت أضع
والثاني قول الآخر:
هي الشفاء لداءٍ لو ظفرت بها
وليس فيها شفاء الداء مبذول
فيقول: «ولعلك تلمح في هذين الشاهدين وفي تخريج النحويين لهما ما فيه من تكلف، فلو قال الشاعر كان الناس صنفين، وقال الآخر مبذولاً لما تورطوا فيما تورطوا فيه من تخريج، ولكن الشاعرين لم يجريا على القياس اللغوي فحملا النحاة على مثل هذا المركب الوعر» (1/99) .
لقد صرح بأن تأويلات النحويين تجعل القواعد غير مستقرة، وكأنه يريد أن يطبق هذا القول على كل ما في القواعد التي وقف عندها.
بل إننا نقرأ عبارة واحدة تلخِّص كل ما يريد قوله وتصب في التجديد، يقول في توابع المنادى: «وهذه الفقرة أصعب ما في بحث النداء فكلام النحاة عن توابع المنادى متداخل، ويعوزه التنظيم، وقد حاولت هنا جاهداً أن ألخصه وأنظمه ولكني صفيته من الآراء المختلف فيها، والمسائل المنقرضة» (2/570) وكأني بعبارته هذه تعبر عن لسان حاله في كتابه كلّه. بل إنه بالغ في العبارة أحياناً، يقول: «وما رأيناه من تضارب الآراء في تحديد العامل النحوي أدى إلى تخليط المتأخرين في عزو المذاهب إلى أصحابها» (المختار 340) . وأكثر من هذا ما قاله «وأحياناً ترى النحوي العظيم حائراً في تقديم جواب شافٍ عن العامل في المسألة» (المختار 341) .
ب ـ لكن هذا لا يعني أن الحلواني كان مخالفاً للقدماء في كثير من القواعد والأحكام، بل وافقهم في معظم ما جاؤوا به، ولكن ليس من الضروري أن يذكر هذا في كل موضع، بل كان يفعل ذلك في بعض المواضع التي فيها خلاف، فيبدي تأييداً، فإذا طرحنا ما تقدم من مخالفة القدماء من أبحاث النحو وجدنا أنه وافقهم في غير هذه المواضع، وقد اقتدى بعدد منهم في بعض الأبحاث مثل إعراب الجمل «وقد اقتديت في إعراب الجمل بصاحب المغني من حيث الترتيب العام» (المختار 3) .
ج ـ وكان يعرض لآراء العلماء ويناقشها مناقشة علمية منطقية، ثم يصل إلى ترجيح وجه على آخر، من هذا ما ورد في إعراب أسماء الشرط (من ـ ما ـ مهما) يقول: «وحين تكون مبتدأ يكون فعل الشرط هو الخبر على أيسر الآراء، ويشبهها قوم بالأسماء الموصولة ولذلك يرون جملة الجواب هي الخبر، وهذا يوقعهم في كثير من التناقض» (1/176) ويضيف «وإذا تبين لنا فساد هذا المذهب وجب أن نأخذ بالمذهب الآخر لأنه أقل اضطراباً منه» (1/177) ثم يعلق في الحاشية على هذا الباب فيقول: «الواقع أن أسلوب الشرط والجواب في هذه المسألة من المشكلات التي لا تطمئن النفس إلى حلها وفق قواعد النحو المرسومة، ولذلك يكون الأخذ بأقل الرأيين اضطراباً أسلم من الأخذ بغيره» ثم يؤيد تعليق أسماء الشرط الجازمة التي تتضمن الظرفية بفعل الشرط لا بجوابه، ويدلل على هذا بتعليق (أيّ) بفعل الشرط إذا دخل عليه حرف الجر. (1/179) .
ومن هذا إنكاره أن يكون النداء مفعولاً به لفعل محذوف يقول: «وإذا كنا قد أيدنا النحاة بأن المنادى منصوب فإن ذلك لا يجرّنا إلى الذهاب معهم بأنه مفعول به لفعل محذوف إظهاره كما يقول سيبويه، أو لفعل مضمر كما يقول ابن عقيل، بل هو باب مستقلّ ولا صلة له بالمفعول به، وإذا كان يعني من جملة ما يعنيه استدعاء المخاطب فلأن سياق الحال والمقام الاجتماعي هما اللذان يوحيان بهذه الدلالة» (2/541) .
ولكنّ هذا الرأي غير صحيح فما الذي نصب النداء، ولماذا عُدّ من المنصوبات إنّ (يا) حلّت محلّ الفعل أنادي، وهذا واضح بيّن، يمكن التدليل عليه بأن تطلب الأم من أحد أبنائها أن ينادي أحد إخوته، فماذا ستقول له: نادِ أخاك، وهو ماذا سيفعل، سيقول (يا فلان) ، أليست (يا) بدلاً من (نادِ) أو ليس (أخاك) مفعولاً به، بلى.
وقريب من هذا ما أورده من أنّ التابع بعد (أيها) يمكن أن يكون عطف بيان، لأنّ وظيفته كوظيفة الصفة في المشتقات، أما البدل ففيه أشكال لأنّ شرط البدل أن يصحّ إسقاط متبوعه، وهنا لا يصح إسقاط (أيها) في مثل يا أيها الرجل لأنَّ (يا) حينئذ تباشر المعرف بـ (ال) (2/553) وكرر هذا (2/572).
ونقول إن ما وصل إليه الحلواني بعيدٌ عن الصواب، فإمّا أن يبقي إعرابه بدلاً على ما جاء به القدماء، لا تأييداً لكلامهم كيفما كان وإما أن نعربه صفة في الحالين إذا كان جامداً أو مشتقاً كما أعربه كثير من القدماء، ثم إن حجته في أن شرط البدل أن يصح إسقاط متبوعه ليست صحيحة، فماذا تقول في قولنا: قرأت الكتاب بعضَه، وزرت حلب قلعتها، فماذا لو حذفنا الكتاب، وحلب، هل يجوز أن تقول: قرأت بعضه، فعلى من تعود الهاء، وكذا زرت قلعتها، أفي الدنيا قلعة حلب فقط وقد يكون إسقاط البدل في نداء (يا أيها) أسلم من إسقاطه في غير النداء هذا إذا لم نعدّ الشواهد التي جاء فيها المعرف بـ (ال) منادى مباشرة!!!.
هـ ـ بقي أن نشير في هذا الجانب إلى أن الحلواني خالف عدداً من العلماء مصرحاً بأسمائهم فقد خالف سيبويه وابن عقيل قبل قليل في أسلوب الشرط، وخالف البصريين في غير مسألة، وما يلاحظ أنه خالف ابن هشام كثيراً، وإن اعتمد عليه في إعراب الجمل، يقول: «ولكنني خالفته غير مرة في أمور جزئية، ونبهت على بعض هفواته في بحث الجمل والأدوات» (المختا 3) وقد ناقشه في (أن) المصدرية الداخلة على الفعل الماضي (المختار 227) بل يراه يناقض نفسه في رأيه في موضعين (المختار 142) وأكثر من ذلك ما قاله «وأنت ترى أن ابن هشام لا يستطيع أن يجزم في رده بل يظن ظناً» وليقلل من رأي ابن هشام جاء برأي السيوطي الذي انتقل الكلام عنده من الظن إلى الجزم (المختار 143)
3- الآراء النحوية عن الحلواني:
وصل الحلواني بعد قراءة النحو قراءة متأنية، وراصداً له ولشواهده إلى عدد من الأحكام أو الآراء التي يمكن أن تتوزع على ثلاثة عناوين، آراء محددة، وآراء رجّح فيها وجهاً على وجه آخر، وآراء قصّر فيها ولن أعرض لهذه الآراء عرضاً فحسب بل سأضعها محلّ المناقشة والتأويل مؤيداً أو مخالفاً.
آ ـ الآراء المحددة:
ثمة آراء كثيرة وصل إليها الحلواني كانت محددة وواضحة نعرض لعدد منها، ونحكم عليها.
أعرب المصدر المؤول من (كي) وما بعدها دائماً جر بحرف الجر اللام سواء كانت ظاهرة أم غير ظاهرة (المختار 64) . فهو لا يؤيد إعرابه منصوباً بنَزع الخافض، وفي الوجه الثاني صواب.
الجملة عنده اسمية وفعلية فقط (المختار 74) لكنّ هذا غير دقيق فالجملة الشرطية جملة مستقلة.
اعتبر اسم الإشارة والاسم الموصول بصيغة المثنى معربَيْن يقول: «وتثنية اسم الإشارة لا تخلو من خروج على نظام اللغة العام لأنّ الاسم الذي يثنّى يجب أن يكون معرباً، واسم الإشارة المفرد مبني كما عرفت» (1/106-107) و (1/116) .
وهذا القول بعيدٌ عن الصواب بل خاص جداً للحلواني، وهو قابل للنقاش فماذا لو كان اسم لا النافية للجنس مثنى أو جمع مذكر سالماً؟! هل أجعله معرباً لمجرد أنه جاء بصيغة المثنى أو الجمع، والجواب من كتابه نفسه يقول: اسم لا النافية للجنس «أما إذا كان جمع مذكر سالماً أو مثنى يُبنى على ما يُنصب به وهو الياء» (1/132) أليس في هذا تناقض؟!.
كيفما ـ عنده ـ هي دوماً حال من فاعل فعل الشرط (1/179) .
لا يؤيد إعراب (إن) و (لو) وصليتين إذا تقدم جواب الشرط عليهما، فهذا بزعمه من أسلوب البلاغيين (1/189) .
قيّد الاستفهام الذي يسبق (من) الزائدة بـ (هل) (2/584) .
علّق من ومجرورها بـ صفة من (كم) لا بكم نفسها لأنها نكرة (المختار 171) .
أداة النداء قبل الفعل أو الحرف تعرب أداة تنبيه لا أداة نداء (2/539) ، ويضيف «وهذا خيرٌ من تقدير منادى لا يقتضيه السياق» (2/540) ، ومثل هذا الرأي يُفضل أن يكون كلما دعت الحاجة إلى طرح الأحكام، فهو دقيق يُبعدنا عن التأويل والتقدير، وهذا كلّه ينفر الطالب والمتعلم من كثرة الأحكام وتشعبها وصعوبتها.
اعتبر همزة (أل) في لفظ الجلالة المنادى يا ألله همزة قطع (2/552) .
الضمير في «حنانيك» و«لبيك» كاف الخطاب أبداً إذا تجاوزنا بعض النوادر من الشواهد المجموعة، وهو المضاف إليه (2/651) .
المجرور بحرف الجر كالمفعول به أصلاً (20/606) .
فعل القول لا ينصب إلا الجمل، والمفردات التي فيها معنى الجملة (المختار 77) .
لا يمكن أن تسدّ الجملة مسدّ مفعولي أفعال التحويل، وكذلك لا يقع المصدر المؤول بعدها موقع المفعولية (1/319) .
أفعال الشروع ماضية ولكنها تدل على الزمن الحاضر (1/303) .
الوظيفة الإعرابية لـ (ربّ) «لا تكاد تزيغ على أربع وظائف هي المبتدأ، والمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول المطلق» (2/599) . ولكن يؤخذ عليه أنّ شواهده ـ هنا ـ جمل لا شعر وقرآن مع وجودهما بكثرة.
عدّ الضمير العائد على الظرف ظرفاً لا مفعولاً به، كما في قولك «تلك مسافة طويلة مشيتها» وقاسها على «هذا صبرٌ لا يصبره أحدٌ» (1/388) .
ألحق لفظي (بنات) و (أخوات) بجمع المؤنث السالم (1/35) .
سمّى إعراب الجمل محلّياً، أي لا تظهر الحركة لأنّ العوامل لا تؤثر فيها تأثيراً لفظياً (1/32) .
لم يفرد لشبه الجملة منفردة خاصة في وقوعها حالاً كما يفعل بعض النحاة القدماء والمعاصرين، لأن شبه الجملة بذاتها لا تكون حالاً بل الحال محذوفة، وهي معلقة بها (2/490) .
وأقول لمذا خص شبه الجملة بفقرة خبراً، أو صفة، وهذه الأبحاث الثلاثة (الخبر، الصفة، الحال) تشترك في عدد من الخصائص، منها أنواعها المفرد، والجملة وشبه الجملة … فهو يقرّ أنه يخالف قدامى ومعاصرين، ولكن لا أرى في مخالفته هذه صواباً، بل انفراداً يفتقر إلى المحاكمة التي كانت في معظم أبحاثه.
شبّه بناء بعض الأسماء والظروف بسبب شبه الحرف (1/67) .
عدّ الباء زائدة في «علمت بالنبأ» وكذا اللام في «سمعت بقراءتك للبحث» وسمّاها لام التقوية، وقال: «وهي حرف جر زائد عند بعض النحاة» (1/393) وعلّق في الحاشية فقال: «ويرى آخرون أنها ليست زائدة» فلسنا أولاً بحاجة إلى الحاشية، وهو الذي اعتمد الاقتصاد في اللغة، وهو الذي كان يشير إشارة أو يلمح تلميحاً في كثير من المواضع، ثم إننا لا نصل معه إلى الوجه الذي يريد، وهو الذي عدّ التعدي كالجار والمجرور، فلم يكن عنده هنا الدقة التي وصل إليها في كثير من الأحكام.. ومن معاني الباء واللام التي وضعها تشعر أنهما حرفا جر أصليان يعلّقان مع الاسم المجرور بالفعل، فكأنهما المفعول، وهما ليستا من مواضع زيادتهما.
أجاز بدل الكل من الجزء في قولك «أزورك في الرابعة يوم السبت» وفي هذا وجهة نظر مخالفة، لم لا يكون (يوم) منصوباً على الظرفية تقدر (في) في الجملة، وليست ـ أيضاً ـ منصوباً بنَزع الخافض، ثم هل يجوز أن أقول زرت صديقي أسرته، وإذا كان هذا صحيحاً فإننا بحاجة إلى الشواهد التي تثبت القاعدة!! وهل يجوز أن أقول قرأت بعضَه الكتاب!! لا.
وظن في بعض المواضع أنه انفرد بحكم أو قاعدة، من هذا ما قاله في أفعال التحويل » وهذا موضعٌ لم أجد من ذكره ممّن تحدث عن إعراب الجمل، وهي أن تقع الجملة في موضع المفعول الثاني (المختار 91) وهذا ظن يفتقر الحجة والبرهان، فقد يكون عرض القدماء عنه من قبيل المعروف الذي لم يشأ القدماء الوقوف عليه، ثم إنه نفسه وقف عند إعراب الجمل مختصراً مُوجزاً.
ب ـ المقارنة بين الآراء وترجيح أحدها:
اعتمد الحلواني مقارنة الأقوال والآراء بين العلماء ولا سيما القدماء ثم كان يرجّح وجهاً على آخر، مستنداً في ذلك إلى المحاكمة العقلية، والشاهد والقاعدة في هذا، وكان مقنعاً في كثير من الآراء التي رجحها لأنه رصد القواعد، والشواهد، ووصل إلى الترجيح، فهو في هذا يختلف عن المواضع في تحديد الرأي أو البتّ فيه …
من هذا ما ورد في كتابه المختار عن إعراب الجمل فقد وضع عنواناً «جمل خاصة» لأربع جمل، الأولى: التي بعد همزة التسوية فبعد أن عرض لآراء القدماء قال: «وللجملة بعد همزة التسوية أحد موضعين من الإعراب إما أن تكون في محل رفع مبتدأ، وذلك إذا وقعت بعد سواء، وإما في محل نصب على نزع الخافض إذا وقعت بعد لا أبا لي..» (147) والثانية: الجملة التي بعد الحرف المصدري المحذوف فهو يحدد هذه الجملة بعد عرض آراء القدماء «والذي نذهب إليه هو أنّ هذه الجملة صلة موصول حرفي محذوف مقدر..» والثالث جملة الفاعل فقد رأى أن النحاة القدماء يتخبطون في إعراب ما يعرض لهم من هذه الظاهرة (154) لأن الكلام محمول على المعنى، ولأن النحاة يجتهدون في جعل إعرابهم لا يخرج على القواعد المستقرة، ففيها قاعدة صارمة في منع أن تقع الجملة موقع الفاعل (157) ، لكنه في النحو الميسر يفسر أكثر، ويرجّح أن تقع الجملة فاعلاً، لأن الكلام في بعض الأحيان يوحي أن جملة ما يجب أن تكون فاعلاً كما ترى في قوله )أفلم يَهدِ لهم كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُم مِن القُرون( لأنها يمكن تأويلها بمفرد تقديره «ألم يهد لهم كثرة إهلاكنا» ويزيد على هذا فيقول «وقد يكون الفاعل جملة محكية يراد منها لفظها لا إسنادها كأن تقول مثلاً » أعجبني من كلام الحكماء: ليس كل ما يلمع ذهباً». أي أعجبني هذا القول.
فهذا التحليل العلمي يقنع القارئ ويجعله يقرّ بعدد من الأحكام التي انفرد بها أو رجّحها (انظر الميسر 1/350) .
والجملة الرابعة التي تقع موقع المستثنى ب (إلا) وبعد أن يعرض لكلام القدماء في الآية )لسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر إلاّ مَنْ تَوَلَّى وكَفَر( يقول «وهذا مذهب فاسد لأن (إلا) بمعنى (لكن) ، وهذا يعني أنها خرجت عن معنى الاستثناء وتضمنت معنى الاستدراك، ويجب أن يكون ما بعدها مستأنفاً» (156) .
وفي شبه الجملةكان قد أجاز تعليق شبه الجملة بالفعل الناقص عندما تكلم على تعليق أسماء الشرط التي تتضمن الظرفية، لكنه يعود فيخالف هذا فيتقل عن ثقات النحاة أن هذا لا يجوز لأن الفعل الناقص لا يدل على حدث، وإنما يعلق بخبره لأنه يكون إما جملة فعلية أو اسماً مشتقاً يشبه الفعل التام (166) و (205) .
وفي هذا الباب ما ورد من أفعال لا تحتاج إلى فاعل، قال: «وقد يكون الفعل غير محتاج إلى فاعل البتة، ولهذا صورتان تركيبيتان:
الأولى: أن يقع الفعل توكيداً لفظياً لفعل آخر» (1/351) . وأقول لماذا ما دام الفعل توكيداً لفظياً، والتوكيد اللفظي لا محل له من الإعراب.
الثانية: أن تكفه (ما) المصدرية عن العمل (1/352) ثم علّق في الحاشية فقال: لمثل هذه الأفعال توجيه آخر، هو أن تكون (ما) مصدرية لا زائدة كافة، وفي هذا التوجيه يكون المصدر المؤول هو الفاعل، وحينئذ تحسن كتابة (ما) مستقلة، طال ما اشتقت إليك (1/352) .
وأقول: إنه وإن لم يصرح بالوجه الذي يرجحه فكأنه يرجح الثاني ثم إن في كلامه اضطراباً، هو أنه قال تكفه (ما) المصدرية، والمعروف أن (ما) المصدرية مع ما بعدها تؤول بمصدر، فكان يفترض أن يقول (ما) الزائدة الكافة، والأمر الآخر، أن لا ضرورة لكتابة (ما) منفصلة عما بعدها وإن كانت مصدرية فثمة كلمات كثيرة أعربت متصلة مثل (فيما) و (فيم) و (ألا) = أن لا و (إلا) = إن لا، وأشباهها.
يرجح اعتبار (ال) موصولية في اسم الفاعل واسم المفعول لأن الضمير يعود عليها كما في قوله تعالى )فالمغيرات صبحاً فأثرن به نَقْعاً( (1/115) ، و(ال) هنا اسم موصول مع المشتق لأنها تساوي الذي والفعل المضارع.
جوّز وقوع الباء زائدة في المفعول الثاني قياساً (2/589) فكأنه يشير إلى زيادتها في خبر الفعل الناسخ، والمفعول الثاني هو ـ في الأصل ـ خبر، وكنت أفضل لو شفع كلامه بشواهد شعرية.
وكان قد علق شبه الجملة بالمفعول الثاني (المختار 172) .
رجح إعراب (عدا) (خلا) حرفي جر أصليين يتعلقان بما قبلهما ويعلق فيقول «على اعتبارهما حرفين شبيهين بالزائد فقال: إنَّ النحاة الثقات لا يقولون بذلك» (2/466) .
رجح إعراب كل صفة في قول جرير.
ألست أحسن من يمشي على قدم
يا أملح الناس كل الناس إنسانا
وقد تقدم الكلام عليه.
فضَّل في نداء الترخيم لغة من ينتظر فهي أكثرها استعمالاً (2/569).
ألحق اسم الإشارة بالمفرد العلم في النداء (2/544) .
عد المنادى الموصوف من الشبيه بالمضاف (2/543) .
أيد جملة البدل (2/696) .
أعرب ضمائر النصب المنفصلة كلمتين (إيا) واللواحق (1/86) .
رجَّح إعراب جملة المفعول به مقول القول نائب فاعل إذا ورد الفعل بالبناء للمجهول (المختار 87) .
أيد استعمال لغة «أكلوني البراغيث» ما دامت استعملت في القرآن الكريم (1/363) ولكنه لا يفضل أن تستعمل في أيامنا هذه فهي لغة منقرضة لا داعي لإحيائها اليوم (1/364) .
أجاز تقديم خبر كاد على اسمها إذا لم يكن مصدراً مؤولاً تقول «كاد يذهب البرد» والأصل كاد البرد يذهب (1/294) فهو يخالف البصريين في إعطاء الاسم المتنازع عليه للأقرب، فأعطاه للأبعد.
ج ـ مواضيع فيها تقصير:
بدا لي من خلال ما قرأت أنَّ ثمة أبواباً قصّر فيها الحلواني، أو أنَّ نقصاً ما وقع في خلال الفقرة الواحدة، وإمّا أن يكون هذا النقص لعدم قناعته بالفقرة نفسها، وإما لترجيحه وجهاً آخر، ولكنّ هذا لا يعني أن أسوغ له كل ما وقع فيه، فثمة أبواب وقع فيها الخطأ أو التقصير، وكان الواجب أن يتم الباب كله ما دام كتابه «النحو الميسر» شاملاً عاماً، وما دام هدفه تقديم النحو ميسراً للطالب والمتعلم، وما أود أن أقف عليه هو بعض المواضع التي لا يزال الطالب يسقع فيها في الخطأ، أو التي هي بحاجة إلى شرح وتوضيح، ولا سيما تلك المشكلة أو الصعبة، وسيكون لي ردّ على هذا في نهاية كل فقرة.
أعرب اللقب بعد اسم العلم بدلاً، أو عطف بيان مثل أحمد شوقي، ولكنه لم يعرب الأسماء التي نُسبت إلى مكان، بل لم يحاول المقارنة بين هذين اللقبين، مع أنّ هناك فرقاً واضحاً بينهما، وكنت أتوقع أن يقول غير ما قال، وأن يحلّ المشكلة التي لا تزال مستعصية، ماذا نعرب اللقب بعد الاسم إذا كان اسم علم أو كان مركباً، أو كان منسوباً؟ ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت أنواع الألقاب، وكأني به يسير مع من أعرب المنادى مثل خالد بن الوليد، وهذا لا يقاس على ذلك، فالواجب توحيد إعراب الألقاب أياً كانت ونكون بهذا قد قلّلنا من التأويل، وهو الذي رفض التأويلات! ولو كان لي رأي لكان إعرابه صفة ـ دائماً ـ قياساً على الألقاب المنسوبة، وعندنا من هذا كثير.
ومن هذا أيضاً كلامه على المصدر الصريح وعمله، لكنه لم يقف عند إعراب المصدر (أحقاً) الذي كثر استعماله، وجاز في إعرابه وجهان. المصدر النائب عن فعله، أو شبه الظرفية.
ومن هذا الكلام على شبه الجملة فقد علّقها بمحذوف من الخبر، أو الصفة، أو الحال، أو صلة الموصول (2/603) ، ولكنه لم يشر إلى تعليقها بالمفعول الثاني، وهو الذي ذكرها في غير موضع، ولم يشر إلى سدّها مسدّ نائب الفاعل، وكذا تعليقها بفعل القسم المحذوف والشواهد على هذا كثيرة.
وقد يكون كلامه المختصر عن الجمل فيه شيء من التقصير لأنه موجز جداً، فقد وقعت الجملة الخبرية في أقل من صفحتين (المختار 83-84) وجواب الشرط في أقل من ثلاث صفحات، ولما وصل إلى الجملة الاستئنافية قال: «وتستحق الجملة الاستئنافية مزيداً من التفصيل لأن لها مواضع كثيرة، وقد تدقّ عن الفهم إذ تلتبس بغيرها من الجمل» (المختار 115) لكنه لم يفِ بوعده، ولم يفصّل في الكلام عليها، ولم يشرح، ولم يفسّر، ولم يتوسع، فلم يفعل، إلا أنه استشهد بشاهد واحد على كل حرف من حروف الاستئناف علماً بأن إعراب الجملة الاستئنافية يصعب على الطالب، ولا سيما إذا كان في خلال النص.
رفض أن يثبت الكلام على الأعداد في درس التمييز، قال «مع أن لا صلة له بعلم النحو عامة، ويبحث التمييز خاصة، لأنه ليس بظاهرة تركيبية، فالنحو يدرس علاقات الكلمة بعضها ببعض» (2/515) والسؤال الذي يطرح: إذا لم يثبت هنا فأين يُثبت، ثم إنه لم يثبته في درس مستقل، بل عاد وذكره مختصراً في درس التمييز نفسه!! وغريب منه أنه لم يقف عند إعراب العدد صفة، وفي هذا الباب كلام كثير.
لم يذكر في الأفعال المتعدية إلى مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر أن شبه الجملة تقع مفعولاً ثانياً وتتقدم على المفعول الأول، ويجوز أن يحل محله شبه الجملة، مع أنه وقف عند هذا الباب فقال «والفعل المتعدي إلى مفعولين كالمتعدي إلى مفعول واحد في الحذف إذ يجوز أن يحذف أحد المفعولين إذا دلّ عليه دليل» (1/400) .
لم يشر إلى جواز أن يكون المشتق العامل خبراً، والمعمول مبتدأ مؤخراً فيشكلان جملة إعرابها هو إعراب المشتق إذا عمل.
لم يذكر الحال شبه جملة.
وبعد …
فقد اطلعنا على النحو الذي قدمه د. محمد خير الحلواني في كتابه «النحو الميسر» وبعض الأحكام من كتابه «المختار» التي لم يضمّها الكتاب الأول الذي يُعدّ صفوة آرائه، وكتبه التي ألّفها ولا سيما التعليمية وقد وجدنا عنده آراء وأحكاماً تصلح أن يُطلق عليها نظرات في تجديد النحو العربي، بل هي ـ حقاً ـ تجديد لم يصل إليه كثيرون ممن سبقوه، فكان في عمله ـ برأيي ـ رائداً من رواد تجديد النحو العربي.
وقد قدم لنا النحو بطريقة علمية منطقية، ومنهج صحيح سليم، دقيق جدير بالنظر، وهو الذي ناقش العلماء القدامى ووصل إلى آراء تفرّد بها، ورجّح بعضها على بعض آخر مستنداً في هذا إلى التحليل والمناقشة العلمية ورفد هذا بالشواهد التوضيحية بدلاً من الشعر الجاهلي وانتهاءً بالعبارة بل الكلمة المفردة التي من يحيط القارئ المعاصر، يُضاف إلى هذا الطريقة التعليمية التي أجاد فيها فهو معلم وهذا ما أفاد منه في التجديد والتيسير لأن المعلم هو الذي يكشف الخطأ فيصححه، ويذلّل الصعوبة لأنه يعرف مواطنها.
إن ما قدمه د. الحلواني تميز بالدقة في الحكم والعبارة والمصطلح والرصد الذي غاب عن كثيرين، مستفيداً ـ أيضاً ـ من علم اللغة الحديث في عبارته التي أقنعت فقدّم لنا نحواً ميسراً، فهو ـ وإن قصّر في بعض الجوانب ـ رائد لا يقلل من جهده بعض الهفوات أو وجهات النظر الخاصة التي طرحها، ويبقى أن هدفه تقديم النحو العربي على صورة معاصرة سليمة صحيحة في وقت لا يزال كثيرون يجدونه المادة الأصعب، وهو ليس كذلك لمن أراد أن يتعلم.
|