ابن الكلب
- لماذا توقفت عن العمل يا ابن الكلب؟ ألا ترى الطلبيات أمامك لا تنتهي، تحرك بسرعة!
- حاضر يا معلم.
سارع توفيق برفع الصحون الوسخة والملاعق وما شابه من على الموائد الممتدة في كل مكان في المطعم الفاخر، وكان المعلم قد حذره من التعامل نهائيا مع الزبائن أو محادثتهم، كما طلب منه أن يعيد إلى الصندوق القطع المعدنية التي كان ينفحها إياها زبائن المطعم.
- يا ابن الكلب ألا ترى الطاولة رقم خمسة، لقد استهلكوا طعاما بقيمة خمسين ديناراً، أسرع إلى هناك ونظّف الطاولة من بقايا الطعام.
- حاضر يا معلّم. كان توفيق يلهث من طاولة إلى أخرى، وكان الجوع يحرق معدته في مطعم يزخر بكافة أنواع الطعام التي قد تخطر على بال إنسان. وكان يسرق لقمة ما بين الحين والآخر من الصحون المتراكمة فوق مجلى الغسيل.
توفيق المعيل الوحيد للعائلة الصغيرة. بعد أن توفّي والده، وجد نفسه وحيداً يصارع الحياة ولا يملك بدّاً من تأمين الحدّ الأدنى لأمه وأخته. وهكذا وجد نفسه عميلاً في مطعم المعلم أبو محمد، وكان يتقبل جميع الإهانات التي كانت توجّه له، لكن "ابن الكلب" هذه كانت تجرح كبرياءه، وتتركه وحيداً وسط فيض من الدموع المتفجرة من عينيه.
- اليوم سنبقى لوقتٍ متأخر يا أولاد، المطعم محجوز وسيكون في ضيافتنا بعض الأثرياء، ويرغبون بقضاء أمسية لا تنسى، وعليكم أن تهتموا بهم وتسهروا على راحتهم، وبالطبع سأضاعف أجركم، هل هذا واضح يا ابن الكلب؟
لم يخاطب المعلم أبو محمد الفتى توفيق باسمه أبداً. نظر توفيق إلى المعلم أبي محمد وقال
- وهل تعرف من يكون أبي يا معلمي؟
- بدون فلسفة زائدة، يلعنك ويلعن أبوك معك. مفهوم!
عند المساء حضر الضيوف وأخذوا أماكنهم حول المقاعد وبدأ هرج ومرج، وانطلقت الموسيقى تدوّي، كان أبو محمد قد أحضر راقصة وفرقة موسيقية صغيرة لإرضاء المدعوين وللحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح.
عمل الطاقم بكل جدّ ذلك المساء، وكان أبو محمد يراقب موظفيه خاصة ما يدخل جيوبهم من قطع معدنية وورقية، وكان يتمكن الموظفون من الاحتفاظ بجزء صغير من البقشيش، وبعد أن امتد الليل حان وقت تقديم الحلوى والقهوة، وجد توفيق نفسه وحيداً في المطبخ، كان يشعر بالمهانة والإرهاق، وكاد أن يقع من كثرة العمل، وفي الصالة كان الفرح يتصاعد دون انقطاع، وسرعان ما أخذ الحضور يهزّون خصورهم وأكتافهم على وقع أنغام الموسيقى الصادحة، أخذت أقداح النبيذ تنفذ وانداح الويسكي في الكؤوس المستديرة، ولم تتوقف الدنيا تدور وتدور أمامه، شعر برغبة كبيرة بالتبول، صرخ أبو محمد "يا ابن الكلب، اشتغل، اشتغل، كم سرقت من البقشيش. أخرج توفيق عضوه الذكوري، وبال فوق الحلوى ثم أدار جهازه في زجاجات الويسكي، غسل يديه وانطلق من الباب الخارجي إلى المنزل.
عاد في اليوم التالي إلى المطعم، كان التعب يبدو واضحاً على وجوه الموظفين، وأبو محمد لم يكن استثناءً بالطبع، حدجه أبو محمد بحقد وقال
- لماذا هربت من المطعم يا ابن الكلب؟ سأحرمك من أجرك الإضافي عقابا لك.
ذهب توفيق إلى المطبخ على عجل، أمسك ببضعة صحون عريضة وكبيرة تستخدم لوجبات الغذاء الدسمة، وأخذ يقذفها في فضاء المطبخ لتسقط على الأرض محدثة صوتاً مدوّيّاً، كسر الكثير من الصحون وبدأ يقلب أوعية الطعام الكبيرة، اندلق الطعام فوق أرض المطبخ، دخل أبو محمد كالملدوغ وصاح بحنق
- ماذا تفعل يا ابن الكلب؟
توفيق كان قويا بالرغم من حداثة عمره. صفع بقوّة أبو محمد على وجهه وضربه بقبضة يده ليجد أبو محمد نفسه ملقيا على أرض المطبخ وسط السوائل اللزجة.
- والدي استشهد يا كلب قبل عام، لم ترحمه القنابل ولا الرصاص المتساقط. دفع حياته لكي تثرى وتعمل وتجمع المال يا كلب. أبي استشهد لأنّه رفض أن يغادر بيته حين هرول الجميع هربا من رائحة الموت التي زكمت الأنوف. وهذه الركلة على مؤخرتك العريضة لتتذكر اسمي. أنا توفيق، أنا توفيق، أخبرني يا أبو محمد، هل استطاب ضيوفك بطعم بولي؟
غادر توفيق المطعم غير آسف، نظر إلى السماء وقال هامسا
- كلّ ما أريده يا ربّي مكاناً تحت الشمس!
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|