27 / 07 / 2009, 25 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [2]
|
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
|
رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
مدخل وصورة أوليّة [align=justify]
في واحدة من قصائده، يقول الشاعر الفلسطيني سليمان دغش:"لماذا حاولوا قتلي / لماذا حاولوا فصلي / عن الأرض التي انتشرت على جفنيّ منديلاً / من الأزهار والعشب / لماذا حاولوا فصلي عن الأرض التي التحمت على قلبي / جناحاً ناعم الزغب / لماذا حاولوا التفريق بين العين والهدب / سلوا الزيتون / فالزيتون يعرفني / ويشهد أن ذا وطني".. ليضعنا أمام هذا التداخل الأخّاذ مع الأرض وكل مفردات الطبيعة. وكثيرة هي الامتدادات التي يمكن أن تقرأ أو تستوحى من هذه الصور النابضة المتحركة. ولا يغيب عن البال هذا التلاحم بين طبيعة فلسطين وإنسانها. ويمكن أن تكون الوقفة طويلة أمام شهادة الزيتون بما لها من معانٍ رائعة نابضة.. ولكن قبل الدخول في مستويات قراءة مثل هذا الشعر، ألا نسأل: من هو سليمان دغش، وماذا قرأنا من شعره؟؟..
الإجابة عن سؤال كهذا تضعنا أمام حقيقة تقول: سليمان دغش واحد من شعراء كثيرين في الوطن المحتل لا نعرف عنه أي شيء، واحد من كثيرين كان لهم أثرهم وتأثيرهم في الشعر الفلسطيني المقاوم، ولكنهم غيبوا عن حضور احتفائنا الطويل بهذا الشعر، وبقيت أسماؤهم وإبداعاتهم غير معروفة في الوطن العربي.. فلماذا؟؟
الاهتمام بالشعر الفلسطيني المقاوم في الوطن المحتل أخذ حيزاً كبيراً منذ البدايةةات. ويستطيع عدد كبير من النقاد في الوطن العربي أن يقدموا عدة قوائم بعناوين لكتب ودراسات ومقالات ومحاضرات تناولت كل جوانب هذا الشعر. وقد يصح القول إن النقد العربي لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وأشبعها دراسة عن الشعر المقاوم. ولكن مشكلة هذا النقد أنه لم يخرج عن دائرة الإبداعات والأسماء المعروفة خلال السنوات الماضية. مشكلة هذا النقد أنه تعلّق بالأسماء التي ظهرت، وحصر الشعر الفلسطيني المقاوم في نتاجها لا غير. ومشكلة هذا النقد أنه لم يحاول البحث عن جديد يضيف إلى ما هو موجود. وهكذا أغلقت الدائرة على أسماء محددة قليلة، والجديد لا يخرج عن كونه جديد هذه الأسماء.
عندما نطرح سؤالاً يقول: من هم شعراء المقاومة في الوطن المحتل؟؟ سيكون الجواب مباشرة: محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم، سالم جبران، فدوى طوقان، راشد حسين، حنا أبو حنا، وفوزي الأسمر.. ثم.. قد يضيف بعضهم خمسة أو ستة أسماء.. وإذا أردنا وضع صورة أكثر واقعية، فإننا سنتوقف عند الأسماء الخمسة الأولى، لتكون صاحبة الإبداعات التي انتشرت ودارت حولها أغلب الدراسات. وفي مجال الانتشار الجماهيري، يكاد يتوقف الأمر عند ثلاثة منهم لا غير. والسؤال: هل كان من الإنصاف في شيء أن يحصر الشعر الفلسطيني المقاوم في إبداعات خمسة لا غير؟؟ ويمكن أن تؤخذ هنا المدة الزمنية الطويلة التي مرت والتي كانت تفترض إضافات متلاحقة تعطي هذا الشعر معنى الاستمرارية والتواصل. وهذا يقتضي البحث عن أسماء جديدة تابعت خطوات من سبقها. إذ أن التوقف عند أسماء برزت وظهرت في البدايةة، دون التوقف عند أسماء يفترض أنها تواصل عملية الرفد، يعني انحسار وتوقف حركة الشعر الفلسطيني المقاوم. فهل نسلّم بذلك؟؟
طبيعي أن استمرارية وتطور حركة الأدب، إنما تنبع من استمرارية وتطور حياة أي شعب. إذ لا يمكن للأدب أن يتوقف عن النمو والتتابع والإبداع، إلا مع توقف الشعب عن الحياة. وفي التطلع إلى الشعر الفلسطيني المقاوم نرى إلى ضرورة استمراريته وتطوره وديمومته، من خلال واقع الشعب العربي الفلسطيني المصر على المقاومة والتحدي. الصورة إذن أكثر من واضحة في هذا المجال، إن عدم وصول الجديد إلينا لا يعني عدم وجود هذا الجديد. وفي دراسة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، اقتراب وتداخل مع هذه الحقيقة. ومن أولويات هذه الحقيقة التي علينا التوقف عندها ما يتعلق منها بأسماء كثيرة من الجيل الأول لم يصلنا أي شيء من إبداعها. إذ إن الانتقال مباشرة إلى دراسة نتاجات الجيل الثاني، يضعنا أمام ثغرة لا يمكن إهمالها.. علينا أن نرتب الخطوات من جديد.
منذ البدايةةات كانت الصورة عن الشعر الفلسطيني المقاوم صورة مفروضة ومرسومة وثابتة. وانسحبت الصورة بألوانها وخطوطها على كل السنوات الطويلة اللاحقة. وصار لزاماً علينا أن نرى الشعر الفلسطيني المقاوم من خلال الأسماء المعروفة لا غير.. ومثل هذه الصورة ما كانت تتيح لنا التعرف إلى أسماء ظهرت قبل أو مع هؤلاء الذين عرفناهم. فكيف نستطيع بعدها الانتقال إلى التعرف إلى شعراء الجيل الثاني؟؟
قد تكثر الأسئلة وتتفرع. وقد تتعدد الإجابات. وأرى أن الحديث عن الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، لا يمكن أن يكتمل وتتضح أطره الأولية، إلا من خلال الحديث عن المحاور التالية:
أولاً ـ سيطرة الأسماء المعروفة على مساحة الشهرة والانتشار.. وسؤال..
ثانياً ـ وجود عدد كبير من الشعراء الذين ظهروا قبل هؤلاء أو معهم..
ثالثاً ـ شعراء الجيل الثاني والاستمرارية في الشعر المقاوم..
رابعاً ـ التواصل والالتقاء بين الجيلين والتركيز على الثوابت..
* * *
في الحديث عن المحور الأول أتوقف عند سؤال كان قد طرحه أحد النقاد في واحدة من صحف الوطن المحتل يقول فيه: هل جنى هؤلاء الأربعة وأعني توفيق وسميح ومحمود وسالم جبران، على شعرنا المحلي؟؟..
أفترض أن السؤال متعدد الجوانب والأبعاد. وفي واحد منها قد تبرز مسألة سيطرة هؤلاء على مساحة الشعر الفلسطيني المقاوم في الوطن العربي. وهنا أسأل بدوري: إذا كانت صورة هذا الشعر مرتبطة بإبداعات هؤلاء الأربعة ـ إضافة إلى فدوى طوقان ـ فماذا يتبقى من ملامح هذه الصورة وتدفق ألوانها حين نرى إلى:
- توقف توفيق زياد عن الكتابة وتفرغه للعمل السياسي منذ مدة طويلة، وقد كتب آخر قصيدة له "لعبور" قبل سنوات طويلة.
- خروج محمود درويش من الوطن المحتل منذ العام 1970.
- قلة ما وصلنا ويصلنا من شعر سالم جبران الذي طبع ديوان "قصائد ليست محددة الإقامة" في بيروت عام 1970، وهو الديوان الوحيد الذي صدر له في الوطن العربي..
- قلة أو ندرة إبداعات فدوى طوقان في السنوات الأخيرة.
- إعادة طبع ونشر الدواوين القديمة لسميح القاسم، رغم غزارة ما صدر من جديد في الوطن المحتل. وإذا كنا في الوطن العربي نطبع شيئاً من جديده، فهو لا يشكل شيئا بالنسبة لهذا الشاعر الذي تجاوز عدد أعماله المطبوعة ثلاثين كتاباً.
.. فماذا يتبقى؟؟..
إن قراءة القديم ألف مرة لا يمكن أن تغنينا عن قراءة الجديد. ما كتبه توفيق زياد رائع دون شك، ولكن تفصل بيننا وبين آخر قصيدة له سنوات وسنوات.. وما كتبه محمود درويش في الوطن المحتل له كل الجماليات والأثر، ولكنه يبقى في قائمة الشعر الذي كتب قبل العام 1970. ونعرف تطور محمود درويش المذهل بعد ذلك، ولكن شعره الجديد لا يدخل في تصنيف الشعر المقاوم في الوطن المحتل. وحين نقرأ نتاجات بقية الأسماء التي ذكرناها، نلحظ أنها تعود إلى فترات سابقة. فلماذا هذا الإصرار الغريب على التعلق بشعر هؤلاء دون سواهم.. وهل يحق لنا أن نتهمهم بالسيطرة على مساحة الشهرة في الوطن العربي، دون إتاحة الفرصة أمام الآخرين؟؟ من الظلم أن نتهم هؤلاء. فلم يكن لهم أي ذنب في وصول وانتشار إبداعاتهم دون غيرها. ولم يكن لهم أي ذنب في تهافت دور النشر على إعادة طباعة أعمالهم عشرات المرات. دون التفكير بالتوجه إلى طباعة أعمال أسماء أخرى، كذلك لم يكن ذنبهم في إصرار النقد على تناول أعمالهم عند الحديث عن الشعر الفلسطيني المقاوم، دون التفكير بالبحث عن جديد.. ومن ثم ما كان لهم أن يقولوا للقارئ في الوطن العربي: توقف عن قراءة أشعارنا، واقرأ لغيرنا.. وما كان لهم أن ينسحبوا إلى الظل وأن يسحبوا معهم كل إبداعاتهم.. فليس بأيديهم أن يفعلوا، وما كنا لنطلب منهم ذلك.
هؤلاء الشعراء أصبحوا أصحاب أسماء مغرية لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها بأي حال. إذ كيف لدور النشر أن تطبع ديواناً يقف مصيره على كف عفريت، ولديها دواوين هؤلاء بما تحمل من ربح سريع مضمون.. فمن المسؤول إذن؟؟..
لنعترف بأنها مسؤولية عامة. وإذا دققنا في جزء منها، سنرى إلى حجم التأثير العاطفي كسبب لا يستهان به. منذ البدايةة وقعنا أسرى حب شعراء فتحوا أعيننا وقلوبنا على عالم جديد مليء بالنبض الرائع في التواصل الحار مع أرض فلسطين. كانت مفاجأة بهرتنا وأذهلتنا. لم نتوقع شعراً على هذا المستوى والنوعية، وربما يم نكن نتوقع أي شعر. فجأة هبطوا على مساحة الانتباه كلها، وكأنهم من عالم آخر. كانوا استثنائيين، فسيطروا على مشاعرنا. وكان علينا أن نحتفل بهم وبشعرهم احتفالاً استثنائياً طويلاً. وامتد الاحتفال إلى سنوات وسنوات. وكانت المشكلة في أننا أغمضنا العين عن كل إبداع لا يكون لهم. وقعنا في شرك نصبناه لأنفسنا، وما عدنا نستطيع الخلاص منه. وبعد..؟؟
نتذكر صرخة محمود درويش: "أنقذونا من هذا الحب القاسي" قال يومها: "لسنا أهلاً للتقديس في زمان لا يجوز فيه التقديس" و"إن وتيرة الحب قد أوصلت بعض المراقبين في العالم العربي إلى محاولة وضع شعرائنا ليس في مكان أوسع منهم فقط، وإنما إلى محاولة وضعهم على امتداد مساحة الشعر العربي المعاصر بحيث يغطونها كلها"..
هكذا كانت الصورة واستمرت. انتقل الحب من الشعر إلى الشعراء. أصبحت الأسماء في قلوبنا وأذهاننا أكبر من أن تفسح المجال لتواجد أسماء أخرى. كان المنطق يقول إن علينا أن نبحث عن جديد نضيفه لما هو موجود. أن نبحث عن أسماء جديدة تضاف إلى الأسماء التي عرفناها. ولكننا آثرنا البقاء في دائرة من أحببناهم وعشقناهم. وحين توقف عطاء هذا أو ذاك منهم، عدنا إلى قراءة قديمة مصرِّين على أنه جديد.
لا يظن أننا نطالب بإلغاء أو تجاوز إبداعات هؤلاء الشعراء، ولا يظن أننا نسعى إلى التقليل من قيمة هذا الشاعر أو ذاك. ولكننا ضد المبالغة في جعل شعر من ذكرنا من شعراء، هو الشعر الفلسطيني المقاوم كله، فمساحة هذا الشعر أكبر من أن تكون وقفاً على عدد معين. ومثل هذه المساحة تطلب بشكل طبيعي الاستمرارية والتواصل.
إننا ندعو إلى ضرورة البحث عن إبداعات شعراء آخرين يشكلون مع من نعرفهم وبما لهم من إبداعات، الصورة المتكاملة للشعر الفلسطيني المقاوم. إننا نطالب بإضافة الإبداع إلى الإبداع.
***
في الحديث عن المحور الثاني لابد من الإشارة إلى أن توقفنا عند محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم، فدوى طوقان، وسالم جبران، لا يعني أننا لم نعرف سواهم من شعراء المقاومة في الوطن المحتل. فقد ذكرنا من قبل عدداً من الأسماء القليلة الأخرى التي تعرفنا إلى شيء من إبداعاتها. ولكن من يدقق في صورة الشعر الفلسطيني المقاوم المعروفة في الوطن العربي، سيلحظ أنها ترتكز بكل ألوانها وخطوطها على إبداعات درويش والقاسم وزياد في الأغلب الأعم، ومن ثم على بعض إبداعات فدوى طوقان، والقليل من إبداعات سالم جبران. ويبقى للأسماء الأخرى الشيء القليل في هذا المجال. وطبيعي أن نتاجات شعراء الجيل الثاني من شعراء المقاومة "مغيبة" تماماً عن هذه الصورة.. ونسأل الآن من هم الشعراء الذين عرفوا قبل أو مع شعرائنا المذكورين. ولم نعرف عنهم شيئاً في الوطن العربي؟؟
لابد من القول إن العام 1967 يشكل حدا نظرياً بين جيلي شعر المقاومة، حيث يشكل الشعراء الذين عرفوا قبل العام 1967 وهم من شعراء الأراضي المحتلة منذ العام 1948، شعراء الجيل الأول. ويشكل الشعراء الذين عرفوا بعد العام 1967، وهم من شعراء الأراضي المحتلة منذ العام 1967 في الأغلب الأعم، إضافة إلى بعض الشعراء الذين عرفوا فيما بعد في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، شعراء الجيل الثاني.. فمن هم شعراء الجيل الأول؟؟..
في الإجابة يمكن أن نورد الأسماء التالية:
أولاً ـ مع الشاعر توفيق زياد، تضاف أسماء الشعراء: حنا إبراهيم، عصام عباسي، عيسى لوباني، وحنا أبو حنا.
ثانياً ـ مع الشاعر راشد حسين تضاف أسماء الشعراء: محمود دسوقي، شكيب جهشان، جورج نجيب خليل، طه محمود علي، جمال قعوار، عمر حمود الزعبي، حبيب شويري، فوزي الأسمر، سليم مخولي، وليد خليف، جميل لبيب خوري، حبيب قهوجي، محمد نجم الناشف، وميشيل حداد.
ثالثاً ـ مع الشعراء سميح القاسم، محمود درويش وسالم جبران، تضاف أسماء الشعراء: فوزي عبد الله، شفيق حبيب، فهد أبو خضرة، منيب مخول، نايف سليم، مسعود الأسدي، وأدمون شحادة.
بعد قراءة هذه الأسماء لابد من ملاحظة:
- أن هذا التقسيم إلى ثلاث مجموعات يعتمد الرجوع إلى تقارب أعمار الشعراء في كل مجموعة. ويمكن أن يكون مثل هذا التقسيم صحيحاً في ترتيب ظهور وانتشار هذه المجموعات زمنياً، وإن كان من الجائز أن تختلط الفواصل الزمنية أحياناً.
- أن هناك أسماء من الضفة الغربية وقطاع غزة عرفت قبل العام 1967، ولم تدخل في المجموعات السابقة مثل فدوى طوقان وعلي الخليلي، لأن شعرهما لم يكن من الشعر الفلسطيني المقاوم قبل عام 1967.
- أن توقفنا عند ثلاثين اسماً لم يكن في وارد المسح الشامل والوافي لاستقصاء كل الأسماء التي عرفت قبل العام 1967. ولكن يمكن القول إن هذه الأسماء عرفت أكثر من سواها في الوطن المحتل.
ويبقى مثل هذا الحكم خاضعاً لما نملكه من معلومات نعترف بأنها ما تزال قليلة عن خارطة الشعر الفلسطيني المقاوم.
نصل في التوقف عند هذه النقطة إلى القول: إن قراءة خارطة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الأول، وبالاعتماد على نتاجات عدد قليل من شعراء المقاومة، لم تكن قراءة كاملة لأنها تناست أو غابت عنها نتاجات عدد كبير من الشعراء.
[/align]
* * *
|
|
|
|