رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
فهل وصل الحب عن الفلسطيني إلى حد العبادة؟؟
يصر هايل عساقلة على أن فلسطين بلاد العشق، وأنه مجبول من تراب هذه البلاد، ثم يفتح بوابة القصيدة على جمالية الطبيعة الفلسطينية بما تحمل من ألوان. وبعدها يلغي المسافة القائلة بحب وحبيب، ليقول بعلاقة عبادة تأخذه في مسارها الزاخر بحالات الوجد. وهذا ما يجعله قريباً من لحظة الذوبان في الطبيعة، والذوبان في معاني الصور المتولدة في عينيه حيث: كل نجم قبلة، وكل شبر عسجد.. وهكذا..
هذا هو النبض الفلسطيني.. أو هذا هو الحب الفلسطيني، وعلى رأي سليمان دغش في قصيدته "سوف آتي بقمر" فالتداخل صورة لابد منها حيث "نابض قلبي بحيفا / نابض قلبي بيافا / نابض بالأرض بالزيتونِ بالعشبِ النضر / نابض كالنهر غنَّى" والقلب مفتوح على كل احتمال في الحب مادامت فلسطين هي الحبيبة.. ولنا أن نرى كم كانت رائعة علاقة الفلسطيني بأرضه حين اشتعل وجداً وحباً بها..
المستوى الثاني / الأرض وعلاقة البقاء والثبات:
الحب هو الحب، ومثل هذه العلاقة القوية المتميزة بالأرض، استدعت أن يصر الإنسان العربي الفلسطيني على البقاء والثبات بكل شكل ممكن. فالأرض الفلسطينية تنادي إنسانها بلغةِ الشجرِ والتراب والماء لكي يصمد أكثر، ولكي يتشبث بكل حبة تراب حتى آخر رمق. من هنا هذه الإصرارية على هوية البقاء والثبات، من خلال الإصرارية على هوية التحدي والصمود.
في وتيرة هذه الإصرارية، يرى الشاعر منيب فهد الحاج في قصيدته "معاذ الله أن نرحل" إن البقاء والثبات يشكلان معنى الإنسان الفلسطيني حيث: "هنا باقون لن نرحل / سنبقى فوق هذي الأرض نحيا لا نفارقها / ففوق ترابها أجدادنا درجوا / وغذّوها بدمهم / فصارت كنزنا الأكبر / فهل نرحل؟؟.. / سنبقى فوق هذي الأرض نزرعها / ونحميها بأضلعنا / ونعشقها / لتبقى حبنا الأمثل / هنا باقون لن نرحل.." ..
فالمسافة تسجل حضور عدة صور في نسق واحد متلاحق، لتقول في مجموعها ببقاء الفلسطيني وصموده فوق أرضه في مواجهته الاحتلال. حيث:
- / البقاء الذي ينفي أي رحيل، أو إمكانية مجرد التفكير بالابتعاد عن الأرض.. فالفلسطينيون هنا باقون / وسيبقون فوق الأرض الفلسطينية طوال حياتهم لا يفارقونها.. وطبيعي أن تكون المقولة مقولة واقع يعيشه الفلسطيني ويآذاره حيث تبرز كل يوم الوقائع القائلة بأن الثبات شريان الشعب العربي الفلسطيني.
- / الامتداد الذي يمثل الحق التاريخي الواضح.. ويمكن لأي قارئ أن يرى إلى الأجداد الفلسطينيين وهم يكتبون على صفحة التاريخ كيف درجوا على أرض فلسطين العربية، وكيف سجلوا حضورهم وتواجدهم المتواصل منذ القديم، وكان لهم بطبيعة الحال أن دافعوا عن هذه الأرض وسيجوها بضلوعهم ودمائهم ضد أي عدوان.
- / الإصرار الذي يأتي نتيجة طبيعية لعلاقة الفلسطيني بأرضه، وهو إصرار على البقاء والفداء والعشق.. لتكون الأرض في كل حركة محور الصورة عند الفلسطيني.
- مثل هذه الصورة نلتقي شيئاً من ألوانها في قصيدة "قراءات في عيون حبيبتي" للشاعر عبد الناصر صالح الذي يقول: "لماذا سأرحلْ / وأتركُ وجهك عنّي بعيدا / فكَوني بقربك أجملْ / لماذا أغوصُ ببحرِ الجراح / وعيناك بحري الكبيرُ المفضَّلْ فالشاعر يطرح سؤالاً سريعاً يثير الكثير من الشجن " لماذا سأرحل؟؟" وهو لا يجد الإجابة في نفي الرحيل كما هو متوقع بل يأخذ في مد خيط الشجن حتى آخره، حيث يرى أنه "إن رحل" سيترك وجه فلسطين بعيداً عنه.. وهو ما يجعله يرتد بسرعة إلى صوته الداخلي المصر على أن وجوده بقرب فلسطين / الحبيبة أجمل.. ولا داعي للغوص في بحر الجراح.. ويصل إلى صورته القريبة إلى نفسه "وعيناك بحري الكبير المفضل" ليسلِّم كل الصور إلى هذه الصورة الزاهية..
- طبيعي أن هناك الكثير من الإشارات النفسية القائلة بإصرار الشاعر عبد الناصر صالح على حبه الأكبر لفلسطين. وإذا كان طرح السؤال جارحاً، فإنه من جهة ثانية يأتي ليؤكد على انفتاح كل الشرايين على الفرح بعناق الأرض حين يأخذ الشاعر في الدخول إلى عالم العطاء المتجدد عندما تكون عينا الحبيبة البحر الكبير المفضل.
- يعود صوت الشاعر منيب فهد الحاج ليؤكد مرة أخرى على الصمود والثبات في قصيدته "شعبي الصامد" حيث: "صامد كالطود شعبي / صامد يأبى المذلة والهوان / راسخ كالسنديان / مثل زيتون الجليل.." لتكون مفردة الرسوخ دليلاً على هوية متجددة للفلسطيني الذي يصر على كتابة قصيدته بأحرف البقاء. وهنا ابرزالشاعرمفردات الطبيعة لتشكل معاني هذا الرسوخ والثبات معطية كل دفع وشحن، فالشعب صامد كالطود.. راسخ كالسنديان.. ومثل زيتون الجليل.. لذلك فهو يأبى المذلة والهوان.
المستوى الثالث / الأرض وعلاقة الفداء:
هل استدعى الحب القائم بين الفلسطيني وأرضه، أن يكون الطريق مزروعاً بالشهادة والفداء والتضحية؟؟.. وهل استدعت حالة الثبات والبقاء فوق أرض فلسطين أن يشعل الفلسطيني دقائق العمر عطاء وبذلاً وخطوط دم؟؟..
كان لا بد من توكيد الحب.. وكان لا بد من تجديد حالة العشق.. وكان لا بد من النداء بحروف من دم لتسمع شمس الحرية وتسرع خطاها إشراقاً.. فالأرضُ الفلسطينية الواقعة تحت نير الاحتلال، والمتوقدة شوقاً للحرية، طلبت وتطلب أن يكون الطريق فداء وتضحية وكانت استجابة إنسانها الفلسطيني فعلاً يسجله على الأرض، ويكتبه بدم الشهادة..
حين تفجر السؤال، سؤال البحث عن ضوء الحرية، كانت الإجابة في قصيدة عبد الناصر صالح "كتابة على جدران أم الفحم" بالقول: "إن التراب يريد دماءً / تغذي جذور الربيع / وتفرش درب النضال المثابر" وطبيعي أن تصل مثل هذه الدعوة الطالعة من عمق الأرض إلى الإنسان الفلسطيني، ليسجل حضوره المباشر الفاعل.. وكانت صرخة الإنسان الفلسطيني مليئة بالصدق حين انطلقت على لسان الشاعر هايل عساقلة في قصيدته "لو ضمني هذا الثرى كفناً" حيث:
إن تسألوا نبع من الكوثر......وطني وبستان" من الصعتر
وحجارة" من مرمر صقلتْ......فتمايلَ الياقوتُ والمرمرْ
فثراك حفنةُ أنجمٍ ولذا. .....لو ضمَّني كفناً فلن أخسر
هي الشهادة إذن.. والصوت لا يقول إن الحضور انفتاح على دفء الجذور فحسب، ولكته انفتاح على كل الأغنيات والخصب والربيع. وتبدأ جملة الوصل من التداخل مع كل حبة تراب، أو مع حفنة أنجم تلاقت مشكِّلةً ثرى فلسطين. وطبيعي أن الموت انبعاث، والشهادة مغنم، والذوبان ارتشاف لعسل اللقاء..
[/align]
|