عبد الله عبد الوهاب
تتدافع الحروف المرتبكة أمام مرآة كاذبة لرجال محملين بأوهام وحكايات عن تاريخ مشرق .. لخيالات رجال كانوا عرباً .. تحركهم كؤوس و خصور .. وتقف أشلاء الأطفال عاجزة أمام شهوة خصاهم المحتقنة ..
يحاصرون فلسطين التي طالما طعنوها بالسكاكين في الظهر والخاصرة .. ربما آن لها أن تموت .. ولم لا تموت .. فربهم يأمرهم بذلك ..
حياة مليون ونصف إنسان ..أرخص من تحرك لهم ساكناً..فجولة ربهم في المنطقة .. أعطتهم حقنة حاشى أن يذهب ريحها أطفال في حواضن تموت أمام أعين العالم العاهر ..
ربما بالفعل أن إسرائيل لم تعد عدوّاً .. إن عدوهم الحقيقي هو عزة نفس الفلسطينيين التي يجهلون ماهيتها ..لأنهم لم يعيشوها أبداً ..عدوهم هو سورية .. إيران ..وحسن نصر الله المغامر .. لأنه بين لهم كم هم أقزام تحت نعل حذائه ..
يرقصون كالقردة مع " القرداتي " الأكبر .. بعد أن أهدوه سيفاً عربياً .. والسيف بأيدي أمثالهم يجرح ..يرقصون على دماء أطفال غزة ..وأطفال قانا ..ااااه لكم نحن حقراء ..استغفر الله أن ننتمي مع هؤلاء القردة لنفس الله ..
المقاوم الأكبر .. عباس .. همه كسر حماس ..فهي التي احتلت أراضي فلسطين منذ ستين عاماً .. ودنست الأقصى لتبني هيكلها ..هي حماس عدوه وعدوهم الأوحد .. فصديقه الحبيب أولمرت ..وعده بأن سيقضي له على المخربين الفلسطينيين الأوغاد .. فلا أظن هناك من يحمل حقداُ كالذي يحمله الرئيس الفلسطيني على المخربين ..وليعد غسان كنفاني إلى الجحيم ..
منظمات حقوق الإنسان " العوراء " .. شريكة هذا العالم المتغطرس في حصار الأمهات الفلسطينيات .. والأطفال العزل ..إلا من الدمع والدم والحجر .. يبيعوننا الصور والكلام والبيانات .. وندفع لهم دماءنا ثمناً لحريات مزعومة ..
اه كم نحن حقراء .. أمام عظمة هؤلاء الأطفال الصامدين تحت الحصار..والقنابل ..والصواريخ .. أمهات أرضعتهم العزة مع حليبهن الدافئ المترع بالكرامة ..
أشعر أحياناً بالحقد على ذلك الحائط الذي علقت عليه صورة جمال عبد الناصر في بيتنا .. وتساءلت لماذا كان أبي يحبه كل هذا المحبة حتى علق صورته ولم يعلق صورة جدي .. سؤال طفل ظل بلا جواب واضح حتى كبرت .. وكبر السؤال .. لماذا يختار الإنسان أن يكون مناضلاُ أو مقاوماً ..
لماذا اختار الرسول العربي محمد ( ص ) أن يكون مناضلاً .. ولم يختر الملك الذي عرضوه عليه .. لماذا اختار السيد المسيح السير على طريق الآلام سعياً إلى خلاصنا ..لماذا اختار غيفارا أن يكون غيفارا .. ولماذا اختار نصر الله أن يكون رجلاً .. في زمن أنصاف الرجال ..
كبرت الأسئلة وكثرت .. ولكني قررت أن أجيب على السؤال بطريقة نقض الفرض التي تعلمناها في رياضيات الصف التاسع .. لو لم يكن محمد هو محمد .. لكان أبو جهل .. ولو لم يكن يسوع هو يسوع .. لكان يهوذا ..ولم يكن نصرالله هو نصرالله .. لكان سعد الحريري .. أو وليد جنبلاط ..
أسئلة بدت غريبة .. في البداية .. ولكني أيقنت أنني أحمق ..والجواب كان واضحاً أمامي كالشمس .. فالرجولة تولد مع المرء .. والكرامة لا تكتسب بالتعلم .. والرجال رجال .. والأنصاف لا يحركهم الدم النازف .. واللحم البشري الممتزج بالتراب ..
عندما سافر الزهار إلى بلاد العربان .. لفظوه .. وعندما طالبهم الشعب الفلسطيني بحقه بالمساعدة ..حاصروه ..بل ومنعوا حجاج بيت الله الحرام من العودة إلى ديارهم .. إذاً فالحصار .. عربي إسرائيلي عربي ..
وحدها دمشق التي ينتمي لها الأحرار العرب .. تجول الشرق والغرب.. .. ولكن هيهات ..فضمائر العربان تصلبت .. ومشاعرهم أصبحت تنطق بالعبرية ..
وفي النهاية .. تتكرم جامعة الدول العربية بالدعوة إلى اجتماع عااااااااااااااجل يوم الإثنين القادم على مستوى المندوبين .. المندوبين ..نعم فهؤلاء الأطفال التافهين الذين يتناثرون إلى أشلاء .. لا يستحقون أكثر من ذلك ..
يتراءى أمامي في هذه اللحظة .. الشاعر العراقي الثائر " مظفر النواب " وهو يصرخ بهم في هذه اللحظة :
القدس عروس عروبتكم ..
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ..
وجلستم خلف الأبواب ..تسترقون السمع إلى صرخات بكارتها ..
وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً .. وطلبتم منها أن تسكت صوناً للعرض ..
فما أشرفكم ..أولاد " القحبة " هل تسكت مغتصبة ...
ثم يطل عاشق دمشق .. ليخاطب الأبطال من أعالي السماء :
يا تلاميذ غزة
علمونا بعض ما عندكم فإنا نسينا
علمونا كيف الحجارة تغدو.. بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا
كيف تغدو دراجة الطفل لغماً..وشريط الحرير يغدو كميناً
كيف مصاصة الحليب
إذا ما حاصروها تحولت سكيناً
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا بإذاعتنا ولا تسمعونا
اضربوا بكل قواكم
واحزموا أمركم ولا تسألونا
نحن أهل الحساب والجمع والطرحِ
فخوضوا حروبكم واتركونا
إننا الهاربون من خدمه الجيشِ
فهاتوا حبالكم واشنقونا
نحن موتا لا يملكون ضريحاً
ويتاما لا يملكون عيونا
قد لزمنا جحورنا وطلبنا منكم
أن تقاتلوا التنينا
قد صغرنا أمامكم ألف قرن
وكبرتم خلال شهراً قرونا
يا تلاميذ غزة
لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرئونا
علمونا فن التشبث بالأرض
ولا تتركوا المسيح حزينا
يا أحبائنا الصغار سلاما
جعل الله يومكم يا ياسمينا
من شقوق الأرض الخراب طلعتم
وزرعتو جراحنا نسرينا
هذه ثورة الدفاتر والحبر
فقولوا على الشفاه لحونا
أمطرونا بطولة وشموخاً
واغسلونا من قبحنا اغسلونا
واستعدوا لتقطفوا الزيتونا
إن هذا العصر اليهودي وهما
سوف ينهار لو ملكنا اليقينا ..
لن يتعلموا يا نزار .. فهم أميّون ..أميّون
ثم يأتون إلينا ليساومونا على القمة العربية ..
ولم يعلموا أن السوري الأصيل ..لا يساوم .. أيها الأعراب