في حوار مع الشاعر طلعت سقيرق :
أنا الشاعر الأول دون منازع
حاورته : سوسن البرغوتي / السعودية
استطاع الشاعر طلعت سقيرق أن يرسخ اسمه ليكون من الأسماء المعروفة في الوطن العربي كشاعر وقاص له بصمته المتميزة المؤثرة خاصة في قدرته الكبيرة على التجديد والابتكار في الشكل والمضمون معا ... له ثلاثون عملا مطبوعا في الشعر والقصة والرواية والنقد .. وثلاثون عاما في العمل الصحفي .. عضو اتحاد الصحفيين السوريين ، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين .. عضو رابطة الأدب الحديث في مصر ..رئيس تحرير مجلة "المسبار"الثقافية الشهرية والمسؤول الثقافي في مجلة " صوت فلسطين".. فماذا يقول الشاعر طلعت سقيرق عن تجربته وعن الثقافة العربية وما وصلت إليه .. كثير من الأسئلة تأتي إجاباتها في هذا الحوار مع الشاعر المجدد والمبدع على الدوام طلعت سقيرق ..
* هل صار سؤالا تقليديا أن نقول ماذا عن البدايات عند الشاعر طلعت سقيرق .. لنفترض .. فماذا تقول ؟؟..
** لنتفق سيدة سوسن على معنى البدايات .. قد يكون السؤال تقليديا .. لكن هل علينا أن نجيب بتقليدية ؟؟.. حين أغمض عيني أنسى تلك السنوات الطويلة التي مرت وأقف عند مساحة جميلة تشغلها الطفولة فأجد أنها المحطة التي ما أرادت أن تبرح .. ولدت وعشت في حي الشيخ محي الدين ، هذا الحي الشعبي المليء بنبض الحياة الحقيقية ، أقصد الحياة البعيدة عن التظاهر والتمثيل ووضع الأقنعة .. في هذا الجو كان على الشاعر أن يكتب ويحب ويملأ الدنيا ضجيجا .. كتبت الكثير الذي ما تبقى منه شيء .. كان أبي رحمه الله ميكانيكي في رحبة الشرطة يقوم بإصلاح السيارات، ربما كان وهو القادم من حيفا بكل روعتها شاعرا اكثر مني بصورته المثالية .. أيضا أمي لها أكبر الأثر والتأثير في حياتي ، كل شيء في حياة والدتي شعر بشكل ما .. زقاق الشيخ أسعد وحاراته كان نبع شعر .. كتبت و أحببت وتعلمت الكثير .. الحي الشعبي معلم رائع لكل كاتب ..
* هل ذهب كل ما كتبته في هذا الزمن البعيد ؟؟..
** كله ذهب ، ومن الأفضل أن يذهب ، تصوري أن أتحف القارئ بشخبرات لا معنى لها ، ما ذنب القارئ !!.. مزقت الكثير ، ولو عدت إلى الوراء ، لعدت ومزقت هذا الكثير ..
* لك ثلاثون عملا مطبوعا ، أيها أقرب إلى طلعت سقيرق ؟؟..
** صعب أن اقرر هكذا!! أي هذه الكتب أقرب إلي .. ولن أقول لك كلها مثل أولادي فهذه مقولة مضحكة إلى حد ما .. برأيي كل كتاب يشكل محطة .. كل كتاب يشكل بصمة وكل الكتب تكمل بعضها لتشكل ملامح طلعت سقيرق..
* يقولون طلعت سقيرق لا يكتب دون ملهمة هل هذا صحيح ؟؟..
** الكتابة دون حب كتابة باردة جافة لا معنى لها .. لا أستطيع أن اكتب وقلبي فارغ من الحب ، وجود الملهمة ضرورة .. كل قصائدي وراءها إلهام وملهمة ..
* الأنثى تأخذ حيزا واسعا في كتاباتك وتقول إنك لا تكتب دون ملهمة فهل كنت عاشقا إلى هذا الحد ؟؟..
** كل حياتي عشق .. كل امرأة أعطتني قصيدة وأشعلت كل أصابعي بحسنها وحضورها الأخاذ .. لا أستطيع بطبيعة الحال أن أكتب كل أنثى .. هناك كثيرات مررن دون أن يحركن القصيدة ، وهناك من مررن وأشعلن الشعر حتى الذهول .. الأنثى عالم رائع لا مثيل له .. لا أستطيع أن اكتب خارج حيز حضور الأنثى في حياتي .. كل امرأة سكنتني كانت قصيدة رائعة في حياتي ..
* كتاباتك عن فلسطين كثيرة ومتنوعة ، ماذا أعطت فلسطين لكتاباتك ؟؟..
** فلسطين تسكنني وتراقص كل حرف من حروفي .. لا أستطيع أن أكون كاتبا دون الكتابة عن فلسطين .. وكتابتي عن فلسطين كتابة حب وانحياز وشوق وأمل وتطلع ومعايشة .. أنا لا اكتب انطلاقا من مقولات حزب أو منظمة فأنا لم أنتسب لأي حزب أو تنظيم لإيماني أن فلسطين اكبر من كل هذا .. فلسطين هي حزبي وتنظيمي وفضائي الواسع ..
* يقال إن طلعت سقيرق لم يمدح أحدا بشعره ، ويقال إن لك فلسفة حول ذلك .. ماذا تقول ؟؟..
** ليس هناك فلسفة ولا يحزنون .. كل ما في الأمر أنني لا أجد من يستحق المديح ، الشعر ليس مركبا لمن هب ودب حتى أمدح هذا أو ذاك .. أيضا لست مستعدا أن امدح من اجل المال فالشعر أكبر من ذلك ، والمال لا يشكل شيئا بالنسبة لي ولا يغريني .. شعر المديح شعر تكسب وشعر التكسب شعر تدليس وكذب وتزوير .. سبحان الله لا احب شعر المديح ولا شعراءه .. المديح الحقيقي تستحقه شخصية خارقة بكل شيء ، ولم أصادف مثل هذه الشخصية في حياتي .. لم امدح أحدا ولن امدح .. تعرضت لمغريات كثيرة كي أمدح والحمد لله كنت أكبر من هذه المغريات ..
* وماذا تقول عن شعراء يمدحون في كل زمان ومكان ؟؟..
** هم هكذا !!.. فماذا أقول عنهم ؟؟.. هذا شيء يخصهم ، تعودوا أن يمدحوا ، أن يحنوا قاماتهم .. هذا الانحناء يكفي ليكون عنوان صورة كل واحد منهم !!..
* حين يسأل بعض الشعراء عن شعرهم يقولون دون تردد :إننا الأهم ، فما رأيك حول ذلك ؟؟..
** حين أقول لك أنا الشاعر الأول دون منازع فهل يكفي هذا لأكون الشاعر الأول؟؟.. وحين أقول لك أنا أهم شاعر في عصري فهل سأكون كذلك لمجرد أنني قلت ؟؟.. يا سيدتي هناك ناس ونقد وحضور وتاريخ والكثير من الأشياء التي تضع هذا قبل ذاك .. برأيي ليس مهما أن يكون هذا قبل ذاك أو فلان قبل فلان .. كلنا نكتب معزوفة الشعر العربي لإغناء هذا الشعر ، وحين يسبقني شاعر أو أسبق شاعرا فهذا غير مهم ، المهم أن تكون القصيدة العربية في النهاية جيدة .. ليتنا نعمل بجد لرفع سوية القصيدة العربية وهذا يكفي ..
* هل هناك أزمة في النقد تجعل مثل هذا الكلام ينتشر دون ضابط ؟؟..
** هناك أزمة في النقد العربي لا حد لها .. غياب النقد فتح المجال لكثير من الشعر السيئ كي يطفو على السطح .. وغياب النقد ضيع القارئ وحيره .. أيضا غياب النقد جعل كل مبدع يعطي لنفسه الحق بقول ما يريد دون خشية .. عندما يكون النقد الحقيقي حاضرا يعطي كل ذي حق حقه ، ويضع كل واحد في مكانه الصحيح .. الموجود الآن جبر خواطر وليس نقدا ..
* يقال إن طلعت سقيرق هو أول من كتب القصيدة المدورة او قصيدة السطر الواحد.. ماذا عن هذا النوع من القصائد ؟؟..
** كتبت القصيدة الصوفية معتمدا على ترك التفعيلة منسابة دون حد على مدار الصفحة ، ألغيت الفواصل والنقاط والمقاطع .. كانت القصيدة عبارة عن سطر واحد مفتوح حتى نهاية القصيدة .. أيضا لجأت إلى هذا الشكل في ديواني الصادر عن وزارة الثقافة مؤخرا بعنوان " خذي دحرجات الغيوم " في مقطع من أحد هذه القصائد أقول : " لغة من البحر الهلامي امسحي عن راحتي جسد اللقاء فقد تعبت من التذكر صادني هذا الضباب وصادني هذا العذاب أحاول الآن التجمع خلسة بعد التبعثر مثل آهات الظلال تعبت يا أحلى من الوعد الجميل تعبت يا أغلى من الصمت الجليل تعبت من لغتي ومن شعري ومن خطوي على الطرقات لا أدري لماذا تسكنين مطالعي وأصابعي والقلب والشريان والسكك المكان الأغنيات وبحة الناي اللذيذ وأضلعي أمشي إليك كأنما كل الدروب تحركت في همسها وهسيسها " تلاحظين هذا الامتداد الذي لا يتوقف ، هكذا كل قصيدة تتدفق دون توقف ..
* هل كان التجديد في الشكل فقط ؟؟..
** ما كتب عن " القصيدة الصوفية " و" خذي دحرجات الغيوم " أشار إلى أنني طورت تطويرا كبيرا في الشكل .. لكن كنت أتمنى الالتفات إلى التطوير في بنية الموضوع ، مثلا في الغزل تعاملت مع الأنثى بشكل مغاير لكل ما تعودناه في الشعر العربي .. شعرنا العربي تعامل مع الأنثى وكأنها أجزاء فوصف العين والقد والوجه، أي أنه جزأ وشيأ ، بينما تعاملت مع الأنثى بشكل كلي ، تعاملت مع الأنثى على أنها حلم وواقع ، إنسان رائع في حضوره وتأثيره ، كنت ألمسها وفي الوقت نفسه أفتقدها لتكون حلما وهكذا ..
* هناك الديوان المفتوح والذي أصدرته على مدار سنوات خمس على شكل بطاقات، لماذا توقف صدوره ؟؟..
** ديوان " ومضات " كما قلت ديوان مفتوح جاء في تسعين بطاقة ، وكان الديوان الأول في العالم الذي يصدر على هذا الشكل ، كل بطاقة كانت تضم قصيدة لي ولوحة للفنان الصديق فتحي صالح .. الديوان لم يتوقف فمازال مفتوحا وربما أصدر في سنوات لاحقة بقية له ..
* ما هو جديد الشاعر طلعت سقيرق ؟؟
** صدر لي ديوان " خذي دحرجات الغيوم " عن وزارة الثقافة .. وقريبا ستصدر لي مجموعة قصصية عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان " امرأة تسرج صهوة الروح" وهي تضم عددا من القصص الجديدة ..
* الأغنية الشعبية الفلسطينية كان لك فيها مساهمات كثيرة ، هل توقفت عن كتابتها؟؟..
** غنت لي الفرق الفلسطينية أكثر من خمسين أغنية ، كل الفرق الفلسطينية غنت لي .. طبعا لم أتوقف ومازلت اكتب بين الحين والآخر ..
* وماذا عن المسرحيات كنت قد كتبت عدة مسرحيات مثلت ؟؟..
** ما كتبته كان عبارة عن مسرحيات من فصل واحد .. كلها مثلت .. منذ فترة لم اكتب للمسرح ولا ادري لماذا ..
* أخيرا ماذا يقول الشاعر طلعت سقيرق عن دور المثقف العربي في الوقت الراهن؟؟..
** المثقف العربي مثقف قلموا أظافرة وخلعوا أسنانه وقيدوه بلقمة عيشه فماذا تطلبين منه .. ؟؟.. على كل هناك دائما أمل لا ينطفئ بالمثقف والثقافة .. يفترض أن دور المثقف جد كبير ، نرجو أن يكون له هذا الدور ..