08 / 08 / 2009, 36 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [9]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى...
[align=justify] نتابع أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى.. الطور الرابع (1967-1997): من التوسع العسكري الى الهيمنة على المشرق العربي:
المرحلة الاولى (1967-1979): من حرب حزيران الى كامب دافيد:
- حرب حزيران هي ثالث الزلازل الكبرى التي غيرت معالم مشرقنا منذ مطلع القرن الجاري بعد الحرب الكونية الاولى والحرب الصهيونية العربية عام 1948. وعكست السرعة البرقية التي حسمت "اسرائيل" فيها النتيجة العسكرية، مقدار تفوقها على الجيوش العربية قيادة وتخطيطاً، تنظيماً واداء، ففي غضون ساعات قلائل عرت "اسرائيل" قواتنا البرية عن مظلتها الجوية وجعلتها لقمة سائغة لطيرانها في بيئتنا الصحراوية الجرداء بعد ان حطمت قواتنا الجوية ومعظمها جاثمة على الارض في ضربات ماحقة استباقية ومفاجئة.
واستولت "اسرائيل" بعد قتال لم يدم اكثر من ستة ايام على مساحة من الارض العربية ثلاثة اضعاف مساحتها قبل العدوان فغدت محتلة لـ100 في المئة من الارض الفلسطينية ما بين النهر والبحر بما في ذلك القدس بأكملها، واشرفت من على جبل الشيخ على دمشق شمالاً، وفي سيناء على قناة السويس غرباً واعماق البحر الاحمر جنوباً وهجرت "اسرائيل" خلال القتال وبعيده 250,000 لاجىء من الضفة الغربية وقطاع غزة و100,000 من اهالي الجولان وآلافاً من بدو سيناء، كما استولت على الحقول البترولية فيها. واستشهد حوالى 15,000 جندي عربي معظمهم من المصريين وخسرت الجيوش العربية 70 في المئة من اسلحتها الثقيلة بما فيها 400 طائرة تحطمت و500 دبابة تحطمت او غنمت. وبلغت خسائر "اسرائيل" "ما يزيد على 700 قتيل و60 دبابة و20 طائرة" كما تصفها مصادرها الرسمية.
واختلفت ردة الفعل الامريكية على هذا العدوان مقارنة بردة فعلها على العدوان الثلاثي عام 1956 اختلاف جونسون عن ايزنهاور نشأة وبيئة اجتماعية وعلاقات مع اليهود ونظرة اليهم، كما عكست نمو اللوبي اليهودي منذ العدوان الثلاثي ونتيجة الموقف بالذات الذي اتخذه ايزنهاور من العدوان. وهكذا لم يكن وارداً في ذهن جونسون على الاطلاق ان يطالب بعودة الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب Status quo ante bellum او ما يقترب من ذلك بل بالعكس حرص جونسون عملياً على ان تبقى الاراضي المحتلة في ايدي "اسرائيل" الى ما شاء الله او حتى توظفها لفرض التسوية التي تبتغيها بشروطها هي اذا ما حلا لها ذلك. وتجسدت نظرة جونسون هذه بمشورة الاخوين روستو والسفير غولدبرغ في القرار 242 الذي لا يحدد اية مهلة للتسوية المطالب بها ويترك هامشاً واسعاً (بالانكليزية) للادعاء بعدم وجوب الانسحاب من جميع الاراضي ويهمل كلياً اي اشارة الى فلسطين او او الفلسطينيين معتبراً ان القضية انما هي بين الدول العربية ودولة "اسرائيل" مع تأكيد ديباجية القرار على عدم جواز الاستيلاء على الاراضي بالقوة حفظاً لماء الوجه. وكان القرار 242 من منظور الحرب الباردة جواب جونسون الى موسكو على المأزق الذي حشرت امريكا نفسها فيه في فيتنام.
اسكر النصر الساحق الشعب اليهودي حيثما وجد واثار الاستيلاء على القدس الشرقية وحائط البراق وكامل التراب الفلسطيني وهزيمة القاهرة ودمشق وعمان معاً دفين الغرائز لدى عدد متزايد منهم وجعل من كل يهودي امريكي من دون استثناء يذكر صهيونياً ملتزماً فزاد بذلك اللوبي اليهودي واثره على المؤسسة السياسية الامريكية قوة على قوة، وبلغت تبرعات يهود امريكا خلال ثلاثة اسابيع من بدء القتال 100 مليون دولار معظمها نقداً، ونمت موجة من الهجرة الى "اسرائيل" بلغت 30,000 امريكي يهودي بين 1967-1973 مما استدعى انشاء وزارة للهجرة والاستيعاب لتولي امورهم. وعزرت نتائج حرب حزيران الشعور القومي بين يهود روسيا وحفزتهم الى المطالبة بالهجرة الى "اسرائيل". اما في "اسرائيل" نفسها فبلغ الزهو والاعتداد بالنفس الذروة وكان الشعور السائد "ان ليس بالامكان احسن مما كان" وان الزمن لصالح "اسرائيل" وان المفاوضات تعني التخلي عما باليد وبالتالي لا وجوب لها وان العرب في عجز سحيق وتجسد هذا الشعور اكثر ما تجسد في القدس الشرقية وبخاصة في البلدة القديمة اذ هدمت احياء بكاملها بجوار حائط البراق وطرد الآلاف من سكانها ودعا بن غوريون المتقاعد الى هدم اسوار المدينة القديمة التي يناها السلطان سليمان القانوني لكونها تضفي الطابع الاسلامي على القدس الشرقية.
لم تكتفِ مصر وسوريا بـ لاءات قمة الخرطوم الثلاث بل اردفتها بالمبادرة بمناوشات بالمدفعية على حدودهما الجديدة ما لبثت ان تطورت الى ما سمي "بحرب الاستنزاف" التي دامت من (يونيو) 1967 الى (يوليو) 1970. وكان الهدف منها اثبات الذات على رغم الهزيمة والضغط على الولايات المتحدة لكسر الجمود التي سعت "اسرائيل" الى تثبيته في المنطقة.
في هذه الاثناء كان ولاية جونسون قد انتهت عام 1968 وخلفه ريتشارد نيكسون الذي عين هنري كيسنجر مستشاره للأمن القومي ووليم روجرز وزيراً للخارجية. اما في "اسرائيلط فقد توفي ليفي اشكول عام 1969 واعقبته في الحكم غولدا مائير (1898-1978) الروسية المولد والامريكية النشأة وكانت الحكومة الاسرائيلية ما زالت حكومة اتحاد وطني منذ تأسيسها عشية حرب حزيران تضم حرب "الجاحال" اليميني بزعامة مناحيم بيغن اضافة الى حزب "الائتلاف" العمالي بزعامة غولدا مايير. ولم يكن لليهود "مدخل" مميز على نيكسون على رغم تعيينه لهنري كيسنجر ولا كان متعاطفاً معهم مثله مثل معظم الجمهوريين في حينه وكان الذي يجمع بينه وبين كيسنجر نظرة متطابقة بالنسبة للتعامل مع موسكو في الشرق الاوسط وخارجه. وتتلخص نظرة نيسكون الى الصراع الصهيوني-العربي بصرف النظر عن الضغوط اليهودية والاعتبارات الانتخابية في ضرورة المحافظة على التفوق العسكري الاسرائيلي في وجه حلفاء الاتحاد السوفياتي من العرب مع الحرص على التخفيف من حدة توتر الصراع لتلافي الصدام بين الجبارين. وبعبارة لم يكن لدى نيكسون اهتمام خاص خارج هذا الاطار في الشرق الاوسط ولا رغبة معينة في تسوية النزاع الصهيوني -العربي وهو توجه شجعه كيسنجر في المحافظة عليه. وكانت خلفية روجرز الاجتماعية شبيهة بخلفية الاخوين دالاس على دماثة خلق وتوضع جم.
بيد ان القتال خصوصاً في الجبهة المصرية استمر في التصاعد وكان نيكسون قد وصف الوضع في المنطقة في اول مؤتمر صحافي له على انه "برميل بارود" Powder Keg فقام روجرز في (ديسمبر) 1969 بإعلان مبادرة عكست من دون شك وجهة نظر "المستعربين" Arabists في الوزارة الخارجية اكثر منها البيت الابيض، ناهيك عن كيسنجر، تقوم على ضرورة ان تكون سياسة الولايات المتحدة "متوازنة" Balanced وعلى رفض التوسع Expansionism وعلى ان التسوية الاقليمية يجب الا تعكس ثقل الانتصار العسكري Weight of conquest ورفضت المبادرة اي خطوات احادية الجانب ودعت الى الانسحاب الكامل من سيناء مقابل معاهدة صلح اسرائيلية مصرية، ولم تتعرض المبادرة الى الجولان، وبالنسبة للاردن دعت الى الانسحاب الى حدود الهدنة مع بعض التعديلات والى مشاركة الاردن و"اسرائيل" في القدس كما لمحت الى اعطاء اللاجئين حق الخيار بين العودة والتعويض.
وهبطت السماء على رأس روجرز في اعقاب مبادرته وعلقت غولدا مايير عليها بقولها: "لم نخض ثلاث حروب حتى ننتحر الان". ونظمت "الايباك" في الولايات المتحدة مظاهرة لـ 1400 زعيم يهودي من 31 ولاية هبطوا دفعة واحدة على واشنطن وقابلوا 250 عضواً في الكونغرس وشنت "اسرائيل" في خطوة تصعيدية غارات جوية في اعماق مصر للتدليل على صلابة عزمها تجاه كل من القاهرة وواشنطن وموسكو وطار عبدالناصر الى موسكو وهدد بالاستقالة لمصلحة خلف "مقبول" لدى الولايات المتحدة فأرسل الاتحاد السوفياتي اكبر حملة له خارج حدوده قبل غزو افغانستان فكان الصدام الجوي الاسرائيلي الروسي في اجواء مصر وتجدد نشاط روجرز.
طالب روجرز بوقف فوري للقتال وقدم صيغة "ملطفة" لاقتراحه الاول قائمة على "مبادىء" قرار 242 قبلتها مصر والاردن ولم تقبلها "اسرائيل" في تموز 1970 الا كما انهكت الحرب عبدالناصر فوق انهاكه بحوادث الاردن المتزامنة وتوفاه الله في (سبتمبر) عام 1970.
وقامت استراتيجية الرئيس انور السادات منذ البدء على الابتعاد عن الاتحاد السوفياتي والاقتراب من الولايات المتحدة وعلى اطلاق المبادرات "الايجابية" بالتوالي املاً باستدرار اهتمام امريكا واحراج "اسرائيل" مع التنسيق الوثيق مع السعودية. وفي 4 (فبراير) 1971 اقترح السادات ان تنسحب "اسرائيل" الى الممرات على ان تعبر القوات المصرية القناة اليها وتحافظ على وقف اطلاق النار ووتفتح قناة السويس وتقيم العلاقات الدبلوماسية مع امريكا وتعلن استعداداً لعقد اتفاق سلم مع "اسرائيل" عن طريق هيئة الأمم. وتقول الصحيفة الاسرائيلية "هآرتس" ان اقتراح السادات هذا اوقع غولدا مايير في حال ذعر Panic ذلك انه اخر ما كان في ذهنها هو التفاوض من اجل السلم. واكد السادات في تصريح له في مجلة "نيوزويك" الامريكية رغبته في التعايش السلمي مع "اسرائيل". وفي (ابريل) 1971 اعاد اقتراحه بفتح القناة (الملائم لامريكا) كخطوة اولى تجاه اتفاق سلم مقابل التزام "اسرائيل" بالانسحاب من جميع الاراضي المحتلة فرفضت "اسرائيل" بعد ان حصلت على تطمينات من نيكسون نفسه فحواها ان الانسحاب الاسرائيلي لن يكون بالضرورة الى حدود 1967 وان تسوية قضية اللاجئين لن تضعف الصبغة اليهودية لاسرائيل وان الولايات المتحدة ستؤمن التوازن (اي التفوق) في السلاح واعقب ذلك ارسال امريكا لـ 45 طائرة فانتوم مقاتلة وثمانين طائرة سكاي هوك قاذفة كان روجرز قد اخّر وصولها الى "اسرائيل" قبل موافقتها على مبادرته. ومع ذلك استقال مناحيم بيغن من حكومة الاتحاد الوطني في (اغسطس) 1970 غاضباً حانقاً ومعلناً ان مبادرة روجرز ستؤدي الى محرقة Holocaust يهودية ثانية. وهكذا لم تفض مبادرتا روجرز بسبب حرب الاستنزاف عن اي نتيجة ملموسة على الارض سوى وقف القتال واسفرت الحرب ذاتها عن 10,000 شهيد مصري و1000 قتيل اسرائيلي اضافة الى خسائر مادية فادحة في مدن القناة وريفه مثل هذا الالتزام واقترحت امريكا محادثات جوار Proximity Talks برعايتها فامتنعت "اسرائيل" وحاول روجرز الضغط عليها ثانية باعاقة دفعة جديدة من المقاتلات والقاذفات، لكنه اضطر بسبب الضغوط عليه من الكونغرس ان يفرج عنها في (يناير) 1972. وبإيعاز من مصر زار "اسرائيل" في خريف 1971 اربعة رؤساء افريقيون للاستحصال على تعهد من "اسرائيل" بعدم ضم اي من الاراضي العربية فصدوا كما صد مسعى قام به امين الأمم المتحدة كورت فالدهايم بعد ذلك بقليل. وفي عام 1972 اعلن الكنيست "ان حقوق الشعب اليهوي في ارض "اسرائيل" فوق التحدي". واستمر انشاء المستعمرات في كل من الجولان والضفة والقطاع وسيناء واعلنت "اسرائيل" عن نيتها في بناء مدينة ياميت Yamit في سيناء ليقطنها 200,000 يهودي. وفي تموز 1972 اخرج السادات من مصر الخبراء العسكريين السوفيات وعددهم بين 15,000 - 20,000 وتطلع الى نهاية عام 1972 وهي سنة انتخابات رئاسية امريكية املاً بان يتحرر نيكسون كلياً في ولايته الثانية من الضغوط اليهودية.
ولم تلقَ اي من هذه الخطوات اي استجابة من "اسرائيل" ذلك ان الولايات المتحدة في تعليق للكاتب الصهيوني البريطاني المخضرم جون كيمشي "قد عززت القوات الاسرائيلية بحيث اصبحت سيدة Master الشرق الاوسط فلماذا يقدمون التنازلات الى مصر او لغيرها"؟ اما بالنسبة لنيكسون فلم تتحقق الامال في ولايته الثانية بل بالعكس خف تخوفه وتخوف كيسنجر من الصدام مع السوفيات بخروجهم من مصر واستجاب لطلب مايير في (مـارس) 1973 لارسال 48 مقاتلة وقاذفة جديدة. ووظف نيكسون ذلك لتثبيت الوفاق entente مع السوفيات، من دون اشراكهم في شؤون الشرق الاوسط واقتصر البيان اثر اجتماع لاقمة بينه وبين ليونيد برجنيف في حزيران 1973 على عبارة عابرة عن المنطقة دونما ذكر لقرار 242 وكانت اهتمامات نيكسون منصبة في معظمها في فيتنام من ناحية وفي العلاقات مع موسكو وبكين من الناحية الثانية، وهو الذي زار بكين في مطلع عام 1972 للضغط على موسكو. واخذت فضيحة ووترغيت تستحوذ اكثر فأكثر عليه بدءاً بربيع 1973.
وبدأ خلال هذه المرحلة (عام 1972) تطور انه سيكون له اخطر العواقب لاحقاً وهو يشهد مجدداً على جاذبية الاصوات اليهودية في سوق الانتخابات الامريكية ذلك ان السناتور هنري جاكسون الديمقراطي والطامح للرئاسة في انتخابات 1972 استجاب لمطلب صهيوني قديم يعود الى المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين المنعقد في القدس عام 1951 جرى تكراره في المؤتمرات التالية منذئذٍ يؤكد على حق يهود الاتحاد السوفياتي في الهجرة الى "اسرائيل". وقرر جاكسون ان يلحق تعديلاص بهذا المعنى على مشروع قانون لتنظيم التجارة بين امريكا والاتحاد السوفياتي قيد التداول في الكونغرس ينص علىحرمان السوفيات من منافع التجارة مع امريكا في حال عدم تجاوبهم. وتم له ذلك على رغم طلب نيكسون شخصياً من مايير ان تقنع جاكسون بإيقاف مسعاه حرصاً منه على الوفاق مع السوفيات. ووما قاله نيكسون لغولدا انه حصل على تعهد من بريجينيف بالسماح في هجرة 35,000 يهودي الى الخارج شرط عدم سن قانون جاكسون. وبالفعل سمحت موسكو في الفترة 1971-1981 لـ 270,000 يهودي بالهجرة ذهب 165 الفاً منهم الى "اسرائيل" وكان هذا قبل السيل العارم الذي اطلقه ميخائيل غورباتشوف، وليس مصادفة ان تأتي مبادرة جاكسون في الوقت الذي كانت "اسرائيل" تخطط لاسكان 200,000 يهودي في "ياميت في سيناء".
هذه باختصار شديد بعض اهم ملامح الصراع الصهيوني-العربي على محوره الرئيسي في هذه المرحلة: الجبهة المصرية التي شكلت الخلفية لحرب رضمان… المحطة الكبرى على منتصف الدرب بين حزيران وكامب ديفيد.
قامت حرب رمضان على الثلاثي: القاهرة ودمشق والرياض وكانت المحاولة العسكرية الاولى والاخيرة المشتركة للتصدي للقوة العسكرية الصهيونية منذ 1948 لكنها تميزت عن محاولة 1948 بالبون الشاسع في احجام القوات المتصارعة على الطرفين وفي انظمة اسلحتها وقوة نيرانها فبينما لم يكن لدى جيوش الدول العربية مجتمعة اكثر من 22 دبابة وعشرة مقاتلات عام 1948 دفعت سوريا وحدها على جبهتها بـ 1400 دبابة. وكما كان الحال عام 1948 لم يقصد عام 1973 الى حرب مجابهة الى النهاية مع العدو بقدر ما كان القصد خصوصاً في حرب رمضان افهام تل ابيب وحليفتها الكبرى واشنطن استحالة بقاء الوضع الراهن على حاله وجعل الاولى تدفع ثمنا غالياً لتشبثها الصلف به وارغام الثانية على اعطاء المنطقة قسطاً اوفر من اهتمامها السامي الموزع بين موسكو وبكين وفيتنام.
وتميزت حرب رمضان بفضل المغفور له الملك فيصل بنية الثلاثي للمرة الاولى والاخيرة في استخدام موجودات الامة من وسائل عسكرية وغير عسكرية مجتمعة، كما تميزت بدقة التنسيق في مراحلها الاولى بين الجبهتين الشمالية والجنوبية وبالحفاظ المحكم غير المعهود عربياً على عنصر المفاجأة المطلقة عند بدايتها.
ترنحت "اسرائيل" من هول الضربة الاولى والاقتحام الموفق لخط "ماجينو"-"بارليف" الذي اقامته على القناة وتوغل القوات السورية في الجولان ولكنها ما لبثت، ونتيجة عدم تقدم القوات المصرية لاحتلال الممرات ان التقطت انفاسها واكملت تعبئتها العامة واستندت الى جسر جوي امريكي نقل 22,000 طن من العتاد الثقيل مباشرة الى ميدان القتال للعبور الى الضفة الغربية من القناة فكان التهديد السوفياتي بالتدخل المباشر وكان اعلان امريكا لحال التأهب النووية الكونية وكان اعلان وقف القتال بعد ان استردت "اسرائيل" الجولان واستولت على اراضٍ سورية خارجه.
وخسرت "اسرائيل" على الجبهتين 2770 قتيلاً و7400 جريح و800 دبابة و120 طائرة وكانت الخسائر العربية 15,000 شهيد مصري و3,000 شهيد سوري و800 دبابة سورية و650 دبابة مصرية و160 طائرة سورية و180 طائرة مصرية.
واخيراً استرعى الصراع الصهيوني-العربي اهتمام واشنطن الجدي وتولى ادارة الازمة هنري كيسنجر شبه مطلق اليد بسبب انغماس نيكسون في معالجة ذيول فضيحة واترغيت التي اضطرته الى الاستقالة في آب 1974 ليخلفه جيرالد فورد نائبه الذي كان قليل الخبرة في الشؤون الخارجية لكنه ذو استقامة وحسن خلق.
كانت لدى كيسنجر عند مباشرته لمهمته الشرق اوسطية صورة ذهنية واشحة شاملة لما يريد ان ينجزه وما لا يريد وحيثيات الشطرين. ففي المدى الاقرب كان الهدف فصل القوات على الجبهتين لتثبيت وقف اطلاق النار ورفع الحظر لبترولي، ويلي ذلك تشجيع المفاوضات بين "اسرائيل" من ناحية ومصر والاردن من ناحية اخرى بغية الوصل الى اتفاقات ثنائية بين "اسرائيل" وكل من البلدين العربيين. ولم يكن كيسنجر ليؤمن او يرغب في حل "شامل وعادل" للصراع الصهيوني _ العربي لان ذلك سيكون من منظوره الصهيوني "على حساب اسرائيل". وكان الهدف من الاتفاق الثنائي المصري - الاسرائيلي تحييد مصر عسكرياً عملاً بنظرية توازن القوى Balance Of Power وهي بمفهوم كيسنجر تعني ترجيح كفة "اسرائيل" على كفة سائر الدول العربية عن طريق "ارضاء" مصر. اما الاتفاق الاردني - الاسرائيلي فكان هدفه بتصوره الالتفاف حول "القضية الفلسطينية" ومنظمة التحرير والحقوق الفلسطينية التي لم يكن ليوليها جميعاً اي اهتمام بالذات. كما ان كيسنجر لم يكن معنيا كثيراً في اتفاق ثنائي سوري - اسرائيلي بعد اتفاق فصل القوات بحجة ان سورية حليفة موسكو وبالتالي جديرة بالجفاء والعزل والعقاب. وكان كيسنجر شديد الحرص على ابعاد موسكو عن الادارة المركزية لهذه الازمة مع استعداده لالقاء بعض الفتات امامها عن طريق اشراكها في مؤتمرات دولية طقوسية في جنيف وغيرها.
وظهرت نتائج دبلوماسية كيسنجر في الميدان في اتفاقي فصل القوات بين "اسرائيل" ومصر في كانون الثاني 1974 وبينها وبين سورية في (مايو) 1974 واعقب الاخيرة رفع الحظر البترولي واصطدم مسعى كيسنجر في دفع الاتفاق المصري - الاسرائيلي الثنائي الى امام بتعنت "اسرائيل" حين تولى رئاسة الوزارة اسحاق رابين في (ابريل) 1974 بعد استقالة غولدا مايير بسبب حرب تشرين الاول وكان من آثاره في الوضع الداخلي الاسرائيلي تقوية احزاب اليمين التي انضمت الى تكتل جديد باسم "الليكود" في انتخابات الكنيست الثامن (كانون الاول 1973) اذ انخفض الفارق بين حزب العمال (الائتلاف) وبين حزب "الجاحال" / "الليكود" اليميني من 56: 26 مقعداً في انتخابات 1969 الى 51: 39 مقعداً في انتخابات 1973.
وعلى رغم مرونة السادات وانسجامه "الفكري" مع كيسنجر لم يفلح هذا الاخير في بلدىء الامر في زحزحة رابين عن موقفه. وكان هذا يعلم علم الخبير مدى النفوذ اليهود في واشنطن وهو الذي امضى خمس سنوات سفيراً ومرشداً للوبي اليهودي فيها وكان رابين على قناعة تامة بان ضغط واشنطن عليه انما بسبب النفوذ العربي البترولي وان هذا النفوذ ظاهرة ابرة تدوم لسبع سنين عجات يتبعها السمان فلا ضير في الجمود Immobilism والصمود الى ان يأتي الفرج الاكيد. وقالت "النيويورك تايمز" عن رابين انه اشد عناداً من غولدا مايير فحيث قالت "كلا" No يقول رابين "ابداً" Never . وغضب فورد لموقف رابين وهدد بـ"اعادة النظر" Reassessement في العلاقات الامريكية - الاسرائيلية "فقبلت "اسرائيل" اخيراً بعد ان غمرها كيسنجر بـ"التعويضات" والاسلحة والتطمينات والمغريات. وكان الاتفاق الثنائي الاسرائيلي - المصري المرحلي Interim Agreement في (سبتمبر) 1975 الذي وصفه رابين نفسه بقول انه "اعطى "اسرائيل" حرية عمل اعظم في المجال السياسي ووضع سورية في وضع اضعف سياسياً وعسكرياً ومكن "اسرائيل" من ان تبرز منه وهي اقوى سياسياً وعسكرياً".
في هذه الاثناء ومع انه لم يشترك في حرب رمضان طالب الاردن بعقد اتفاق ثنائي بينه وبين "اسرائيل" على غرار ما حصل على الجبهتين السورية والمصرية وكان من جملة مغريات كيسنجر الى "اسرائيل" في "مذكرة التفاهم" Memorandum of Understanding الملحقة بالاتفاقية المرحلية مع مصر ان تعهدت الولايات المتحدة لاسرائيل بالا تتحدث مع منظمة التحرير حتى تعترف هذه من طرف واحد بحق "اسرائيل" بالوجود وبقرار 242 وهو التعهد الذي جمد العلاقات الفلسطينية - الامريكية لغاية عام 1989 وكان اكثر بلد عربي تحمل مضاعفاته هو لبنان الذي انتقلت اليه منظمة التحرير الفلسطينية بعد اخراجها من الاردن عام 1970 - 1971. وفي اعقاب هذا الحدث الاخير اخذت "اسرائيل" تفكر اكثر فأكثر في "الخيار الاردني" حلاً نهائياً للقضية الفلسطينية للإلتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية عن طريق اتفاق ثنائي مع عمان. ووضعت سلسلة تصورات لخارطة الضفة الغربية على هذا الاساس بدأ بمشروع يغال الون عام 1970 وزير التربية في حينه، ولب فكرة الخيار الاردني "التقاسم الوظيفي" Functional compromise بين الاردن و"اسرائيل" يتولى بموجبه الاردن الادارة المدنية لمناطق فلسطينية معينة وتبقى لاسرائيل السلطة على الارض والمياه والمستعمرات والامن، ولم تصل المفاوضات الاردنية - الاسرائيلية على هذه المشاريع الى اي نتيجة على رغم حض كيسنجر لاسرائيل على "اغراء" الاردن بتسليم اريا اليه كخطوة اولى. واتبعت "اسرائيل" خطة رديفة تجاه منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان مستغلة خطأ الاخيرة الاستراتيجي في اعتبار لبنان "هانوي" عربية وفي تورطها المتزايد في السياسة الداخلية اللبنانية ولم تعوض مكاسب منظمة التحرير الفلسطينية المعنوية في هيئة الامم على سلبيات ما حصدته في لبنان ولا عن اهمالها لشؤون الاراضي المحتلة النتائج عن هذا التورط.
واذا كانت حرب رمضان المحطة الكبرى على منتصف الدرب بين حرب (يونيو) وكامب ديفيد فان الاتفاق المرحلي المصري-الاسرائيلي كان المحطة الكبرى بين حرب رمضان نفسها وكامب ديفيد ولعل اهم ما قدمه كيسنجر علاوة على ما اسلفنا لاسرائيل خلال وجوده في مركز القرار في ولايتي نيكسون (1969-1974) وفورد (1974-1976) مساهمته الفعالة في رفع المعونات المالية السنوية اليها الى مستويات لم يسبق ان اقتربت منها. فقبل ولاية نيكسون كان اعلى رقم وصلت اليه المعونة الامريكية الرسمية في اي سنة واحدة بين 1949-1968 (عهود ترومان وايزنهاور وكينيدي وجونسون) هو 127 مليون دولار (عام 1966 في عهد جونسون) لكنها وصلت الى بليونين و646 مليون دولار عام 1974 وبليونين و362 مليون دولار عام 1976 وكان مجموع ما تلقته "اسرائيل" من امريكا في العشرين سنة (1949-1968) بليون و324 مليون دولار بينما وصلها في السنوات الثمانية اثناء وجود كيسنجر في الحكم سبعة بلايين و966 مليون دولار.
وفي (يناير) 1977 تولى جيمي كارتر الرئاسة بعد جيرالد فورد وعين سايروس فانس وزيراً للخارجية والكاثوليكي البولوني الاصل زفيجنييف بريجنسكي مستشاراً للأمن القومي ولم يكن لليهود "مدخل" access خاص على اي منهم وكانت نظرتهم الى كيفية معالجة الصراع الصهيونية - العربي تختلف اختلافاً كلياً عن نظرة كيسنجر وكان كارتر اول رئيس امريكي يبدي اهتماماً شخصياً بالفلسطينيين ومأساتهم.
واستندت سياسة كارتر تجاه القضية الى تقرير كان قد صدر عن مؤسسة بروكينكز للابحاث ساهم بريجنسكي ومساعده وليام كوانت في اعداه، اسسه: سرعة التحرك نحو حل شامل، الانسحاب الى حدود 1967 ومعاهدة صلح وتطبيع واقامة دولة فلسطينية او اتحاد Federation مع الاردن شرط اعتراف منظمة التحرير بحق "اسرائيل" في الوجود وبالقرار 242 واشراك الاتحاد السوفياتي بعد نضوج الحل في مؤتمر يعقد في جنيف.
وفي غضون اشهر سقطت حكومة رابين في انتخابات الكنيست التاسع في ايار 1977، اثر فوز احزاب اليمين بالاكثرية للمرة الاولى منذ تأسيس "اسرائيل" وتولي مناحيم بيغن رئاسة الوزارة. وكانت نظرة بيغن على نقيض تام مع نظرة واشنطن الجديدة، فشعار حزبه الموروث عن حركة "التنقيحيين" Revisionist بندقية تصل بين فلسطين وشرق الاردن، وهو الذي قال عن القرار 242 انه سيؤدي الى محرقة Holcaust جديدة، واستقال بسببه من حكومة الاتحاد الوطني عام 1960 والضفة الغربية لم تحتل عام 1967 بل حررت Liberated واسمها الحقيقي السامرة ويهودا وحق اليهود في استيطان كل شبر من ارض "اسرائيل" ازلي ابدي ولا اعتراف ولا اتصال بمنظمة التحرير الارهابية حتى ولو اعترف باسرائيل، واعتقد البعض ان هذ الآراء ستنفر اليهود الامريكيين حلفاء حزب العمل التقليديين، ولكن العكس حصل والتف هؤلاء من حول بيغن بقيادة الحاخام اليكساندر شيندلر رئيس مؤتمر رؤساء الهيئات اليهودية الامريكية الكبرى التي تضم 37 عضواً وباشروا بالضغط على كارتر. لم يكتفِ بيغن بالكلام فاتبعه بالعمل على خطين، اولهما الاسراع في وتيرة الاستيطان والدعم لحركة "غوش امونيم" التي تأسست عام 1974 وهي التي تقول بعدم جواز اعادة الارض اليهودية المقدسة بعد احتلالها الى "الغرباء" وتعتبر الاستيطان في "اسرائيل" واحدة موحدة فرضاً دينياً واجباً على جميع اليهود، وترجمت غوش امونيم هذه الاراء في الاستيطان المتعمد داخل المناطق المخصصة في مشاريع حزب العمل للفلسطينيين. اما خط بيغن الثاني فكان تكثيف الدعم للأحزاب اليمينية المسيحية اللبنانية وتصعيد الضربات "الانتقامية" رداً على عمليات منظمة التحرير من لبنان وفي الوقت نفسه خطط بيغن بمعونة وزير خارجيته موشيه دايان الذي كان قد ترك الحزب العمالي للانضمام اليه للاتصال بمصر لاستكشاف امكانات صلح منفرد معها.
وارتاح كارتر للسادات، لكنه صدم بنجاح بيغن وبسياساته وهو الذي دعا في (مـارس) في مطلع عهده الى انشاء وطن Homeland للفلسطينيين وحاول طيلة صيف وخريف 1977 زحزحة بيغن عن موقفه، وطلب منه في مقابلة معه وقف الاستيطان واعلن فانس انه "غير قانوني" Illegal فلم يأبه بيغن بكارتر بسبب الدعم الذي تلقاه من يهود امريكا، وعاد من احدى رحلاته منها ليردد قول يوليوس قيصر المشهور veni vidi vici " جئت ورأيت وانتصرت". وفكر كارتر بمجابهة علنية مع بيغن Public showdown يخاطب فيها الشعب الامريكي شاكياً من بيغن، لكنه عاد وعدل عن ذلك وارسل الى السادات رسالة يطلب منه فيها القيام بعمل "مسرحي" Dramatic انقاذاً للموقف. وحاول كارتر الالتفاف على بيغن بالاتفاق في اول (اكتوبر) عام 1977 مع الاتحاد السوفياتي على صيغة لمؤتمر صلح في جنيف تضمنت الاعتراف بـ"حقوق الفلسطينيين المشروعة" ومشاركة فلسطينية (من دون الاشارة الى منظمة التحرير الفلسطينية) في مؤتمر جنيف، فقامت الدنيا ولم تقعد بسبب ضجيج اللوبي اليهودي، ما اضطر كارتر الى التراجع عن الاتفاق في 4 تشرين الاول.
وكان السادات يراقب كل هذا، واعتبر رسالة كارتر اليه وتراجعه عن بيان اول تشرين الاول دليل ضعفه تجاه اللوبي اليهودي فخطا خطوته نحو القدس التي اوصلته الى كامب ديفيد فالمعاهدة.
والمفارقة ان كارتر مكن بيغن من تنفيذ سياسة نقيضة لسياسته هو تنطوي على تحييد اقوى دولة عربية من دون الالتزام بإيقاف الاستيطان الكفيل بنسف اسس "الوطن الفلسطيني" الذي كان كارتر يسعى اليه، والمفارقة ايضاً ان كارتر اضطر "لتعويض" بيغن على ما فعله الاخير، فدفعت ادارته اكثر معونة مالية لاسرائيل دفعتها ادارة امريكية منذ 1948، اذ بلغ ما قدمه كارتر لاسرائيل عشرة بلايين و669 مليون دولار، وهو مبلغ يزيد عما وصلها حتى في سنوات كيسنجر. ولعل ام المفارقات ان كارتر"كوفىء" على كل هذا بان هبطت نسبة اليهود الذين صوتوا اليه في الانتخابات ضد رونالد ريغان الى 45 في المئة مقارنة بنسبة الـ 68 في المئة الذين صوتوا له في انتخابات 1976.
يتبــــع
[/align]
|
|
|
|