[طلعت سقيرق]

[align=justify]
الخبر الذي نشر حديثا عن كون الكتابة دواء يمكن أن يشفي من الأمراض من جهة وأن يقي من أمراض أخرى من جهة ثانية خاصة السكتة القلبية التي صارت مرض العصر بامتياز لكثرة الأخبار السعيدة !!.. هذا الاكتشاف ليس جديدا أو مفاجئا كما توقع ناشروه في العديد من الصحف والمجلات وحتى الفضائيات .. فقد وجد العلماء منذ فترة أنّ الكتابة والإبداع بصورة عامة ، تعمل على تفريغ الشحنات السلبية والتخلص منها إلى جانب بناء شحنات ايجابية تعطي الجسد البشري القدرة على المقاومة والثبات والتماسك والوقوف في وجه الكثير من الصعوبات والمعوقات .. وهذا الاكتشاف دفع العلماء لتوجيه النصيحة لمن يعاني من ضغوط نفسية أن يتوجه للكتابة لتفريع شحنة هذه الضغوط ..
مثل هذه الأخبار تسر المبدعين وتعطيهم دافعا جديدا للشعور بتميز وجمالية ما يملكون ، خاصة أن الأشياء التي تعطى للكاتب أو المبدع في وطننا العربي جدّ قليلة، إن لم نقل إن المبدع لا يتلقى أي شيء مقابل إبداعه بل في كثير من الأحيان عليه أن يقدم من ماله مقابل نشر وإيصال إبداعه إلى الآخرين هذا إذا تفاءلنا وادّعينا أن المبدع يملك هذا المال الذي عليه أن يقدمه ..
لكن تبقى هناك خشية من هجوم الناس على الكتابة كهجومهم على الغناء وبرامجه التي راحت تفرخ مطربين أكثر من تفريخ أي شيء آخر .. لأن ما عندنا من كتاب ، وفيهم من فيهم من مدّعي الكتابة والمعتدين عليها يكفينا ويزيد !!.. ولسنا بحاجة لأن تتحول الكتابة إلى وصفة طبية تفتح المجال أمام الجميع لتجريب عضلاتهم في الكتابة بدعوى أنها شفاء من كل داء !!..
لا أستبعد في هذا المجال أن يقوم المجربون، كما في الطرب بتجريب حظهم كما حدث ويحدث في القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر ، وهما الفنان اللذان أصيبا أكثر من أي فن آخر بداء التجريب والتخريب !!.. حتى صارت القصة القصيرة جدا تشكو لقصيدة النثر سوء الحال ، بينما تقوم قصيدة النثر بالنواح واللطم على التراجع المخيف الذي وصلت إليه.. وأنا متأكد أن التخريب عندها سيعم حتى تصير الأصالة عملة مفقودة !!..
الكتابة مغرية .. والأكثر إغراء أنها الآن ستدعم بكونها دواء وشفاء .. والمشكلة الكبيرة بل المحيرة في مجال الكتابة أنك لا تستطيع أن تقنع أحدا بأنه لا يحسن الكتابة مما يجعله ينصرف إلى عمل أو موهبة أخرى كما يحدث في الطرب .. فهناك لجنة تحكيم ربما يقتنع منها من جاء ليجرب حظه في الطرب أنه لا يصلح لهذا الفن وكفى !!.. أما في الكتابة فالمتنبي إن حضر بكل ماله من عظمة في أذهاننا وقلوبنا لن يقنع أحدا بأنه لا يعرف الكتابة .. ولا بد أن يقوم هذا الأحد باتهام المتنبي بأنه لا يفهم شيئا في الكتابة ما دام ينكر كتابته .. فالعقول في مجال الكتابة مغلقة مضربة عن تقبل أي نقد أو نصيحة والكل عندها سواء، إن اقتربوا من القول " هذه الكتابة لا تعبر عن شيء فابحث لك عن وظيفة أخرى".. فهذه عند المعتدين على الكتابة كفر صريح .. ثم لماذا يسمعون من المتنبي أو سواه إذا كان الطب قد نصحهم بجعل الكتابة دواء وبابا لتفريغ كل معاناتهم .. هذا طب يا ناس فما دخل المتنبي أو غيره ؟؟!!..

[/align]