العزيزة الفاضلة هلا عكاري:
مرحبا بك هنا، وشكراً أيضاً لأنك هنا.
جواباً على سؤالك عزيزتي:
كانت لي محاولات شعرية في البدايات، وعندما أقول في البدايات، فإنما أقصد أيام المراهقة، وعندما كنت أحاول اكتشاف نفسي، والتعرف على قلمي جيداً.
إلا أنني وجدت نفسي متورطة في القصة مع سابق إصرار غير متعمد ولا إرادي، فانعطفت نحوها، وتلاشت مسألة الشعر تلقائياً من زوايا قلمي.
وجواباً على الشق الثاني من سؤالك:
الشعر ديوان العرب، وهو ما اشتهرت به الأقلام العربية منذ الأزل، ويقول ابن خلدون عنه: ( أعلم أن فن الشعر بين الكلام كان شريفاً عند العرب، ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصلاً يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم).
وهناك الكثير من الأقلام الشعرية المميزة التي تبرز اليوم بوضوح، وتخط إبداعاً شعرياً بقصائد تنتمي إلى بحور الشعر التي وضع أسسها الفراهيدي والقافية المتوارثة منذ أجيال، أو إلى الشعر الحر " شعر التفعيلة" الذي أعشقه واستمتع بقراءة موسيقاه خاصة إذا كان الكاتب قلم نازك الملائكة المبدع، وقد تكتب ما يسمى بقصيدة النثر أو الشعر النثري، إلا أنها سبق ونالت ألقابها الشعرية في بحور الشعر وموسيقاه، فبالنسبة لي ومن زاويتي الخاصة رغم أنني لست بشاعرة، وإنما متذوقة للشعر وقارئة له، أرى أن الشاعر مهما تجرد وابتعد عن بحور الشعر التقليدي أو حتى الشعر الحر، وأبدع فيما يسمى بقصيدة النثر، قد ينتزع إعجاب القارئ، ويحوز لقب كاتب أو صاحب قلم مبدع، لكن لا بد له لكي يستحق لقب "شاعر" أن يكون مطلعاً، ومجيداً لعلم العروض، وبحور الفراهيدي، وموسيقى الشعر الكلاسيكي المتوارث، ليس تقليلاً من شأن قصيدة النثر التي تعتمد على قوة الخيال والتصوير دون الالتزام بالأوزان الشعرية وإيقاعاتها والقافية، ولكن لأن الحديث لا يمكن أن يغني عن القديم، إنما هو تطور له أو حتى ثورة عليه، ولأن العروض علم رائع لا بد وأن يتقنه كل شاعر، فهو حجر بناء الشعر العربي، ولأن الشاعر معني بأمر الشعر بقديمه وحديثه لكي يملأ الدنيا جمالاً، ولأن قصيدة النثر وحدها كما ذهب الكثير من النقاد والمثقفين لا تصنع شاعراً، وقد تعرض الدكتور شوقي ضيف للحديث عن هذا النوع من الشعر فقال عنه أنه "يعتمد اعتماداً كبيراً على قوة الخيال والعاطفة والتصوير ولا علاقة له بالشعر حيث يخلو من الوزن والقافية".
وبسبب سهولة النشر في الإنترنت، فقد تصادفين أحياناً نصوصاً في غاية الرداءة، لا يمكن تصنيفها ضمن الشعر الكلاسيكي ، ولا ضمن الشعر الحر، ولا حتى ضمن قصيدة النثر ، وقد وصف كاتبها نفسه، أو وصفه بعض القراء بأنه "شاعر مبدع لا يشق له غبار"، فلا يمكنك إلا أن تقولي:" لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقد آذى بغبار ركاكته عينيك من جراء قراءة لنص لا يستحق.
إلا أن صناعة الشعر- رغم ذلك- لا تتأثر كثيراً بمدعي الشعر، ففي النهاية صديقتي، لا يصح إلا الصحيح، حيث تبقى هناك أقلام شعرية رائعة تفرض وجودها الراقي على الساحة الأدبية، وترتقي بذائقة القارئ، وتهديه متعة حقيقية في القراءة.
أما عن إقبال الناس على قراءة الشعر، فبشكل عام لا يعتبر الشعب العربي قارئاً ، ولكن لا يخلو الأمر من متذوقين ومهتمين، وإلا لما تطور الشعر وتغير..ولاندثر عبر الزمن.
شكراً عزيزتي هلا لأنك هنا.
كل الود لقلبك الوارف.