11 / 10 / 2009, 03 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
أديبة وقاصّة
|
لقاء قصة قصيرة تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
الخمسون عاما تهبط بثقلها على الجسد الضعيف، المفاصل الهشّة تئز تحت ثقل وزن الجسم الثقيل ، العيون تلفها غشاوة ضعف البصر ، أضحت الحروف تراوغني بقوة لكي أتتحقق من الرؤية ,الوحدة بين الجدران الأربعة تستدر دموعا خبّأتها لهذا الزمن ، لا مؤنس لي إلا هذا الجهاز الذي يخزن كل أعاجيب هذا القرن ، لكني مللّت السماع أريد أن تكلم، من يسمع ، من يشعر ، هذا الجهاز الذي يسمى الهاتف النقال لا يدندن إلا نادرا ، لم يترك لي وليفا أناجيه .
من خلال جهاز التحكم ، ظهرت فضائية للتعارف فقط ، تستعرض أرقاما كثيرة ، كلها للشباب ، ليتهم ينسقون صفحة للمسنين ،هم بحاجة إلى التسلية أكثر من الشباب، خطر لي خاطر ، لم لا أهاتف شابا ، المعروف عن صوتي أنه صوت شبابي واللكنة ناعمة , أكثر من مرة كان من يخاطبني على سبيل الخطأ يعتقد أني فتية ، ضحكت لتدابير ا لزمن كيف شملت الشيخوخة كل ّشي فيّ وتجاوزت سهوا حنجرتي، ضحكت في قرار نفسي , لم لا أخوض تلك التجربة ، وأعرف كيف يفكر شباب اليوم, وإلى أي حدّ تسير التجربة ,أعجبتني الفكرة للتسلية ، وفرصة للحديث عن تجربة غريبة
اخترت رقما سهلا نظرا لعدم قدرتي على الحفظ السريع إذ أن زهايمر الشيخوخة بدأ يلح على الخلايا الدماغية بكثرة النسيان، طلبت الرقم ، في البداية تلعثمت ، ماذا أقول؟ طارت الكلمات ، أغلقت الجهاز ، ما هذا الغباء ، كيف أفكر بهذه الطريقة ، هذه فكرة مجنونة ، قررت إلغاء الفكرة ، لحظات دندن الهاتف ، اعتقدت أن من يطلبني أحد المعارف ، رددت بسرعة حتى أريح نفسي من إرباك المحاولة السابقة -: ألو من المتكلم -: أنت طلبت قبل قليل ، أدركت أأني وقعت في الحفرة التي حفرتها.
اعترفت-: نعم أنا اتصلت -: خير -:تعارف فقط أخذت الرقم من التلفزيون- : أهلا -: من أنت ؟-: واحدة -:أعرف-: أسمك -: لا أستطيع -: كيف سأكلمك -: اختر أي اسم يعجبك -: المراوغة من البداية -: اسمع أنا ليلى العامرية -: ولم هذا الاسم -:لأنها أوصلت قيس إلى هاوية الجنون وانتقمت لكل نساء عصرها من الرجال ،-: البداية صعبة ، لكن قيسا جنّ من الحب ،-: المهم أنه أصبح مجنونا ،-: ما رأيك يا قيس ،-: أنا اسمي ...-:انتهى اسمك قيس -:هذه بداية تعارف مذهلة ومبشرة بالخير ، ضحكت من كلّ قلبي، لم يفهم .-: هل أنت جميلة -:أشبه ليلى العامرية -:ومن قال أن ليلى جميلة -: لو لم تكن جميلة لما أحبها قيس وهو شاعر يهوى الجمال -:منطق سليم -: وقد تكون قبيحة والمثل يقول " حب حبيبك لو كان عبدا أسود" ، -:كم عمرك ،-: العمر ليس ضروري المهم التفاهم بين أي عقليتين ونحن نتعارف فقط ، اليوم كفانا كلاما -: انتظري , وسكتت شهرزاد عن الكلام.
تتابعت الأيام واستمرت المكالمات ،حتى تميزه اختارت رنة ، كان لا بد من أغنية تناسب السياق ، آه تذكرت هي لمطربة لا تعرف من هي لأنها هجرت سماع الأغاني منذ زمن طويل لكن الرنة هي " يا مجنون مش أنا ليلى ولا بنسمة هواك مايلة يا مجنون " . كل مرة تأخذ منحى جديدا في الدردشة ،في كافة المواضيع الثقافية العامة وامتد زمن الكلام لساعات طويلة .
تحول الحوار إلى إدمان من الطرفين ،-:ليلى مللت الحديث عن المواضيع العامة ، أريد أن أعرف عنك كل شيء -: هذا تجاوز لا أقبله -: هذا من حقي أصبحت قريبة جدا لنفسي -: قلت لك نحن أصدقاء فقط -: اسمحي لي أن أوجه لك بعض الأسئلة الخاصة ، إن أعجبك السؤال أجيبي أو أصمتي ، أعجبتني الفكرة ، بدأ يسأل ...
تناولت صورة لي نفضت عنها غبار الزمن يوم كنت في العشرين من
عمري ، وأخذت أجيب عن الأسئلة بعد أن أحدق في الصورة ، -:تصوري كل الصفا ت التي ذكرتها تشبه فتاة أحلامي ، غرقت في الضحك ، وبدأت الأسئلة تتعمق إلى الصفات الشخصية وبعض الطباع ،-: أنا هادئة جدا ، مطيعة ، مخلصة ، متعاونة مستعدة أن أضحي بالكثير من أجل من أحب ، أتنازل عن أشياء كثيرة حتى لو كانت تمّس كرامتي في سبيل إرضاء الطرف الآخر ، ضحك من الفرح -: أنا أحبك . اخترت أن تكوني رفيقة دربي ، ضحكت حتى امتلأت العيون بالدمع الحزين ، الكلمات ذاتها قرأتها منذ أربعين عاما في رسالة حب استقرت في كتاب -: يعني مستعدة أن نتعاون لبناء المستقبل معا -: وكيف، سوف تستقر داخل مركبة المستقبل معها وتتركني على الرصيف -: عمن تتكلمين ، لاشيء يبدو أن أسلاك الماضي تتضارب في مخيلتي ،-: أنا عصبي جدا هل تتحملين هذا -: نعم لأقصى درجات الذل --: ماذا الكلام لا يصل واضحا -: أنا أقدر المرأة المطيعة، التي لا تخالف الأوامر -: مهما كنت ظالما -: من الظالم؟ -:لا أحد سقطات كلم -: ستكونين رفيقة دربي حتى آخر لحظة في حياتي ، ستكونين فخرا لي في المجتمع -: الحقيقة مرّة وأنا وحيدة بين الجدران الأربعة وأنت معها : أي جدران هذه...؟ ، -:يجب أن نلتقي -: هذا أمر مستحيل ومرعب كيف ألقاك -: من أي شيء تخافين -: إن رفضت سأغضب ، سأنتحر ،-: لا خسارة على شبابك ، ومكسب لامرأة تنجو من قمع رجل -: أحيانا لا أفهم ما تقولين -: هذيان شبكة ضعيفة .أعطني فرصة للتفكير ومرت أيام .
طلبته ولأول مرة -:فكّرت : نعم سنلتقي ،-: لكن أنا أحدد المكان خارج الزمان -: كما تشائين ، من المؤكد أنك تعرف شارع الجامعة عند يمين الشارع انتظرني عند الشجرة الخامسة في الساعة الخامسة وهناك مقعد مستطيل نجلس عليه لنتفاهم ، سأرتدي بنطا لا زهريا واسع القدمين ، وبلوزة بيضاء ، شعري لونه اسود ناعم، مستلقيا بدلال على ظهري ،وحذائي أبيض كعبه عال جدا ، صعقته الفرحة .
ذهبت متثاقلة للقاء ، ارتديت عباءتي السوداء وأسدلت على شعري الرماديّ شالا أبيض،وحشرت قدميّ في خف زاحف، رأيته من بعيد، مكتوف اليدين، عيونه تائهة تبحث عن صبية حفظ مواصفاتها عن ظهر قلب ، هذا المكان أعرفه، تحدد قدري فيه منذ أربعين عاما , نظرت إليه دعوت الله أن لاتصل حبيبة قلبه إلى ذاك المكان رجوتها أن ترجع ، هذا الرجل لا يحمل لك إلا الأسى ، أرجوك ارجعي قبل فوات الأوان ،قبل أن يسطّر حظك المؤلم ، اتركيه ينتظر ,مررت من أمامه وتعمّدت التعثر ، انحنى ليساعدني على الوقوف ، ويجلسني على المقعد -: استريحي يا خالة ، أني انتظر رفيقة دربي، ابتهلي لي أن تصل ، رفعت يديّ وتمتمت: ليتها لا تأتي ، لو تعرف كم المرارة التي ينتظرها ,تركته ينتظر, تابعت سيري وأنا أردد ليتها لا تأتي حبيبتك ، ليتها لا تأتي .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|