عرض مشاركة واحدة
قديم 20 / 10 / 2009, 33 : 11 PM   رقم المشاركة : [4]
د.حسين جمعة
كاتب وأديب ، رئيس اتحاد الكتاب العرب

 الصورة الرمزية د.حسين جمعة
 





د.حسين جمعة is a jewel in the roughد.حسين جمعة is a jewel in the roughد.حسين جمعة is a jewel in the roughد.حسين جمعة is a jewel in the rough

رد: فـي جمالية الكلمة ( دراسة جمالية بلاغية نقدية ) - د.حسين جمعة

[align=justify]
الفصل الثاني:مفهوم الجملة وجمالياتها - القسم الأول: مفهوم الجملة وبنيتها وأركانها


1 ـ مفهوم الجملة:

قلنا:
الكلمة لفظ دال على معنى مفرد وأقسامها ثلاثة: الاسم والفعل والحرف.
ويتركب من ذلك كلام يقال له المركب يقوم على التركيب الإسنادي (مسند ومسند إليه)، وهما أصل الجملة وعمادها... وهناك تركيب إضافي (المضاف والمضاف إليه)، والتركيب البياني: (كل كلمتين؛ الثانية توضح الأولى، وأقسامه ثلاثة: وصفي، توكيدي، بدلي)، والتركيب العطفي، والتركيب المزجي، والتركيب العددي.... والخمسة الأَخيرة لا تشكل في بنيتها التركيبية وحدها جملة مفيدة في أغلب الأحيان.
فالجملة تتشكل وفق مفهوم الإسناد المفيد لمعنى، فإذا تم بالمسند والمسند إليه، تمت الجملة، وقد يستدعي أحدهما أو كلاهما كلاماً آخر لإتمام المعنى، يقال له الفضلة، وربما يحتاج ذلك كله إلى أدوات تسمى أدوات الربط.
ولهذا فالكلام:"هو القول المفيد بالقصد. والمراد بالمفيد ما دل على معنىً يحسن السكوت عليه". فإذا لم يُفِد معنىً تاماً مكتفياً بنفسه فلا يسمى كلاماً.(1).
والجملة كما قال د.إبراهيم أنيس: "أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنىً مستقلاً بنفسه؛ سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر".(2). وإلا فلا تسمى جملة مفيدة ولا ينطبق عليها تعريف الكلام. ونلحظ في بناء الجملة تقدم الذات الفاعلة على أنها (المسند إليه) دائماً؛ والذات أبداً تأتي اسماً ثابتاً بينما الفعل متغير؛ بمعنى أن (الذات) سبقت (الحدث) في الوجود. ولهذا قُدِّمت الجملة المسبوقة بالاسم على الجملة المسبوقة بالفعل عند البلاغيين، وأهل اللغة في إطار المسند والمسند إليه... ولا عبرة للفضلة في تقسيمها، أو لأدوات الربط بينها وبينهما.
فالجملة إما أن تكون جملة اسمية أو جملة فعلية؛ على حين قسمها ابن هشام باعتبار صدرها إلى ثلاثة أقسام؛ فما صدرها اسم هي جملة اسمية، وما صدرها فِعْل هي جملة فعلية؛ وما صدرها ظرف هي جملة ظرفية... وزاد الزمخشري وغيره الجملة الشرطية.
واستنكر ابن هشام الجملة الشرطية وردَّها إلى الفعلية؛ ونحن نردُّ الجملة الظرفية إلى الاسمية أو إلى الفعلية تبعاً لتقدير المعنى في الكلام؛ فإن قلنا: أعندك زيد؟ وقدرنا الكلام (بكائن أو مستقر)، فالجملة اسمية؛ ويعرب زيد (مبتدأ)؛ وإن قدرناه فاعلاً لفعل محذوف تقديره (استقر) فالجملة فعلية... وقس على ذلك كل كلام يحتاج إلى تقدير سواء صُدِّر بظرف أم غيره.(3).
أما الفضلة فهي اسم يذكر لتتميم معنى الجملة(المكونة من المسند والمسند إليه) إذا لم يتم بهما معنى مفيد...وقد يلزم التركيب وجود أدواتٍ تربط أجزاء الجملة كالشرط والقسم والاستفهام والتمني والترجي... وتقع الأدوات حرفاً واسماً... وتسمى أدوات الربط.
وبناء على ذلك كله تنقسم الجملة إلى قسمين: (الاسمية والفعلية)، باعتبار ركنيها فقط؛ وسنوضح ذلك في إطار مفهوم البلاغة لا النحْو:
أ ـ الجملة الاسمية:
هي كل جملة تصدَّرت باسم، ووضعت لإفادة ثبوت المسند للمسند إليه؛ أو استمراره بالقرائن الدالة عليه؛ أو الثبوت أو الاستمرار معاً...
وموضعها: المبتدأ والخبر؛ والاسم والخبر مع إن وأخواتها، ولا النافية للجنس، واسم الفعل. والأصل في الخبر أن يأتي نكرة مشتقة في ذلك كله، وقد يأتي جامداً؛ نحو: هذا حجر.
وكذلك الأصل في الجملة الاسمية أن تدل على الثبات ودوامه كقولنا: الشمس مضيئة؛ أو كقولنا: الماءُ تجمُّدُهُ في درجة الصفر... فالمبتدأ مسند إليه لأنه لم يسبقه عامل، وهو الشمس والخبر أسند إليه (مضيئة)، وتمت به الفائدة... والإضاءة ثابتة لها على الدوام والاستمرار في الفعل؛ وكذا التجمد. فالجملة الاسمية تفيد الاستمرار بالقرائن إذا لم يكن في خبرها فعل؛ نحو: العلم نافع. فالعلم نفعه مستمر ـ (هذا هو الأصل فيه...) ـ والسياق لا ينكره كما أن المنطق والعقل لا ينكره. وعليه قوله تعالى في وصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ]وإنك لعلى خلق عظيم[ (القلم 68/4).
فهذه الصفة من الخلق الكريم مقترنة على الدوام بذكر رسول الله؛ ومدعاة لتمثلها من قبل الناس أجمعين.
ويطلق على هذا النمط من الاستمرار الاستمرارُ التجددي الذي يعرف كثيراً باستخدام الجملة الاسمية للقرائن فيها كما في قول النَّضْر بن جُؤَيَّة يتمدَّح الغنى والكرم:
لا يألف الدرهمُ المضروب صُرَّتَنا.....لكنْ يمرُّ عليها؛ وهو منطلقُ
فالشاهد قولـه: (وهو منطلق) فالدرهم لا يستقر عنده؛ لذلك فهو باستمرار ينطلق كرماً وإغاثة للناس المحتاجين... وقد قدَّم السياق القرائن الدالة على ذلك، وعليه قوله تعالى: ]ولكم في القصاص حياة[ (البقرة 2/179). فالأخذ على يد المجرم حياة للمجتمع واطمئنان له.
وقد يكون السياق في معرض ذم يراد به الاستمرار والثبوت معاً كما في قوله تعالى: ]إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم[ (النساء 4/142).
فالشاهد (وهو خادعهم)؛ فالسياق أن المخادع ما يخدع إلا نفسه ولن يوقعه فعله إلا في الشرور على الدوام والثبات، ولهذا كان الفعل (يخادعون) مفيداً للتجدد مرة بعد مرة، ولم يقيد بزمن وإن كانت صورته صورة المضارع، فقوَّى المعنى في (خادعهم).
وأما إذا كان خبر الجملة الاسمية جملة فعلية فإنها تفيد لفت السامع إلى حدوث الفعل مجدداً في زمن ما؛ وصار على وجه الثبات كقولنا: زيد سافر... وهذا مغاير تماماً لقولنا: سافر زيد... فهنا زيد لم يسافر إلا مرة واحدة في وقت مضى.. فالزمن الماضي المخصوص بالسفر محدد... وكذا نقول في الزمن المضارع، (الحاضر) فهو مخصوص بوقت ما وإن تضمن معنى التجدد والاستمرار من بعدُ، نحو: زيد يدرس، ومحمد يأكل، وعدنان يشرب. فالفعل ليس على جهة الدوام الأزلي... أو الثبات المطلق... فقد يأتي وقت لا يدرس فيه زيد، ولا يأكل فيه محمد، ولا يشرب فيه عدنان... (4).
ومن الشواهد الشعرية على الحَدَث الذي جرى في الزمن الماضي المخصوص ما قاله المتنبي لسيف الدولة في تكثير حساده؛ (أنت الذي صيرتهم....)، وخاطبه بصيغة الأمر في مطلع البيت:
أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكبْتهم.......فأنتَ الذي صَيَّرْتَهم لي حُسَّدا

ب ـ الجملة الفعلية:
هي كل جملة صدرها فعل، وتوضع لإفادة الحدوث في زمن مخصوص كالماضي والمضارع مع الاختصار؛ أو تفيد الاستمرار التجددي إذا دلت عليه القرائن.
ومواضعها الفعل التام مع فاعله أو نائبه، والفعل الناقص مع الاسم والخبر؛ والفعل اللازم والمتعدي؛ والجامد والمتصرف....
فمن الجمل التي تفيْد الحدوث في زمن مخصوص قولنا: وصل زيد إلى المدينة. فالمتكلم أراد إفادة السامع بأن زيداً وصل في الزمن الماضي، ويصبح هذا الزمن أكثر خصوصية؛ إذا قلنا: وصل زيد إلى المدينة مساءً، أما إذا قلنا: يصل زيد إلى المدينة فالزمن مخصوص بالحاضر لا الماضي...
وقد يفيد الفعل سواء كان ماضياً أم مضارعاً التجدد والاستمرار إذا وجدت القرائن؛ كقوله تعالى: ]كنتم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس[ (آل عمران 3/110).
فالخيرية ما زالت مستمرة دوام تجدد هذه الأمة وبقاء البشرية على الأرض.
وعليه قول طريف:
أو كلما وردت عكاظَ قبيلةٌ.......بعثوا إليَّ عريفَهم يتوسمُ
فدأب هؤلاء القوم كلما انعقد سوق عكاظ، وتقاطرت القبائل إليها قبيلة إثر قبيلة أَنَّهم يبعثون خَبيْراً منهم ينظر في وجوه القوم لعله يلقى الشاعر...
فالحدَث هنا اكتسب صفة الاستمرار مع الثبات عليه كما هو عليه الحال في كثير من الجمل الاسمية؛ وعليه قوله تعالى: ]لو يطيعكم في كثير من الأمر لَعَنِتُّمْ[ (الحجرات49/7). وقد أراد لو استمر في إطاعتكم وقتاً بعد وقت لحصل لكم مشقة وَعَنَتٌ... ومنه قول المتنبي في مدح سيف الدولة:
تدَبَّرُ شرقَ الأرضِ والغربَ كفُّه.......وليس لها يوماً عن المجدِ شاغلُ
فتدبير الممالك ديدن ممدوحه وشأنه المستمر الذي لا يحيد عنه فيتجدد حيناً بعد حين... فالجملة الفعلية (تدبرُ....)، وأصلها (تتدبر كفُّه...)، تفيد الاستمرار التجددي بالقرائن المثبتة في الحكم، وفي الشطر الثاني من البيت.
إن كل ما يزيد على الركنين الأساسيين في الجملة وهما (المسند إليه والمسند) غير المضاف إليه وصلة الموصول فهو فضلة أو أداة أو كلتاهما؛ وهما قيد ذو فائدة، كالنفي والمفاعيل والحال والتمييز والتوابع والنواسخ وظن وأخواتها... ولا فرق بينها في التقييد...
وكلما زاد القيد زادت الخصوصية؛ ومن ثم زادت الفائدة بزيادة الخصوصية... ويرى الدكتور شوقي ضيف أن لواحق الجملة الاسمية التي جاء خبرها فعلاً تزيد على الجملة الفعلية... فكل ما يحمله الفعل من لواحق تحمله الجملة الاسمية معه، كقولنا: (زيد كتب مقالة كتابة حسنة)......(5).
ومن لواحق الجملة الاسمية التوابع كالنعت والعطف والبدل والتوكيد...
وهذا كله جعل علماء المعاني لا يتبعون خطوات النحويين كلها فتراهم يقسمون الجملة إلى جملة رئيسية وجملة غير رئيسية.
فالرئيسية مالم تكن قيداً في غيرها؛ وغير الرئيسية ما كانت قيداً في غيرها وليست مستقلة بنفسها...
ويخرجون من ذلك إلى أن المسند والمسند إليه ركنا الجملة وكل ما عداهما يعد زائداً عليها، وهو من القيود التي تقدم فائدة ما تبعاً لنوع القيد وطبيعته....
وبناء على ذلك كله فأقسام المسند والمسند إليه أربعة؛ هي:
1 ـ أن يكون المسند والمسند إليه كلمتين حقيقة، نحو: زيد قائم.
2 ـ أو أن يكونا كلمتين حكماً؛ نحو: لا إله إلا الله؛ فقائلها ينجو من النار؛ لأنها تعني؛ توحيدُ الله نجاةٌ من النار.
3 ـ أو أن يكون المسند إليه كلمة (حكماً) والمسند كلمة (حقيقة) كالمثل المشهور؛ تسمع بالمُعَيْدِي خَيرٌ من أن تراه؛ أي: سماعُكَ بالمعيدي خَيْرٌ من رؤيته.
4 ـ أو أن يكون العكس، المسند إليه كلمة (حقيقة) والمسند كلمة (حكماً) كقولنا: الأمير يحكم بالعدل.
فالحقيقة في المسند أو المسند إليه أن تكون ثابتة لا تؤول ولا تقدَّر؛ بينما الحكم فيهما يقدر؛ أو يؤول على النحْو الذي يحتاج إليه أي منهما، أو كلاهما مع تمام الفائدة في المعنى...
ولذلك كله أصبح لزاماً علينا أن نحدد مفهوم المسند والمسند إليه ومواضعهما باعتبارهما ركني الجملة؛ ومن ثم نبين مفهوم الفضلة والأداة باعتبارهما قيوداً مفيدة ولواحق على غاية من الأهمية في الدلالة والتأثير... ومن هنا سنسوق قبل ذلك ما أثبته الدكتور صلاح فضل حول مفهوم البلاغيين الغربيين للتغير التركيبي في الجمل الناجم عن النَّحو سواء كان النَّحو التحويلي أو الاتجاه الوظيفي في اللغة... فالوصف النحوي المنطقي لا يستبعد القيم الدلالية... ونعتذر ـ مسبقاً ـ عن طول المقبوس إذ لا مندوحة لنا عنه فيقول: "فإن ترتيب الكلمات في معظم اللغات المعروفة يستجيب لعوامل عدة طبقاً لمنطق المعنى. كما يستجيب لتتابع الأفعَال طبقاً لترتيب الأحداث الزمني. ويجعل الأولوية للفاعل على المفعُول؛ فهو بطل الرسالة، إلى غير ذلك من المراتب المحددة.
وهذا يعني كما يقول البلاغيون الجدد أنه بدون أن نتخلى عن تمديد التغيرات التركيبية طبقاً للمنظور التوزيعي (DISTRIBUTIONNEL) لا ننسى أنها تعمل بطريقة ملائمة لارتباط المحتوى بالتعبير. وهنا يطرح هؤلاء الباحثون سؤالاً أولياً عن درجة الصفر النحوية موازياً لما أشرنا إليه من قبل عن درجة الصفر البلاغية. ويقولون: إنه بدون الدخول في مناقشات مطولة عن الجملة والعبارة وقواعدها فإن علينا أن نقيم نموذجاً بسيطاً مقبولاً من غالبية الباحثين يخدم هدفنا كمنطلق أولي. ويرون أن درجة الصفر النَّحْوَية يمكن أن تنحصر في اللغة الفرنسية ـ ومثلها في ذلك العربية بشكل عام ـ في وصف عملي لما يطلق عليه (الحد الأدنى من الجملة التامة) ويتكون من وحدتين إحداهما اسمية والأخرى فعلية، ومن ترتيبهما، بل يكون مبتدأ و خبراً، أو فعلاً وفاعلاً، ومن التوافق الضروري بين علاميتهما. هاتان الوحدتان تعرفان
تركيباً بسيطاً يتمثل في حضور اسم معرف وفعل محدد الزمن والشخص والعدد.
وسواء كان الأمر يتعلق بالمنظور البلاغي أو النحوي فإن ترتيب الكلمات هو المظهر الرئيسي للتركيب وما ينجم عنه من مسائل التقديم والتأخير. وعندما يتلاعب الشاعر بالجملة العادية ليجري على نظامها عشرات التحويلات فإنه يعطينا فكرة واضحة عن التنويعات المختلفة التي يقدمها توزيع الوحدات بعناصرها العديدة. ولا يمكن أن تكون هذه التنويعات دون جدوى. وربما يكون من المثمر على المستوى البلاغي أن نقيم تمييزاً بين النظام العقلي والنظام العاطفي للكلمات".(6)
فنقطة الصفر البلاغية تتمثل في الحد الأدنى للجملة المكونة من المسند والمسند إليه في العربية ثم تأتي التنوعات في الفضلة والأداة لتزيد فيهما تنوعاً آخر وتحول الشكل المعياري إلى شكل بلاغي مثير... فالجملة الصغيرة المكونة من الحد الأدنى (المسند والمسند إليه) على قيمة الانزياح اللغوي فيها تبقى ذات عناصر أولية مكونة للجملة البلاغية؛ في حالة التقديم والتأخير، والحذف والذكر والفصل والوصل... وهو عينه الذي انتهى إليه عبد القاهر الجرجاني فسبق به (جاكبسون) وأمثاله كما تحدث عنهم الدكتور صلاح فضل. فعلم الدلالة البنيوي الحديث؛ على إصلاحه للنظم المعيارية التراكمية ظل متصلاً بالدرس البلاغي والدلالي الذي نشأ في مفهوم الجملة نحوياً وبلاغياً عند العرب... وإن عمد أصحابه الجدد إلى وصف العمليات البلاغية" باعتبارها تحولات أو انحرافات تتضمن تصورات عديدة"، (7)، وتوحي بنظريات متطورة ابتعدت كثيراً عن الأصل.. وهذا كله يدعونا إلى الحديث عن أركان الجملة البلاغية عند العرب.
ج ـ أركان الجملة ومواضعها:

اتضح لنا أن الجملة تتكون من ألفاظ دالة على معانٍ مفيدة لأنها استوفت أركانها؛ فاستقامت دلالتها؛ بمعنى أن كل جملة لابد لها أن تقوم على أركان محددة، وإذا حذف أحدها قُدِّرَ ليستقيم الكلام. وذهب القدماء كسيبويه
(ت 180هـ)، إلى أن الجملة الاسمية أو الفعلية تحتاج إلى ركنين أساسيين اصطلح على تسميتهما (المسند والمسند إليه)، ولا يغني أحد منهما عن الآخر، ولا يجد المتكلم منه بدا.(8).
وحين استعمل أهل اللغة والنحو مصطلح (المسند والمسند إليه) لم يقوما عندهم مقام المبتدأ والخبر والفاعل والفعل، وغير ذلك... وإن كثر دورانهما لديهما؛ بينما أقام علماء البلاغة في دراساتهم (المسند والمسند إليه) مقام ما ذُكر كله؛ وكأنهما أصبحا قانوناً معروفاً ومسلَّماً به كلما درسوا (علم المعاني). وغلّبوا في دراستهم لهما منهج التذوق وتحسس مواطن الجمال والروعة؛ وإن لم يفتهم التأمل الواعي كعبد القاهر الجرجاني وضياء الدين بن الأثير
(ت 637هـ). مثلاً.
وأياً ما يكن الاتهام الذي وجه إلى السكاكي ومدرسته التي قَعَّدت البلاغة فإن هذا التقعيد لم يغفل بنية الكلام؛ وكله مبني على ركنين أساسيين (مسند ومسند إليه) يبرزان معاني كثيرة وأغراضاً شتى مرتبطة بأحوال المخاطب والمتكلم تبعاً للمقام، فضلاً عن الجماليات الخاصة المتعلقة أيضاً بأحوال الإسناد... أو كما قيل في المفهوم الغربي: (المسند والمسند إليه) يكونان درجة الصفر ثم تأتي التحولات الممثلة بأحوال الإسناد.
ولا يشك أحد في أن السكاكي قد كرر أحياناً الكلام على (المسند والمسند إليه) في أبواب علم المعاني كلها. ولعل سبب التكرار اتكاء هذه الأبواب على ركني الجملة (المسند والمسند إليه).... وهذا الأمر نفسه جعله يتحدث عن باب ما في مواضع عدة من (علم المعاني).... فالحذف والذكر، والقصر والوصل والفصل... يدخل أي منها في باب الخبر والإنشاء... وهذا ما أكده القزويني حين قال: "ما ذكرناه في هذه الأبواب السابقة ليس كله مختصاً بالخبر؛ بل كثير منه حكم الإنشاء فيه حكم الخبر".(9).
ولهذا كله يصبح (المسند والمسند إليه) أساس أبواب علم المعاني؛ وتخصّهما بالذكر لهذا الاعتبار، ولئلا يتكرر الحديث عنهما في أي باب منها... مما ييسر على المتلقي فهم أساليب البلاغة واستيعابها... إذ لا يمكن فهم الخبر والإنشاء ـ مثلاً ـ من دون إدراك المتلقي لمفهوم المسند إليه والمسند ومواضعهما... و((القصر كما يكون للمسند إليه على المسند يكون على المسند إليه"(10). وكل ما يعرف ـ اليوم ـ بمجال التغييرات التركيبية والانزياح اللغوي والإيقاعي... لا ينفك عنهما غالباً.
ولهذا سوف نتحدث في مقام الجملة عن مواضع المسند إليه والمسند؛ ثم ما يتعلق بذكرهما أو حذف أحدهما... ومن ثم نتابع بيان أحوالهما في التعريف والتنكير وعلاقة هذا بتقديم أحدهما على الآخر...
1 ـ مواضع المسند إليه:
قبل أن نتعرف إلى مواضع المسند إليه يحسن بنا أن نعرفه. فهو المُخْبَر عنه؛ أو المحكوم عليه؛ وهو الأصل في المعنى وعليه دوران الحدث وعنه يصدر؛ سواء وقع اسم ذات، أو معنىً، أو مصدراً)، وهو معلوم من قبل السامع. ومواضعه هي:
1 ـ المبتدأ الذي له خبر كقوله تعالى: ]نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة[ (فصلت 41-31). وقولـه: ]وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها[ (الشورى
42-40). وقال أبو فراس الحمداني:
ومكارمي عدد النجوم، ومَنْزلي.......مأوى الكرام ومنزل الأَضْيَافِ
وكقول الفرزدق:
وأَنْتَ امرؤٌ لا نايل اليوم مانعٌ.......من المال شيئاً في غدٍ أَنْتَ واهبُهْ
2 ـ ما أصله مبتدأ؛ في:
1 ـ اسم كان وأخواتها، كقولنا: كان زيد مسافراً؛ وكقوله تعالى: ]ما ربك بظلام للعبيد[ فصلت(41-46). وقوله: ]أليس الله بعزيز ذي انتقام[ (الزمر 39/37). وقال المتنبي:
وأصبح شعري منهما في مكانه.......وفي عنق الحسناء يستحسن العقْدُ
فاسم الفعل الناقص (زيد، ربك، الله، شعري) هو المسند إليه.
2 ـ اسم إن وأخواتها؛ كقولنا: إن زيداً مجتهد؛ وكقوله تعالى: ]إن وعدَ الله حق[ (الجاثية45/32). وكقول المتنبي في رثاء أخت سيف الدولة:
فليت طالعةَ الشمسين غائبة.......وليت غائبة الشمسين لم تغبِ
وقولـه تعالى: ]لعل الساعةَ قريب[ (الشورى42-17). فاسم إن وليت(زيد، وعد؛ طالعة...) مسند إليه.
3 ـ المفعول به الأول لفعل (ظن وأخواتها) كقولنا: أظن زيداً قادماً؛ وكقولـه تعالى: ]ما أظن الساعةَ قائمةً[ (الكهف 18/36). وكقوله: ]ولا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون[ (النور 24/57). وقال الفرزدق:
أأجعل دارماً كابنَي دخانٍ.......وكانا في الغنيمةِ كالركابِ
فالمفعول به الأول فيما سبق (زيد، غافل، دارم)، هو المسند إليه، لأن أصلهُ مبتدأ.
4 ـ المفعول الثاني للأفعال المتعدية لثلاثة مفاعيل؛ كقولنا: أريت الطالب الحقَّ واضحاً؛ وأنبأت محمداً الخبرَ صحيحاً. وكقوله تعالى: "أَرأيتَكَ هذا الذي كرمت عليَّ"(الإسراء17/62). فالمفعول به الثاني (الحق، الخبر، هذا)، مسند إليه؛ لأن أصله مبتدأ؛ وقع عليه الحكم كما في الحالات السابقة.
3 ـ الفاعل، كقولنا: نجح الطالب، وكقوله تعالى: ]فاستجاب لهم ربهم[ (آل عمران3/195). وقوله: ]قد جاءتكم بَيِّنَةٌ من ربكم[ (الأعراف 7/73 و85)؛ فالفاعل (الطالب، ربهم، بينة) مسند إليه وكذلك (الدهر وسهام والنصال) في قول المتنبي:
رماني الدهر بالأرزاء حتى .......فؤادي في غِشاءٍ من نِبَالِ
فَصِرْتُ إذا أصابتني سهامٌ.......تكسرتِ النِّصالُ على النِّصالِ
وكذلك الضمير في الفعل (صِرْتُ) مسند إليه، لأنه فاعل قام بالفعل وحكم به.
4 ـ نائب الفاعل؛ كقولنا: قُرِئَ الدرسُ، حُفِظَ الكتابُ، وكقوله تعالى:
]زُيِّنَ للناس حبُّ الشهوات[( آل عمران3/41) وكقوله:" وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا". (الزمر 39/73). وقوله: ]ويوم يُكْشَف عن ساق ويُدْعَون إلى السجود فلا يستطيعون[، (القلم 68/42). وقال الشاعر:
تُعَدُّ ذنوبي عند قومٍ كثيرةً.......ولا ذَنْبَ لي إلاَّ العلا والفضائلُ
وقال آخر:
ولا عَيْبَ فيه لامرئٍ غيرَ أَنَّهُ .......تُعَابُ لـه الدنيا وليس يُعابُ
وقال آخر:
ولو سُئِلَ النَّاسُ الترابَ لأوشكوا.......إذا قيل: هاتوا، أَنْ يَمَلُّوا ويمنعوا
شبه الفاعل: يقع بعد كل اسم قام مقام الفعل المبني للمعلوم؛ كاسم الفاعل مثل: رأيت طاهراً قلبُهُ، أو كالصفة المشبهة؛ نحو: مررت بالكريم نَسبُه، فلفظ (قلبه ونسبه) فاعل، ومنه قول أبي العلاء المعري:
غَيْرُ مُجدٍ في مِلَّتي واعتقادي.......نَوْحُ باكٍ ولا ترنُّمُ شادي
فالمسند إليه (نَوْح) سد مسد الخبر؛ لأنه جاء فاعلاً لاسم الفاعل (مجدٍ).
6 ـ شبه نائب الفاعل: يقع بعد كل اسم قام مقام الفعل المبني للمجهول؛ كاسم المفعول؛ نحو: رأيتُ المحمود خلقُه. (خُلُقه: نائب فاعل). وقال الشاعر:
لعلَّ عَتْبَكَ محمودٌ عواقبُهُ.......وربما صحَّتِ الأَجسامُ بالعِلَلِ
وهنا نشير إلى أن المسند إليه في ارتباطه بالمعنى الدال عليه، ومن ثم في ارتباطِهِ بالمسند؛ كالروح والجسد. وقد قال ابن رشيق: "اللفظ جسم وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم."(11)، وكان ابن طباطبا قد سبق إلى هذا حين نقل عن بعض الحكماء: "للكلام جسد وروح، فجسده النطق وروحه معناه"(12). وهذا الكلام مستمد من الجاحظ.(13).
وفي هذا المقام لاحظنا أن مواضع المسند إليه باعتبارها الأصل الذي يبني عليه الكلام كانت تؤسس لإظهار مافي النفس من العواطف والأخيلة والأفكار... وأثبتت تلك المواضع أن وجود المسند إليه ليس وجوداً سكونياً في الجملة ولا وجوداً محايداً وإنما هو وجود فاعل ولازم سواء ذكر أم قُدِّر. وإذا كنا قد ركزنا على المواضع التي ظهر فيها المسند إليه ليكون دليلاً وهادياً للتعرف إليه فهذا لا يعني أنه لا يقدر في مواضع عديدة؛ بل ربما يحذف وتدل عليه قرينة من القرائن... وهذا ما سنتحدث عنه من بعد في أحوال الذكر والحذف... وما ينتهيان إليه من جمالية خاصة.
ونشير مرة أخرى إلى أن المسند إليه وكذلك المسند الذي سنعرض لمواضعه... قد يتكرر، أو يعطف عليه... فأياً كان الأسلوب الذي يَرِد ذكره فيه فإنه يستكمل معاني الجملة في عملية الإسناد؛ ويؤكدها، ليصبح الكلام بحق جسداً وروحاً متناسبين.
ومن هنا ننتقل إلى الحديث عن المسند ومواضعه.
2 ـ مواضع المسند:
تبين لنا تعريف المسند إليه ومواضعه؛ وثبت لنا أنه مدار الحدث والإسناد؛ لكن الفائدة لا تتم به وحده فلابد من مسند. فالمسند هو الذي يحقق مبدأ تثبيت العناصر الفنية بالمسند إليه، ويكسبه الصورة الجمالية الموحية... فالمسند يحتوي على الأجزاء الزمانية والدلالية اللاحقة بالمسند إليه؛ ومن ثم يرتب أجزاء الجملة كلها من اللواحق... وربما الأدوات، وإن كانت الأدوات تقع مسنداً إليه كما سبق الحديث عنه.
ونحن إذ نسوق الكلام على المسند، ومواضعه إنما نسوق توضيحاً شكلياً خالصاً لنتوصل من بعدُ؛ إلى إبراز النواحي الجمالية في العناصر الفنية وما تحمله من متعة وبهجة... فالمسند مع المسند إليه، يحققان تجربة شعورية وفكرية مختزنة عند المتكلم يريد التعبير عنها... بمعنى آخر يحققان لطائف لغوية وبلاغية متنوعة... وليسا حالة سكونية جامدة... وهذا ما سنراه حين نتحدث عن اللطائف الفنية الجمالية لأسلوب ذكرهما؛ ومن ثم حذف أي منهما...
أما الآن فيحسن بنا أن نعرف المسند؛ ثم نتعرف إلى مواضعه.... فهو المخبر به عن المسند إليه؛ أو المحكوم به، لأنه صفة في المعنى، وبه تتعلق الفائدة والتحولات لترتيب الأحداث الزمني، وفق التغير التركيبي في مفهوم البلاغيين الغربيين. ومواضعه كثيرة؛ منها:
1 ـ المبتدأ المكتفي بمرفوعه: الأصل أن يأتي المبتدأ مسنداً إليه كما سبق، وأوضحناه ولكنه قد يأتي مسنداً إذا اكتفى بمرفوع سد مسدَّ الخبر؛ فالمرفوع هو الذي يغدو فاعلاً في المعنى (مسنداً إليه) بينما المبتدأ يحل محل الخبر في عملية الإسناد كقولنا: أقائم زيد؟!... زيد: فاعل سد مسد الخبر وهو المسند إليه، لذلك كلمة(قائم) إن أُعربت مبتدأ فهي مسند، وعليه قول الشاعر:
غَيْرُ لاهٍ عِدَاكَ فاطَّرِحِ اللَّـ.......ـهْوَ ولا تغترر بعارض سلم
(غير) مبتدأ ـ وهو مسندـ لأنه اكتفى بمرفوعه الفاعل (عداك)، الذي جاء فاعلاً لاسم الفاعل (لاه).
2 ـ الخبر الذي يتصف بالمبتدأ في الجملة الاسمية:
كل خبر يتّصف بالمبتدأ يكون مسنداً كالخبر (مفيد) في قولنا: العلم مفيد؛ وكالخبر (بعيدة) في قول العرب: فلانةُ بعيدة مَهْوَى القِرْط؛ والخبر (مثلُ) في قول عنترة يصف ساق أمه وشعرها:
الساقُ منها مِثْلُ ساقِ نَعامةٍ.......والشَّعْر منها مِثْلُ حَبِّ الفلفلِ
ويمكن أن ننبه على حذف المسند إليه ـ وهو ما سيأتي ـ فالخبر يتصدَّر الكلام ويشبه في صورته المبتدأ، والمعوَّل عليه هو المعنى كما في رثاء الخنساء لأخيها؛ فهو طويل النجاد...:
طويلُ النجادِ؛ رفيعُ العمادِ.......كثيرُ الرمادِ، إذا ما شتا
3- خبر (إن وأخواتها): أينما وقع وكيف كان شكله فهو مسند، كقولنا: إن المجدَّ مكرمٌ، فلفظ (مكرم) خبر (إن) وهو مسند، وكذلك (موعدهم وتذكرة) في قولـه تعالى على التوالي: ]إنَّ جهنم لموعدُهم[، (الحجرة 1/43). وقوله:
]إنها تذكرة[ (المدثر 74/55). و(عبس 80/12).
وكلمة (تبسم) في قول البحتري خبر (كأن) وهي المسند:
كأن سناها بالعشيّ لصُبْحِها.......تَبَسُّمُ عيسى حينَ يَلْفظ بالوَعْدِ
والجار والمجرور (منهم) و(بعض) مسند في قول المتنبي:
فإن تَفِقِ الأنامُ، وأَنْتِ مِنْهم.......فإنَّ المسكَ بعضُ دم الغزال
وقد يتساءل إنسان ما فيقول: إن لفظ (بعض) لفظ مبهم؛ فما الجمالية فيه في الإسناد؟...
ونقول: إن إبهامه قد زال بإضافته إلى ما بعده؛ وخُصِّص به... فاكتسب دلالة معينة؛ وأكسب الجملة حركة جمالية مثيرة... وكذلك نراه حين اعترض بين المسند إليه (صبري) وبين المسند (جميل) في قول أبي خراش الهذلي يخاطب امرأته:
فلا تحسبي أني تناسيتُ عهدَهُ.......ولكنَّ صَبْرِي ـ يا أميْمُ ـ جميلُ
4 ـ خبر كان وأخواتها: قد يأتي في خبر الأفعال الناقصة، لأن الأفعال الناقصة تعد من أدوات الربطِ، وليست من المسند إليه كالفعل التام؛ ومن ذلك قولنا: كان زيد حسنَ التدبير؛ وكقول خويلد بن مرة الهذلي:
فإِنْ أَكُ مقتولاً، فكنْ أَنْتَ قاتلي.......فبعضُ منايا القومِ أكرمُ من بعضِ
فكلمة (حسن، مقتولاً، قاتلي) مسند، وكذلك (مستضعفين، جاثمين، قادرين)، في قوله تعالى: ]كنا مستضعفين في الأرض[ (النساء 4/97). وقوله: ]فأصبحوا في دارهم جاثمين[ (الأعراف 7/78 و91)، وقوله: ]وغدوا على حَرْدٍ قادرين[ (القلم 68/25).
5 ـ المفعول به الثاني لفعل (ظن وأخواتها):
لما كان المفعول به الثاني في ظن وأخواتها خبراً في الأصل بقي المسند في الدلالة والحكم وإن نُصِبَ بها وصار مفعولاً؛ كقولنا: ظننت خالداً غائباً، وكقولـه تعالى: ]وإني لأظنه كاذباً[ (غافر 40/37). وقوله: ]وإني لأظنك ـ يا فرعون ـ مثبوراً[ (الإسراء 17/102). وقوله: ]وتحسبونه هيناً[ (النور 24/15). وقولـه: ]وترى الجبال تحسبها جامدة[ (النمل 27/88). وقوله: ]إنا جعلناه قرآناً
عربياً[ (الزخرف 43/3). وقولـه: ]وجعل الشمس سراجاً[ (نوح 71/16). ونلحظ أن المسند منصوب في كل ما ورد وهو منصوب مرة ومجرور بحرف جر زائد مرة أخرى في قول الشاعر:
زعمتني شيخاً ولستُ بشيخٍ.......إِنَّما الشيخُ مَنْ يدبُّ دَبيبا
6 ـ المفعول به الثالث للفعل المتعدي لثلاثة مفاعيل: قد تتعدى بعض الأفعال لثلاثة مفاعيل كالفعل (أرى، وأنبأ ونبَّأَ، واتخذ...). والمفعول الثاني والثالث في الأصل مبتدأ وخبر، أي مسند إليه ومسند؛ كقولنا: أنبأتُ سعيداً الخبرَ صحيحاً؛ وأريتهُ الأمرَ واضحاً، وكقوله تعالى: ]وكذلك يريهم الله أعمالَهم حسراتٍ عليهم[ (البقرة 2/167). فلفظ (صحيحاً، واضحاً حسرات)، مسند، لأنه في الأصل خبر؛ ونصب حسرات بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم.
7 ـ الفعل التام: إذا جاء الفعل تاماً مبنياً للمعلوم أو مبنياً للمجهول وأياً كان نوعه ماضياً أم مضارعاً أم أمراً فهو مسند متصف بالفاعل، فمن المبني للمعلوم والأمر قوله تعالى: ]إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ (آل عمران3/31). أو كقول الشاعر:
لأستسهلنَّ الصَّعْبَ أو أُدركَ المُنى.......فما انقادتِ الآمالُ إلا لصابرِ
أما المسند في الفعل المبني للمجهول فهو الفعل (نُتج) في قول الشاعر:
نُتِج الربيعُ محاسناً.......أَلْقَحْنَها غُرُّ السحابِ
8 ـ اسم الفعل العامل عمل فعله:
اسم الفعل كلمة تدل على ما يدل عليه الفعل غير أنها لا تقبل علامته، وإما أن يكون بمعنى الفعل الماضي، نحو (هيهات) بمعنى بَعُد، وإما بمعنى المضارع نحو (أف) أي أتضجر، وإما بمعنى الأمر مثل (آمين) أي استجب.
ولسنا الآن بصدد الحديث عن اسم الفعل وأنواعه وكيفية استعماله على أنه يلزم صيغة واحدة للجميع... إلا ما لحقته الكاف... ولكننا بصدد ذكر أن اسم الفعل إنما هو مسند.
وأسماء الأفعال كثيرة؛ منها ما ورد في القرآن الكريم كقوله تعالى:
]هيهات هيهات لما توعدون[ (المؤمنون 23/36). وهيهات تستعمل للماضي بمعنى بَعُد؛ وكقوله تعالى: ]هاؤم اقرؤوا كتابيهْ[ (الحاقة 69/19). وهاؤم تستعمل للأمر (خذوا) وكقوله: ]يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضرّكم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم[ (المائدة 5/105). و(عليكم) اسم فعل أمر بمعنى (الزموا)، وكقولـه تعالى: ]فلا تقل لهما أُفٍّ[ (الإسراء 17/23) و(أف) اسم فعل مضارع بمعنى (أتضجر). وقال الفرزدق:
ومِنْ قَعْنَبٍ، هيهات ما حَلَّ قعنبٌ.......بني الخَطَفى؛ بالمنزل المتباعدِ
فأينما ورد اسم الفعل وبأي صيغة فهو مسند، لأنه حلَّ محل الفعل معنىً.
9 ـ المصدر النائب عن فعله:
وينوب المصدر عن فعله سواء كان أمراً أم مضارعاً؛ فيكون مسنداً؛ ففي الأمر قول قطري بن الفجاءة:
فَصَبراً في مجالِ الموتِ صبراً.......فما نَيْلُ الخلودِ بمستطاعِ
(صبراً) مصدر ناب عن الفعل (اصبر) فحل محله في كونه مسنداً؛ وكذلك قول سُحيم عبد بني الحسحاس:
أشوقاً ولمَّا يمضِ بنا غَيرُ ليلة.......فكيف إذا خبَّ المطيُّ بنا عشرا؟!
(شوقاً) مصدر ناب عن الفعل المضارع (أتشتاق) فحلَّ محله في كونه مسنداً... وقد ينوب المصدر عن فعل يحمل معناه وليس من لفظه؛ كقول أبي ذؤيب الهذلي:
جَمالَكَ أيُّها القلبُ القريحُ.......ستلقى مَنْ تحبُّ فتستريحُ
يقول: لا تنسَ جمالَكَ، وأراد تجمل بالصبر والإرادة.. فالمصدر (جمالك) مسند.
واعلم ـ عزيزي القارئ ـ أن المواضع التي ذكرناها للمسند أو للمسند إليه قد تحققت بالتعبير الفطري؛ وكما رأيت لم يتعمد المتكلم إلى صنعة شاذة؛ وكل ما احتاج إليه في تمثيل مشاعره أو أفكاره ساقه بلغة إسنادية جميلة... وإذا "رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسَّنوها ورققوا حواشيها وصقلوا أطرافها فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ فقط؛ بل هي خدمة منهم للمعاني، ونظير ذلك إبراز الصورة الحسناء في الحلل الموشية والأثواب المحبرة"(14). ومثله نراه في الفضلة والأدوات؛ ومواضعها تدل على كمال الحسن والفائدة.
3 ـ الفضلة والأداة، ومواضعهما:
الفضلة؛ هي كل اسم يذكر مع المسند أو المسند إليه لإتمام معنى الجملة، وليس أحداً منهما... كقولنا: قرأ زيد الكتاب، وأعطينا سعيداً كتاباً.
والفضلة قد يكون وجودها مؤكداً إذا استدعاها المسند أو المسند إليه سواءً في الجملة الفعلية كقولنا: ظننت خالداً مجتهداً، أم الاسمية، نحو أحمد ضارب أخاه... فالمعنى لا يكتمل بغير الفضلة (مجتهداً ـ أخاه) على الرغم من أنه قد يستغني المسند والمسند إليه عنها؛ وإذا وجدت معهما أضافت معنى ما؛ كقولنا: نجح خالد... فإذا أضفنا إليها نجح خالد هذا العامَ.... حدد زمن النجاح بعد أن كان مطلقاً في الزمن الماضي... ومن هنا قيل لها القيد لأنها قيدت المعنى كما سميت بالفضلة لأنها زيدت على المسند والمسند إليه، وأضافت إليهما معنى جديداً.
ويظل القيد أعم اصطلاحاً من الفضلة لأنه يشتمل على الأداة أيضاً؛ ويقال لهما اللواحق أيضاً.
والفضلة ـ في الأصل ـ منصوبة حيثما وقعت كقولنا: نجح الطلاب إلا خالداً ووقفت إجلالاً وتكرمةً، وسافرت يوم السبتِ، وجلست تحت الجسر... أما إذا وقعت بعد المضاف أو حروف الجر فحكمها أن تكون مجرورة كقولنا: وقفت أمام السبورةِ، وكتبت بالقلمِ... وما مررت إلا بسعيد.
وقد تتحول الفضلة إلى عُمْدة في الكلام لأمر بلاغي، وتصبح مسنداً إليه كما هو عليه بعد بناء الفعل للمجهول كقولنا قُرِئَ الكتابُ.. فالكتاب صار مسنداً إليه حين بني الفعل للمجهول بعد أن كان فضلة قبل بنائه للمجهول: قرأ زيد الكتابَ... وكذلك (العلياء) في قول الشاعر بعد أن كان مجروراً بالباء لفظاً؛ فقد تحول إلى مجرور لفظاً مرفوعاً محلاً على أنه نائب فاعل:
لم يُعْنَ بالعلياءِ إلا سيداً.......ولا شَفَى ذا الغَيِّ إلا ذو هُدَى
ولذلك مواضع أخرى توقف عندها أهل اللغة ليس مجالها هنا..., إنما نريد بيان قيمة الفضلة في إتمام المعنى وزيادة تأثير صياغة الجملة... فمتعلقات المسند أو المسند إليه من الكلام الزائد لا يكون لمجرد زيادته وإنما لغاية معنوية وبلاغية، ولعل الأدباء يتمايزون بمدى قدرتهم على توظيف الفضلة في صورهم الجمالية....
ولا يقلُّ قيمةً عن ذلك تميزهم بمدى براعتهم في استعمال أدوات الربط بين الفضلة وبين المسند أو المسند إليه أو كليهما؛ أو استعمالهم لها بين المسند والمسند إليه لغايات بلاغية مثيرة كقولـه تعالى: ]وما محمد إلا رسول[
(آل عمران 3/144).
وأداة الربط: هي كل كلمة تكون رابطة بين جزئين من الكلام، سواء وقعت متصدرة لـه كالاستفهام، أم في صميمه كأدوات العطف، وحروف الجر...
وأدوات الربط كثيرة أسماءً وحروفاً؛ مثل أدوات الاستفهام والشرط والقسم والعطف والحض والتمني والرجاء والنواصب والجوازم وحروف الجر، والنواسخ... والجواب... والأسماء الموصولة...
وأكثر هذه الأدوات مبنية عدا القليل منها... وحركة آخرها هي حركة بناء أو إعراب فأداة الشرط (أي) في قولنا (أيَّ يوم تسافر أسافر)، معربة؛ وكذا في قولـه تعالى: ]أياً ما تدعوا فَلَهُ الأسماءُ الحُسْنَى[ (الإسراء 17/110)، أما في قول زهير:
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خليقةٍ.......وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَمِ
فأداة الشرط (مهما ـ إن) مبنية على حركة آخرها...
وأدوات الربط تكون حروفاً وأسماءً وتكون أَفْعَالاً؛ فأدوات العطف والقسم والجر ـ مثلاً ـ كلها حروف؛ بينما أكثر أدوات الاستفهام والشرط أسماء....
وكل اسم من الأسماء التي تقع أداة ربط يمكن أن تكون أداة ربط وفي الوقت نفسه تكون أحد أركان الجملة؛ وقد تقع فضلةً... فلو قلنا: مَنْ يقرأ ينجح... لكانت (من) أداة ربط وموقعها فضلة لأنها في محل نَصب مفعول به... بينما لو قلنا: من يقرأ كتبه ينجح.... لصارت (مَنْ) أداة ربط، وموقعها مسند إليه لأنها في محل رفع مبتدأ... وقد تكون مسنداً كقولنا: خيرُ كُتبِك ما قرأته؛ ما: اسم موصول: أداة ربط وقعت في محل رفع خبر للمبتدأ (خير). أما أدوات الربط التي تأتي أَفْعَالاً فهي الأفْعَال الناقصة (كان وأخواتها)، وهذه لا تقع مسنداً ولا مسنداً إليه؛ وإن دلت على حدث وزمن.
بهذا كله اكتملت عناصر الجملة وأركانها؛ وفيها يتميز المبدعون باستعمال اللفظ المؤلف الفصيح والبليغ وفق ظاهرة الإسناد والإثبات والنفي والحذف... كما تحدّث عنها البلاغيون العرب.
وهنا لا يفوتنا أن نشير إلى نزعة الاقتصاد في أساليب القول التي فَضَّلتها العربية، والتي تقوم على أركان عديدة... وفيها تميل العربية إلى التقليل من الفضلة والأدوات إلا إذا اقتضتها البلاغة، واحتاجت إليها الدلالة.... وإضافة أي كلمة إلى المسند أو المسند إليه في الاستهلال أو الوسط أو الختام إنما يكون لاستيفاء العناصر التي تشكل الجملة البلاغية الممتعة والمفيدة... ومن هنا يصبح لترتيب الكلمات في أشكالها النحوية ثم البلاغية غايات كبرى في الدلالة والتأثير...
وبهذا الترتيب تتنوع أساليب البلاغة العربية، فضلاً عن تنوعها بسبب تنوع الكلمة وبنيتها... فالتوزيع في التركيب النَّحْوي ليس إلا شكلاً بلاغياً في الجملة العربية؛ ويتفاوت أصحابه بمدى قدرتهم على امتلاك هذا النسق اللغوي البلاغي في الإمتاع والإفادة... وهو نسق مليء بالمجازات البلاغية والعلاقات الدلالية.
ولم يأت (دو سوسيير saussure,F) بشيء كثير في حديثه عن نظام الجملة اللغوية ونسقِها عما هو موجود في العربية؛ وإن اخترع نظام العلاقات اللغوية القائم على محورين: أحدهما استبدالي، والآخر تركيبي. وبهما تكتسب كل كلمة قيمتها ودلالتها من نظام وضعها في إطارهما وعلاقاتهما... وما تفعله اللغة الأدبية هي أنها تقوم بتكثيف وتوظيف هذه الممارسات المجازية، مما يجعل الاستبدال فيها أصعب منالاً وأعز طلباً. وذلك نتيجة لتوخي العلاقات البعيدة، أو لارتباطها بمنظومات قيمية ثقافية ليست في متناول الجميع"(15).
لعل هذا الكلام الجميل يعد إنجازاً في ذاته حين أدرك طبيعية الجملة الثابتة؛ وعبر عنها بـ(التركيبي) وهو يقابل في العربية ركني الجملة (المسند والمسند إليه)، ويقصر عنهما لما يمتلكانه من خصائص أسلوبية في العربية؛ وحين أدرك طبيعة الجملة المتغيرة بما يلحقها من تحولات في المحور الاستبدالي. وهذا كله موجود في لواحق المسند والمسند إليه في العربية من الفضلة والأدوات، فضلاً عن التبدل الذي يطرأ على ترتيب المسند والمسند إليه وتعريفهما أو تنكير أحدهما...
وأسلوب الجملة في نهاية المطاف لغةً، ولكنه لغة ذات نظام خاص.... وقد تحدث علماء العربية عن ذلك ابتداءً بسيبويه واللغويين وليس انتهاء بالجرجاني والبلاغيين جميعاً. ورأوا في أسلوب الجملة مستويين المستوى الحقيقي المباشر للدلالة والمستوى البعيد غير المباشر وفيه تتكثف دلالات رمزية كثيرة... وتتغير طبيعة المستويين بتغير الإضافات ونمط التأليف وتناسبه كما يقول حازم القرطاجني.(16).
إن المتغيرات الأسلوبية في الجملة ترتبط بالصوت والتركيب والدلالة، وهذا كله مما عني به في البلاغة العربية، والنحْو العربي وصرفه... فكل شكل يظهر للجملة يمكن أن يتخذ وجوهاً عدة نتيجة التحولات التي تطرأ عليه بدخول الفضلة والأداة، فحين نقول: محمد رسول الله؛ فإن دلالة هذه الجملة تختلف عن دلالتها لو قلنا: ما محمد إلا رسول ... وكذا الأمر حين نقول: ذهب محمد؛ فهذا غير قولنا: أين ذهب محمد؟ فأي أداة أو فضلة لا تترك طبيعة التركيب ثابتة في العربية.... فالجملة الأولى جملة خبرية، والثانية إنشائية.(17).
فبلاغة الجملة العربية منذ وجود العربية ليست سكونية وإنما تتجسد كائناً إبداعياً يتجاوز الظرف الوصفي الذي زعم فيه بعض الباحثين أن العربية وصفية.
بقي أن نقول في ختام الحديث عن مفهوم الجملة البلاغية العربية: إنها تستند إلى عناصرها المرتبطة بالكلمة ثم بالجملة... في وحداتها المعنوية الصغرى، ولو اتصلت بالسياق النصي فهو سياق مرتبط بالفضلة والأداة... ومن ثم بوحدة البيت الذي يكون أحياناً جملة واحدة... فمفهوم البلاغة وإن راعى مقتضى الحال والمقام عند المتكلم والمخاطب ظل مشدوداً ـ كما قلنا من قبل ـ إلى نزعة الاقتصاد اللغوي والبلاغي، فالبلاغة الإيجاز عند العرب. لهذا لا تنظر البلاغة العربية إلى النص المتكامل باعتباره وحدة بنيوية عضوية متعاونة. ولا يعيبها أنها بنيت على ذلك التصور لأنها نتيجة فطرية طبيعية وحتمية للبنية الفكرية والنفسية والاجتماعية للذهنية العربية الأصيلة المتجذرة بالاعتزاز الذاتي الفردي؛ وإن اعتز الفرد منهم بجماعته.
وحين يرى بعض الناس ذلك عيباً فإننا نراه فضيلة؛ لأن البلاغة العربية في منطلقها كانت قائمة على مافي النصوص الأدبية العربية من جهة؛ ومن جهة أخرى انفتحت البنى الجمالية البلاغية على مثيلاتها ونظائرها في عدد لا متناهٍ من الأساليب في الجملة المرتبطة بسياق ما... وبتركيب ما.. فمفهوم البلاغة العربية مشدود إلى بنية الجملة والكلمة باعتبارها وحدة معنوية صغرى... ولهذا رأوا أن الكلمة الواحدة إذا أفادت معنىً فهي جملة بذاتها كقولنا: امض، وأفّ، وهيهات، وشتان...وإيه،... بل الحرف يصبح جملة وفق ظاهرة الإسناد، مثل : (قِ) من (وقى)، و(فِ) من (وفى)... , وهكذا.
لهذا يصبح اختيار الصورة اللغوية في حالة الأشكال البلاغية رفضاً مطلقاً للوضوح المباشر الذي يميز العلاقات اللغوية الثابتة في نظام (دوسوسيير) التركيبي. وتغدو الوظيفة البلاغية متنوعة وثرية بثراء أساليب البلاغة العربية؛ بحيث لا نجد نظائر لها في أية لغة من لغات الأمم الحية.
ولا يمكن للبلاغي أن يتجاوز تلك الإشارات الهامة للجملة عند بعض الباحثين الغربيين أمثال (جوليا كريستيفا، وجيرار جينيت وتودورف ورولان بارت)، وقد تخطت إشاراتهم عالم الأسلوبية إلى ما بعدها...
وإذا لم يكن هنا مجال التوسع في تناول ما طرقوه حول الجملة فإننا نسوق ما قاله (تودوروف) في مفهومه للنص: "يمكن للنص أن يكون جملة، كما يمكنه أن يكون كتاباً تاماً، وهو يعرف باستقلاله وانغلاقه".(18).
ونرى أن الجملة في العربية قد تأخذ الموقع نفسه الذي أراده (تودوروف)، في كونها نصاً، وفي كونها تتمتع بالانغلاق، فالمتلقي ليس له الحق في تغييرها، وإن كان له الحق في إثرائها بوساطة تأملها تأملاً واعياً... فالجملة البلاغية العربية تتضمن في ذاتها قيمة أسلوبية؛ ثم تستمد قيماً جديدة متحولة من النص والموقف والبيئة، ومن طبيعة اللغة التي تنتمي إليها؛ وفي إطار العناصر المكونة لها والعلاقات التي تربط بينها.
ومن هنا نقول: إن مفهوم الجملة باعتبارها نصّاً لدى الغربيين يخالف على نحو ما مفهوم الجملة البلاغية عند العرب في أساليبها المتنوعة. وهذا ما نكشف عنه في دراستنا لأسلوب الذكر والحذف، والتعريف والتنكير؛ وكلاهما يتعلقان بأحوال المسند والمسند إليه.
وألحقنا أسلوب الذكر والحذف بمفهوم الجملة وبنيتها لأنهما يدخلان في صميم تركيب الجملة من جهة أحوال الإسناد في التركيب، وفي ذكر أحدهما أو حذفه تتعلق قضايا بلاغية من جهة الذكر والحذف، أما التعريف والتنكير فأعظم؛ لأنه يتعلق بهما من جهة الإسناد واللفظ والمعنى، والتركيب؛ تقديماً وتأخيراً، وذكراً وحذفاً؛ وإثباتاً ونفياً... ولهذا جعلناه في فصل خاص...
[/align]
د.حسين جمعة غير متصل   رد مع اقتباس