رد: الركن الهادىء
وجدت نفسي أقتحم هذا الركن الهادئ مدفوعا بحب الاستطلاع و الفضول لأجده حقا ركنا هدائا رغم ما يحويه من بوح و مناجاة تتأجج بعضا بتأجج العواطف و توقد الأحاسيس ..
كنت ولا ازال بطبعي أتأثر سريعا بكلمة سوء تقال لي تلميحا أو في غيابي .. فأظل ساعات ، بل أيام مغتما مهموما متسائلا لماذا يتلذذ الناس بإيذاء بعضهم البعض ؟ و لماذا يتفنن البعض في اغتياب غيرهم أو لمزهم حاضرا ؟ ..
أذكر يوما كنت أستعد لإنهاء آخر الترتيبات قبل الإجازة .. وكان يبدو لي ان هناك خلافا حادا بين أحد الأعوان و إدارة المؤسسة .. حتى بلغ النبأ إلى النائب الإقليمي ( المحافظ ) ، واستدعي العون البسيط ليتلقى تنبيها أو توبيخا على خطإ فادح ارتكبه ..
في آخر يوم من السنة الدراسية ، كانت لنا جلسة شاي مع بعض الموظفين ، وحانت ساعة العصر لآخذ سجادة كانت هناك كي اصلي العصر .. ولم أنتبه إلى ما فاه به العون وهو ينتظر إلي قائلا :
الأمر لا يتمثل في المظاهر و الرياء .. المهم أن نتجنب الدسيسة و الإيقاع بالناس ..
بعد الصلاة عدت و اندمجت في الحديث بينما كانت ترمقني العيون بنظرات ذات معنى .. لكني لم أبال بها ..
إحدى المنظفات لم تطق صبرا و انفردت بالعون تحدثه بحدة ..
ثم جاءت إلى حجرة الفصل حيث كنت أجمع بعض أدواتي لتخبرني أن هناك من أسر للعون أنني من وراء كل ما حدث له ..
تساءلت .. لم كل هذا ؟ وما السبب في الافتراء .. وما مصلحته في ذلك ..
قالت لي المنظفة كلاما كثيرا .. عن أشياء لم تكن لي في الحسبان .. كلاما يقال في ظهري و أنا في غفلة من هذا ..
حكيت لأحد زملائي ذلك فاستخف بما أشعر به من غم .. وقال : " لو استمر بك الحال هكذا لصارت حياتك ضنكا .. ليقولوا ما يحلو لهم .. أنت تعلم مقدار نفسك .. فلم الغم و الاكتئاب ؟" .. وجدت في قوله صواب ، لكني لم أستطع منع نفسي من الأسى و التساؤل دائما .. لماذا يؤذي الناس بعضهم البعض ؟
لم أشعر بالارتياح حتى دعوت العون إلى حجرة الفصل وتحدثت معه طويلا حول جهلي بكل ما حدث له .. وقلت له :
هل تعلم الآن لم أصحب معي قهوتي إلى هنا لأرتشفها وقت الاستراحة ولا أغادر فصلي إلا في آخر حصة ؟ .. حتى أكون في منأى عن القيل و القال ..
فتح ذراعيه و ضمني إلى صدره وهو يقول بصوت متهدج :
"يكفيني شرفا أنك دعوتني و تحدثت معي كما تتحدثون إلى بعضكم البعض .. ورددت لي الاعتبار .. سامحني يابني "
المسكين .. كان يعاني من التهميش و التحقير .
هذه فقط بعض ما جادت به مشاعري في هذا الركن الهادئ .. و أؤكد لك ميساء أنه لن يصير أطلالا .. شكرا لك .
محبتي لمن يمر من هنا .
|