عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 10 / 2009, 20 : 08 PM   رقم المشاركة : [6]
هيا الحسيني
كاتب نور أدبي ينشط

 الصورة الرمزية هيا الحسيني
 





هيا الحسيني is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: لبنان

رد: اتحاد المغرب العربي بين الإحياء والتأجيل ـــ توفيق المديني - دراسة تاريخية سياسية

[align=justify]القسم الأول الموانع السياسية تقف حائلا ً أمام الاندماج المغاربي: ـ الفصل الأول الاتحاد المغاربي مسيرة متواصلة من التعثر الفاضح

1 ـــ الاتحاد المغاربي مشلول بعد 17 سنة على تأسيسه‏

لا أحد يشك من الذين تعاطوا ولو بقليل من الجدية والموضوعية مع فكرة إنشاء اتحاد دول المغرب العربي في أن هذه الفكرة والحلم يمران اليوم بأزمة ليست كسابقاتها المتكررة في عهد لم يتعد عقدا أو أكثر من نصف عقد من الزمن، وأخطر ما في هذه الأزمة أنها تتعدى في حجم استعصائها على المعالجة حدود أزمات الإقليم العصية على الاختراق إلى أخرى تجوب انتماءه القومي الأرحب والقاري والعالمي، وتتحكم بموجبها بعض الدول "الكبرى" في مصير الدول والشعوب العاجزة عن خلق نظامها الإقليمي الطبيعي الذي يعتبر لها ضرورة تاريخية كما هو حال الوحدة بين أقطار دول المغرب العربي.‏

إذ يؤكد التاريخ للباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة أن هذا الإقليم ظل طيلة مراحل تاريخية يكوّن وحدة اقتصادية وجغرافية وثقافية واحدة، وإن لم تنف هذه الحقيقة بالطبع واقع أن شمال إفريقيا، كما هو الوضع في العديد من أقاليم العالم الموحدة اليوم، قد عرف خلال مراحل متقطعة من تاريخه وجود دول أو عدة دول على أراضيه الشاسعة، لكن تلك الدول لم تكن تشكل في حد ذاتها وحدة اقتصادية أو ثقافية مستقلة، كما أن وجودها بقي ثانويا مقارنة مع وجود الدول الموحدة، كما يشهد تاريخ المنطقة الذي ظلت فيه الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية والجغرافية هي القاعدة الأصل.‏

وفي العصر الحديث استطاعت الدول الوطنية التي ظهرت داخل الإقليم أن تواجه خطر القضاء على الهوية الذي مورس ضدها بلا هوادة من طرف الجهة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، لا سيما فرنسا، لكن تلك الدول لم تتمكن من استيعاب آليات تستعيد بها وحدتها التاريخية، بل دخلت أحيانا آليات عديدة في لعبة الصراعات الحدودية، واقتسام النفوذ والسيادة على المناطق التي لم يشأ الاستعمار حسم أمرها النهائي بين دول جديدة اقتطع خريطتها بعناية لمقاصد سيئة لا تخفى على المراقب.‏

من أخطر تلك الأمور ما فجر أزمة الحدود بين الجزائر والمغرب، وما عرف بأزمة إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب الذي أدخل الجزائر في مواجهة مزدوجة مع المغرب وموريتانيا سنة 1975، وما زال أهم العقبات أمام محاولات الأنظمة المغاربية في أن تحتذي بالنماذج التوحيدية في ضفة البحر الأبيض الشمالية، محاولات لم تتعرض لهذه الإعاقة الوحيدة وإنما تعرضت لعجز الأنظمة السياسية في بلدان المغرب العربي عن تحديث ممارساتها السياسية في الحكم، وفرز نخب تعبر عن إرادة شعوبها الحقيقية، لأن ذلك الأمر كفيل وحده بتعزيز مسار الوحدة المغاربية بحكم أنها مطلب شعبي تعززه الحاجة الاستراتيجية في خلق كيان يواجه به تهديد الاتحادات القائمة والمنتظرة في المنطقة والعالم.‏

لم تنجح المجموعة المغاربية في تحويل مشروع المغرب العربي الكبير إلى فعل تاريخي قادر على تعزيز مقومات التنمية في الأقطار المغاربية، بل إنها لم تنجح في تركيب برامج مشتركة في العمل قادرة على تحويل بنود ميثاق الاتحاد إلى معطيات ومواد قابلة للانغراس في تربة الواقع، وقادرة في الآن نفسه على تحويل المشروع إلى تاريخ.ورغم المعطيات الجغرافية والتاريخية والثقافية العامة التي صنعت مشروع الاتحاد وحلمه، فإن ضغوط الواقع في أبعاده المختلفة قد كرست واقع الحال القائم بين أقطار المغرب العربي.‏

يفترض المراقب من الخارج أن دول المغرب العربي مهيأة أكثر من غيرها لرسم معالم تعاون عربي إقليمي فاعل في محيطه المجتمعي ومطور لآليات في التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بحكم الطابع الواقعي والبراغماتي الذي وسم أغلب سياسات أقطاره. ولعله يفترض أيضا ً أن غياب الوعي القومي الشمولي عن نخبه السياسية، كما هو الحال عليه في المشرق العربي عموماً، قد يساعد في بلورة أهداف واضحة ومتدرجة، وهو ما يمنحها إمكانية التحقق الفعلي في مستوى الممارسة والإنجاز.. إلا أن ما حصل منذ إعلان ميثاق الاتحاد لا يدعم مثل هذا الرأي، ولعله يكشف بكثير من القوة، وجود خلل ما في الإرادة السياسية يقف بمنزلة حجر عثرة أمام الطموح المجتمعي المغاربي في بناء قوة عربية إقليمية في شمال غرب إفريقيا، قوة قادرة على ركوب درب التنمية بإيقاع أسرع، وقادرة في الوقت نفسه على إعداد محاور للاتحاد الاوروبي الذي يزداد قوة، ويتجه لتعزيز مسيرته التاريخية في بناء القارة الأوروبية.(1).‏

من الواضح أن الإحساس بالأزمة البنيوية العميقة وانغلاق سبل الخروج منها، هو الذي دفع الأنظمة المأزومة إلى محاولة البحث عن مخرج جماعي بإحياء وحدة المغرب العربي بهدف التخفيف من المخاطر الداهمة، علماً أن اتحاد المغرب العربي قام على أساس قطري واندمج في إطار تشكيل وحدة إقليمية على غرار الوحدات الإقليمية العربية، وحدة أنظمة قطرية مسيطر عليها من قبل الإمبريالية الأميركية، ولها وظيفة في هذه الاستراتيجية الأميركية في العالم العربي، والبحر الأبيض المتوسط، لدعم ركائز هذه الأنظمة القطرية، ومنع الحركات الإسلامية الأصولية المغاربية من أن تحقق أهدافها، وخلق نوع جديد من التوازنات يساند فيه النظام القوي النظام الضعيف، ويمنع الأقطار الأكبر من احتواء الأقطار الأصغر.‏

اتحاد المغرب العربي ( ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا ) الذي تم إنشا ؤه في مدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 شباط/فبراير 1989، يجابه تحديات داخلية وخارجية يلخصها الشلل الكامل لمؤسساته، والتأجيل المستمر لاجتماع مجلس الرئاسة الذي كان مفترضاً أن يعقد في الجزائر‏

عام 1995. ويضم هذا الاتحاد المغاربي حوالي/80/ مليون نسمة من العرب، ويشمل المنطقة من حدود ليبيا مع مصر إلى نهر السنغال، وتصل مساحتها إلى نحو 5.380591 كيلو مترا ً مربعا ً، وفي هذا الاتحاد دولتان مهمتان من حيث الموقع وعدد السكان هما المغرب والجزائر.‏

لا شك في أن وحدة المغرب العربي كمشروع بناء إقليمي قديم متجذر في ضمير شعوب المنطقة، غير أنه يمكن تصنيف المعوقات الكبرى التي اصطدم بها مشروع بناء وحدة المغرب العربي إلى ثلاث: مرحلة إزالة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية الحديثة: فبعد عامين من استقلال تونس والمغرب عام 1956، وتجذر الثورة الجزائرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي عقدت في مدينة طنجة أول قمة مغاربية ضمت قادة أحزاب الاستقلال المغربي والدستور التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، لا الحكومات بحكم أن الجزائر لم تنل استقلالها بعد.‏

وبعد استقلال الجزائر عام 1962 كان بناء المشروع المغاربي في قلب المفاوضات بين البلدان الثلاثة، حيث تم توقيع اتفاقيات الرباط في عام 1963، التي نصت على تحقيق التطابق في سياسة البلدان الثلاثة تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية، وسياسة التبادل التجاري.‏

غير أن كل هذه الاتفاقات لم تتجسد مادياً على الأرض، ولم يتجاوز بناء المغرب العربي إطار المشروع النظري بسبب الصراع التنافسي الذي دب بين حكوماته المختلفة على زعامته، واستمرار النزاعات الحدودية الموروثة من الحقبة الكولونيالبة بين مختلف البلدان المغاربية (نذكر في هذا الصدد النزاع المسلح بين المغرب والجزائر في تشرين الأول/أكتوبر 1963 )، وهو ما عكس لنا بروز المظاهر والنعرات الإقليمية التي أصبحت سائدة في عقول وممارسات النخب الحاكمة، والتي قضت على أي تفكير جدي في بناء المغرب العربي الكبير، على نقيض الاعتقاد الذي كان سائداً، والذي كان يعتبر أن استقلال الجزائر سوف يساعد على تحقيقه.‏

ومغزى آخر هو أن الدول المغاربية أغلقت أبوابها على نفسها، ووضعت حدودا ً لها بحواجز إدارات الهجرة والجمارك، وبثقافة جديدة تخلع كل قطر من هويته المغاربية والاسلامية، وسلمت بالكيانات القطرية، وصارت تنظر إلى مشروع المغرب الكبير على أنه مجرد تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية دون التفكير في تنازل الدول عن أي شيء من سيادتها لحساب‏

هيئة اتحادية مهما كانت هذه الهيئة مجردة من السلطات. وهي روح تختلف عن تلك التي سادت مؤتمر طنجة سنة 1958.‏

وأسهم اختلاف الاستراتيجيات الاقتصادية في البلدان المغاربية في تهميش مشروع التكامل الاقتصادي الإقليمي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، وإلى تأجيج الصراعات الايديولوجية بين محوريه تونس والمغرب من جهة، مقابل الجزائر وليبيا من جهة أخرى.‏

وأمام تفاقم الضغوطات الهائلة التي مارستها الأزمة الاقتصادية، والخوف المرتقب من تفاقم هذه الازمة عشية إلغاء الحواجز الاقتصادية، بين دول السوق الأوروبية المشتركة، سارعت دول المغرب العربي إلى تحقيق نوع من التقارب والتنسيق فيما بينها على صعيد المشاريع الاقتصادية.‏

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعزلة السياسية للأنظمة، بدأت السلطات الحاكمة في بلدان المغرب العربي البحث في بعث وتفعيل المشروع المغاربي من جديد في أواسط الثمانينيات، عبر تطويق مجالات الصراعات والتوترات التي تفرقها، والاتجاه نحو تطبيع العلاقات المغاربية – المغاربية. وقد توجت هذه المحاولات بعقد زعماء الدول المغاربية الخمس في مراكش في 17 شباط 1989، والتوقيع على معاهدة مراكش المؤسسة لاتحاد المغرب العربي، وتحديد البنيات السياسية لهذا الاتحاد.‏

لقد شكل تأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير/شباط 1987 خطوة نوعية في مسار الوحدة المغاربية، وعقدت عدة آمال على ذلك، أقلها إيقاف الاستنزاف المتبادل بين أطراف المجال المغاربي، خصوصا أنه جاء بعد معاناة شعوبه ودوله من سياسات المحاور الثنائية المتصارعة على الزعامة طيلة عقدي السبعينيات والثمانينيات.‏

وجاء تبلور هذا المشروع إفرازا لسلسلة تطورات نوعية في المنطقة، نجملها في خمسة عناصر:‏

أولا ً، عودة العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية، بعد قطيعة دامت 14 سنة، وذلك على إثر لقاء العام 1988 بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد. وهذا التقارب أشار إلى تراخي قبضة المؤسسة العسكرية الجزائرية في توجيه السياسة الخارجية للجزائر.‏

ثانيا ً، التفاهم على تسوية نزاع الصحراء المغربية في إطار خطة استفتاء بإشراف أممي، وجرى التفاوض على هذه الخطة طيلة 1988 ـ 1990.‏

ثالثا ً، تراجع حدة الضغط الأجنبي على المنطقة والناجم عن التقاطب الدولي بين المعسكرين الشرقي والغربي بسبب بداية تفكك المعسكر الشرقي.‏

رابعا ً، بروز تحدي التكتل الأوروبي في مواجهة دول الشمال الإفريقي.‏

خامسا، فشل سياسات المحاور الثنائية وخصوصا بعد التجربة المرة لمحور المغرب ـ ليبيا في مقابل محور الجزائر – تونس ـ موريتانيا، والتي أدت لإضعاف كل الأطراف.‏

وقد استمرت هذه العناصر تحكم مسيرة الاتحاد المغربي إلى غاية اللحظة، مع تغير في العنصر الثالث حيث استبدل عامل التقاطب الدولي شرق ـ غرب بالتقاطب الفرنسي ـ الامريكي، حيث أن الوضعية العامة للاتحاد المغاربي تتغير كلما عرفت هذه العناصر تغيرات وازنة، ولهذا سنجد عند تحليلها كيف أن جمود الاتحاد هو نتاج لتحول هذه العناصر إلى عناصر مضادة وسلبية في مشروع الوحدة المغاربية، وهو ما سنبينه لاحقاً، وذلك بعد بسط حيثيات المشروع المغاربي(2).‏

وعقدت أول قمة للاتحاد المغاربي بعد المؤتمر التأسيسي في تونس بين 21 ـ 23 كانون الثاني يناير 1990، واتخذت عدة إجراءات مهمة بشأن التعاون في مجال الدفاع وتعزيز التعاون مع المجموعات الإقليمية العربية الأخرى والعلاقة مع السوق الأوروبية المشتركة الخ. .كما أصبح التعاون السياسي بين البلدان المغاربية الخمسة ممكنا ً عن طريق اتخاذ مواقف سياسية مشتركة حول مواضيع الساعة فضلاً عن قبول الزعماء المغاربة أن يكون واحد من بينهم يمثلهم على الصعيد الدولي.‏

وجاءت قمة الجزائر التي عقدت في تموز/ يوليو 1990، بعد الفوز المدوي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية، لتسجل بداية التراجع في ديناميكية الوحدة المغاربية. ومما لا شك فيه أن الأنظمة المغاربية تخوفت كثيرا ًُ من مشاهدة الإسلاميين يصلون ديمقراطياً إلى السلطة في الجزائر، باعتبار هذا الوصول في حال تحققه فعلياً سيكون لـه وقع كبير في كل منطقة المغرب العربي، لاسيما تونس، إذ إن حركة النهضة تحتل ما بين 20 ـ 30 % من الناخبين، وتطرح إقامة السلطة الإسلامية البديلة في تونس.‏

وجاءت أزمة الخليج لتبين التنوع الكبير في مواقف الدول المغاربية الخمس المختلفة والمتعارضة أحياناً. ففي القمة العربية التي عقدت بالقاهرة اتخذت الدول المغاربية مواقف مختلفة حول قرار إدانة العراق،موريتانيا تحفظت، المغرب لمصلحة القرار، الجزائر تحفظت، تونس لا تشارك في القمة، ليبيا ضد القرار.‏

في ظل هذا التنوع في المواقف المغاربية حول أزمة الخليج إضافة إلى نجاح الإسلاميين في الانتخابات البلدية في الجزائر، وما أظهرته من هوة عميقة تفصل الشعوب عن الأنظمة، واجه اتحاد المغرب العربي أول أزمة حقيقية.‏

ومنذ الانقلاب العسكري الذي حصل في الجزائر مع بداية كانون الثاني 1992 بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتدخل الجيش لإلغاء الانتخابات التشريعية، وإرغام الرئيس السابق الشاذلي بن جديد على الاستقالة، دخلت الجزائر في مرحلة الصراع المدمر بين النظام والمعارضة الإسلامية الأصولية. وكان لهذا الوضع المأساوي الذي استمر في الجزائر طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي، أثره الكبير في إبطاء وتيرة اجتماعات مجالس الرئاسة لاتحاد المغرب العربي، وهي مصدر القرار الرئيس، وبالتالي في إبطاء مركبة الوحدة المغاربية.‏

وهكذا تعثر القطار المغاربي مع بداية الأزمة الجزائرية، وتفجر أزمة لوكربي بين ليبيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تطورت إلى فرض عقوبات دولية على ليبيا في عام 1992، بسبب انكفاء الأنظمة على أنفسها لحل مشكلاتها الداخلية، بدءاً من موريتانيا الغارقة في همومها السياسية والاقتصادية، مروراً بالجزائر التي تواجه حرباً أهلية طاحنة، وانتهاء بليبيا التي تطاردها أزمة لوكربي، والمغرب الذي ينشغل بأمور منها قضية الصحراء وأثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائر والموقع الذي احتلته في استراتيجية التطويق والمحاصرة لدى كل من البلدين.‏

وكانت ليبيا قد رفضت المشاركة في الاجتماعات الوزارية للاتحاد في العام 1994 بسبب ما اعتبرته تقصيراً في إظهار التضامن معها بوجه العقوبات المسلطة عليها منذ العام 1992، إثر رفضها تسلم الرئاسة للاتحاد من الجزائر عام 1995، قبل رفع الحصار الظالم عنها.‏

لكن الاتحاد تعطل منذ قمة 1994 مع انتقال الرئاسة الدورية إلى الجزائر التي تحتفظ بها، لأن الدول الخمس لم تتمكن منذ ذلك الحين من اللقاء على مستوى القمة، على الرغم من إن كلا ً منها لا يترك مناسبة من دون الإصرار على التمسك بالبناء المغاربي والاستعداد لإطلاق عمل هياكله قوية. صحيح أن مؤسسات تابعة للاتحاد كانت تجتمع بين فترة وأخرى، وحتى على مستوى وزاري، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الاجتماعات كانت أقرب إلى الفولكلور من اللقاءات المثمرة.‏

ثمة إجما ع على أن الجمود في الاتحاد المغاربي يعود أساساً إلى العلاقات الثنائية المتوترة بين دوله، أو تشكيل محاور ثنائية أو ثلاثية يعتبرها مَنْ هو خارجها موجهة ضده. وكان التوتر ينتقل من دولتين إلى دولتين أخريين، والمحاور تتشكل وتختفي بحسب الظروف السياسية، وحاجة هذا الطرف أو ذاك إلى دعم من طرف آخر تتلاقى مصلحتهما آنياً. لكن الثابت في كل هذه الشبكة من التوتر والتحالف، هو الخلاف الجزائري ـ المغربي على حل النزاع في الصحراء الغربية. فالجزائر تعتبر أن مصير المستعمرة الإسبانية السابقة من اختصاص الأمم المتحدة بوصفها "قضية تصفية استعمار"، والمغرب يتمسك بسيادته عليها كجزء لا يتجزأ من وحدته الترابية.‏

إن الانهاك والتعب اللذين أصابا المجتمع الجزائري بسبب من تعمق أزمته الداخلية، وتدهور الوضع الأمني، ألقيا ظلالاً كثيفة على مسيرة الاتحاد المغاربي، لجهة اضطرار الجزائر التي تتولى رئاسة الاتحاد منذ أربع سنوات إلى الانكفاء على ذاتها لمعالجة أزمتها. والجزائر تظل قلب الجسد المغاربي، وأطرافه الأخرى موزعة بين المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، وعندما يكون القلب مريضًا، ينعكس كليًا على باقي الجسم. فأصيب الاتحاد المغاربي بشكل تام وأصبحت هياكله خاوية بلا دماء تتدفق في شرايينها.‏

واليوم، بعد 17 عاماً على ولادة الاتحاد، نجد انعدام التحرك الوحدوي حتى في المجال الاقتصادي. فلا منطقة التبادل الحر تأسست، ولا الوحدة الجمركية، ولا السوق المشتركة. وفي المقابل فإن المبادلات التجارية بين الدول الخمس المغاربية لا تتجاوز نسبة 3 في المئة من مجمل مبادلاتها الخارجية. في حين أن هذه النسبة تصل إلى 70 في المئة مع دول الاتحاد الأوروبي.‏

ولو لم يتبادل قادة الأقطار المغاربية رسائل التهنئة بمناسبة حلول الذكرى 17 لتأسيس الاتحاد العتيد في 17 شباط 1989، لنسي الناس تماماً وجود مثل هذا المشروع المغاربي الذي بقي في مصاف الأماني، وفي مرتبة الأحلام.بقي شاهدان على ذلك اللقاء التاريخي بين زعماء الدول الخمس (المغرب والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا) هما الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وقائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي. الثلاثة الباقون رحلوا. واحد إلى رحمته تعالى (العاهل المغربي الحسن الثاني) والآخر إلى منزله بعد دفعه إلى الاستقالة مطلع العام 1992 (الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد)، والثالث إلى المنفى القطري بعد الاطاحة به في الصيف الماضي (الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد أحمد الطايع).هؤلاء الخمسة كانوا على موعد يوم 17 شباط 1989 في مدينة مراكش المغربية لإعلان ولادة "اتحاد المغرب العربي"، قبل أن يستقلوا معاً سيارة "الكاديلاك" المكشوفة، فيعبرون بها شوارع عاصمة المرابطين، وسط الحفاوة الجماهيرية، مُتجهين إلى مسجد "القتبية" ليؤدوا معاً صلاة يوم الجمعة، على أمل أن تُكلّل البركة الالهية مسعاهم الحميد.‏

يبقى أن مطلب الوحدة المغاربية أصبح اليوم مطلباً أميركياً... وأوروبياً... مُلحاً، للأسباب الأمنية والاقتصادية والسياسية المعروفة، التي يجهر بها يومياً دفق المبعوثين الذين يتوافدون على المنطقة... بلا انقطاع!‏

2 ـ العلاقات المغربية الجزائرية تبلورالإحباطات‏

و على الرغم أن الجزائر والمغرب ينتميان إلى فضاء عربي – إسلامي واحد،هو العالم العربي، والأمة العربية، ولا ينفكان يتغنيان بالروابط المشتركة بينهما :اللغة العربية، والدين الإسلامي(المذهب المالكي)، والتاريخ المشترك منذ الفتح العربي ـ الإسلامي، والجغرافيا الواحدة، والعادات والتقاليد والخصائص النفسية المشتركة،و هي كلها عوامل لا تشجع على التطبيع وحسن الجوار بين البلدين فقط، بل إنها تشكل أساسا ً صلبا ً لأي وحدة اندماجية خالصة، فإنه ومنذ إستقلال الجزائر عام 1962 اتسمت العلاقات بين "البلدين الشقيقين" ـ بالعدائية في معظم مراحلها، وكانت دائما على حافة القطيعة باستثناء المرحلة الواقعة بين 1969 و1974. وقد ترجمت حالة العداء المستمرة هذه بالمواجهة العسكرية في تندوف عام 1963، وهي تضع البلدين منذ عام 1975 على حافة المجابهة حول مسألة الصحراء الغربية. ويعود أساس هذا التناقض بين فعل الإيمان بالوحدة والعدائية في واقع العلاقات إلى النمط السلطوي في شرعنة الحكم السائد في كلا البلدين.‏

بالنسبة للنظام المغربي يشكل استمرار الملكية محوراً استراتيجيا ًتعطى لـه الأولوية. وبالنسبة للجزائر، وأقله حتى غياب هواري بومدين عام 1978، فالثورة مهددة بالفشل إذا كانت ستتوقف عند الحدود المغربية.و ما كثبان الرمل ومساحات الأرض في تندوف عام 1963 أو في الصحراء الغربية منذ 1975 سوى ذرائع للمنافسة بين النظامين اللذين يرى كل منهما في الآخر تهديدا ً لـه. وكان دفاع الملكية عن نفسها إزاء معارضة الأحزاب اليسارية لها في الستينيات تماهيها مع المغرب الأبدي ومصيره. أما الجزائر فقد ادعى نظامها شرعية ثورية أعاق مشروعها التحرري التحالفات التي عقدها المغرب الجار مع مع الدول الغربية(3).‏

ويقول الدكتور عبد الهادي بوطالب وزير الخارجية المغربي السابق عن بدايات العلاقات المغربية – الجزائرية، إنها كانت تبشر بمستقبل مغاير لما شهدناه طيله العقود الماضية :ابتدأت شهور العسل حيث قام الملك الحسن الثاني بزيارة مودة وتكريم وتهنئة إلى حكومة الجزائر الأولى بعد الاستقلال التي كان على رأسها الرئيس أحمد بن بلّه، واصطحب معه وفدا وزاريا كنت أحد أعضائه بوصفي وزيرا ً للإعلام. وعن كثب شاهدت وعشت جو المودة والصفاء الذي ساد الزيارة الملكية، وأضفى عليه الرئيس الجزائري حلة الابتهاج بمقدم الوفد المغربي الذي جاء حاملا لهدايا سلاح متنوع ثقيل وخفيف إلى الجزائر الشقيقة، و23 سيارة مرسيدس مهداة من ملك المغرب إلى وزراء الحكومة الجزائرية البالغ عددهم 23 وزيرا ً.‏

وقد عبر الملك الحسن الثاني للرئيس الجزائري عن تمنياته الشخصية وتهاني المغرب باستقلال الجزائر، وقال عنه إنه امتداد لاستقلال المغرب، ووضع جميع إمكانات المغرب المستقل في خدمة تعزيز استقلال الجزائر، مؤكدا ً على أن الدعم المغربي للجزائر المستقلة سيكون امتدادا ً لدعمه لقضية تحررها من الاستعمار الفرنسي الذي أسهم فيه المغرب بسخاء. ورد عليه الرئيس الجزائري منوها بما قدمه المغرب للجزائر من دعم مادي وسند معنوي لتحقيق تحرر الجزائر من الاستعمار. وقد كانت أغلبية الوزراء الجزائريين قضت في المغرب فترة المنفى، ولقيت دعم المغرب وسنده بلا قيد أو شرط، ما جعل من مدينة وجدة المغربية طيلة سنوات الكفاح الجزائري بالأخص الواجهة الثانية للتحرير.‏

خلال هذه الزيارة قبل الملك الحسن الثاني طلب الرئيس أحمد بن بلّه أن ترجئ الجزائر إعادة التراب المغربي الممتد على حدوده الشرقية مع الجزائر الذي كانت اقتطعته فرنسا من المغرب وضمته إلى التراب الجزائري الواقع تحت احتلالها في نطاق سياستها الاستعمارية التي كانت تعتبر الجزائر جزءاً منها لا يتجزأ، وكانت تطلِق على الجزائر اسم المقاطعات الفرنسية الثلاث. ولم تكن الجزائر تنازع في مغربية هذا الجزء، لكن الرئيس بن بلّه طلب إلى المغرب أن يرجى تسليمه إلى المغرب بعد أن تنهي الجزائر إقامة بنياتها الأساسية. ووافق الملك على هذا الإرجاء المؤقت، إذ كان الأهم هو أن يجدد الرئيس الجزائري لملك المغرب قبوله إعادة الأراضي المغربية المغتصبة من لدن الاستعمار الفرنسي إلى صاحبها (المغرب).‏
[/align]

توقيع هيا الحسيني
 شهيد الأمة العربية
الرئيس الشهيد صدام حسين
هيا الحسيني غير متصل   رد مع اقتباس