عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 10 / 2009, 30 : 08 PM   رقم المشاركة : [8]
هيا الحسيني
كاتب نور أدبي ينشط

 الصورة الرمزية هيا الحسيني
 





هيا الحسيني is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: لبنان

رد: اتحاد المغرب العربي بين الإحياء والتأجيل ـــ توفيق المديني - دراسة تاريخية سياسية

[align=justify]
وجاءت الجولة المغاربية بالتناوب: لمدير مكتب التحقيقات الفيديرالي موللر يومي 6و7 شباط/فيراير 2006 أولاً، ثم لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفليد، ما بين 11و 13 شباط/فبراير 2006 ثانيا ً، لتؤكد أن واشنطن تضع المسائل الأمنية والعسكرية على رأس الأولويات في هذه المرحلة، قبل الملفات السياسية ومن ضمنها الإصلاحات التي كان محور "منتدى المستقبل" الذي استضافت الرباط حلقته الأولى أواخر سنة 2004 في حضور عدد كبير من وزراء الخارجية الغربيين والعرب. غير أن دعوات الإصلاح والتغيير خفت بوضوح في الفترة الماضية في مقابل ارتفاع وتيرة التنسيق الإستخباراتي والعسكري.‏

ويرى المحللون المتابعون للشؤون المغاربية أن محادثات رامسفيلد مع الزعماء المغاربيين وكبار القادة العسكريين، لم تتطرق إلى المشكلة المستعصية في المغرب العربي ألا وهي قضية الصحراء الغربية، بل تركزت على قضايا الأمن الإقليمي وتطوير التعاون العسكري بين المغرب العربي والولايات المتحدة، وكذلك مع الحلف الأطلسي، في إطار ما بات يُعرف ب"الحوار المتوسطي".و الذين يراقبون التحرك الأمريكي نحو الشمال الأفريقي يستحضرون معطيات بالغة الدلالات، منها أنه في وقت لم يكن أحد يفكر في إمكان التدخل الأميركي في العراق أبرم المغرب والولايات المتحدة اتفاقاً عسكرياً يسمح للقوات الأمريكية بالتوقف في القواعد المغربية والتزود بالوقود في حال تعرض منطقة الخليج إلى مخاطر. وأهمية الاتفاق الذي يعكس جانباً من الاستراتيجية الأمريكية البعيدة المدى أنه أبرم في مطلع الثمانينيات.‏

والحال أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين أمريكا والجزائر بقيت متطورة وزادت قيمتها في فترة الحرب الباردة، إلى درجة انقلبت فيها معادلة التحالفات. فالمغرب الحليف التقليدي لواشنطن أقام كذلك علاقات اقتصادية مع الاتحاد السوفياتي سابقاً ضمن ما يعرف بصفقة القرن التي تضمنت توريد الفوسفات المغربي من جهة، والإبقاء على التحالف السياسي مع أمريكا من جهة ثانية، ولم يحدث في ضوء تطورات نزاع الصحراء أن أبدت الولايات المتحدة اهتماماً بتسريع عمله إلا في الآونة الأخيرة، مستفيدة في ذلك من حشد التحالفات وإبرام الاتفاقات.‏

ورغم تداول معلومات حول استبعاد فرضية البحث في نزاع الصحراء خلال جولة رامسفيلد إلى كل من الجزائر والمغرب، فإنه أعلن أخيراً عن تمنيات أمريكية بإفادة المغرب والجزائر معاً من عودة الإستقرار إلى المنطقة، ما يكشف أن لدى الإدارة الأميركية تصورًا حول مضمون التسوية قد تطرحها في الوقت الملائم في حال إخفاق مساعي الأمم المتحدة، ما يعني بحسب أوساط مراقبة أن حل نزاع الصحراء رهن تطورات من نوع آخر تكمن في الربط الأميركي بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر مفهوم سلام الشرق الأوسط والإصلاحات الديموقراطية في العالم العربي(9).‏

إن الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية لم يعد مقتصرا ً على الملف الأمني، وإنما أصبح يشمل أيضا ً الملف العسكري مثلما تجسده التقارير التي تصنف منطقة الصحراء على أنها "بؤرة رئيسية للجماعات الإرهابية في أفريقيا"، لاسيما بعدما صار المغرب العربي أحد المعابر الرئيسة لعناصر تلك الجماعات نحو أوروبا تحت ستار الهجرة السرية.‏

وكانت صحيفة "النيويورك تايمس" أوردت في عددها الصادر السبت 5/6/2003،أن الجيش الاميركي يريد تعزيز وجوده في إفريقيا التي يرى أنها تشكل ملاجئ محتملة لمجموعات إرهابية. وذكرت أن وزارة الدفاع "البنتاغون" تسعى لتوسيع نطاق الوجود العسكري فى الدول العربية الواقعة فى منطقتي شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى عبر تعزيز علاقاتها مع حلفاء كالمغرب وتونس والوصول على المدى الطويل إلى قواعد في مالي والجزائر وإبرام اتفاقات مع السنغال وأوغندا لتزويد الطائرات العسكرية الأميركية وقوداً.‏

وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز قال الجنرال جيمس جونز رئيس القيادة الأوروبية في هيئة الأركان الأميركية المكلف قسما كبيرا من القارة الأفريقية "إن إفريقيا تشكل ـ كما تظهر ذلك الأحداث الأخيرة ـ مشكلة ملحة". وأضاف "لخوض الحرب على الإرهاب، يجب علينا أن نتوجه إلى حيث يوجد الإرهابيون. ولدينا أدلة تمهيدية على الأقل، تظهر أن مناطق خارجة عن أي مراقبة وسيطرة حكومية (في إفريقيا)، قد تتحول إلى ملاجئ محتملة للقيام بهذا النوع من النشاطات".‏

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن البنتاغون لا يسعى للحصول على قواعد دائمة في إفريقيا ولكنه يريد أن تتمكن قواته من زيادة تنقلاتها بين أوروبا وإفريقيا. ويشار إلى أن الولايات المتحدة شكلت قوة مؤلفة من 1300 عسكري في القرن الأفريقي ومركز قيادتها في جيبوتي مهمتهم ملاحقة وأسر من أسموهم الإرهابيين وقتلهم إذا ما اقتضى الأمر.‏

وجاءت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 لتؤكد تنشيط موقع إفريقيا في منظومة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.ولعل أبرز الملامح التي انعكست على القارة من هذه الأحداث هي :‏

1 ـ تأكيد المصادر الأمريكية أن غالبية الانتحاريين الذين يقودون سيارات ملغومة في العراق يتحدرون من الخليج، بيد أن هناك 20 في المئة يأتون من الجزائر ونحو خمسة في المئة من المغرب وتونس معاً. وإذا كانت ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي الموضوع الرئيس الذي يؤرق الأوروبيين، فإن ما يؤرق الأميركيين هو التقارير التي أظهرت أن واحداً من كل أربعة "استشهاديين" في العراق أتى متطوعا ً من المغرب العربي لقتالهم.. واستجابة للطلبات الأميركية الملحة اتخذت الحكومات المغاربية كل التدابير الممكنة لسدِ منافذِ السفر للعراق وسن بعضها قوانين جديدة صنفت نية التطوع للقتال إلى جانب المقاومة العراقية في خانة الأعمال الإرهابية.‏

واعتقلت أجهزة الأمن التونسية والجزائرية والمغربية في السنتين الأخيرتين عشرات الشباب الذين قيل إنهم كانوا يعتزمون السفر للعراق للمشاركة في عمليات ضد القوات الأميركية وأحالتهم على القضاء. وسلّم الأمن الجزائري العام الماضي مجموعة من المتطوعين التونسيين اعتقلوا بعد مغادرة بلدهم في اتجاه العراق وأُحِيلُوا على المحاكم.‏

وتضيف هذه المصادر الأمريكية أن "الاتصالات بين شبكات إرهابية من شمال أفريقيا وأخرى من الشرق الأوسط زادت في الفترة الأخيرة" من دون إعطاء تفاصيل. وأفادت أن أجهزة الاستخبارات الجزائرية والمغربية والليبية كثفت من ملاحقاتها للشبكات المحلية والخارجية اعتقادًا منها أن الذين انتقلوا إلى العراق سيعودون يوماً لتنفيذ عمليات في بلدانهم. وأفاد ت أن الجماعات المغاربية خصصت نحو 200 ألف دولار لتأمين نقل "المتطوعين" إلى العراق عبر أوروبا وسورية، لكنه أشار إلى وجود طرق أخرى عبر تركيا وإيران حيث يقطع المتسللون المناطق الحدودية التي لا تخضع للرقابة للدخول إلى العراق.‏

ويعزو المحللون لشؤرون المغرب العربي تزايد اهتمام واشنطن بمنطقة الشمال الإفريقي وامتداداتها الجنوبية في جانب منه إلى تنامي المخاوف من نقل تنظيم "القاعدة" نشاطاته إلى المنطقة بسبب الانفلات الأمني وغياب سيطرة الدول على حدودها، والإقرار بوجود قواعد للتدريب، واستقطاب المناصرين المعادين للغرب، ما يعني في رأي أكثر من مراقب أن أخطار تنامي الظاهرة الإرهابية لم يعد موجهاً ضد أنظمة المنطقة، كما في حال تداعيات الصراع على السلطة في الجزائر أو الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء المغربية أو تعرض ثكنة عسكرية موريتانية إلى هجمات سرقة وتهريب الأسلحة، وإنما أصبح يهدد المصالح الأميركية، لا سيما في ضوء إفادات معتقلين يتحدرون من أصول مغربية لهم ارتباطات بشبكات مغاربية وأوروبية أنهم كانوا يعتزمون تشكيل تنظيم مغاربي لـ"القاعدة" على غرار تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين". وزاد في القلق الأميركي أن أعداداً كبيرة من انتحاريي المقاومة في العراق يتحدرون من أصول مغاربية، فيما تحدثت مصادر أمنية في الرباط عن تفكيك خلية أطلق عليها اسم "الساحل والصحراء" في إشارة إلى المناطق العازلة بين حدود دول الشمال الأفريقي وامتداداتها الجنوبية، وهي شريط صحراوي تزدهر فيه تجارة تهريب الأسلحة والسجائر والبضائع والهجرة غير الشرعية ما دفع إلى الاعتقاد بضرورة قيام تنسيق أمني بين الدول المعنية، خصوصاً بين المغرب والجزائر وموريتانيا، يتجاوز الخلافات ذات العلاقة بنزاع الصحراء(10).‏

2 ـ مسارعة الأمريكيين لرد الفعل على هذه المعلومات الاستخباراتية بتكثيف مساعداتهم العسكرية لبلدان المغرب العربي خصوصاً، من خلال تعزيز عمليات التدريب والتسليح لإعانة القوات المحلية على ملاحقة الجماعات المتشددة إسوة بـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية التي يُعتقد أن لديها علاقات مع تنظيم "القاعدة"، والتي وضعتها أمريكا على لائحة المنظمات الإرهابية. ويتوقع أن يرتفع حجم المساعدات الأمريكية للجيوش المحلية إلى مستوى لم يبلغه منذ عقود، وهو يرمي للحؤول دون إقامة قواعد للجماعات المسلحة في الصحارى والغابات والمناطق الحدودية التي لا تراقبها جيوش نظامية.‏

وكان الظهور الشبه الرسمي للأمريكيين في المنطقة في شهر مارس2004، في عملية عسكرية قادتها أربع دول من دول الساحل وهي (مالي، تشاد، النيجر، والجزائر) ضد ما يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي كان يتزعمها المدعو "عماري صايفي" المعروف باسم: عبد الرزاق البارا (الصورة) الذي حيكت حوله العديد من القصص الغريبة.. ربما لأن عبد الرزاق البارا نفسه كان الذراع الأيمن للجنرال الجزائري"خالد نزار"، من أم فرنسية وأب جزائري، كان على وشك الارتباط بابنة الجنرال قبل أن يحدث ما سمي فيما بعد بالانشقاق الذي جعل " عبد الرزاق البارا" يقرر الهرب إلى الجبال وتشكيل تنظيما مسلحا ضد النظام الجزائري. ولعل العلاقة القريبة جدا التي كانت تجمع "عبد الرزاق البارا" بالجنرال "خالد نزار" هي التي أثارت الكثير من الشكوك فيما يخص الحقيقة الأخرى لتلك الشخصية التي ذهب البعض إلى القول أنها " مخابراتية مدسوسة" داخل التيارات الجهادية سواء في الجزائر أو في دول أخرى كانت لها علاقات "تنظيمية" مع تنظيم القاعدة، كما جاء في التقريرالأسبوعي عن صحيفة الخبر الجزائرية بتاريخ 10 أكتوبر2004. قيل وقتها أن الدور الأمريكي للقبض على زعيم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال كان كبيرا، وأن وحدة أمريكية خاصة شاركت مع الجيش الجزائري لمحاصرته في منطقة تشادية كانت موجودة تحت سيطرة متمردي الحركة التشادية للديمقراطية والعدالة، وهي الحركة التي مولتها جهات أمريكية منها ما يعرف بالمؤسسة الوطنية لأجل الديمقراطية(11) (
NED)، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID
) التي لهما أذرع كثيرة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية السي. آي. إ يه(12).‏‏‏‏

3 ـ قيام قوات أميركية متمركزة في أوروبا طيلة أسبوعين من العام الماضي(2005) بمناورات للتدريب على مكافحة الجماعات الإرهابية مع قوات من الجزائر وموريتانيا وتشاد ومالي والسنغال ونيجيريا والنيجر وتونس والمغرب. وتوزعت أربع فرق أميركية قوامها ألف جندي على كل من تشاد والنيجر ومالي والجزائر وموريتانيا حيث نفذت تدريبات مشتركة مع ثلاثة آلاف جندي إفريقي. وأدرجت المناورات في إطار "المبادرة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب" التي كانت مقررة منذ أشهر، إلا أن الغارة التي نفذتها "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية مطلع شهر أيار/مايو 2005على قاعدة عسكرية شمال موريتانيا حملت على التعجيل بإجراء المناورات التي أشرف عليها الجنرال هولي سيلكمان قائد القوات الأميركية في أوروبا. وكان الكونغرس وافق على الترفيع من حجم الاعتمادات المخصصة للبلدان التسعة في إطار تلك "المبادرة" من 6 ملايين دولار إلى 100 مليون دولار في السنة على مدى خمسة أعوام اعتبارًا من السنة ألفين وسبعة.‏

ويدرس حلف شمال الأطلسي حاليا إمكان إقامة قواعد مراكز للتدريبات العسكرية في منطقة المغرب العربي، لتدريب قوات الحلف. وقد تم اقتراح اسم الجزائر كدولة محورية في الإستراتيجية الأميركية وفي المنطقة ككل لاحتضان هذا المشروع، إضافة إلى امتلاكها شريطا ساحليا طويلا يمتد على مسافة 1200 كلم. وكان المغرب يسعى هو الأخر لاستضافة هذا المركز، غير أن الإدارة الأمريكية تميل أكثر إلى الجزائر، لاسيما بعد التحاقها بعملية "اوبيريشن اكتيف اندرفور" التي تهدف إلى تأمين منطقة البحر المتوسط وتأمين الملاحة الجوية وإحباط العمليات الإرهابية.‏

4 ـ شروع الجيش الاميركي أخيرا في تدريب قوات تسع دول من الساحل الإفريقي بينها الجزائر، حسب ما أفادت صحيفة "واشنطن بوست" منذ فترة للتصدي لما وصفته بـ"غزو القاعدة والشبكات الإرهابية للدول الإسلامية والفقيرة في القارة الإفريقية بتمويل 500 مليون دولار على مدار سبع سنين".وتعتبر هذه الخطوة في نظر الإدارة الاميركية إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تعامل الولايات المتحدة مع الحرب العالمية ضد الإرهاب.ويرى المتتبعون أن هدف الإدارة الاميركية من هذه الخطة هو توريط الجزائر والدول الإفريقية في الحرب ضد الجماعات الإرهابية.ويعتزم البنتاغون تدريب ألاف القوات الإفريقية في كتائب مجهزة لعمليات الحدود والصحراء الممتدة، كما ينوي ربط جيوش دول الساحل بالبرنامج عن طريق اتصالات جرى تأمينها على درجة عالية من الدقة، وبعيدة من أي اختراق عبر الأقمار الاصطناعية. ويشمل البرنامج تدريب قوات كل من الجزائر وتشاد ومالي والنيجر وموريتانيا والسينغال ونيجيريا والمغرب وتونس، على أمل أن يمتد البرنامج ليشمل ليبيا في حصول مزيد من التطبيع في العلاقات بين طرابلس وواشنطن. ونقلت الصحيفة عن مصادر من وزارة الدفاع الأميركية أن البنتاغون سيعين مزيدا من العسكريين في سفارات الولايات المتحدة في الدول المذكورة آنفا، من أجل تعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتعاون في المجال الاستخباري، إضافة إلى إبرام العديد من الاتفاقات بين واشنطن ودول الساحل المعنية بالبرنامج الأمني الجديد، بما يسمح وصول اكبر حماية شرعية للقوات الاميركية.‏

5 ـ بتاريخ 23 و24 آذار/مارس2004، شاركت ـ لأول مرة وبشكل سري(13) ـ قيادات من القوات المسلحة لعدد من الدول الإفريقية هي "مالي، تشاد، موريتانيا، المغرب، النيجر، السنغال، الجزائر، تونس" في اجتماع عسكري داخل مقر القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي (
US ـ Eucom) في مدينة شتوتغارت الألمانية. كانت تلك القمة أمراً غير مسبوق، باعتبار أن أعمالها ظلت سرية ومحاطة بالمصطلحات عينها الجاهزة مثل " التعاون العسكري في إطار الحرب الشاملة على الإرهاب". كانت النظرة الأهم في هذا النوع من "اجتماع الثمانية" قد صاغتها الولايات الأمريكية قبل ثمانية أعوام ماضية في منطقة الساحل الجنوبي التي تعتبر جغرافيا وأمنيا أنها الحد الأخطر بين المغرب العربي وأفريقيا السوداء، وبين المناطق البترولية للشمال وتلك المترامية في خليج غينيا.‏

كان أهم مطلب أمريكي من الدول الإفريقية المعنية هو صياغة مفهوما جديا لماهية الإرهاب، إذ صاغته الإدارة الأمريكية على شكل "إرهاب إسلامي". والحال هذه،صارت الأنظمة كلها تحت نفس الخط الأحمر إزاء ما يمكن للإدارة العسكرية الأمريكية أن تقدمه لها: أي المساعدات اللوجستيكية والدعم السياسي الذي يعني صرف النظر عن كل الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن لتلك الأنظمة الإفريقية المعنية أن ترتكبها ضد شعوبها، لأن الغاية تبرر الوسيلة للأمريكيين، أي استغلال المخاوف الأمنية الإفريقية لزرع مزيد من الرعب الذي على أساسه يمكنها أن تتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، لاسيما الدول العربية والإفريقية ذات الأكثرية الإسلامية. وهو الهدف الذي لم يكن بريئا نظرًا لارتباطه بالموارد الطبيعية التي تزخر بها العديد من الدول الإفريقية، كالنفط للجزائر وغينيا ونيجيريا، واليورانيوم الذي اكتشف في عدد من الدول مثل النيجر.‏

وكان تقرير صادر عن المركز الأمريكي للأبحاث الإستراتيجية بواشنطن بتاريخ 13 ايار/مايو 2004، ذكر أن صوراً ملتقطةً عبر الأقمار الصناعية كشفت عن احتمال كبير (70%) عن وجود النفط في منطقة دارفور السودانية، وقد أشارت دراسة سابقة عن نفس المعهد الاستراتيجي الأمريكي سنة 1979 عن وجود النفط في صحراء غينيا. وهو الشيء الذي تأكد فعليا فيما بعد أن انفجرت العديد من النزاعات في القرن الغربي الإفريقي، امتدت إلى القرن الشرقي، والتي تمثلت في حروب ونزاعات داخلية تدخل في إطار الحروب الأهلية..‏‏‏‏

6 ـ اعتبار التوجه الإفريقي الجديد للولايات المتحدة في رأي قيادة البنتاغون مسألة حيوية جدا ً، من أجل وقف تسلل الجماعات الإرهابية التي تسعى، حسبها، إلى ضرب العديد من الحكومات في العالم.ويرى محللون أن الإستراتيجية الأمنية الجديدة من خلال انتشارها في دول الساحل الإفريقي وبرنامجها الأمني دليل قاطع على أن الإدارة الأميركية تعاني متاعب جمة في العراق، وبالتالي لا تريد أن يتكرر السيناريو العراقي في مناطق أخرى من العالم في إطار حربها الدولية ضد البعبع الإرهابي، وهو ما يؤكده لجوؤها إلى تبني برنامج تدريبي لجيوش دول الساحل الإفريقي، وبالتالي تهربها من المواجهة المباشرة وترك هذه الدول تتحمل مسؤولية ذلك بعد إعدادها الإعداد الجيد لذلك.‏

وحسب المراقبين فإن احتفاظ البنتاغون بمهمة الإشراف التقني واللوجيستي للعمليات ضد الإرهاب في دول الساحل الإفريقي والمغرب العربي يعني أن إدارة بوش عازمة على مواصلة الحرب على الإرهاب ولكن بالنيابة، من خلال استعمال جيوش غيرها، بسبب ما تتكبده يوميا من خسائر في العراق وأفغانستان.‏

وهناك بعد آخر يتعلق بزيارة دونالد رامسفيلد للبلدان المغاربية، يتعلق بالحصول على مساهمة مغاربية تخفّف مأزق الولايات المتحدة في العراق، عبر استبدال جزء من القوات الأمريكية المقرر سحبها من العراق، بقوات عربية وأخرى مغاربية. ويظهر، للوهلة الأولى، أنّ مسعى رامسفيلد سيشكل إحراجًا للدول المغاربية التي تعرف تأييدًا شعبياً للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، ولم تنجح عملية اغتيال دبلوماسيين جزائريين واختطاف عاملين في السفارة المغربية في بغداد، في تحجيم هذا التأييد، كما امتنعت هذه الدول رغم الضغوط الأمريكية، عن إرسال سفراء لها إلى العراق، وفضّلت حكوماتها النأي عن إقامة علاقات حميمية مع ما ظهر خلال الاحتلال من هيئات وحكومات، علما أنّها ارتبطت جميعها بعلاقات وثيقة مع عراق صدام حسين.‏

7 ـ إذا كان التقارب الجزائري الأمريكي يصنع مباهج الأمريكيين الطامحين للإستحواذ على أخطر المناطق الإستراتيجية في الساحل الإفريقي، فإنه يصنع تعاسة الفرنسيين المستاءين جدًا منذ عدة أشهر. زيارة رامسفيلد إلى عدد من الدول المغاربية أججت ثورة الفرنسيين، بحيث أن الصحف الفرنسية الرسمية الكبيرة لم تخف استياءها من الشراكة المغاربية الأمريكية التي لن تكون إلا على حساب فرنسا " التي ستدفع ثمن موقفها من الحرب على العراق من جديد!" كما قالت صحيفة "لاديبيش دو ميدي"(14) في عددها الصادر الاثنين 13 شباط/ فبراير2006.وهو الثمن الذي هددت به شخصيات أمريكية بتغريمه لفرنسا بعد عبارة" أوروبا القديمة" التي قالها رامسفيلد للتقليل من دور الفرنسيين في الاستراتيجيات القادمة!‏‏‏‏

التحركات الفرنسية كانت سريعة بزيارة وفد فرنسي للجزائر في نهاية شهرشبط/ فبراير الماضي، وهي الزيارة التي أريد لها أن تدخل في إطار "الشراكة" الاقتصادية بالرغم من الموقف الحاد الذي تبديه وسائل الإعلام الفرانكفونية الجزائرية من "الغزل" الرسمي الجزائري الأمريكي. فرنسا التي تعتمد على اللوبي الفرنسي في الجزائر، تشعر بالتهديد الأمريكي المباشر، ربما لأن السياسة الفرنسية نفسها لم تعد تثير "شغف" الجزائريين، بعد أن سقطت العديد من النقاط الفرنسية على المستوى الشعبي جراء التعاطي الإعلامي الفرنسي " المتعصب" من انتفاضة الضواحي في باريس والتي استعمل فيها وزير الداخلية الفرنسي " نيكولا ساركوزي" عبارة " الأوباش" للحديث عن المهاجرين الأفارقة والمغاربة.‏

سبر الآراء التي قامت به صحيفة "صوت الأحرار"(15) الجزائرية جاء فيه أن أكثر من 55% من القراء يفضلون أمريكا عن فرنسا، وهو ما نقلته أكثر من صحيفة فرنسية باستياء ظاهر.. " الأمريكيون يسعون إلى معاقبتنا بقسوة على عدم مشاركتنا في الحرب على العراق. إنهم يحاولون بكل الطرق زعزعة المناطق ذات التأثير الاستراتيجي. يقول برنارد منيار في كتابه "فرنسا والتغيير الاستراتيجي"، والحال أن الجزائر تبدو أكثر ميلا للأمريكيين لأن واشنطن أقل صرامة فيما يخص بيع الأسلحة، باعتبار أن فرنسا ظلت تمارس على الجزائريين حظرًا حقيقيًا فيما يخص أنواع محددة من طائرات "الميراج" و"الفونتوم" الفرنسية الحديثة، وهو الشيء الذي انتبه الأمريكيون إليه حين فتحوا جزئيا مغارة "علي بابا" العسكرية للجزائريين الذين حظوا هذا العام على أكبر صفقة أسلحة أمريكية في تاريخ العلاقات بين البلدين.‏

ربما كان مضحكًا أن يراهن دونالد رامسفيلد في أبريل من عام2004 على الدور الأحق للولايات الأمريكية في القارة الإفريقية وفي الشمال الإفريقي بالخصوص. كانت عبارته موجهة في الحقيقة إلى نظيره الفرنسي الذي اتهمه بالهيمنة. والحال أن رد رامسفيلد لم يكن سقطة أمريكية في التعبير، بل كان إستراتيجية أخرى بدأ التحضير لها قبل غزو العراق. وإن كانت الولايات الأمريكية نجحت في "نتف" ريش الفرنسيين بعد الحرب على العراق، فإنها أيضا نجحت في إجبار الفرنسيين على التراجع عن العديد من المواقف، إلى درجة أن الضغوطات الفرنسية على سورية مثلا وعلى إيران صارت ملفتة للانتباه، وهو يعكس تماما أن فرنسا تكاد تكون مطيعة "لبيت الطاعة الأمريكية" كما جاء في افتتاحية الواشنطن بوست بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر2005.‏

وكانت عبارة "ديك تشيني" ( في الواشنطن بوست أيضا) أن أمريكا ستدخل إلى إفريقيا من أوسع الأبواب، بمنزلة الحرب الباردة بين واشنطن وباريس على منطقة ظلت رهينة مزاجات سياسة الكبار، باعتبار أن فرنسا التي تحتكر المغرب العربي على أكثر من جانب، أهمها الجانب اللغوي والثقافي، تستشعر خطر التقارب المغاربي الأمريكي الذي يبدو بدوره أشبه بالانتقام الذي على أساسه تسعى كل دولة من الدول المغاربية إلى ممارسته بشكل ما بتقاربها مع واشنطن، بعد أن "أفلست" باريس سياسياً وأيديولوجياً. لكن الأخطر أن الساسة يلعبون بمستقبل شعوبهم، وأن الأحضان الأمريكية أو الفرنسية ستكون كارثة استعمارية جديدة اسمها" الاحتلال الأبيض" !‏‏‏‏

(1) كمال عبد اللطيف ـ اتحاد المغرب العربي... الإصلاح السياسي أولاً، صحيفة الشرق الأوسط تاريخ 19 آب 2004.‏

(2) مصطفى الخلفي ـ الأزمة بين التوترات الثنائية والدور الخارجي ـ المصدر: موقع العصر بتاريخ 20 ديسمبر 2003.‏

(3) الهواري عدِي ـ عود على بدء بين الجزائر والمغرب:الأخوة المستحيلة ـ لوموند ديبلوماتيك، النسخة العربية الصادرة عن جريدة النهار اللبنانية، كانون الأول /ديسمبر 1999.‏

(4) عبد الهادي بوطالب ـ الاتحاد المغاربي يدخل مرحلة الموت السريري.
www.abdelhadiboutaleb.com.‏

(5) محمد الأشهب الخلاف المغربي الجزائري حول الصحراء الغربية: تصعيد المواجهة. .. والعودة الى نقطة الصفر – صحيفة الحياة ـ 7/10/2004.‏

(6) جورج الراسي ـ الجراد وحده يوحِّد المغرب العربي ـ صحيفة المستقبل اللبنانية ـ الأربعاء 15 كانون الأول 2004 ـ العدد 1779 ـ رأي وفكر ـ صفحة 17‏

(7) جورج الراسي ـ اتحاد الإرهاب في المغرب العربي ـ صحيفة المستقبل اللبنانية ـ الاربعاء 29 حزيران 2005 ـ العدد 1962 ـ رأي وفكر ـ صفحة 21 –‏

(8) جريدة اللوموند ديبلوماتيك، أنظر إلى الرابط التالي:‏‏‏
ww.monde ـ dipmomatique.fr‏‏‏‏

(9) محمد الأشهب ـ الخوف من «القاعدة» في شمال افريقيا يوسّع الاختراق الأميركي في منطقة النفوذ الفرنسي ـ مقال منشور في صحيفة الحياة، بتاريخ 5 مارس 2006.‏

(10) المرجع السابق.‏

(11) إدجار كونزاليس رويز(الكاتب المكسيكي، مقال: الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (
USAID) والشبكات الإرهابية.أنظر إلى موقعwww.syti.net‏‏‏‏

(12) حوار جريدة الخبر مع السفيرة الأمريكية في الجزائر منشور على موقع الصحيفة عبر الانترنت‏‏‏.‏

(13) ياسمينة صالح ـ واشنطن والصحراء الجزائرية: قاعدة أمريكية لمراقبة إفريقيا؟ انظر موقع الانتقادنت
www.intiqad.netبتاريخ 6آذار/مارس2006.‏

(14) أنظر لصحيفة" لاديبيش دو ميدي" على الرابط التالي:
www.ladépechedemidi.com
‏‏‏‏

(15) سبر الآراء الذي أجرته كل من جريدة "صوت الأحرار" و"المجاهد الأسبوعي" الجزائريتين بتاريخ 6 حزيران/يوليو 2005، جاء فيه أن أكثر من 50% من القراء يفضلون أمريكا عن فرنسا !‏‏‏‏


[/align]
توقيع هيا الحسيني
 شهيد الأمة العربية
الرئيس الشهيد صدام حسين
هيا الحسيني غير متصل   رد مع اقتباس