عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 10 / 2009, 35 : 10 AM   رقم المشاركة : [10]
هيا الحسيني
كاتب نور أدبي ينشط

 الصورة الرمزية هيا الحسيني
 





هيا الحسيني is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: لبنان

رد: اتحاد المغرب العربي بين الإحياء والتأجيل ـــ توفيق المديني - دراسة تاريخية سياسية

[align=justify]

توطئة: جدلية صراع الجغرافياوالتاريخ
القسم الأول الموانع السياسية تقف حائلا ً أمام الاندماج المغاربي: ـ الفصل الأول الاتحاد المغاربي مسيرة متواصلة من التعثر الفاضح
1 ـــالاتحاد المغاربي مشلول بعد 17 سنة على تأسيسه‏
لاأحد يشك من الذين تعاطوا ولو بقليل من الجدية والموضوعية مع فكرة إنشاء اتحاد دولالمغرب العربي في أن هذه الفكرة والحلم يمران اليوم بأزمة ليست كسابقاتها المتكررةفي عهد لم يتعد عقدا أو أكثر من نصف عقد من الزمن، وأخطر ما في هذه الأزمة أنهاتتعدى في حجم استعصائها على المعالجة حدود أزمات الإقليم العصية على الاختراق إلىأخرى تجوب انتماءه القومي الأرحب والقاري والعالمي، وتتحكم بموجبها بعض الدول "الكبرى" في مصير الدول والشعوب العاجزة عن خلق نظامها الإقليمي الطبيعي الذي يعتبرلها ضرورة تاريخية كما هو حال الوحدة بين أقطار دول المغرب العربي.‏
إذيؤكد التاريخ للباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة أن هذا الإقليم ظل طيلة مراحلتاريخية يكوّن وحدة اقتصادية وجغرافية وثقافية واحدة، وإن لم تنف هذه الحقيقةبالطبع واقع أن شمال إفريقيا، كما هو الوضع في العديد من أقاليم العالم الموحدةاليوم، قد عرف خلال مراحل متقطعة من تاريخه وجود دول أو عدة دول على أراضيهالشاسعة، لكن تلك الدول لم تكن تشكل في حد ذاتها وحدة اقتصادية أو ثقافية مستقلة،كما أن وجودها بقي ثانويا مقارنة مع وجود الدول الموحدة، كما يشهد تاريخ المنطقةالذي ظلت فيه الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية والجغرافية هي القاعدة الأصل.‏
وفيالعصر الحديث استطاعت الدول الوطنية التي ظهرت داخل الإقليم أن تواجه خطر القضاءعلى الهوية الذي مورس ضدها بلا هوادة من طرف الجهة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط،لا سيما فرنسا، لكن تلك الدول لم تتمكن من استيعاب آليات تستعيد بها وحدتهاالتاريخية، بل دخلت أحيانا آليات عديدة في لعبة الصراعات الحدودية، واقتسام النفوذوالسيادة على المناطق التي لم يشأ الاستعمار حسم أمرها النهائي بين دول جديدة اقتطعخريطتها بعناية لمقاصد سيئة لا تخفى على المراقب.‏
منأخطر تلك الأمور ما فجر أزمة الحدود بين الجزائر والمغرب، وما عرف بأزمة إقليمالساقية الحمراء ووادي الذهب الذي أدخل الجزائر في مواجهة مزدوجة مع المغربوموريتانيا سنة 1975، وما زال أهم العقبات أمام محاولات الأنظمة المغاربية في أنتحتذي بالنماذج التوحيدية في ضفة البحر الأبيض الشمالية، محاولات لم تتعرض لهذهالإعاقة الوحيدة وإنما تعرضت لعجز الأنظمة السياسية في بلدان المغرب العربي عنتحديث ممارساتها السياسية في الحكم، وفرز نخب تعبر عن إرادة شعوبها الحقيقية، لأنذلك الأمر كفيل وحده بتعزيز مسار الوحدة المغاربية بحكم أنها مطلب شعبي تعززهالحاجة الاستراتيجية في خلق كيان يواجه به تهديد الاتحادات القائمة والمنتظرة فيالمنطقة والعالم.‏
لمتنجح المجموعة المغاربية في تحويل مشروع المغرب العربي الكبير إلى فعل تاريخي قادرعلى تعزيز مقومات التنمية في الأقطار المغاربية، بل إنها لم تنجح في تركيب برامجمشتركة في العمل قادرة على تحويل بنود ميثاق الاتحاد إلى معطيات ومواد قابلةللانغراس في تربة الواقع، وقادرة في الآن نفسه على تحويل المشروع إلى تاريخ.ورغمالمعطيات الجغرافية والتاريخية والثقافية العامة التي صنعت مشروع الاتحاد وحلمه،فإن ضغوط الواقع في أبعاده المختلفة قد كرست واقع الحال القائم بين أقطار المغربالعربي.‏
يفترضالمراقب من الخارج أن دول المغرب العربي مهيأة أكثر من غيرها لرسم معالم تعاون عربيإقليمي فاعل في محيطه المجتمعي ومطور لآليات في التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي،وذلك بحكم الطابع الواقعي والبراغماتي الذي وسم أغلب سياسات أقطاره. ولعله يفترضأيضا ً أن غياب الوعي القومي الشمولي عن نخبه السياسية، كما هو الحال عليه فيالمشرق العربي عموماً، قد يساعد في بلورة أهداف واضحة ومتدرجة، وهو ما يمنحهاإمكانية التحقق الفعلي في مستوى الممارسة والإنجاز.. إلا أن ما حصل منذ إعلان ميثاقالاتحاد لا يدعم مثل هذا الرأي، ولعله يكشف بكثير من القوة، وجود خلل ما في الإرادةالسياسية يقف بمنزلة حجر عثرة أمام الطموح المجتمعي المغاربي في بناء قوة عربيةإقليمية في شمال غرب إفريقيا، قوة قادرة على ركوب درب التنمية بإيقاع أسرع، وقادرةفي الوقت نفسه على إعداد محاور للاتحاد الاوروبي الذي يزداد قوة، ويتجه لتعزيزمسيرته التاريخية في بناء القارة الأوروبية.(1).‏
منالواضح أن الإحساس بالأزمة البنيوية العميقة وانغلاق سبل الخروج منها، هو الذي دفعالأنظمة المأزومة إلى محاولة البحث عن مخرج جماعي بإحياء وحدة المغرب العربي بهدفالتخفيف من المخاطر الداهمة، علماً أن اتحاد المغرب العربي قام على أساس قطريواندمج في إطار تشكيل وحدة إقليمية على غرار الوحدات الإقليمية العربية، وحدة أنظمةقطرية مسيطر عليها من قبل الإمبريالية الأميركية، ولها وظيفة في هذه الاستراتيجيةالأميركية في العالم العربي، والبحر الأبيض المتوسط، لدعم ركائز هذه الأنظمةالقطرية، ومنع الحركات الإسلامية الأصولية المغاربية من أن تحقق أهدافها، وخلق نوعجديد من التوازنات يساند فيه النظام القوي النظام الضعيف، ويمنع الأقطار الأكبر مناحتواء الأقطار الأصغر.‏
اتحادالمغرب العربي ( ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا ) الذي تم إنشا ؤه فيمدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 شباط/فبراير 1989، يجابه تحديات داخلية وخارجيةيلخصها الشلل الكامل لمؤسساته، والتأجيل المستمر لاجتماع مجلس الرئاسة الذي كانمفترضاً أن يعقد في الجزائر‏
عام 1995. ويضم هذا الاتحاد المغاربي حوالي/80/ مليون نسمة من العرب، ويشمل المنطقة منحدود ليبيا مع مصر إلى نهر السنغال، وتصل مساحتها إلى نحو 5.380591 كيلو مترا ًمربعا ً، وفي هذا الاتحاد دولتان مهمتان من حيث الموقع وعدد السكان هما المغربوالجزائر.‏
لا شكفي أن وحدة المغرب العربي كمشروع بناء إقليمي قديم متجذر في ضمير شعوب المنطقة، غيرأنه يمكن تصنيف المعوقات الكبرى التي اصطدم بها مشروع بناء وحدة المغرب العربي إلىثلاث: مرحلة إزالة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية الحديثة: فبعد عامين من استقلالتونس والمغرب عام 1956، وتجذر الثورة الجزائرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي عقدتفي مدينة طنجة أول قمة مغاربية ضمت قادة أحزاب الاستقلال المغربي والدستور التونسي،وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، لا الحكومات بحكم أن الجزائر لم تنل استقلالهابعد.‏
وبعداستقلال الجزائر عام 1962 كان بناء المشروع المغاربي في قلب المفاوضات بين البلدانالثلاثة، حيث تم توقيع اتفاقيات الرباط في عام 1963، التي نصت على تحقيق التطابق فيسياسة البلدان الثلاثة تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية،وسياسة التبادل التجاري.‏
غيرأن كل هذه الاتفاقات لم تتجسد مادياً على الأرض، ولم يتجاوز بناء المغرب العربيإطار المشروع النظري بسبب الصراع التنافسي الذي دب بين حكوماته المختلفة علىزعامته، واستمرار النزاعات الحدودية الموروثة من الحقبة الكولونيالبة بين مختلفالبلدان المغاربية (نذكر في هذا الصدد النزاع المسلح بين المغرب والجزائر في تشرينالأول/أكتوبر 1963 )، وهو ما عكس لنا بروز المظاهر والنعرات الإقليمية التي أصبحتسائدة في عقول وممارسات النخب الحاكمة، والتي قضت على أي تفكير جدي في بناء المغربالعربي الكبير، على نقيض الاعتقاد الذي كان سائداً، والذي كان يعتبر أن استقلالالجزائر سوف يساعد على تحقيقه.‏
ومغزىآخر هو أن الدول المغاربية أغلقت أبوابها على نفسها، ووضعت حدودا ً لها بحواجزإدارات الهجرة والجمارك، وبثقافة جديدة تخلع كل قطر من هويته المغاربية والاسلامية،وسلمت بالكيانات القطرية، وصارت تنظر إلى مشروع المغرب الكبير على أنه مجرد تعاونفي المجالات الاقتصادية والثقافية دون التفكير في تنازل الدول عن أي شيء من سيادتهالحساب‏
هيئةاتحادية مهما كانت هذه الهيئة مجردة من السلطات. وهي روح تختلف عن تلك التي سادتمؤتمر طنجة سنة 1958.‏
وأسهماختلاف الاستراتيجيات الاقتصادية في البلدان المغاربية في تهميش مشروع التكاملالاقتصادي الإقليمي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، وإلى تأجيج الصراعاتالايديولوجية بين محوريه تونس والمغرب من جهة، مقابل الجزائر وليبيا من جهة أخرى.‏
وأمامتفاقم الضغوطات الهائلة التي مارستها الأزمة الاقتصادية، والخوف المرتقب من تفاقمهذه الازمة عشية إلغاء الحواجز الاقتصادية، بين دول السوق الأوروبية المشتركة،سارعت دول المغرب العربي إلى تحقيق نوع من التقارب والتنسيق فيما بينها على صعيدالمشاريع الاقتصادية.‏
في ظلالأزمة الاقتصادية الخانقة، والعزلة السياسية للأنظمة، بدأت السلطات الحاكمة فيبلدان المغرب العربي البحث في بعث وتفعيل المشروع المغاربي من جديد في أواسطالثمانينيات، عبر تطويق مجالات الصراعات والتوترات التي تفرقها، والاتجاه نحو تطبيعالعلاقات المغاربية – المغاربية. وقد توجت هذه المحاولات بعقد زعماء الدولالمغاربية الخمس في مراكش في 17 شباط 1989، والتوقيع على معاهدة مراكش المؤسسةلاتحاد المغرب العربي، وتحديد البنيات السياسية لهذا الاتحاد.‏
لقدشكل تأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير/شباط 1987 خطوة نوعية في مسار الوحدةالمغاربية، وعقدت عدة آمال على ذلك، أقلها إيقاف الاستنزاف المتبادل بين أطرافالمجال المغاربي، خصوصا أنه جاء بعد معاناة شعوبه ودوله من سياسات المحاور الثنائيةالمتصارعة على الزعامة طيلة عقدي السبعينيات والثمانينيات.‏
وجاءتبلور هذا المشروع إفرازا لسلسلة تطورات نوعية في المنطقة، نجملها في خمسة عناصر:‏
أولاً، عودة العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية، بعد قطيعة دامت 14 سنة، وذلك علىإثر لقاء العام 1988 بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الأسبقالشاذلي بن جديد. وهذا التقارب أشار إلى تراخي قبضة المؤسسة العسكرية الجزائرية فيتوجيه السياسة الخارجية للجزائر.‏
ثانياً، التفاهم على تسوية نزاع الصحراء المغربية في إطار خطة استفتاء بإشراف أممي، وجرىالتفاوض على هذه الخطة طيلة 1988 ـ 1990.‏
ثالثاً، تراجع حدة الضغط الأجنبي على المنطقة والناجم عن التقاطب الدولي بين المعسكرينالشرقي والغربي بسبب بداية تفكك المعسكر الشرقي.‏
رابعاً، بروز تحدي التكتل الأوروبي في مواجهة دول الشمال الإفريقي.‏
خامسا، فشل سياسات المحاور الثنائية وخصوصا بعدالتجربة المرة لمحور المغرب ـ ليبيا في مقابل محور الجزائر – تونس ـ موريتانيا،والتي أدت لإضعاف كل الأطراف.‏
وقداستمرت هذه العناصر تحكم مسيرة الاتحاد المغربي إلى غاية اللحظة، مع تغير في العنصرالثالث حيث استبدل عامل التقاطب الدولي شرق ـ غرب بالتقاطب الفرنسي ـ الامريكي، حيثأن الوضعية العامة للاتحاد المغاربي تتغير كلما عرفت هذه العناصر تغيرات وازنة،ولهذا سنجد عند تحليلها كيف أن جمود الاتحاد هو نتاج لتحول هذه العناصر إلى عناصرمضادة وسلبية في مشروع الوحدة المغاربية، وهو ما سنبينه لاحقاً، وذلك بعد بسطحيثيات المشروع المغاربي(2).‏
وعقدتأول قمة للاتحاد المغاربي بعد المؤتمر التأسيسي في تونس بين 21 ـ 23 كانون الثانييناير 1990، واتخذت عدة إجراءات مهمة بشأن التعاون في مجال الدفاع وتعزيز التعاونمع المجموعات الإقليمية العربية الأخرى والعلاقة مع السوق الأوروبية المشتركة الخ. .كما أصبح التعاون السياسي بين البلدان المغاربية الخمسة ممكنا ً عن طريق اتخاذمواقف سياسية مشتركة حول مواضيع الساعة فضلاً عن قبول الزعماء المغاربة أن يكونواحد من بينهم يمثلهم على الصعيد الدولي.‏
وجاءتقمة الجزائر التي عقدت في تموز/ يوليو 1990، بعد الفوز المدوي للجبهة الإسلاميةللإنقاذ في الانتخابات البلدية، لتسجل بداية التراجع في ديناميكية الوحدةالمغاربية. ومما لا شك فيه أن الأنظمة المغاربية تخوفت كثيرا ًُ من مشاهدةالإسلاميين يصلون ديمقراطياً إلى السلطة في الجزائر، باعتبار هذا الوصول في حالتحققه فعلياً سيكون لـه وقع كبير في كل منطقة المغرب العربي، لاسيما تونس، إذ إنحركة النهضة تحتل ما بين 20 ـ 30 % من الناخبين، وتطرح إقامة السلطة الإسلاميةالبديلة في تونس.‏
وجاءتأزمة الخليج لتبين التنوع الكبير في مواقف الدول المغاربية الخمس المختلفةوالمتعارضة أحياناً. ففي القمة العربية التي عقدت بالقاهرة اتخذت الدول المغاربيةمواقف مختلفة حول قرار إدانة العراق،موريتانيا تحفظت، المغرب لمصلحة القرار،الجزائر تحفظت، تونس لا تشارك في القمة، ليبيا ضد القرار.‏
في ظلهذا التنوع في المواقف المغاربية حول أزمة الخليج إضافة إلى نجاح الإسلاميين فيالانتخابات البلدية في الجزائر، وما أظهرته من هوة عميقة تفصل الشعوب عن الأنظمة،واجه اتحاد المغرب العربي أول أزمة حقيقية.‏
ومنذالانقلاب العسكري الذي حصل في الجزائر مع بداية كانون الثاني 1992 بعد فوز الجبهةالإسلامية للإنقاذ، وتدخل الجيش لإلغاء الانتخابات التشريعية، وإرغام الرئيس السابقالشاذلي بن جديد على الاستقالة، دخلت الجزائر في مرحلة الصراع المدمر بين النظاموالمعارضة الإسلامية الأصولية. وكان لهذا الوضع المأساوي الذي استمر في الجزائرطيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي، أثره الكبير في إبطاء وتيرة اجتماعات مجالسالرئاسة لاتحاد المغرب العربي، وهي مصدر القرار الرئيس، وبالتالي في إبطاء مركبةالوحدة المغاربية.‏
وهكذاتعثر القطار المغاربي مع بداية الأزمة الجزائرية، وتفجر أزمة لوكربي بين ليبيا وكلمن الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تطورت إلى فرض عقوبات دولية على ليبيا في عام 1992، بسبب انكفاء الأنظمة على أنفسها لحل مشكلاتها الداخلية، بدءاً من موريتانياالغارقة في همومها السياسية والاقتصادية، مروراً بالجزائر التي تواجه حرباً أهليةطاحنة، وانتهاء بليبيا التي تطاردها أزمة لوكربي، والمغرب الذي ينشغل بأمور منهاقضية الصحراء وأثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائروالموقع الذي احتلته في استراتيجية التطويق والمحاصرة لدى كل من البلدين.‏
وكانتليبيا قد رفضت المشاركة في الاجتماعات الوزارية للاتحاد في العام 1994 بسبب مااعتبرته تقصيراً في إظهار التضامن معها بوجه العقوبات المسلطة عليها منذ العام 1992، إثر رفضها تسلم الرئاسة للاتحاد من الجزائر عام 1995، قبل رفع الحصار الظالمعنها.‏
لكنالاتحاد تعطل منذ قمة 1994 مع انتقال الرئاسة الدورية إلى الجزائر التي تحتفظ بها،لأن الدول الخمس لم تتمكن منذ ذلك الحين من اللقاء على مستوى القمة، على الرغم منإن كلا ً منها لا يترك مناسبة من دون الإصرار على التمسك بالبناء المغاربيوالاستعداد لإطلاق عمل هياكله قوية. صحيح أن مؤسسات تابعة للاتحاد كانت تجتمع بينفترة وأخرى، وحتى على مستوى وزاري، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الاجتماعات كانت أقربإلى الفولكلور من اللقاءات المثمرة.‏
ثمةإجما ع على أن الجمود في الاتحاد المغاربي يعود أساساً إلى العلاقات الثنائيةالمتوترة بين دوله، أو تشكيل محاور ثنائية أو ثلاثية يعتبرها مَنْ هو خارجها موجهةضده. وكان التوتر ينتقل من دولتين إلى دولتين أخريين، والمحاور تتشكل وتختفي بحسبالظروف السياسية، وحاجة هذا الطرف أو ذاك إلى دعم من طرف آخر تتلاقى مصلحتهماآنياً. لكن الثابت في كل هذه الشبكة من التوتر والتحالف، هو الخلاف الجزائري ـالمغربي على حل النزاع في الصحراء الغربية. فالجزائر تعتبر أن مصير المستعمرةالإسبانية السابقة من اختصاص الأمم المتحدة بوصفها "قضية تصفية استعمار"، والمغربيتمسك بسيادته عليها كجزء لا يتجزأ من وحدته الترابية.‏
إنالانهاك والتعب اللذين أصابا المجتمع الجزائري بسبب من تعمق أزمته الداخلية، وتدهورالوضع الأمني، ألقيا ظلالاً كثيفة على مسيرة الاتحاد المغاربي، لجهة اضطرار الجزائرالتي تتولى رئاسة الاتحاد منذ أربع سنوات إلى الانكفاء على ذاتها لمعالجة أزمتها. والجزائر تظل قلب الجسد المغاربي، وأطرافه الأخرى موزعة بين المغرب وتونس وليبياوموريتانيا، وعندما يكون القلب مريضًا، ينعكس كليًا على باقي الجسم. فأصيب الاتحادالمغاربي بشكل تام وأصبحت هياكله خاوية بلا دماء تتدفق في شرايينها.‏
واليوم، بعد 17 عاماً على ولادة الاتحاد، نجدانعدام التحرك الوحدوي حتى في المجال الاقتصادي. فلا منطقة التبادل الحر تأسست، ولاالوحدة الجمركية، ولا السوق المشتركة. وفي المقابل فإن المبادلات التجارية بينالدول الخمس المغاربية لا تتجاوز نسبة 3 في المئة من مجمل مبادلاتها الخارجية. فيحين أن هذه النسبة تصل إلى 70 في المئة مع دول الاتحاد الأوروبي.‏
ولولم يتبادل قادة الأقطار المغاربية رسائل التهنئة بمناسبة حلول الذكرى 17 لتأسيسالاتحاد العتيد في 17 شباط 1989، لنسي الناس تماماً وجود مثل هذا المشروع المغاربيالذي بقي في مصاف الأماني، وفي مرتبة الأحلام.بقي شاهدان على ذلك اللقاء التاريخيبين زعماء الدول الخمس (المغرب والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا) هما الرئيسالتونسي زين العابدين بن علي، وقائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي. الثلاثةالباقون رحلوا. واحد إلى رحمته تعالى (العاهل المغربي الحسن الثاني) والآخر إلىمنزله بعد دفعه إلى الاستقالة مطلع العام 1992 (الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بنجديد)، والثالث إلى المنفى القطري بعد الاطاحة به في الصيف الماضي (الرئيسالموريتاني معاوية ولد سيد أحمد الطايع).هؤلاء الخمسة كانوا على موعد يوم 17 شباط 1989 في مدينة مراكش المغربية لإعلان ولادة "اتحاد المغرب العربي"، قبل أن يستقلوامعاً سيارة "الكاديلاك" المكشوفة، فيعبرون بها شوارع عاصمة المرابطين، وسط الحفاوةالجماهيرية، مُتجهين إلى مسجد "القتبية" ليؤدوا معاً صلاة يوم الجمعة، على أمل أنتُكلّل البركة الالهية مسعاهم الحميد.‏
يبقىأن مطلب الوحدة المغاربية أصبح اليوم مطلباً أميركياً... وأوروبياً... مُلحاً،للأسباب الأمنية والاقتصادية والسياسية المعروفة، التي يجهر بها يومياً دفقالمبعوثين الذين يتوافدون على المنطقة... بلا انقطاع!‏
2 ـالعلاقات المغربية الجزائرية تبلورالإحباطات‏
و علىالرغم أن الجزائر والمغرب ينتميان إلى فضاء عربي – إسلامي واحد،هو العالم العربي،والأمة العربية، ولا ينفكان يتغنيان بالروابط المشتركة بينهما :اللغة العربية،والدين الإسلامي(المذهب المالكي)، والتاريخ المشترك منذ الفتح العربي ـ الإسلامي،والجغرافيا الواحدة، والعادات والتقاليد والخصائص النفسية المشتركة،و هي كلها عوامللا تشجع على التطبيع وحسن الجوار بين البلدين فقط، بل إنها تشكل أساسا ً صلبا ً لأيوحدة اندماجية خالصة، فإنه ومنذ إستقلال الجزائر عام 1962 اتسمت العلاقات بين "البلدين الشقيقين" ـ بالعدائية في معظم مراحلها، وكانت دائما على حافة القطيعةباستثناء المرحلة الواقعة بين 1969 و1974. وقد ترجمت حالة العداء المستمرة هذهبالمواجهة العسكرية في تندوف عام 1963، وهي تضع البلدين منذ عام 1975 على حافةالمجابهة حول مسألة الصحراء الغربية. ويعود أساس هذا التناقض بين فعل الإيمانبالوحدة والعدائية في واقع العلاقات إلى النمط السلطوي في شرعنة الحكم السائد فيكلا البلدين.‏
بالنسبة للنظام المغربي يشكل استمرار الملكيةمحوراً استراتيجيا ًتعطى لـه الأولوية. وبالنسبة للجزائر، وأقله حتى غياب هواريبومدين عام 1978، فالثورة مهددة بالفشل إذا كانت ستتوقف عند الحدود المغربية.و ماكثبان الرمل ومساحات الأرض في تندوف عام 1963 أو في الصحراء الغربية منذ 1975 سوىذرائع للمنافسة بين النظامين اللذين يرى كل منهما في الآخر تهديدا ً لـه. وكان دفاعالملكية عن نفسها إزاء معارضة الأحزاب اليسارية لها في الستينيات تماهيها مع المغربالأبدي ومصيره. أما الجزائر فقد ادعى نظامها شرعية ثورية أعاق مشروعها التحرريالتحالفات التي عقدها المغرب الجار مع مع الدول الغربية(3).‏
ويقولالدكتور عبد الهادي بوطالب وزير الخارجية المغربي السابق عن بدايات العلاقاتالمغربية – الجزائرية، إنها كانت تبشر بمستقبل مغاير لما شهدناه طيله العقودالماضية :ابتدأت شهور العسل حيث قام الملك الحسن الثاني بزيارة مودة وتكريم وتهنئةإلى حكومة الجزائر الأولى بعد الاستقلال التي كان على رأسها الرئيس أحمد بن بلّه،واصطحب معه وفدا وزاريا كنت أحد أعضائه بوصفي وزيرا ً للإعلام. وعن كثب شاهدت وعشتجو المودة والصفاء الذي ساد الزيارة الملكية، وأضفى عليه الرئيس الجزائري حلةالابتهاج بمقدم الوفد المغربي الذي جاء حاملا لهدايا سلاح متنوع ثقيل وخفيف إلىالجزائر الشقيقة، و23 سيارة مرسيدس مهداة من ملك المغرب إلى وزراء الحكومةالجزائرية البالغ عددهم 23 وزيرا ً.‏
وقدعبر الملك الحسن الثاني للرئيس الجزائري عن تمنياته الشخصية وتهاني المغرب باستقلالالجزائر، وقال عنه إنه امتداد لاستقلال المغرب، ووضع جميع إمكانات المغرب المستقلفي خدمة تعزيز استقلال الجزائر، مؤكدا ً على أن الدعم المغربي للجزائر المستقلةسيكون امتدادا ً لدعمه لقضية تحررها من الاستعمار الفرنسي الذي أسهم فيه المغرببسخاء. ورد عليه الرئيس الجزائري منوها بما قدمه المغرب للجزائر من دعم مادي وسندمعنوي لتحقيق تحرر الجزائر من الاستعمار. وقد كانت أغلبية الوزراء الجزائريين قضتفي المغرب فترة المنفى، ولقيت دعم المغرب وسنده بلا قيد أو شرط، ما جعل من مدينةوجدة المغربية طيلة سنوات الكفاح الجزائري بالأخص الواجهة الثانية للتحرير.‏
خلالهذه الزيارة قبل الملك الحسن الثاني طلب الرئيس أحمد بن بلّه أن ترجئ الجزائر إعادةالتراب المغربي الممتد على حدوده الشرقية مع الجزائر الذي كانت اقتطعته فرنسا منالمغرب وضمته إلى التراب الجزائري الواقع تحت احتلالها في نطاق سياستها الاستعماريةالتي كانت تعتبر الجزائر جزءاً منها لا يتجزأ، وكانت تطلِق على الجزائر اسمالمقاطعات الفرنسية الثلاث. ولم تكن الجزائر تنازع في مغربية هذا الجزء، لكن الرئيسبن بلّه طلب إلى المغرب أن يرجى تسليمه إلى المغرب بعد أن تنهي الجزائر إقامةبنياتها الأساسية. ووافق الملك على هذا الإرجاء المؤقت، إذ كان الأهم هو أن يجددالرئيس الجزائري لملك المغرب قبوله إعادة الأراضي المغربية المغتصبة من لدنالاستعمار الفرنسي إلى صاحبها (المغرب).‏
لكنشهر العسل هذا لم يطل إلا قليلا باندلاع حرب الرمال بين البلدين، وذلك بعد عودةالملك الحسن الثاني إلى المغرب، وعلى إثر مناوشات بين الجيشين الجزائري والمغربي. وجرت وقائع الحرب فوق الأراضي المغربية المغتصبة التي كانت ضمنها منطقة تندوف التيتؤوي اليوم الجزائر فوقها جماعة البوليساريو المتمرد ة على وطنه، وتدعمه وتسلّحهوتموّله.‏
وعرفتالعلاقات جو الصفاء والتقارب بعد الانقلاب الذي أجراه العقيد هواري بومدين وزيرالدفاع في حكومة الرئيس الجزائري بن بلّه وأطاح فيه بحكمه. وتأسست نواة اتحادالمغرب العربي على قاعدة اقتصادية، وحرص العقيد بومدين على أن يكون التعاون المغربيحلقة أساسية في المؤسسة الاقتصادية. لكن الجزائر أصبحت بعد سنوات من التجربة تعلنأنها تفضل اتحاد الشعوب على اتحاد النظم. وبذلك تعثرت مسيرة العمل المغاربي.‏
وفيهذه الأثناء انعقدت في السابع من آيار/مايو1970 قمة تلمسان بين المغرب والجزائر،وحضرتها بوصفي وزير خارجية المغرب ضمن الوفد الذي رافق الملك الحسن الثاني. وفي هذهالقمة صُفيت قضية الأراضي المغربية التي اغتصبتها فرنسا وضمتها إلى الترابالجزائري، وذلك بقبول المغرب التنازل عن هذه الأراضي لفائدة الشقيقة الجزائر. وسجلالاتفاق وصول الطرفين إلى وفاق لإقامة شراكة ثنائية في منجم غارة جبيلات الواقع فيالتراب المغربي المتنازَل عنه للجزائر، على أن يؤمّن المغرب للجزائر المرور عبر سكةحديدية لنقل إنتاج المنجم من ميناء مغربي على المحيط الأطلسي لتصديره وتسويقه. ولمتنفذ الجزائر للمغرب التزاماتها، ولم يلحّ المغرب على الجزائر للوفاء بوعدها، مفضلاً ألا يثير مع الجزائر ما من شأنه أن يعكر الجو السياسي بين الجارتين.‏
وأثناء انعقاد القمة العربية في المغرب أعلنالرئيس هواري بومدين أمام القادة العرب أن الجزائر تساند المغرب في مطلبه استرجاعالصحراء المغربية، وأنها لا طمع لها فيها، وأنها تؤيد بشأنها ما يتفق عليه الطرفانالمعنيان: المغرب وموريتانيا، وأنها على استعداد لتقديم سند عسكري للمغرب من أجلتحرير الصحراء ومدينتي سبتة ومليلية من الاستعمار الإسباني. بيد أن العلاقات دخلتفي أزمة كبرى امتدت إلى اليوم بعد تحرير المغرب أقاليمه الصحراوية بالمسيرة الخضراءوإبرام المعاهدة الثلاثية مع إسبانيا في مدريد، إذ ظهرت الجزائر كاشفة عن وجههالتعلن أن المغرب لا حق لـه في الصحراء التي ينازع في مغربيتها جماعة "البوليساريو" المتمردة. كما طالبت ـ ولا تزال ـ بتخويل الشعب الصحراوي (أي شعب ؟) حق تقريرالمصير. وتبنت الدفاع عن مطلب البوليساريو لدى هيئة الأمم المتحدة، وأصبحت الناطقباسمه في المحافل الدولية. وهو ما حوّل أزمة العلاقات إلى قطيعة مستمرة، وشلّ مسيرةالاتحاد المغاربي، وأصبح انعقاد مؤسساته مستحيلا في جو مواجهة الجزائر لحق المغربفي استرجاع صحرائه، وهو المطلب الوطني الذي ينعقد عليه الإجماع المغربي. وبالرغم منزيارة الملك محمد السادس للجزائر مرتين، وعرضه على الرئيس بوتفليقة تحييد دعمالبوليساريو، ووضع هذا الملف على الرف ولو مؤقتا، وبالرغم من فتح المغرب الحدود،وإلغاء التأشيرة بالنسبة للمواطنين الجزائريين، فإن الجزائر لم تجب على التحياتالمغربية إلا بقبلات مسرحية كان يتقن الرئيس بوتفليقة إطالتها على وجه شقيقهالمغربي. ولا يزيد الأمر على ذلك(4).‏
ومنذرحيل الاستعمار الفرنسي عن أرض الجزائر، لم يشهد تاريخ العلاقات بين الدولالمغاربية سوى تراكم العقبات التي تعترض سبيل بناء وحدة المغرب العربي، إلى درجةأنه يمكن القول أن سد هذه العقبات أصبح يحجب أطول الأعناق عن التمتع بالنظر إلى حلمالوحدة المغاربية، أهمها قضية الصحراء وهي محل خلاف بين المغرب والجزائر.‏
ولكيتنجلي الصورة أكثر لا بد من العودة للوراء قليلا حتى نعرف طبيعة المشكلات بين دولالاتحاد التي خرجت من الصراع مع المستعمر لتدخل في صراع مع بعضها مبكرا ً، فبعد سنةواحدة من استقلاله شكّل المغرب جيشا ًَ لتحرير موريتانيا كان من أشهر معاركه معركة "تكل"، وفي سنة 1960 حصلت موريتانيا على استقلالها، وهو ما رفضه المغرب ودشن أولصفحة خلافات بينه وبين تونس التي اعترفت بموريتانيا، ثم بعد سنة واحدة من استقلالها 1962 اندلعت الحرب سنة 1963 بين المغرب والجزائر على الحدود. ورغم أن الحرب استمرتلفترة قصيرة توجت باتفاقية إلا أن البرلمان المغربي لم يصادق على تلك الاتفاقية حتىالآن. وقد دشُن في هذه الفترة المبكرة صراع على الزعامة في المنطقة بين المغربوالجزائر أصبحت فيه دول الاتحاد الأخرى تتبادل الدوران في فلك كل منهما لفترة حسبالمصالح والظروف، فقد ساءت العلاقات بين بورقيبة وبومدين ثم دخل القذافي على الخطسنة 1969 بعد دعمه للمحاولة الانقلابية التي جرت ضد الحسن الثاني سنة 1971 لتظلالعلاقات بين الدولتين سيئة ثم جاء النزاع على الحدود بين ليبيا والجزائر. واستمرتالمنغصات إلى أن جاء ما يسميه الجميع بكارثة الصحراء الغربية سنة 1975 لينقسمالمغرب العربي إلى محورين: محور المغرب ـ موريتانيا ومحور الجزائر ـ ليبيا اللتينتدعمان استقلال الصحراء الغربية، ورغم أن موريتانيا خرجت من الصراع المباشر سنة 1979 بتخليها عن حقوقها في الصحراء مقابل السلام فإنها لم تفلح بالنأي بنفسها عنذلك النزاع. كما لم تتمكن "ثورية" القذافي من التعايش مع معظم طبيعة أنظمة دولالاتحاد.‏
كماأن العلاقات بين الأخوين اللدودين في المغرب العربي، الجزائر والمغرب، لم تعرف حالةمن التطبيع الكامل، بل إن العلاقات بين البلدين عرفت مراحل من المد والجزر لاينتهيان. علما أن التطبيع الكامل بين المغرب والجزائر يمثل شرطاً أساسياً من شروطالنهوض باتحاد المغرب العربي، ومطلباً دولياً يجتمع عليه الموفدون عبر المتوسط وعبرالأطلسي.‏
ويقدّم الصحافي المغربي محمد الأشهب سرداً تاريخياً للعلاقات بين البلدين الجارينوتفاصيل الخلافات بينهما(5): في إحدى زياراته القليلة الى الجزائر بعد تولي العاهلالمغربي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في 1999، سمع مسؤول مغربي كلاماً من مراجعجزائرية عليا مفاده أن المغرب أخطأ في اختيار حليفه في منطقة شمال افريقيا. وجاءالكلام في صيغة عتاب "تعاونتم مع الضعيف وتركتم القوي" في إشارة الى التنسيق الذيساد الخطوات الأولى لضم الصحراء بين المغرب وموريتانيا. وقتها رد المسؤول المغربيباستحضار وقائع اجتماع تاريخي ضم كلاً من الملك الراحل الحسن الثاني والرئيسالجزائري الراحل هواري بومدين والرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داده فيالمدينة السياحية أغادير على الساحل الأطلسي للمغرب. ونقل فيه القول عن بومدين ان"لا مطامع للجزائر في الصحراء" وأنه يدعم أي تنسيق بين الأطراف المعنية في مواجهةقرار إسبانيا وقتذاك منح حكم ذاتي لسكان الساقية الحمراء ووادي الذهب، يبقيها تحتسيطرة مدريد. وزاد المسؤول المغربي أن الجزائر أقرت صراحة في القمة العربية التياستضافتها الرباط عام 1974 ان "لا مشكلة بينها وبين المغرب في قضية الصحراء".‏
ويحتفظ المغاربة بتسجيل صوتي للرئيس بومدين بهذاالمعنى يقول فيه باللهجة المصرية "بين المغرب والجزائر مافيش مشكل". لكن الموضوعسيرتدي طابعاً آخر بعد صدور الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول وجود روابط "بيعة وولاء" بين سكان الإقليم والسلطة المركزية في الرباط. وفي الوقت الذي عمدتفيه إسبانيا إلى استمالة شبان يتحدرون من أصول صحراوية لتأسيس جبهة "بوليساريو" إلىجانب بعض الأحزاب السياسية الموالية لإسبانيا على طريق اكتمال خطة الحكم الذاتيالذي رهنته بموافقة "الجماعة الصحراوية" ـ أي البرلمان الصحراوي وقتذاك ـ كانتالجزائر تعمل بتنسيق مع الإسبان لتأمين هجرة مضادة لسكان الصحراء نحو مراكز تيندوفجنوب غربي الجزائر، إذ تزامنت عمليات الهجرة مع دخول القوات المغربية في شباط (فبراير) 1976 إلى الصحراء على خلفية انسحاب القوات الاسبانية منها. لكن الردالجزائري كان أكثر عنفاً من خلال الإعلان عن تأسيس "الجمهورية الصحراوية" من طرفواحد، ما حدا بالمغرب إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع الجزائر.‏
وإذيقول الرسميون الجزائريون إن توغل قوات عسكرية جزائرية في منطقة "أمفالا" القريبةشرقاً إلى تيندوف كان بهدف تقديم المواد الغذائية والأدوية للاجئين الصحراويين،تشير وقائع مواجهتين عسكريتين في المنطقة ذاتها إلى معطيات أخرى، هي نفسها التيستتكرر في منطقة الداخلة جنوب المحافظات الصحراوية عندما توجهت قوات من مقاتلي "بوليساريو" (تحت قيادة جزائرية) إلى هناك بهدف فرض السيطرة على الإقليم إثر انسحابموريتانيا عام 1979، حين قتل زعيم الجبهة الوالي مصطفى. ويقول رسميون مغاربة إنقادة بعض الدول العربية تدخلوا عام 1976، وفي مقدمهم الرئيس المصري حسني مبارك،وكان وقتذاك نائب الرئيس أنور السادات، لإطلاق الأسرى الجزائريين المعتقلين فيمواجهتي "أمفالا" في مقابل حدوث انفراج بين المغرب والجزائر.‏
بيدأن قمة يتيمة على الأقل جرى البحث في تنظيمها لتجمع الحسن الثاني وبومدين فيبروكسيل عام 1979 لم يكتب لها الالتئام، رغم تحديد موعد أولي كان تصادف واحتفالاتالمغرب بعيد الشباب. وتعرض بومدين بعد ذلك إلى أزمة صحية نُقل على أثرها إلى موسكوليعود منها في غيبوبة كاملة.‏
احتاجالأمر، في غضون ذلك، إلى حوالي أربع سنوات لعقد القمة الأولى بين الملك الحسنالثاني والرئيس الشاذلي بن جديد الذي قال عنه الملك الراحل يوماً "لقد أجبر علىتولي رئاسة الجزائر"، غير أنه وجد فيه محاوراً أعاد ملف العلاقات المغربية ـالجزائرية إلى الواجهة من خلال حدثين، أولهما تجديد العمل باتفاق ترسيم الحدود ضمنمعاهدة حسن الجوار المبرمة بين البلدين عندما اجتمع إلى الملك الحسن الثاني فيالمنتجع الشتوي في ايفران عام 1988، والثاني اجتماع العاهل المغربي إلى قياديين فيجبهة "بوليساريو" للمرة الأولى في مراكش في حضور الرجل الثاني في الجبهة بشير مصطفىالسيد، ما مهد الطريق أمام انعقاد القمة التأسيسية للاتحاد المغاربي في مراكش فيشباط (فبراير) 1989.‏
لكنالاختراق على صعيد تحسين العلاقات الثنائية وبدء التعاون المغاربي انطلق قبل ذلكبمعاودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، لم يعمر طويلاً نتيجة استقالة الرئيسبن جديد تحت ضغط الأزمة الداخلية في بلاده الناتجة أصلا عن ظهور جبهة الانقاذالجزائرية التي اكتسحت انتخابات البلديات وتعطيل المسار الانتخابي عام 1992. وقتهاأسرّ زعيم "الانقاذ" عباسي مدني إلى صحيفة "الحياة" أنه يدعم التقارب بين المغربوالجزائر ولا يرى حلاً لقضية الصحراء خارج السيادة المغربية. وحرص الملك الحسنالثاني لدى زيارته الجزائر وقتذاك على الاجتماع إلى زعماء الأحزاب السياسيةالجزائرية. لكن الموقف الذي التزمه عباسي مدني سيجد امتداده في التصريحات الصادرةعن مراجع مغربية حول إمكان الإفادة من دور جبهة الإنقاذ الجزائرية في دعم الخيارالديموقراطي، وبالقدر نفسه سيتحول الخلاف حول التعاطي مع الظاهرة الإسلامية إلى سببآخر يعطل الانفراج في علاقات البلدين.‏
وفيالوقت الذي بدأ فيه حوار مغربي ـ جزائري من نوع آخر على خلفية المسألة الإسلاميةمتمثلاً في طلبات جزائرية لتسليم معارضين إسلاميين في مقدمهم الناشط عبدالحقالعيادة (أمير الجماعة الإسلامية المسلحة)، دار على واجهة أخرى حوار بين المؤسسةالعسكرية الجزائرية والمعارض الجزائري محمد بوضياف الذي كان يقيم في مدينة القنيطرةالمغربية ويدير مصنعاً للبناء، وقد حرص لدى مغادرته المغرب ليصبح رئيساً للجزائريتمتع بالشرعية التاريخية، على تأكيد التزامه إيجاد حل سريع لنزاع الصحراء. غير أنالرصاص الذي صوب نحوه في قاعة اجتماع في عنابة في حزيران (يونيو) 1992، طالت شظاياهالعلاقات بين البلدين. ولم تكد تمر شهور حتى اندلعت أزمة حادة بين الجارين، إذ تورطرعايا من أصول جزائرية ومغربية في هجمات فندق أطلس أسني في مراكش التي انعكستتداعياتها سلباً على علاقات البلدين عام 1994. فقد فرض المغاربة نظام التأشيرة علىالرعايا الجزائريين وردت الجزائر بالمثل، وزادت عليها قرار إغلاق الحدود البرية في‏
صيف 1994.
عندماتوفي الملك الحسن الثاني في تموز عام 1999، انتقل الرئيس عبد العزيز بوتفليقةالمنتخب حديثاً في هذه المناسبة إلى الرباط، حيث تكلم بحرارة عن مستقبل العلاقاتبين البلدين، قابله استعداد مماثل من الملك الشاب محمد السادس لبدء عهد جديد معالجزائر.و اعتقد الجميع أن مناخاً دافئاً جديداً من العلاقات بين البلدين سيستمر،بيد أنه في اليوم الذي أعلن فيه فتح الحدود البرية الذي تحدد موعده في 20آب1999،حصلت مجزرة رهيبة راح ضحيتها 36 مدنياً على يد الجماعة الإسلامية المسلحة التي تقولالجزائر أن لها قواعد خلفية في المغرب.فتبخرت كل الأمال التي كانت معلقة على معاودةالتطبيع بين المغرب والجزائر من جديد.‏
فماهيالعوائق البنيوية التي حالت ولا تزال تحول دون التطبيع الكامل؟‏
1 ـلقد ورثت البلدان المغاربية الثلاثة (تونس، الجزائر، المغرب) حدوداً متفجرة، بفعلالتقسيم الكولونيالي الفرنسي ـ الإسباني لهذا الجزء الغربي من العالم العربي. وكانتفرنسا القوة الاستعمارية السائدة تعتقد أن الجزائر أصبحت جزءا من إمبراطوريتها، لذاراحت تقضم من الأراضي التونسية والمغربية لضمها إليها. وهذا ما جعل المغرب والجزائريتواجهان عسكرياً في حرب تندوف الصحراوية عام 1963.كما أن هذا الموروث من التقسيمالكولونيالي وضع البلدين على حافة المواجهة العسكرية حول مسألة الصحراء الغربية عام 1975.
[/align]
توقيع هيا الحسيني
 شهيد الأمة العربية
الرئيس الشهيد صدام حسين
هيا الحسيني غير متصل   رد مع اقتباس