السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي الافاضل في زمن تلاشت فيه القيود وتغرب العلم وأهله فينا حتى انهم ليعدون على الاصابع وصار لكل ناعق دليله وحجة أمره وتشعبت الامور واختلطت على أنها واضحة جلية لا لشيء الا لاننا حكمنا أهواءنا وأراءنا فيما شجر بييننا و نبذنا كتاب الله وراء ظهورنا
إن الحياة مع كتاب اللّه نعمة يدركها من أنعم الله بها عليه، وما أسعد الإنسان إذا جعل هذا الكتاب إمامه- وهذا شأن المسلم- فاهتدى بهديه بعد أن تدبر آياته! وما أسعد المجتمع الذي يجمع مثل هذا الفرد! وما أشد بؤس الذين حرموا أنفسهم من هدايته فخبطوا في حياتهم يمنة ويسرة، وانتهوا إلى ضياع أعمارهم وضياع دنياهم وآخرتهم: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا }
لكن الامر والادهى أن اقواما يقولون بكتاب الله على غير مراده تعالى ويأتون بأنكر الاراء وأشنع الاقيسة ليطفؤوا نور الله بأفواههم ولكن الله متم نوره مهما قال المبطلون وتأول المتأولون.
فكيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ بالآثار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله عنهم.
ان الله تعالى جعل سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بياناً للقرآن وتطبيقاً له في أقواله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله، ليكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسوة الحسنة كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) .
وأوحى الله تعالى إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبين للأمة ما تحتاج إلى بيانه فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) . وقد قام الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأداء الأمانة فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها. فلبث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر.
وما أن فاضت روحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير ، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا -رضوان الله عليهم- الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.
وتلقى التابعون التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة ، وقد قام التابعون الذين تحملوا هذا العلم بواجبهم تجاه هذا القرآن العظيم، فكرسوا اهتمامهم وبذلوا جهودهم لتلقي ما ورد من آثار لبيان معاني ومرامي هذا القرآن الكريم، فعرفوا تفسيره وأسباب نزوله، وفضائله وأمثاله، وأحكامه وأقسامه، وغريبه ومعربه، وبينوا المحكم من المتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعموم من الخصوص، والمفصل من المجمل، والمقدم من المؤخر، والمطلق من المقيد.
وقد برز جماعة من التابعين اشتهروا بمعرفة التفسير فبرعوا ونبغوا فيه ومنهم سعيد بن جبير ت 95 هـ وعكرمة ت 107 هـ ومجاهد ت 104 هـ وأبو العالية ت 90 هـ وقتادة ت 110هـ وعامر الشعبي ت 105هـ ومسروق ت 63 هـ والحسن البصري ت 110 هـ والضحاك بن مزاحم 106هـ وغيرهم.
وقد استفادوا من تلك المنهجية العلمية الدقيقة التي بوأتهم مكانة مرموقة، فتصدروا مجالس العلم وبدأ بعضهم بتدوين التفسير فكانوا طليعة الفرسان في هذا الميدان، ففي عصرهم بدأ تدوين التفسير، وأول من قام بذلك سعيد ابن جبير الأسدي ت 95 هـ عندما كتب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يسأل سعيد ابن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن وقد استجاب له فصنف التفسير وقد وجد عطاء بن دينار هذا التفسير في الديوان، فرواه عن سعيد وجادة .
وقد واكب هذا التدوينُ الفتحَ الإسلامي الذي امتدت أطرافه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مما أدى إلى اتساع انتشار هذا العلم إضافة إلى ذلك ازدياد الرحلات العلمية، وكان لتدوينه أيضاً أثر كبير في انتشاره وتداوله عند أهل العل
أهل العلم من صغار التابعين وأتباع التابعين مثل:
الضحاك بن مزاحم الهلالي ت 105 هـ أو 106 هـ.
ومقاتل بن سليمان البلخي ت 105هـ وقد طبع تفسيره .
وطاوس بن كيسان اليماني ت 106هـ .
وقتادة بن دعامة السدوسي ت 110هـ.
ومحمد بن كعب القرظي ت 118هـ.
والسدي الكبير 127هـ.
وعبد الله بن يسار المعروف بابن أبي نجيح ت 131 هـ.
وعطاء الخراساني ت 135 هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره .
وزيد بن أسلم العدوي ت 136هـ.
والربيع بن أنس البكري ت 140هـ.
وعلي بن أبي طلحة ت 143هـ استخرج السيوطي أغلب صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم .
وكل هذه التفاسير قد أفرد لكل تفسير مؤلف جمعت في مرويات كل مفسر، وأغلبها رسائل جامعية.
والأعمش سليمان بن مهران ت 147هـ أو 148هـ .
وغيرهم من المفسرين المتقدمين فقام هؤلاء بجمع نسخ وروايات وصحف كبار التابعين وتدوينها فسطع قبس التفسير في أرجاء العالم الإسلامي آنذاك ثم أزداد تألقاً في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث استنار العلماء الذين تلقوا هذا العلم من شيوخهم واعتنوا به فحفظوه أو كتبوه ثم رووه لتلاميذهم فتوسعت حركة تدوين التفسير وظهرت تفاسير مشابهة للتفاسير المتقدمة وقد تكون أوسع منها مثل: تفسير سفيان الثوري ت 161هـ .
وتفسير معاوية بن صالح ت 158 هـ أو ت 172هـ وهو الراوي لصحيفة علي بن أبي طلحة.
وتفسير شيبان بن عبد الرحمن النحوي ت 164 هـ وهو راوي التفسير عن قتادة .
وتفسير نافع بن أبي نعيم القارئ ت 167هـ أو 169هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره .
وتفسير أسباط بن نصر الهمداني ت 170 هـ وهو الراوي لتفسير السدي.
وتفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت 179 هـ.
وتفسير مسلم بن خالد الزنجي ت 179 هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره .
وتفسير عبد الله بن المبارك المروزي ت 181هـ .
وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت 182 هـ.
وتفسير هشيم بن بشير السلمي ت 183 هـ.
وتفسير يحيى بن يمان العجلي ت 189 هـ، وقد حققتُ قطعة من تفسيره .
وتفسير إسماعيل بن علية ت 193 هـ.
وتفسير يحيى بن سلام البصري ت 200 هـ
وفي هذا العصر ازدادت كتب التفسير وبقيت على هيئة أجزاء ونسخ كتفسير الإمام مالك بن أنس فقد وصفه ابن كثير والذهبي وابن حجر والروداني بأنه جزء وكذلك التفاسير التي تقدمت في القائمة السابقة حيث ذكرت الموجودة منها وكلها على هيئة أجزاء ونسخ.