عرض مشاركة واحدة
قديم 23 / 11 / 2009, 02 : 12 AM   رقم المشاركة : [2]
أسماء بوستة
أستاذة وباحثة جامعية - مشرفة على ملف الأدب التونسي

 الصورة الرمزية أسماء بوستة
 





أسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to beholdأسماء بوستة is a splendid one to behold

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: تونس

تفاصيل الوعود الغربية البلفورية منذ عام 1799 وحتى عام1917 (2/2) -بقلم أوس داوود يعقوب

تفاصيل الوعود الغربية البلفورية منذ عام 1799 وحتى عام 1917
(الجزء الثاني)




* ردود فعل الدول العظمى على وعد بلفور:

[align=justify]كانت فرنسا صاحبة أول بيان صدر تأييداً لذلك الوعد المشؤوم، فقد أصدر وزير الخارجية الفرنسي بياناً مشتركاً مع ممثل الجمعيات الصهيونية في فرنسا، عبّرا فيها عن ارتياحهما عن التضامن من بين الحكومتين الإنجليزية والفرنسية في قضية إسكان اليهود في فلسطين.

الدور الأمريكي:

في عام (1844) قامت أمريكا بفتح أول قنصلية لها في القدس، وهناك بدأت تقارير القنصل الأمريكي تتوالى على رؤسائه، وقد كانت تتمحور حول ضرورة التعجيل في جعل فلسطين وطناً لليهود.
وفي عام (1891) قام أحد أبرز زعماء الصهيونية المسيحية في ذلك الوقت، وهو القس ويليام بلاكستون بعد عودته من فلسطين، برفع عريضة إلى الرئيس الأمريكي بنيامين هاريسون دعاه فيها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي قورش الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين. وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام (1897) قام القس بلاكستون بتوجيه انتقاده إلى زعيم المؤتمر ثيودور هرتزل لأنه وجد منه تساهلاً في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.

الدور الألماني:

في عام (1898) زار الإمبراطور الألماني غليوم مدينة القدس، وقد سعى ثيودور هرتزل إلى التقرب من الإمبراطور طلباً لدعم مشروعه، فتحقق له ذلك إثر لقاء ضم وفداً من الشخصيات الصهيونية الرفيعة المستوى، وقد أكد الإمبراطور للوفد بأن (المساعي الصهيونية في فلسطين التي تحترم سيادة حليفته تركيا تستطيع أن تعتمد على رعايته الكاملة)، وترجم الإمبراطور غليوم وعده بهذه الرعاية بتوثيق العلاقة بين المستوطنين الصهاينة والمستوطنين الألمان، من جماعة جوتليب هوفمان والد كريستوف هوفمان، مؤسس جمعية الهيكل الألمانية، الذين بدأوا عام (1870) بإنشاء مستوطنات زراعية ألمانية في القدس وحيفا ويافا.

وبعد المذابح والمضايقات التي تعرض لها اليهود في روسيا عام (1881)، اثر اغتيال القيصر ألكسندر الثاني، وما نتج عن هذه المذابح من هجرة واسعة من يهود روسيا إلى أوروبا الشرقية والغربية، مما أسرع في انهيار حركة الاندماج، وتشكلت مراكز يهودية متبنية دعوة ليوبنسكر في كتابه (التحرر الذاتي) وظهرت منظمة (أحباء صهيون) في أوكرانيا، الداعية إلى الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها.

الموقف العثماني:

حاول زعماء الحركة الصهيونية يتقدمهم هرتزل، بدعم أوروبي شاركت فيه، آنذاك، ألمانيا وبريطانيا، الضغط على الخلافة العثمانية لانتزاع ميثاق من السلطان عبد الحميد الثاني يمنح اليهود حق "الاستيطان" في فلسطين والسماح بهجرتهم إليها، غير أن السلطان العثماني رفض الضغوط الأوروبية وإغراءات اليهود.
وفي الفترة بين عامي (1900- 1901) أصدر السلطان عبد الحميد بلاغاً يمنع المسافرين اليهود من الإقامة في فلسطين لأكثر من ثلاثة أشهر، كما أمر بمنع اليهود من شراء أي أرض في فلسطين، خشية أن تتحول هذه الأراضي إلى قاعدة لهم تمكنهم من سلخ فلسطين عن بقية الجسد المسلم.

وفي عام (1902) تقدم اليهود بعرض مغر للسلطان عبد الحميد، يتعهد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية وبناء أسطول لحمايتها، وتقديم قرض ب(35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهكة، إلا أن السلطان رفض العروض وكان رده كما جاء في مذكرات ثيودور هرتزل: (انصحوا الدكتور هرتزل ألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، لأني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت إمبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الإمبراطورية الإسلامية، وهذا أمر لا يكون، فأنا لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة..).

وعندما أيقن اليهود فشل جميع المحاولات الممكنة بدأوا بالعمل على إسقاط الخلافة العثمانية، حيث استطاعوا التسرب عن طريق طائفة يهود الدونمة التي تظاهر أفرادها بالإسلام وحملوا الأسماء التركية، ودخلوا في جمعية (الاتحاد والترقي) ووصلوا إلى الحكم عام (1907)، وتصاعد النشاط الصهيوني في فلسطين بدعم من أنصار الاتحاد والترقي ويهود الدونمة الذين سيطروا على مقاليد السلطة في الآستانة حيث سمح الحاكم العثماني الجديد لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها، مما فتح الباب أمام المنظمات الصهيونية للبدء بالنشاط العملي على نطاق واسع حتى سقطت الخلافة رسمياً عام 1924.

* تاريخ الحركة الصهيونية في بريطانيا:

من أجل فهم طبيعة العلاقات البريطانية الصهيونية، ومعرفة مدى التغلغل الصهيوني في الحياة السياسية والعامة البريطانية، ومحورية الدور البريطاني في الشؤون الصهيونية، والتي أدت في نهاية الأمر إلى إصدار (وعد من لا يملك لمن لا يستحق )، نرى وجوب معرفة تفاصيل وتاريخ الحركة الصهيونية في بريطانيا، وماهية العلاقات الصهيونية البريطانية، حيث ارتبطت حركة أعضاء الجماعات اليهودية وهجرتهم بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي (وخصوصاً الإنجليزي). ويُلاحَظ أن الفكر الصهيوني قد وُلد في البداية في الأوساط الإنجليزية البروتستانتية قبل أن يصل إلى أعضاء الجماعات اليهودية. فمفكرون مثل شافتسبري وأوليفانت، كانوا قد توصلوا إلى كل الأطروحات الصهيونية قبل ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية بعشرات السنين. كما أن أوليفانت وغيره كانوا قد بدأوا بوضع مشروعهم الصهيوني موضع التنفيذ. ومقابل ذلك، كانت هناك معارضة للصهيونية بين يهود إنجلترا المندمجين. ولم تبدأ الأفكار الصهيونية في الظهور إلا مع هجرة يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر.

ويقسم البحاثة والمؤرخ الموسوعي الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري تاريخ الحركة الصهيونية في إنجلترا إلى أربع مراحل:

1- المرحلة الأولى: (منذ نشأة الحركة حتى 1914):

وفيها اتسمت علاقة الحركة الصهيونية باليهود البريطانيين بالمعاداة أو اللامبالاة ، حيث اعتبرها معظم الرموز اليهودية في إنجلترا حركة خرافية خيالية تضر بمصالح اليهود، وكان الأنصار الأساسيون للحركة الصهيونية في بريطانيا هم الساسة غير اليهود الذين وجدوا فيها وسيلة جيدة لتحقيق الأطماع البريطانية الاستعمارية في الشرق العربي.
وكانت لندن أول العواصم الأوروبية التي عبَّر فيها هرتزل عن فكرته الصهيونية في النادي المكابي في عام (1895)، ونشر برنامجه الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين في جريدة (جويش كرونيكل) في كانون الثاني/ يناير (1896) قبل نشره كتاب دولة اليهود. وكما هو متوقَّع أخذت الصهيونية في بريطانيا الشكل التوطيني. وعندما وصل هرتزل إلى لندن عام (1896)، لم يُقابَل اقتراحه بحماس كبير بين اليهود الإنجليز المندمجين.

وقد أثارت كلمة هرتزل مخاوف جماعة أحباء صهيون اللندنية برئاسة الكولونيل ألبرت جولد سميد من أن تثير خطته السلطات التركية فتمنع إقامة "المستوطنات" اليهودية في فلسطين، وهو ما حدا بالجماعة إلى رفض دعوة هرتزل لها لحضور المؤتمر الصهيوني الأول عام (1897) الذي حضره ثمانية مندوبين بريطانيين، من بينهم (إسرائيل زانجويل) معظمهم ليسوا من أصل بريطاني بل مهاجرون من أصول شرق ووسط أوروبا. وقد تعرَّضت الحركة الصهيونية في بدايتها لانتقادات ومعارضة شديدة من قبَل اليهود البريطانيين حتى أن الحاخام الأعظم الدكتور هرمان أدلر أصدر مرسوماً يحذر فيه من (الأفكار الخرافية والخيالية حول الأمة اليهودية والدولة اليهودية). وقد تطلَّب الأمر من هرتزل، الذي كان يطمح إلى الحصول على تأييد بريطاني لمشروعه، أن يعمل جاهداً على ضم حركة أحباء صهيون. وبحلول المؤتمر الصهيوني الثاني عام (1898)، كان عدد الجمعيات الصهيونية في بريطانيا 26 جمعية، ومَثل تلك الجمعيات في بازل 15 مندوباً. وفي عام (1899)، تَشكَّل اتحاد صهيوني برئاسة السير فرانسيس مونتفيوري. وفي العام نفسه، نجح هرتزل في تسجيل الصندوق اليهودي الاستعماري، وهو أول أداة مالية صهيونية لتمويل المشروع التوطيني في لندن، كشركة بريطانية. وقد أدَّى هذا إلى القضاء تماماً على جمعية أحباء صهيون كجماعة مستقلة حيث اشترك أغلب أعضائها البارزين في الصندوق وبالتالي في الاتحاد الصهيوني.

وقد عُقد في لندن المؤتمر الصهيوني الرابع عام (1900)، وحضره 28 مندوباً يمثلون 38 جمعية أعضاء في الاتحاد الصهيوني الإنجليزي. وفي محاولة من المؤتمر لكسب الرأي العام السياسي البريطاني للفكرة الصهيونية، وزَّع المؤتمر على النواب البريطانيين في مجلس العموم (دوريات) تشرح أغراض الصهيونية وتدعوهم إلى الرد وإبداء آرائهم حول هذا الموضوع.

2- المرحلة الثانية: (1904 - 1939):

اتسمت تلك المرحلة بازدياد أهمية لندن كمركز للحركة الصهيونية وتلاشي دور برلين الصهيوني، وازدادت العلاقات بين الحكومة البريطانية وبين الصهاينة توثقاً، وشهدت مرحلة صدور (وعد بلفور)، ومن ثم أصبح بإمكان الحركة أن تتغلغل سريعاً وسط اليهود البريطانيين. وقد مثَّل عام (1904) نقطة تحوُّل مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية البريطانية والحركة الصهيونية ككل، إذ مات هرتزل وانتقلت القيادة إلى ولفسون. وعارضت جماعة من البريطانيين هذه القيادة الجديدة الموالية لألمانيا، كما أن موت هرتزل أضعف التوجهات الألمانية للحركة. كما ساعد على تقوية التوجهات البريطانية ظهور وايزمان وتشكُّل ما عُرف باسم (جماعة مانشستر)، وهي جماعة من المثقفين اليهود الشبان من بينهم ( إسرائيل موسى سيف وسيمون ماركس وهاري ليون سيمون). وكانت تربط هذه الجماعة علاقة قوية بشخصيات إعلامية بريطانية. وعن طريق هذه الوسائل ازدادت أهمية (جماعة مانشستر)، وزادت أهمية وايزمان كقائد جديد للحركة الصهيونية، وخصوصاً من خلال دعوته الملحة للتركيز على التأثير في بريطانيا العظمى والتخلي عن فكرة (الدبلوماسية التركية الألمانية)، التي كان هرتزل يتبناها وكذلك فكرته حول العمل على زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين لخلق تجمُّع يهودي "استيطاني" قوي يُوظَّف لصالح بريطانيا. وقد أدَّت هذه العوامل إلى أن يُنتخب وايزمان عام (1914) نائباً لرئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني.

ومما زاد من أهمية الحركة الصهيونية في بريطانيا، ازدياد اهتمام حكومة بريطانيا بمنطقة الشرق العربي ليس فقط جغرافياً، بل اقتصادياً، مع ظهور البترول وازدياد أهميته كمصدر للطاقة. ومع نشوب الحرب العالمية الأولى، أصبح الاتحاد الصهيوني البريطاني الذي كان يضم، في هذا الوقت، حوالي 50 جمعية في موقع رئيسي حيث فقدت اللجنة التنفيذية دورها القيادي لأنها تقع في برلين وبالتالي انعزلت فعلاً وقولاً عن العالم كله. وقام ناحوم سوكولوف عضو اللجنة التنفيذية بالانضمام إلى وايزمان، ومن ثم أصبحت اتصالات وايزمان بالساسة البريطانيين أكثر رسمية. ومما ساعد على تقوية موقع وايزمان، تأييد لويس برانديز رئيس اللجنة التنفيذية المؤقتة في نيويورك. وفي الوقت نفسه، عمل هربرت صمويل، وهو عضو في الوزارة البريطانية، على أن يحصل على وعد من الحكومة بإقامة دولة يهودية في فلسطين. وفي كانون الأول/ يناير عام (1916)، كُوِّنت لجنة استشارية من (ناحوم سوكولوف وياحيل تشيلينوف وموسى جاستر وحاييم وايزمان وغيرهم). بيد أن عمل اللجنة انتهى عام (1917) بعد استقالة هربرت بنتويتش منها لإتاحة الفرصة لوايزمان ليصير رئيساً للاتحاد الصهيوني الذي كان يخوض معركة شرسة على جانبين: الأول مع اللجنة التنفيذية العالمية ذات الاتجاه الألماني، والثاني ضد قادة التجمع اليهودي البريطاني من غير الصهاينة الذين كانوا يرفضون الصهيونية بعنف، حتى أن مؤيدي الصهاينة وبرنامج بازل لم يتعدوا 5 % من جملة يهود بريطانيا ، آنذاك.

ومع صدور (وعد بلفور) وتَواجُد العديد من القادة الصهاينة في لندن أثناء الحرب مثل أحاد هعام وفلاديمير جابوتنسكي، ازدادت قوة الاتحاد الصهيوني سواء عددياً أو من حيث تأثيره وسط الجماعة اليهودية. ومن الواضح أن الاعتراف الرسمي من قبَل الحكومة البريطانية بالحركة الصهيونية وتبنيها موقفاً صهيونياً حَسَم الموقف لصالح المنظمة الصهيونية وسط الجماعة اليهودية. وقد عُقد مؤتمر صهيوني في عام (1920) قام بانتخاب وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، وسوكولوف رئيساً للجنة التنفيذية. وبمعنى آخر، كرس هذا المؤتمر سيطرة الاتجاه البريطاني وأنهى تماماً الاتجاه الألماني. وحظي الاتحاد الصهيوني بتأييد سياسيين بريطانيين كبار من أمثال لويد جورج ولورد ملنر ونشرت الصحف البريطانية الصهيونية مقالات تؤيد وضع فلسطين تحت حكم الانتداب.

وقد أنشأ المؤتمر الصهيوني في لندن عام (1920)، الصندوق التأسيسي الفلسطيني (الكيرين هايسود)، وأصبحت لندن مقره الرئيسي حتى عام (1926) عندما انتقل إلى فلسطين. وهي خطوة ارتبطت بتنامي قوة الاستيطانيين وتأسيس مؤسسات خاصة. ثم انتقلت اللجنة التنفيذية إلى لندن وبقيت بها حتى عام (1936)، ومنها انتقلت إلى القدس. ويتبدَّى تنامي نفوذ الصهاينة وسط اليهود البريطانيين، وبكل وضوح، في تكوين الوكالة اليهودية الموسعة التي كانت تحت سيطرة الصهاينة تماماً.[/align]


[align=justify] 3- المرحلة الثالثة (1939 - 1948):

اتسمت تلك المرحلة بسيطرة الحركة الصهيونية تماماً على حياة ومقدرات اليهود في بريطانيا وكذلك سياسة الشد والجذب بين الصهاينة والحكومة البريطانية، ويمكن أن نعزو هذا لازدياد أهمية الولايات المتحدة الأمريكية وسط القوى الإمبريالية العالمية وازدياد ارتباط الصهاينة بالولايات المتحدة.

وكتعبير آخر عن محورية الدور البريطاني في الشؤون الصهيونية في ذلك الوقت، استقر فلاديمير جابوتنسكي في لندن منذ عام (1936) لإدارة أعمال المنظمة الصهيونية الجديدة التي أنشأها. وتم تأسيس الصندوق البريطاني المركزي لمساعدة اليهود الألمان، وكان الغرض الأساسي منه هو تهجير اليهود من ألمانيا وتوطينهم في فلسطين.


وقد ساعدت النازية أيضاً على إثارة مخاوف بعض القطاعات بين الجماعة اليهودية في بريطانيا، وهو ما شجع على ذهاب بعض منهم إلى فلسطين. ونقل هؤلاء عند عودتهم آراء "المستوطنين" الصهاينة في فلسطين وكيفية التعامل مع العرب. ومع الثورة العربية عام (1936)، وقبل ذلك مع ثورات أعوام (1921 - 1929)، كانت بريطانيا تلجأ لإصدار الكتب البيضاء من أجل إدخال الطمأنينة على قلوب العرب، وخصوصاً أعضاء النخب العربية المرتبطة بإنجلترا، وكان هذا يثير حفيظة "الاستيطانيين" الذين بدأوا في التفكير في أن الاعتماد الكامل على بريطانيا غير ممكن، ومن هنا كانت زياراتهم المتكررة للندن بهدف الضغط على الدولة البريطانية عن طريق التأثير المباشر في الاتحاد الصهيوني.

وقد خلقت الحرب العالمية الثانية وضعاً صعباً لليهود الإنجليز، فمع اشتداد الأزمة في بريطانيا، اعتبرت الحكومة البريطانية كل اليهود الألمان الموجودين في بريطانيا جواسيس ممثلين للعدو، (أي أنها نظرت إليهم النظرة التقليدية على أساس أن اليهودي هو دائماً الخائن/ الجاسوس/ المرابي الأبدي، أي الجماعة الوظيفية التي تعمل دائماً في خدمة من يدفع لها أجرها، ولم تقم الجماعات الصهيونية في بريطانيا بمعارضة هذا العمل).

وقد شهد عام (1942) تطوراً مهماً في تركيبة الاتحاد الصهيوني البريطاني، فقد انضمت إليه حركة (عمال صهيون) ذات الصلات القوية بحزب العمال البريطاني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا يُعدُّ مؤشراً على ازدياد أهمية "الاستيطانيين" وغالبيتهم من حركة عمال صهيون وأيضاً على توثيق الصلة بين الصهاينة في بريطانيا وبين القوى السياسية المختلفة، فقد كانت حكومة كلمنت إتلي العمالية هي التي وصلت إلى الحكم عام (1945) قبل نهاية الحرب العالمية وانتهى في عهدها الصدام المسلح بين "الاستيطانيين" والبريطانيين على أرض فلسطين. وقبيل تقسيم فلسطين عام (1948)، وأثناء انعقاد مؤتمر حزب العمال البريطاني عام (1947)، طالب مندوب حركة (عمال صهيون) في كلمته الموجهة للمؤتمر الذي حضره كمراقب زائر باتخاذ قرار بصدد قضية فلسطين يراعي روح وعود الحزب قبل الانتخابات البرلمانية، أي الإقرار بحق اليهود في كامل فلسطين.

4- المرحلة الرابعة (ما بعد عام 1948):

تتسم هذه المرحلة بضعف الحركة الصهيونية نسبياً، وانشغالها بأمور ثقافية وشكلية طقوسية. ويعود هذا بالطبع لتضاؤل أهمية بريطانيا في السياسة الدولية وزيادة أهمية الولايات المتحدة بشكل ضخم واعتماد القادة الصهاينة عليها.
وبعد إنشاء الكيان الصهيوني، استمر الصهاينة البريطانيون في عملهم الدعائي وفي خلق مؤسسات لرعاية مهاجري اليهود إلى فلسطين، وقد مثلت المنظمة الصهيونية جسراً بين الدولة الوليدة وأوروبا. وساهمت الحركة الصهيونية في دعم الكيان الصهيوني مادياً بمبلغ يزيد على سبعة عشر مليون جنيه إسترليني خلال الأيام الأولى لحرب (1967). وتندرج كل هذه المساعدات في الإطار "التوطيني". ويتضح الطابع "التوطيني" للصهيونية البريطانية في المساهمة الفعلية في الهجرة لـ(أرض الميعاد)، وقد صارت البلاد بالنسبة للصهاينة البريطانيين مركزاً روحياً أو بقعة مقدَّسة يتطهر فيها يهود المنفى مما علق بهم من أدران.

* نقد الصهيونية للوعد المشؤوم!!

ورغم المكاسب العظيمة التي جناها اليهود والصهاينة من (وعد بلفور)، غير أن هناك الكثيرين من الصهاينة ينتقدون ذلك الوعد، وكذلك الموقف البريطاني برمته، ومن هؤلاء المنتقدين الكاتب والمؤرخ الصهيوني د. يحيعام شورك (المحاضر في كلية بيت بيرل)، حيث يرى شورك أن: (وعد بلفور كان يهدف، أو من المفروض أن يؤدي، إلى دفن مشروعين سابقين فيما يتعلق بالشرق الأوسط: رسائل ماكماهون واتفاق سايكس- بيكو، بما يفضي إلى شرعنة وتكريس الكولونيالية البريطانية). ويتابع شورك: (لعله يكفي التعرف على السيرة الشخصية لبلفور وفلسفته السياسية والأخلاقية من أجل تخمين ومعرفة حجم الدهاء البريطاني الذي عبّر عن نفسه في ذلك الوعد الشهير. فقد أخذت الكولونيالية تظهر كمشروع بغيض ومرفوض في نظر الدول المنتصرة في الحرب وكعارض سرطاني خبيث يقبع في أساس عوامل وأسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى ولذلك اُخترعت لتحل مكان هذا الاصطلاح [أي مكان الكولونيالية] كلمة جديدة أو اصطلاح جديد وهو [انتداب] الذي لا يعدو كونه قناعاً للكولونيالية).

ويضيف يحيعام شورك: (في المحصلة فضّل البريطانيون إصدار وثيقة مؤيدة ومنحازة للصهيونية، على الرغم مما يمكن أن يقال عنها بأنها وثيقة غامضة وقابلة للتأويل. فالوثيقة تضمنت عبارات أو تعابير غير ملزمة من قبيل [تنظر - بريطانيا - بعين إيجابية..] أو [ستبذل قصارى جهدها... للتخفيف]، كما ويمكن التساؤل بشأن ما يعنيه تعبير [بيت قومي] وما هي حدود صيغة [في أرض إسرائيل] وغيرها؟ فهذه التعابير يمكن أن تفسر في الحدود القصوى كأساس لدولة حقيقية، وفي الحدود الدنيا، ككيان يتمتع بحكم ذاتي، مجرّد من الصلاحيات.
علاوة على ذلك فإن الجزء الأخير من (الوعد) يقوّض تماماً جوهر (الوعد) ويحطم الحلم الصهيوني.
فنهاية صيغة (الوعد) تعلن بصراحة ووضوح أن تجسيده لا يمكن أن يمس أو يضرّ بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين.


* من هو اللورد آرثر جيمس بلفور (1)؟

آرثر جيمس بلفور (1848- 1930): صهيوني غربي بريطاني، يُنسَب إليه التصريح الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام (1917) ويُسمَّى (وعد بلفور).
تلقَّى بلفور تعليماً دينياً من أمه في طفولته، وتشبَّع بتعاليم العهد القديم، خصوصاً في تفسيراتها الحرفية البروتستانتية. ورؤية بلفور لليهود متأثرة بالرؤية، التي تراهم باعتبارهم شعباً مختاراً، ومجرد وسيلة للتعجيل بالخلاص، وهي الرؤية التي تمت علمنتها فتحوَّل اليهود إلى الشعب العضوي (المختار) المنبوذ.
تبنَّى بلفور قانون الغرباء الذي صدر بين عامي (1903 و1905)، والذي كان يهدف إلى وضع حدٍّ لدخول يهود اليديشية إلى إنجلترا. وقد أدَّى موقفه هذا إلى الهجوم عليه من قبَل المؤتمر الصهيوني السابع (1905)، حيث وُصفت تصريحاته بأنها (معاداة صريحة للشعب اليهودي بأسره)، كما هاجمته الصحافة البريطانية.

وفي عام (1905)، قام بلفور بمقابلة حاييم وايزمان في مانشستر وأُعجب به كثيراً، ولكنه نسي فكرته الصهيونية إلى حدٍّ كبير في فترة الحرب. ثم قابله مرة أخرى عام (1915) وناقش معه الأهداف الصهيونية، بعد أن كانت الوزارة البريطانية قد ناقشتها عام (1914)، وعندما عُيِّن وزيراً للخارجية في وزارة لويد جورج عام (1916)، عاد بلفور لاهتمامه القديم بالصهيونية بسبب تزايد أهمية فلسطين في المخطط الإمبريالي البريطاني وبسبب تصاعُد الجو الثوري الذي ساد أوروبا والشرق العربي، وقد كان بلفور يرى أن الصهاينة حماة مجتمع ذي تقاليد دينية وعرْقية تجعل اليهودي غير المندمج قوة محافظة هائلة في السياسة العالمية.

وفي عام (1917) زار بلفور الولايات المتحدة في إطار محاولات إنجلترا حث الولايات المتحدة على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء، وقابل الزعيم الصهيوني الأمريكي لويس برانديز. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أصدر بلفور تصريحه أو وعده المشهور نيابةً عن الحكومة الإنجليزية. وقد شهد العام نفسه رفضه التدخل لدى الحكومة الروسية لإزالة القيود المتعلقة بإعطاء اليهود حقوقهم المدنية.

وبعد ذلك، استمر بلفور في دعم الصهيونية عدة سنوات وفي حزيران/ يونيو عام (1922)، ألقى خطاباً في مجلس اللوردات البريطاني يحث فيه بريطانيا على قبول فرض الانتداب على فلسطين، وتقدَّم بمسودة قرار الانتداب لعصبة الأمم، كما شارك في افتتاح الجامعة العبرية عام 1925 .

وقد بيَّن بلفور تصوُّره لمستقبل فلسطين في إحدى المذكرات حيث قال: (إن الصهيونية، سواء أكانت على حق أم كانت على باطل، خيِّرة كانت أم شريرة، فإنها ذات جذور متأصلة في [تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية غربية]. ولذا، فإن أهميتها تفوق رغبات وميول السبعمائة ألف عربي قاطني هذه الأرض). وقد أكد بلفور في مذكرة أخرى أن الحلفاء لم يكن في نيتهم قط استشارة سكان فلسطين العرب.

وانطلاقاً من إدراك الأهمية الجيوسياسية لفلسطين، طلب بلفور أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين (الذين رفض من قبل دخولهم إنجلترا)، وأن تُوسَّع حدودها لتشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن.

ويوجد في الكيان الصهيوني (موشاف) يُدعَى [بلفوريا] أسسه "مستوطنون" من الولايات المتحدة، كما توجد شوارع في القدس المحتلة و"تل أبيب" سُمِّيت جميعها باسمه، ويطلق كثير من اليهود على أبنائهم اسم (بلفور) مع أنه ليس اسماً عبرياً أو يهودياً. وقد ألَّف بلفور عدة كتب في الفلسفة الدينية، من أهمها: دفاع عن الشك الفلسفي (1879)، وأُسس الاعتقاد الديني: ملاحظات أولية لدراسة اللاهوت (1893)، والإيمان بالله والفكر: دراسة في العقائد المألوفة (1923).
[line]-[/line]

1) المصدر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، عام 1999.

نص الوعد/ الإعلان: كما نشر في الصحف البريطانية صباح (23 من المحرم 1336هـ الموافق لـ8 من نوفمبر 1917م) وكان نصه:

[وزارة الخارجية
2 من نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشلد
يسرني جدّاً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
(إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح
).
المخلص
اللورد آرثر جيمس بلفور]
[/align]
توقيع أسماء بوستة
 [frame="15 85"]
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إن لم يكن دينه إلى ديني دان
لقد صار قلبي قابلا كل صورة :
فمرعى لغزلان و دير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
و ألواح توراة و مصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه
فالحب ديني و إيماني
إبن عربي
[/frame]
أسماء بوستة غير متصل   رد مع اقتباس