عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 11 / 2009, 16 : 12 PM   رقم المشاركة : [1]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

الصيف القادم أجمل



مضى الصيف وانطفأت جذوة البحر فهل ينقطع الوصال فجأة كما بدأ قبل شهر أو دهرٍ ربّما؟ وضعت رأسها فوق كتفي، كان الحزن قد أخذها إلى مداراته بعيدًا عن جزري وهضابي وحدائقي الخضراء.

هل تشكّين بتنبؤاتي؟ الصيف القادم سيكون أجمل يا حبيبتي، لهذا أحببت الخريف في عينيك المتعبتين. لهذا أحببت الشتاء الذي سينحني ليقبّل شفتيك العذبتين، والندى يا غريبة سيبلّل جدائلك الغجرية المتطايرة في مهبّ الريح! أخبريني عن حدود عشقك واسمك الذي أضعته مع رياح الخماسين. من تكونين وكيف أتيت من العدم لتتركي بصمات نساء الدنيا مجتمعة في حضورك؟ كلّ هذه الأسئلة وما زلت تبحثين عن أثر البحر والصيف الذي غاب ومضى مع قافلة الغجر والنورس المهاجر تُجاه الجنوب. هنا العرائس تغنّي والموال يطول. أدعوك لكانوني الأوّل والثاني وما أن ينقضي شباط حتى أحتفي بك طِوال آذارَ. سأصبغ الشعيرات البيض في غرّتك وسأدلق فوق رحيقك عطر الصندل ومسك الختام فبعدك كلّ النساء مضين خلف السحاب هرباً من ظلّك. الصيف القادم أجمل فلا تتركي القبطان وحيداً وسط هذه الجمهرة من قراصنة النسيان. يا حبراً لم يُسكَب فوق أوراق شاعرٍ بيضاء كنهدك الذي تجاوزته شمس المتوسّط!

أما زلت تتقنين الحزن وترسمين نعاساً فوق أهداب تغلق أبواب السماء حين تسدل؟

الموج يرتفع والبحر يغضب. أتنفجر مقل الحواري حين يهرب المصطافون ويبتلّ الرمل وتختفي أثر الأقدام الحائرة بحثاً عن الصدف والمحار ولؤلؤة تتهادى فوق جيد عذراء؟ أنا لا أؤمن بالغيم المسافر مدفوعاً بشبق الريح، أنا ابنة البحر والصيف رفيقي. أبحث عن انعتاق من أثواب الخريف، أخشى أن أبقى أسيرة كانون الأول والثاني طويلٌ طويل. أخشى أن أفقد القدرة على العودة هنا، أخشى أن تبهت الذكرى ونقسو على قوافينا التي تبعثرت فوق الصخور الجرداء. أين الخلاص وروحي ما تلبث تثور ترفض الخضوع ترفض الركوع ترفض الانحناء أمام عواصفك المحمومة. كيف اهتديت لموانئك؟ كنت أرغب بقبطان يتقن التقاط الغد ولا يخشى الأمس فإذا بي أمام واقعيّ يقرأ الجمال ويحفر اسمي فوق جبينه لأبقى ويذوب القلب في محنة اللقاء المؤجّل. أين صيفي الآخر؟ أين اختفى السنونو في رحم الليل الطويل؟

لم يبقَ سوى خطوة ونصل الهاوية. فهل نمضي بعيداً نحو الأمل؟ ملأت كأسي بماء البحر ورفعت نخبك عالياً، فلينفطر القلب يا آخر نداء، لنجرع الكأس المالح حتى الثمالة، ثمّ نرتقي صهوة حصانٍ عربيّ أسود ونغزو الليل. نحاول أن نطرد السحب حتى تنكشف عين الشمس الباردة. هل نسيت بأنّ الصيف أدار ظهره لنا وبانت أنياب الخريف، مستعدّة أن تنهش لحمك الأبيض.

مضى هذا الصيف فلا تجزعي، دعيني أكمل أغنية قد أنْهيها على شاطئ خريفيّ وحيداً. اذهبي نحو الديار في الجنوب، فقد تعوّدت الخيانة. واتركي الزبد أملؤه براحة يدي، أجرعه ولا أخشى عيون الدلافين وأسماك القرش العابثة. هنا خيمتي أرفعها في عقر كانون، إذا شئت الهطول في بساتيني فأنا ظمئ لشفتيك.
ألا فأمطري .. ألا فأمطري،
لم يبقَ من الشوق سوى موجة.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس