الموضوع: ترجـمـــات
عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 01 / 2008, 42 : 08 PM   رقم المشاركة : [6]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: ترجـمـــات

العزلة

قال لي صحافي محب للبشر بأن العزلة مضرة للإنسان، وليدعم أطروحته، أخذ يستشهد، كما يفعل جميع السذّج، بأقوال آباء الكنيسة.
أعلمُ أن الشيطان يتردد بكل سرور على الأماكن الموحشة وأن روح الغدر والإثم تلتهب بإبداع في العزلة. لكن من المحتمل أن هذه العزلة لن تكون خطرة إلا للنفس الباطلة والتائهة التي تغمرها أهواؤها وأوهامُها.
من المؤكد أن ثرثاراً لذته العليا هي أن يخطب من منصه عالية أو منبر، يعرض نفسه للجنون في جزيرة روبنسون. لا أطالب هذا الصحافي بأن تكون له شجاعة كروزو، لكنني أطلب منه أن لا يصدر حكماً على عشاق العزلة والغموض.
يوجد في أجناسنا المجعجعة أفراد يقبلون المقصلة بقليل من النفور لو سمح لهم أن يخطبوا في الجماهير من أعلى صقالة الإعدام غير خائفين أن خطبتهم ستقطعها في وقت غير مناسب طبول الجلاد.
لا آسفُ عليهم لأني أدرك أن خطاباتهم تأتيهم بلذاتٍ تساوي ما يجتنيه الآخرون من الصمت والخشوع؛ لكنني أحتقرهم.
أودُّ بالأخص أن يتركني هذا الصحافي اللعين ألهو على طريقتي. "ألا تحس مرة"، قال لي مدندناً بنبرة رسولية، "بالحاجة إلى مشاطرة الآخرين ملذاتك؟" انظروا إلى هذا الحسود الخفي. إنه يعلم إني أمقت ملذاته وها هو يتدخل في ملذّاتي! ياله من منكود ذميم.
قال لابرويير في مكان ما: " شقاء كبير هذه اللاقدرة على الوحدة"، وكأنه يندد بكل أولئك الذين يتسرعون لينسوا أنفسهم في الحشد خائفين، بلا شك، من عجزهم عن تحمل أنفسهم.
ويقول حكيم آخر: " معظم شقائنا يتأتى من عدم قدرتنا على البقاء في غرفتنا". أظن أنه باسكال متذكراً في صومعة الخشوع والتأمل، كل أولئك الجزعين الذي يبحثون عن السعادة في الضوضاء والحركة، في دعارة أستطيع أن أسمّيها "أخوية"، إذا أردتُ أن أتحدث بلغة قرننا الجميلة.



بودلير




ترجمه الجنابي
  رد مع اقتباس