رد: فنجان قهوة ... ومساحة من البوح
[align=justify]مساء الخير مجددا
أستاذتي الغالية بوران شما،أشكر لك كلماتك في حقي و كلمات صديقتي عروبة أيضا، ربما انتبه الكثيرون إلى أن معظم تدخلاتي و مشاركاتي بالأساس تخص القضية الفلسطينية،و قد قلتها من قبل في هذه المساحة " إن عطرا فلسطينيا لا يُقاوم هو ما جذبني إلى هذا المنتدى" لأني لي قصة مع فلسطين
هذا جزء من رسالة كتبتها إلى صديق فلسطيني سألني نفس السؤال: تبدين و كأنك فلسطينية..؟
"منذ حوالي عشرين سنة، و بالتحديد سنة 1989 أيام انتفاضة الحجارة، كان لي من العمر ثماني سنوات وأثناء الدرس كان المعلم بصدد تعليمنا كيفية احتساب الأعمارو طلب من كل تلميذ أن يذكر تواريخ ميلاد أفراد عائلته و أن يحتسب أعمارهم. سألني المعلم عن عمر والدي، فأجبته بأنني عجزت عن احتسابه لكني أعرف سنة مولده: هو من مواليد سنة 1948 تغيرت ملامح وجه معلمي وقال بنبرة حزينة : "والدك من مواليد سنة النكبة"...
أتعلمون كيف وقعت كلمة نكبة على طفلة الثماني سنوات؟ كان وقعا حزينا، لم أعلم لما هكذا كانت ردة فعلي، رغم أني حينها لا أعرف من قضية فلسطين غير أطفال الحجارة و لا أعلم حتى لما يلقون بالحجارة دائما.
أثار اصراري على فهم كلمة النكبة استغراب معلمي، ففسر لي بطريقة مبسطة كيف سُلبت فلسطين و كيف شُرّد أهلها في جميع أنحاء العالم و أوضح لي أن أطفال الحجارة يلقون بالحجارة على من اغتصب أرضهم ليسترجعوا وطنهم الضائع، ليسترجعوا فلسطين الضائعة.
وببراءة الطفلة أو سذاجة من لم تفقه غير آخر كلمة نطق بها معلمها سألته : هل بامكاني البحث معهم عن فلسطين الضائعة.
ابتسم بمرارة و ربّت على رأسي و أجاب : ابحثي عنها يا صغيرتي، علكم تجدونها و تغسلون عار آباءنا الذين فرطوا فيها و عارنا نحن الذين وقفنا مكتوفي الأيد نتفرج، عاجزين حتى على الكلام.
كانت بذرة زرعها عربي مسحوق، منكوب في قلب طفلة رغبت يوما في البحث عن المفقودة.
أتعلمون كيف كانت طفلة الثماني سنوات والعشر سنوات و الاثني عشر سنة تبحث عن فلسطين؟
كانت تبحث عنها في صور ياسر عرفات، في صور علم فلسطين، كانت تقصّهم من الصحف و تملؤ بهم درجها. كان درج تلك الطفلة نبعا يسقي بذرة تنمو في قلبها. و تكبر الطفلة و تصير أغاني مارسال خليفة و فيروز، قصص غسان كنفاني و جبرا ابراهيم جبرا، أشعار درويش، غيثا يحول بذرتها الى شجرة، شجرة زيتون، شجرة برتقال ، شجرة لوز، شجرة ليمون؟ لا أعلم، ما أعلمه أن حب فلسطين صار جزأً لا يتجزأ من تفكيري ، وأصبح بحثي عن طريقة لأن أمنحها و أعطيها، هاجسا.
سنة 2001، تندلع انتفاضة الأقصى، و تنتفض الجامعات، وتجد الطالبة الجامعية، ذات العشرين ربيعا، نفسها بصدد مواصلة البحث، بصدد رغبة ملحة في العطاء. تظاهرت و بحثت عن الحبيبة المفقودة في شعار كانت تردده، كانت حتى لا تفقه إن كان شعارا اشتراكيا، اسلاميا أو يمينيا.. ما كان يهمها حينها أن تصرخ و تجهر بحبها، بحثت عن فلسطين في قنبلة غاز تسقطها قوات البوليس على المتظاهرين، وكان تتردد في نفسها أبيات درويش " منكم قنبلة الغاز و منا المطر" و تسيل دموع تحرق عينيها و يفترّ ثغرها عن ابتسامة فرح. ما كان يفرحها أن شجرتها تورق و تونع يوما بعد يوم............
"الانسان قضية" هذا ما قاله لي غسان كنفاني عندما قرأت " عائد الى حيفا "، ينتفي اللحم و الدم و تذاكر الهوية و جوازات السفر و تبقى القضية.
عندما قرأت عن شاعر الأقصى يوسف العظم و عن تخصيصه لجزء هام من أشعاره لفلسطين و عن تأسيسه لمدارس الأقصى بالأردن و شدني يوما جوابه عن سؤال استنكاري لأحدهم : " هل أنت فلسطيني؟ "، أتعلمون ماذا أجاب، لم يقل أنا أردني و لم يقل لست فلسطينيا، بل قال " كل مسلم هو فلسطيني حتى تُحرّر فلسطين "
عندما قرأت عن الدكتور عبد الوهاب المسيري و اطلعت على بعض من أعماله خاصة " موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية " ، اكتشفت أن هذا الذي خصّص ثلاثة أرباع مؤلفاته ليقدم لنا حقائق تاريخية عن الظواهر اليهودية والصهيونية والإسرائيلية و ليعرفنا بالحركة الصهيونية ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة الصهيونية. انما هو مصري و ليس فلسطينيا.
و عندما يكون شيخ شهداء فلسطين عز الدين القسام، ابنا لمدينة "جبلة " السورية ، ففلسطين اذا ملك لي أيضا."
أستاذتي الغالية بوران أرجو أن لا أكون قد أطلت ..و أرجو من الله أن يمكنني يوما من تقديم شيء لفلسطين..و إن كانت روحي...فلن تغلو عليها.
محبتي[/align]
|