رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
[align=justify] أعلام القيروان
كان الفتح الإسلامي في بلاد المغرب فتحا فكريا صاغه الإيمان وأنار شهرته أعلام خالدون هم أسد بن الفرات والإمام سحنون أئمّة المدرسة الدينية والقانونية السنيّة بالقيروان والطبيب الكبير ابن الجزار الذي سرعان ما ترجم إلى اللاتينية ورائدي النقد الأدبي ابن رشيق وابن شرف وغيرهم ممن تساووا مع الملوك والأمراء في كتابة تاريخ القيروان.
الأديب محمد الحليوي
(1907/ 1978)
هو محّمد بن عبد السلام بن أحمد الحليوي
من أعلام الأدب الحديث ومن روّاد التجديد
ولد بالقيروان يوم 3أوت 1907 وتوفي يوم 1 سبتمبر1978
وبعد تعلّمه الابتدائي بها ، انتقل إلى مدرسة ترشيح المعلمين بتونس العاصمة.
وفي سنة 1927 أحرز على شهادة انتهاء الدروس ثم دخل المدرسة العليا للّغة والآداب العربية.
وفي سنة 1930 أحرز على شهادة البروفي العربي.
وفي سنة 1940 تحصّل على الديبلوم الأعلى للغة والآداب العربية ،اشتغل بالتعليم في عدّة مدن وقرى من البلاد التونسية ثم تحوّل إلى التدريس في المعهد الثانوي بالقيروان.
وأصبح في سنة 1956 مديرا لهذا المعهد إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1970.
اضطلع بعبء الإنتاج في مختلف ميادينه وقد عالج الشعر والمقالة والترجمة، وعني خاصة بمعالجة النقد، وكان من أبرز أدباء تونس ومن أصدقاء أبي القاسم الشابي.
نشر في معظم الصحف والمجلاّت،( العالم العربي والمباحث والثريّا والجامعة والندوة والفكر).
كما نشر قصائده الشعرية في مجلّة " أبو لو "و" الرسالة". كما تولّى تحرير مجلّة التعليم العربي بداية من جانفي 1931، وتولّى من 1957 إلى 1959 رئاسة بلدية القيروان، وأصبح في سنة 1965 عضوا بلجنتها الثقافية .
مــن كـتبـه:
في الأدب التونسي – تونس 1969
رسائل الشابي – تونس 1966
مع الشابي- من سلسلة كتاب البعث 1955
القيروان في التاريخ والأدب :
كتاب محمد الحليوي ناقدا وأديبا 1984
عبد الّلطيف الطّوير
(ت. 1199 هـ / 1785 )
هذا الشاعر لم ينل حظّه من الشّهرة كشعراء القيروان الآخرين. وبالرغم من هذا الغبن الذي في العصر الحديث فهو من المترجمين في "إتحاف أهل الزّمان" لا بن أبي الضّياف والمذكورين في "مجمع الدّواوين التونسية" لمحمّد مخلوف و "تاريخ قضاء القيروان" لمحمّد الجودي.
نشأ بالقيروان وأخذ عن شيوخ كثيرين مثل الشّيخ عبد اللّه السّويسي الذي وفد من المغرب واستوطن القيروان ولازم علي باشا الحسيني.
اشتغل بالتّدريس في مدينة تونس ثم رجع إلى القيروان حيث تخرّج عنه أئمّة أعلام.
فقيه ونحويّ وبارع في علم الفرائض.
تولّى القضاء والإفتاء بالقيروان.
كانت له علاقة بالشاعر علي الغراب الصفاقسي إذ كانا يتراسلان أهمّ أخباره في "الكتاب الباشي" لحمّودة بن عبد العزيز.
شكا في شعره ما لحق القيروان وأهلها من أذى على أيدي حزب علي باشا بسبب مساندتها لعمّه حسين بن علي.
حاذق بالنظم، قادر على المطوّلات مجيد في شعر المناسبات.
نشر له ديوان بتحقيق أحمد الطويلي وصدر عن الدّار العربيّة للكتاب سنة 1981.
رثـاء القيـروان
بيد لها شقّوا (جيوب) ملابس *** صبغت بصبغ عتوّها وسمودهـا
لم تخش أهوال المعاد كأنّهـا *** بيـن المعـاد مقـرّة بجمودهـا
هجموا ببغيهم ديار عصابـة *** ألقـت قيـاد السّلـم بعد نهودها
فترى الكواعب بينهم وكأنّها الـ *** غـزلان بين قرودها وفهودهـا
هاتيك صارخة بأعلى صوتها *** فكأنّهـا فجعـت بنعـي ودودها
حنقوا عليها فانبروا لخناقهـا *** فأرتهـم المقصور من ممدودها
قد شفّها الرّوع المقيم فلم تزل *** ترتـاع حال قيامهـا وقعودهـا
أجرت عيون عيونها إذ قبّلوا *** باللّطـم والتخميش ورد خدودها
يـاليتهم لـو أمهلوها ريثما *** في نزعها تجري على معهودها
ما إن كفاهم كلّ ذاك فأدخلوا *** في نزعها تجري على معهودها
ما إن كفاهم كلّ ذالك فأدخلوا الـ *** أيدي إلى تفتيش حشو برودهـا
محمّـد مزهـود
(1929 - 2003 )
من فحول شعراء القيروان وأبرز ممثّلي المدرسة الكلاسيكيّة العربيّة فيها، نشأ بمدينة القيروان حيث تلقّى تعليمه الابتدائي بمدرسة الفتح التي أصبح فيما بعد من أشهر معلّميها، وواصل دراسته بجامع الزّيتونة بتونس حيث أحرز على شهادة "التّحصيل" سنة 1950.
لمع نجمه بإحرازه على الجائزة الثّالثة في مسابقة العيد الأوّل للاستقلال، ثمّ كان له حضور بارز في المناسبات الوطنيّة. وقـد نسج محمّد مزهود في شعره الوطني على منوال شعراء العربيّة الكبار ولا سيّما المتنبّي الذي كان شاعره المفضّل، فجاءت قصائده متنوّعة الأغراض ثريّة المعاني.
فإذا بالمديح يمتزج بوصف الطّبيعة والتغنّي بالوطن والبوح بذات النّفس ممّا يجعل قصيدة مزهود تشتطّ في الطّول رغم بحورها الصّعبة كالمنسرح وقوافيها المستعصية كحرف الطّاء ويمتاز الشيخ مزهود بأنّه واصل سنّة قيروانية قديمة اشتهر بها خاصّة إبراهيم الحصري وهي رعاية شباب الشعراء وتدريبهم على صناعة النظم وكان في ذلك معلّما بارعا وصناعا معلما.
شديـد في المحاسبة على صفاء اللّغة العربيّة ونقاوتها ممّا جعله لا يصطفي من الشعراء إلا القلّة التي تستجيب لشروطه النّخبويّـة، كما يظهر في مقدّمة قصيدته القافية حيث يهاجـم "المحدثين" ويصف منهجه في الشّعر. وهو من أطرف الأدباء في مجالسه الخاصّة، له أشعار كثيرة في الإخوانيّات ووصف المجالس، لأنّه سريع الارتجال، ولا يستنكف في هذا اللّون من الشّعر من المزج بين العاميّة والفصحى، له ديوان ضخم مازال ينتظر النّشر.
من إخوانيّاتــه:
مـازال للشّعـر هـاهنا ألـق *** وللشّذى في رحابـه عبـق
وللقوافـي الجلال مـا بقيـت *** في هذه الأرض ألسن نطق
تفضـي بأسرارهـا قوافلهـا *** وباسم سحر البيان تنطلـق
وهّاجـة النّـور عقـد لؤلئها *** يـرى بجيد الزّمان يأتلـق
قـد همت بالشّعر في روائعه *** يجلـى وريّا فحـواه تنتشق
تحيا بأنفاسه المشاعر لا الـ *** مطمـع يوحي به ولا الملق
تسمو بنفسي أسرار نفحتـه *** ويغمر الرّوح فيضه الغـدق
ينبوعه الثّرّ في اختلاجتـه *** ومـن بديع الإلهـام ينبثـق
حنيــن
يـا قيرواني منك شعّ هـدى *** ما كان يطمس فجره الكفر
يمتـدّ في الآفـاق منتشـرا *** لا البرّ يحرمه ولا البحـر
جرّي ذيول الفخر وابتهجـي *** ما زال يعمر ساحك الخير
وتحـدّي الدّنيـا على قـدر *** كبرا وما في خلقك الكبـر
تغـري بما تغري مباهجهـا *** ويقيـم في آفاقهـا الفكـر
السّحـر والإلهـام يذرؤهـا *** يـا بورك الإلهام والسّحر
محمّد الفائز القيرواني
(1902 هـ / 1953 )
يمكن اعتباره مثل صالح سويسي، شاعرا مخضرما، بمعنى أنّه همزة وصل بين عهدين رغم تزامنه، فترة من حياته، مع الشاذلي عطاء اللّه والناصر الصدام ومحمّد مزهود. إلاّ أنّه توفّي قبل الاستقلال الذي كان له أثر كبير في سيرتهم الشّعرية.
باشر التّعليم ثم تولّى إدارة مدرسة بالأسواق كانت تعرف بالمدرسة الصغيرة مقارنة ، بـ "مدرسة الفتح ".
يمتاز شعر الفائز برقة الديباجة وجنوحه للبحور القصيرة. ولا يعدّ الفائز من الشعراء المكثرين (انظر الدّيوان – إعداد عبد الرحمان الكبلوطي – الدّار التّونسيّة للنّشر – تونس 1977).
ذكـرى القيـروان
لا النّظم يرضينى ولا ما أنثر *** إن لـم تكن تلك الكواكب تنثـر
على أن أوفّي الزائرين حقوقهم *** وأصوغ فيهـم ما يروق ويبهـر
وقفت (مزاق) لكم كوقفتها وقد *** رجع المعـزّ لها وسيفـه مشهر
قامت تحيّيكـم بلابلهـا على *** تلك الطّلـول الدّارسات وتشكـر
حتّى ( زرود ) حيالها مترنم *** وعرفتـم الفضـل الذي لا ينكـر
صونوا ثراها أن يداس فإنّـه *** ضـمّ الألى فتحوا البلاد وعمّـروا
ذكرى ابن رشيـق
رأيتك في القرون الغابـرات *** تحلّق في سماء المعجـزات
تسـاق إليك أبكار المعانـي *** فتختار العذاري الساحـرات
وتكسوها من الإبداع ثوبـا *** قشيبـا من نسيج النيّـرات
شرعت لنا طريقا لو سلكنـا *** سواها ما اهتدينـا للنجـاة
حفظت الشّعر في سفر كريم *** غدا كالحقّ في أيدي الهـداة
بنيـت به قصورا شامخـات *** وحسبك بالقصور الشامخات
أقمت به عروس الشّعر كيما *** تصان عن الأكفّ العابثـات
عميـد الشّعر والشّعراء هيّا *** لمجلسـك الممتّـع بالغـداة
إلى دار المعزّ نجـدّ سيرا *** حثيثـا فوق متن الصافنـات
القــزّاز
محمد بن جعفر القزّاز التميمي، أبو عبد الله، والقزّاز نسبة إلى عمل القزّ وبيعه، وكانت من الحرف الشائعة في إفريقية.
مولده بالقيروان حوالي سنة 345هـ ، وقرأ بها العربية على فحول نحاتها ولغوييها وبرع في العلوم، ثم انتقل إلى المشرق فاجتمع بأيمة اللغة والأدب، وفي مقدمتهم أبو علي الحسين بن ابراهيم الآمدي تلميذ ابن دريد والأخفش، وحمل عنهم، وقد أورد لنا القزاز روايته في كتابه "ضرائر الشعر" حيث قال " حدثنا أبو علي الحسين بن إبراهيم الآمدي، قال حدثنا أبو الحسين علي بن سليمان الأخفش، قال أخبرنا محمد بن يزيد المبرّد قال ...."( ص 6 من ضرائر الشعر ( كما أورد لنا تلميذه ابن رشيق سنده في رواية اللغة وأخبار الشعراء حيث يقول في غير ما موضع من العمدة : "أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي، عن أبي علي الآمدي، عن علي بن سليمان الأخفش، عن محمد بن يزيد المبرّد " ومنهـا : " أنشدنا أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي عن أبي علي الحسين بن إبراهيم الآمدي عن ابن دريد، عن حاتم السجستاني عن أبي زيد الأنصاري".
ومن هنا يتّضح لك كيف انتقلت رواية الأخبار والأشعار من جهابذة رواة المشرق إلى أبناء إفريقية والمغرب وأقام القزّاز مدة ليست بالقصيرة في مصر، كان في خلالها يخدم بعمله وقلمه الأمراء الفاطميين ولاسيما الأمير العزيـز بن المعز لدين الله. روى ابن خلكـان – بالنقل عن أبي القاسم بن الصيرفي- أن القزّاز كان في خدمة العزيز بن المعز صاحب مصر وصنف له كتبا.
وذكر الأمير المختار المعروف بالمسبّحي في تاريخه الكبير أن العزيز ابن المعز العبيدي تقدّم إلى القزّاز أن يؤلّف له كتابا يجمع فيه سائر الحروف التي ذكر النحويون من أن الكلام كله إسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وأن يقصد في تأليفه إلى ذكر الحرف الذي جاء لمعنى، وأن يجري ما ألفه من ذلك على حروف المعجم، فسارع أبو عبد الله القزّاز إلى ما أمره العزيز به، وجمع المتفّرق من الكتب النفيسة في هذا المعنى على أقصد سبيل، وأقرب مأخذ، وأوضح طريق.
ويظهر أن القزّاز فارق مصر بعد وفاة مخدومه العزيز بالله – سنة 386- وعاد إلى بلده ومسقط رأسه القيروان واستقر به إلى آخر حياته وتصدّر لتدريس العربية، والأدب، فتخّرج عليه مشاهير أدباء الطبقة الزاهرة حسبما يأتي.
وكانت طريقة القزّاز في مجالس دروسه أن يلقي على طلبته مشكلات المسائل اللغوية، ويطرح عليهم أبيات الشعر العويصة ويطلب منهم فك معانيها وتفسير ألفاظها...ولا يخفى ما في مثل الفكاهات والملح الأدبية في عرض الدروس وسيلة لتشحيذ قريحة الطالب وإيقاظ همته من الملل، علاوة على ما في ذلك من المباسطة المحمودة والمؤانسة اللطيفة التي تربط أيما ارتباط التلميذ بشيخه.
ويؤكده مامدحه به تلاميذه من القصائد الكثيرة، فمن ذلك قول يعلى بن إبراهيم الأربسي من أبيات :
نسجت شعاعا بيننا منها فبتـ *** نا جميعا تحت ثوب مذهب
فمزجتها من فيه ثم شربتها*** ولثمته برضاب ثغر أشنب
في ليلة للدهر كانت غرّة *** يرنو إليها الخطب كالمتعجّب
فتّ الأنام بها كما فت الورى*** سبقا محمد بالفخار الأغلب
أبدا على طرف السؤال جوابه*** فكأنما هو دفعة من صيّب
يغدو مساجلة بغرّة صافح*** ويروح معترفا بذلة مذنب
فالأبعد النائي عليه في الذي*** يفتر كالداني إليه الأقرب
وكان القزّاز معجبا بهذه الكلمة ويقول : ما مدحت بأحبّ إليّ منها.
وإليك بعض ما وصفه به تلميذه الكبير ابن رشيق حينما ترجمه في الأنموذج، قال : "فضح أبو عبد الله (القزّاز) المتقدمين، وقطع ألسنة المتأخرين، كان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوبا عند العامة، قليل الخوض إلاّ في علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا." ثم ذكر شعره ومنزلته من الأدب، فقال "وله شعر مطبوع مصنوع بما جآء به مفاكهة وممالحة من غير تحقر ولا تحفل، يبالغ بالرفق والدعة، على الرحب والسعة، أقصى مايحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعاني وتوكيد المباني، علما بتفاصيل الكلام، وفواصل النظام".
وساق له ابن رشيق في الأنموذج مقاطع كثيرة، ثم قال : "وشعر أبي عبد الله أحسن مما ذكرت لكني لم أتمكن من روايته" كما أورد له أبياتا متفرقة في غضون العمدة، وكلما ذكره فيها إلا ويقول: قال شيخنا مما يدل على عظيم إجلاله لأستاذه ورفيع منزلته عنده.
ولا غرابة أن عدّ القزّاز أكبر إمام أنبتته التربة الإفريقية في اللغة والأدب، فإن تعليمه العالي وتأثيره على طلبة العلم أنتج غير واحد من مشاهير الأدباء والكتّاب البلغاء الذين فاخرت بهم البلاد التونسية في عصر فيض التمدّن الإسلامي.
ولا بأس أن نذكر بعض الآخذين عنه ممّن عرفوا بالأدب الرفيع، فمنهم الحسن بن رشيق وقد تقدمت الإشارة لأخذه عنه، ومنهم يعلى بن إبراهيم الأربسي، ومحمد بن شرف، والحسن بن محمد بن الربيب، قال ابن رشيق : "وكان شيخنا القزّاز معنيا به محبّا له فبلغ به النهاية في الأدب وعلم الخبر والنسب". ومنهم عبد الرحمان المطرّز الشاعر الظريف، ومن كبار تلاميذه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي المشهور في علم القراءات، وسواهم كثير.
وتوفي القزّاز بالقيروان عن سنّ عالية قيل عن سبعين وقيل عن تسعين عاما والأول أرجح عندي- وذلك في خلال سنة 412 كما أثبته ابن رشيق. وترك القزّاز ابنا اسمه عبد الله سلك مسلك أبيه في العلم والأدب.
وللقزّاز من التآليف:
1. "جامع اللغة " ويسمى "الجامع" مجرّدا، معجم لغوي من أهم الكتب الكبار المختارة، مرتّب على حروف المعجم ، قال ياقوت: هو كتاب كبير حسن متقن يقارب "التهذيب" لأبي منصور الأزهري. اعتمده سائر أصحاب المعجمات اللغوية الذين جاؤا من بعده كابن منظور الإفريقي في (لسان العرب)، والفيروزابادي في (القاموس المحيط)وغيرهما. ومن دواعي الأسف الشديد أن يضيع مثل هذا الأصل الثمين الذي يعدّه أهل الفن من اللغويين من الأمّهات المعتمدة.
وذكر الصفدي كتاب "الجامع" في ترجمة القزّاز وقال: "هو كتاب كبير يقال إنه ما صنّف مثله" ثم قال: "وفي وقف الفاضل بالقاهرة نسخة منه" فدلّ على أن "الجامع" كان موجودا في عصره في مصر.
ويحتمل أن يكون المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 343 غير المنسوب إلى مؤلف لسقوط الورقة الأولى منه هو "الجامع" للقزّاز، فليحرّر.
2. "الحروف" في النحو، وقد سبقت الإشارة إلى سبب وضعه وإلى طريقته، في عدة مجلدات – قيل في ألف ورقة- قال ابن الجزّار القيرواني : " وماعلمت أن نحويا ألّف شيئا في النحو على نحو هذا التأليف" وذكره أبو بكر بن خير من ضمن مروياته وكان يعرفه وجعله من كتب اللغة.
3. "الضاد والظاء" في 3 أجزاء.
4. "التعويض، فيما يدور بين الناس في كلامهم من المعاريض" كذا ضبطه ابن خلكان، وسمّاه الصفدي وغيره "التعريض والتصريح" ولا أدري إن كانا واحدا أو هو كتاب ثان. في مجلد.
5. "ضرائر الشعر" ويسمّى أيضا "ما يجوز للشاعر استعماله في ضرورة الشعر". قال القزاز في مقدمته : هذا كتاب أذكر فيه – إن شاء الله – ما يجوز للشاعر عند الضرورة من الزيادة والنقصان والاتساع في سائر المعاني من التقديم والتأخير، والقلب والإبدال، وما يتصل بذلك من الحجج عليـه، وتبين ما يمّر من معانيه،الخ . منه نسخة قديمة جليلة بدار الكتب بمصـر(رقم 1830) أخذت عن نسخة تلميذه عبد الرحمن بن عبد الله المعافري المطرّز الشاعر القيرواني، فرغ من نسخها في 10 ربيع الآخر سنة431 – ومنه نسخة بالتصوير الشمسي في مكتبتي الخصوصية، تخرج في 130 ص ، وما أحوج عالم الأدب العربي إلى طبع هذا الأثر النفيس الذي لا يقوم مقامه أيّ كتاب من مؤلفات المتأخرين.
6. " إعراب الدّريدية " وشرحها، وهي القصيدة المشهورة بمقصورة ابن دريد التي مدح بها الشاه ابن ميكال، وأولها :
أما ترى رأسي حاكى لونه *** طرّة صبح تحت أذيال الدجى؟
7 . " المثلّث " وقيل " المثلثات " في اللغة من وضع القزّاز وليس هو شرح " المثلث" المشهور لقطرب النحوي كما زعم الحاجي خليفة في كشف الظنون (2: 673 ) ويؤيد ما ذهبنا إليه أن أبا جعفر أحمد بن أبي الحجاج يوسف اللبلي الأندلسي- المتوفى بتونس سنة 691 – في شرحه المسمى " تحفة المجد الصريح، في شرح كتاب الفصيح" أي فصيح ثعلب، ينقل كثيرا عن "جامع اللغة" وعن "المثلث" للقزّاز، وكان هذا الكتاب الأخير في ملكه بخط مؤلفه، فيقول : " قال القزّاز في (مثلّثه) ونقلته من خطه".
8- " شرح رسالة البلاغة " في عدة مجلدات، ولا ندري ماهي الرسالة.
9- " ما أخذ على المتنبي من اللحن والغلط " في جزء.
10- " أبيات المعاني في شعر المتنبي" جـزء، ينقل عنه ابن السيد البطليوسي في كتابـه( الاقتضاب ) وسماه " معاني الشعر " ولا ندري إن كان هو كتاب آخر مستقل.
11- " أدب السلطان والتأدّب له " من نوع المحاضرات، في 10 أجزاء.
12- " الحلى والشيات " جمع حلية، وهي أوصاف الآدميين ونعوت أعضاء أبدانهم، وكأنه جعله خصيصا في نعت الرقيق عند بيعهم وشرائهم ليستعين به الكتّاب والشهود عند كتب رسوم التملك للرقيق، وهي رسالة غريبة في بابها، قال في مقدمتها : ونحن نصف الغلام ليقاس عليه سائر الصفات من المتبائعين من الجند والرقيق وغيرهم" وذكره العبدري في رحلته، وطبع في صيدا (الشام) سنة 1341 – 1922 بعناية وتعليق طاهر النعساني وأحمد قدري الكيلاني.
13- " العشرات " في اللغة، ذكر فيه اللفظة ومعانيها المترادفة ويزيد في بعضها على العشرة، ونقل الصفدي أن في آخره قال القزّاز :
"وعقيبها أجهّز كتاب المئات" ومنه نسخة بمكتبة سليم آغا باسطنبول وفي دار الكتب المصرية، وطبع بصيدا سنة 1344.
ولا نشك أن للقزّاز غير ما ذكرنا من المؤلفات اللغوية والأدبية القيمة.
المصدر : كتـــاب "ورقــات" للمؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب
الشيخ محمد النخلي القيرواني
1285-1342 هـ / 1868 – 1924 م
العالم المستـنير:
علم من أعلام الزيتونة الأفذاذ، له من سعة الإطلاع ودقة البحث وحرية التفكير، ما أهّله ليكون من الروّاد الأول في تركيز حركة الإصلاح، والتوعية والدعوة إلى إعمال الفكر، والإقبال على العلوم قصد التطور والتقدم. وقد كان له التأثير العميق على تلامذته والذين من بينهم عبد الحميد بن باديس، والطاهر الحداد، وغيرهما من رجالات الزيتونة ، ومن كان لهم إشعاع على الثقافة بربوعنا التونسية حاملين طيّ جوانبهم وجوارحهم فكرة البحث النزيه والنظر إلى الإسلام بكونه الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان، يتماشى وواقع كل عصر، بما يحويه من تأمّلات في المعاملات البشرية الخاصة منها والعامة.
كان الشيخ محمد النخلي مثالا للجد والعمل الدائب، وإن رائده دائما حرية التفكير في نزاهة العالم الصادق والمخلص في مهنته، لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ينظر بمنظار الوعي الدقيق للأشياء، ولا يترك مسألة تمرّ وقد أبدى فيها الأقدمون أحكامهم دون أن يكون له موقفه الخاص منها بالتأييد أو المخالفة، مستدلا بالحجة والبرهان، ومقدّما أقوم الحلول وأقربها إلى المنطق والصواب.
النخلي رائد الاجتهـاد:
كانت حياته خصبة معطاء، بفضل هذا الذكاء النادر الذي اتسم به، وبفضل عصاميته وكفاحه ... ولم يكن الشيخ النخلي متمّيزا بهذا الجانب العلمي في رحاب الزيتونة من حيث اتساع دائرته في تفسيره للقرآن الكريم بل كان له الباع الطويل في ميدان الشعر والأدب والفصاحة والبيان، وقد وقف هذه الطاقة لخدمة الأغراض الوطنية وبالأحرى خدمة بلاده، فكان من أول الشعراء الذين تفطنوا لذاك الغزو الحضاري الداخل على البلاد منذ أواخر القرن التاسع عشر، فكانت له المواقف والآراء التي تقرّب الشقة بين الأخذ بأسباب الحضارة والثورة على القديم البالي الذي لا يفيد.
- يؤرخ له الشيخ محمد مخلوف في كتابه الشهير " شجرة النور الزكية" بقوله : " كان نقادا خبيرا، ميّالا لتحقيق المباحث، اشتهر بالذكاء والصراحة في أقواله، التحق بجامع الزيتونة سنة 1304 هـ حيث درس على الشيخ سالم بوحاجب ومحمود بن محمود ومحمد النجار وغيرهم .... كان يقول الشعر ويجيده، تولى خطة التدريس من الطبقة الأولى، توفي وبتونس في رجب 1342هـ وكانت جنازته مشهودة، حيث إرادة حمل جسده للقيروان، وكذلك بالقيروان، ودفن بالجناح الأخضر، ورثاه بعض طلبته بقصائد فرائد".
- ويعرّف به الطاهر الحداد في حديثه عن الإجتهاد وحال العلوم بجامع الزيتونة في عهده:
- "غير أنهم (الشيوخ) ويا للأسف قد جروا على خلاف ذلك، فأيدوا الروح الموروث عن شيوخهم ، وحرموا رائحة التفكير المستقل في عامة العلوم وأغروا تلاميذهم بالتشنيع على من يتظاهر من الشيوخ بشيء من الرأي المخالف للمألوف بالمعهد، حتى ولو كان موافقا لرأي قديم اختاره بعض العلماء السالفين، فقد عاش المرحوم محمد النخلي جزءا من حياته بالمعهد (الزيتوني) وهو مطعون في عقيدته، بما أضاع كثيرا من نشاطه في الدروس، وجعله يقرئ دروسه بعد كعمل ميكانيكي يفرضه عليه الوظيف، وكذلك طعن على المرحوم الشيخ سعد السطيفي حتى مات مدحورا في بيته المظلم الصغير بمدرسة النخلة حذوا الجامع الأعظم ...
شعــــره:
من شعر الشيخ النخلي قصيد رائع يستنهض الهمم والعزائم وقد نشره بجريدة الحاضرة في 18 محرم 1318 هـ / 30 أفريل 1901، يقول فيه:
هو المجد في الإسلام أثله العلم*** على مقتضى دين به انقشع الوهم
تعال نبارك روض آثاره التي *** على صحف التاريخ يبدو لها رسم
وانظر في هذا الرثاء المؤثر الذي دبّجه حسرة على الأستاذ الإمام الراحل محمد عبده يقول في مطلع القصيد:
مصاب به الإسلام باك موجع *** وخطب به الإصلاح ركن مزعزع
إلى أن يقــول:
أبان لهم العلوم وإن نمت *** الصديق لهذا الدين بل منه تكرع
محمد من يجلو حقائق دينه *** منصة تبيان بها الفكر يقنع
تلك عينات من شعر النخلي سواء في الدعوة إلى الإصلاح، أو تأثره بوفاة رائد من رواده، في فترة كان العالم العربي والإسلامي في أشد الحاجة إلى مثل هذا المرشد والإمام.
إن النخلي عاش عصره، بكل ما فيه من أحداث، وانعكست العديد من العوامل والمؤثرات على شعره، فكان بحقّ من المجيدين الأول في مطلع هذا القرن.
نـثـــره:
لم يكن قلمه وقفا على الشعر، بل تجاوزه إلى النثر، وكم كان لمترجمنا العديد من المواقف، سواء في الصحف أو المجلات، وانبرى في الكثير منها يكتب ويخطّ ما يملي عليه الظرف وما يملي عليه ضميره من توجيه سديد بآراء صائبة رائدة.
وقد كتب في الأدب والتاريخ، والعلم والدين والاجتماع، وفي كل ما له اتصال بمقومات الشخصية العربية الإسلامية الحقة، زد على ذلك، ما كان له من باع في ميدان الخطابة، وتأثيره على سامعيه، فكلامه يقع على العقل والقلب معا، بلا تكلّف أو صنعة... وإذا السامع يخرج بزاد ثريّ من المعاني السامية الجليلة، والإرشاد القيم الوجيه..
تلامــيذه:
هذا وقد كان من بين تلامذة الأستاذ محمد النخلي الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وهما "من روّاد النهضة الفكرية والإصلاحية بتونس في العصر الحديث كما يعتبران من أبرز أتباع مدرسة الإمام محمد عبده والعاملين على نشرها".
تأسيس الجامعة الزيتونيـة:
هذا ويعتبر الشيخ النخلي ضمن مؤسسي جمعية الجامعة الزيتونية، وقد كان مزمعا على إلقاء محاضرة بقاعة الخلدونية في اليوم الرابع من محّرم سنة 1325هـ .على مسامع من استدعتهم الجامعة لبيان مقاصد الجمعية، وما تبغي تحقيقه في مجال النهضة العلمية بجامع الزيتونة ، إلا أن ظروفا عائقة حالت دون ذلك، وقد نشرت مجلة المنار المصرية هذه المحاضرة وعلقت عليها بما يلي:
"نحيي الجمعية الزيتونية ونحمد الله أن وجد في علمائنا مثل هذا الخطيب، وعسى أن يكون لطلاّب الأزهر جمعية مثلها" وقد استهل الشيخ محاضرته بالبيت التالي:
ليس الحداثة في سن بمانعة *** قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
تــآليفـه:
أما من حيث التأليف ، فإن الشيخ محمد النخلي لم يترك أثرا مطبوعا سوى نشرية في اثنتي عشرة صفحة بعنوان : حياة اللغة العربية، مطبعة النهضة – تونس، بدون تاريخ- وقد قدّم لها ابنه السيد عبد المنعم النخلي.
- محرّر مختصر في مسألة الناقص بالفصاحة .
- رسالة في تراجم شيوخه على طريقة الفتح بن خاقان في كتابه قلائد العقيان.
- ألفية في الجغرافية
- رجز في العروض والقوافي.
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا"
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، ويذهب الأستاذ المدني إلى أن هذه الدراسة من أهم ما خطت يد الشيخ الأديب.
- دراسة تاريخية فلسفية في دول الوليد بن عبد الحكم الأموي، والمأمون، وأبي جعفر المنصور، العباسيين صدّرها بمقدمة في دول الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم إلى دولة الوليد، وأملى معظمها في مسامرات بنادي الصادقية سنة 1324هـ.
من خلال ما تقدم ذكره من دراسات لم تنشر، نستكشف أن الشيخ محمد النخلي كان له نشاط غزير، سواء في مجال المسامرات والمساهمة في النهضة الفكرية مطلع القرن العشرين، أو في هذه التحقيقات والتحارير التي دبجتها براعته....لقد عاش النخلي للعلم والتعليم وليس غير سواهما، وحتى في سنين مرضه العضال الذي أودى بحياته رحمه الله كان يبحث ويطالع شتى المؤلفات قديمها وحديثها، وفي أي مادة كانت ويحادث طلبته وخلانه في مواضيعها المختلفة مبديا آراءه ومواقفه فيعترف له القوم بهذا النبوغ وهذه العبقرية التي قلما يوجد الزمان بمثلها.
المصدر : دائرة المعارف التونسية (الكراس 5/ 1995)
الأستاذ: محمد أنور بوسنينه
[يتبع][/align]
|