[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"]
[align=justify]هذا هو زمن الحكاية أو الترتيب الزمني الطبيعيّ المنطقيّ للحوادث الروائيّة، ولكنّ الراوي لم يعرض الحوادث على النحو الطبيعيّ المنطقيّ، بل عرضها على نحو مخالف يُدعى زمن السرد، بادئاً بالحدث الثالث فالثاني فالأول فالخامس فالرابع، متقيِّداً بعد ذلك بالتسلسل الطبيعي المنطقـي للحوادث الباقية من السادس إلى الثالث عشر. والرسم الآتي يُوضِّح زمن الحكاية وزمن السرد :
زمن الحكاية.gif
إن التباين بين زمن الحكاية وزمن السرد يشير إلى أن الراوي اعتمد المفارقة الزمنيّة. فالحدث الذي بدأ به زمن السرد، وهو الحدث الثالث، يثير عدداً من الأسئلـة : مَنْ هـو روجيه ؟ وفياض ؟ ونجدت ؟. وما معنى هذا السرد عن العصافير الطليقة في الطبيعة والحبيسة في الأقفاص ؟ وما أهمية التركيز على الحسُّون ؟. إن هذه الأسئلة تثير فضول القارىء المتلقّي وتدفعه إلى القراءة بحثاً عن إجابات عن هذه الأسئلة. ولهذا السبب نرى الراوي يلجأ هنا إلى تقنية (الاسترجاع)، فيذكر الحدث الثاني الخاص بزيارة قلعة شيزر موضِّحاً من خلاله أهداف روجيه وأحلامه، ثم يعود ثانية إلى الحدث الأول ليوضِّح التقاط فياض من قلعة شيزر. وهكذا تبدو تقنية (الاسترجاع) موظَّفة لغرض جماليّ هو تلبية حاجة التشويق لدى المتلقّي ؛ تلك الحاجة التي لا تتحقّق كاملة لأن هناك أسئلة بقيت معلَّقة، وأخرى أبرزتها العودة إلى الماضي، وثالثة أثارها توالي الحوادث الروائيّة في الحاضر، وهذا ما خلق الحاجة إلى تقنية أخرى تستشرف المستقبل، وتتمكّن من الإجابة عن الأسئلة القديمة المعلَّقة والجديدة الطارئة، فتربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. وقد اختار الراوي تقنية (الاستشراف)، ووظَّفها لشدِّ القارىء المتلقّي إلى مستقبل الحوادث في نوع من الاستباق الزمني.
وإذاً، فالترتيب الزمنيّ للحوادث الروائيّة محكوم بعد تحديد نقطة الانطلاق بتقنيتين : تقنية الاسترجاع التي تستعيد الحوادث التي وقعت قبل نقطة الانطلاق، وتقنية الاستشراف التي تعلن الحوادث التي ستقع في المستقبل قبل وقوعها زمنيّاً. ويوضح الرسم الآتي التَّصوُّر العامّ لحركة السرد استناداً إلى هاتين التقنيتين :
استرجاع.jpg
إن حركة زمن السرد، كما يوضِّح الرسم، تشير إلى أن الحوادث الروائية التي وقعت في الماضي قليلة، ولهذا السبب كان عدد الاسترجاعات في رواية فياض قليلاً لا يصل إلى عشرة استرجاعات. ولو نسبنا هذه الاسترجاعات إلى أمكنتها في السرد لاكتشفنا أن نصفها يغطي ماضي الحدثين الأول والثاني، وأن المفارقة الزمنيّة بين زمن الحكاية وزمن السرد تضيق في بعض الاسترجاعات لتغطِّي ما وقع قبل الحاضر بيوم واحد، وتتسع أحياناً لتغطّي تسع سنوات. وقد لجأ الراوي إلى استرجاع ماضي القصة مستنداً إلى ذاكرة روجيه، ملماً في أثناء ذلك بتعرُّفه ماتيلد وزواجه منها وقدومهما إلى سورية، وظنّ روجيه أن حياة هذه المرأة في الجزائر وقدومها معه إلى سوريـة، نبوءتان تدلان على قرب تحقيقه الأحلام التي غذّتها فيه قراءته مذكِّرات جدِّه غليام لوبلان. [/align][/cell][/table1][/align]