عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 12 / 2009, 36 : 08 PM   رقم المشاركة : [4]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: لقاء مع ملك الموت .. رواية الأديب د. يوسف جاد الحق

كلمة



هذا النص ليس جنساً روائياً خالصاً تنطبق عليه مواصفات النص الروائي، حسب التعريف التقني المحدد والمتعارف عليه لهذا الجنس من الأدب. ذلك أن الحوار المكثف والمباشر بين الشخصيتين المحوريتين في هذا النص هو الغالب على الحيِّز الأعظم من صفحاته، بحيث يكاد يطغى الحوار على السرد الذي هو، في العادة، العنصر الأكثر بدوّاً في الرواية. كما إن هذا النص ـ من ناحية ثانية ـ ليس نصّاً مسرحياً صرفاً يقوم على الحوار من بدايته إلى نهايته، حسبما هو معروف ومألوف في النص المسرحي، إذ إنه ينطوي على سرد حكائي، ووصف للمكان والشخوص بوفرة تشغل حيِّزاً لابأس به من مساحة هذا النص. كما إن هنالك عناصر أخرى مشتركة بين الجنسين تدخل في نسيجه كالمونولوج الداخلي، وتيار الوعي، والحلم، والاسترجاع، وما إلى ذلك من تقنيات وآليات معروفة يقوم عليها النص القصصي. من ثم فإن أيّاً من مواصفات هذين الجنسين منفرداً لا تسود هذا النص بحيث تمكن نسبته بوضوح كافٍ إلى أيٍّ منهما. وإذ نجد هنا، في ثناياهنسيجاً متواشجاً بين تقنيات متعددة فإن هذا يضعنا أمام ضرورة البحث عن صيغة جديدة أو تسمية جديدة كي لا نتجاوز الحدود والقيود للمواصفات والمعايير المحدِّدة للأنواع الأدبية وأجناسها التي استقر عليها النقد والنقاد.
وإذا كان الكتَّاب والنقاد عامة يدعون إلى التجديد والتحديث (لكل منهما مواصفاته ومحدّداته) ويسعون إلى الإبداع والابتداع، ففي رأيي أن ابتكار جنس أدبي جديد يتباين مع الدارج والمألوف، بل يضيف إليه، ليس خطأ أو نقيصة، وإنما هو محبَّذ ومستحب، والمبدع مدعوٌّ إليهبلا جدال، فلماذا لا يكون نصّنا هذا من هذا القبيل، نصّاً مبتدعاً يجمع بين مواصفات الجنسين في نسيج واحد لجنْس جديديمكننا أن نطلق عليه مصطلح (الرواية ـ المسرحية) أو (المسرحية ـ الرواية)، ثم نشير إليها اختصاراً بتعريف تقني هو (مسرواية) من باب الاقتراح مبدئياً.
ألم يكن النقد، حتى وقت ليس ببعيد، يفرق بين الرواية والسيرة الذاتية على أن كلاً منهما جنس قائم بذاته له صفاته ومقوماته؟ وعندما حدث التداخل بينهما في أعمال كتّاب كثر، لاسيما في أدب الغرب، وفي أماكن أخرى من العالم كأمريكا اللاتينية، جاءت السيرة تحمل شيئاً من سمات الرواية ـ كأعمال ماركيز ـ التي تتبدى شخصية كاتبها واضحة في مكونات إحدى شخصياتها التي غالباً ما تكون محورية مركزية، كما بدت الرواية، من الناحية الثانية، تحمل شيئاً من سمات السيرة الذاتية، منطوية على ملامح تشير إلى تماهي الكاتب مع الشخصية الساردة، لاسيَّما إذا حفلت بأحداث عاشها الكاتب بنفسه أو عايشها.
عندما حدث هذا لم يعدم النقاد القدرة؛ ولم تعوزهم الفطنة فأطلقوا عليها مسمى (رواية السيرة الذاتية). من هنا نرى إمكان إطلاق هذه التسمية الجديدة، أو لنقل هذا التعريف ـ المصطلح عنواناً لهذا النص وتصنيفاً له.

2
في ثنايا هذا النص، وفي مواضع كثيرة منه، سيجد القارئ تناصّاً بادياً في سياقه مع الموروث من أدبنا وثقافتنا، إذ إن هذا من طبيعة عمل من هذا القبيل، ليس دخيلاً عليه أو مقحماً في بنائه. مردُّ ذلك يعود إلى الفارق الطبيعي بين منطق البشر ومنطق الملاك وأسلوب كل منهما في التعاطي مع القضايا المطروحة، فالملاك له منطقه الخاص المباين للمنطق البشري بالقطع، حسب كينونته ونهجه الرباني، فضلاً عن فيض علمه ومعرفته واطِّلاعه على خفايا غيبية وأسرار كونية بالنسبة إلينا كبشر محدودي العلم والمعرفة فيما هي ليست كذلك نسبة إليه. فلا ينبغي، من ثم، أن يُستغرب ورود التناص هنا وهناك في السياق العام لنصٍّ يصدر عن الملاك تحديداً، إحدى الشخصيتين المحوريتين في النص. وقد نذهب إلى أبعد من ذلك لنؤكد حتمية حضور التناص ـ من التنزيل خاصة ـ فيما يتعلق بالملاك ذلك لأن النص لا يملك مصداقيته ولن يستقيم الأمر فيما لو استخدمت الشخصيتان (الملاك والإنسان) اللغة ذاتها والمنطق نفسه وأسلوب الخطاب عينه وكأنهما كائنان بشريان من جبلَّة واحدةٍ وخَلْقٍ متماثل.
ولما كان بطل الرواية قد سيطر عليه هاجس الموت منذ لحظة تواجده في المشفى والإعداد لإجراء عملية جراحية له، يتوجس المرء من تبعاتها في العادة، فمن غير المُستبعَد ولا هو بالمستغرب أن تجيء رؤاه على هذا النحو، كأن يرى نفسه في مواجهة مع ملك الموت (عزرائيل) يحاوره ويداوره ويناوره متشبثاً بالأمل في الخلاص من ربقته على النحو الذي نرى في الحوار المتصل الجاري بينه وبين الملاك كلٌّ حسب منطقه وطبيعته، ويا له من فارق هائل بينهما.
رُبَّ قائل هنا ـ وهذا القائل قد يكون كاتباً أو ناقداً أو قارئاً ـ يرى أن الحلم أو الرؤيا لا يأتيان في حوار على هذا النحو من الانتظام الدقيق والتنظيم المحكم والتسلسل المنطقي في أخذٍ وردٍّ منضبطين حتى في المستوى اللغوي. هذه الرؤية للكاتب أو الناقد أو القارئ قد تكون صحيحة في الإجمال، ولكننا هنا أمام السارد الذي يلجأ إلى التأويل للرؤيا ـ الحلم لكي يصل إلى القارئ فيما ينقله من وقائع حقيقية أو موهومة أو متخيلة؛ وهذا ليس غريباً على التقنيات الأدبية التي يلجأ إليها الكاتب أحياناً، منها الفنتازيا والأسطورة والحكاية الشعبية والخيال العلمي. وإذا كنا نقبل (اللامعقول) في هذه جميعاً واللامنطقي كحقائق ووقائع، فعلينا أن نقبلها بالمثل في الحلم والرؤيا والغيبوبة الناجمة عن الموت المؤقت، وحالات النزع، والخوف، والغضب..وتجدر بنا الإشارة هنا إلى أن الهواجس والمخاوف التي ألمت بمريضنا، خشية الموت قبيل العملية وإبان الإعداد والاستعداد لها، ومنذ دخوله غرفة (العناية المشددة) هي كذلك أمر طبيعي إلى حدٍّ كبير، وإن يكن في حالتنا هذه يبلغ به الخوف حدود رعب عصابي هستيري، ربما كان ناجماً عن حساسية زائدة ومفرطة هي عادة من سمات المبدع تميزاً ـ ولا أقول امتيازاً تفضيلياً أو استعلائياً ـ عن جمهة الناس وسوادهم.

3
تجدر بنا الإشارة هنا كذلك إلى أن كاتباً،أو ناقداً قد يذهب إلى القول إن صاحب هذا العمل الأدبي ربما كان متأثراً برسالة الغفران لأبي العلاء المعري أو بالكوميديا الإلهية لدانتي ألليجيري، بيد أن أياً منهما ـ الكاتب والناقد ـ سوف يرى إثر الفراغ من قراءته للنص أن استنتاجاً من هذا القبيل يجافي الواقع، ذلك لأن رسالة الغفران تنحو إلى الخوض في مسائل اعتقادية متأثرة بالقصص الديني الذي يزخر به تراثنا، بعيداً عن (ثيمة) هذا النص الذي نحن بصدده التي هي في جوهرها الخوف الإنساني الأزلي من الموت، وسيطرة هاجسه عليه في معظم سني عمره لاسيما عند حالات المرض والتعرض لاحتمالاته في أحوال وظروف شتى من حياته.
أما فيما يتعلق بالكوميديا الإلهية التي أولاها (ول ديورانت) عنايته الخاصة في موسوعته (قصة الحضارة) فقد اتخذ منشؤها نهجاً مخالفاً للمعتقد الديني الإسلامي الذي يسود أجواء رسالة الغفران. وقد ذهب العديد من الدارسين الأوربيين أنفسهم إلى القول بأن دانتي الليجري ابن فلورنسا كتب كوميدياه متأثراً بالفكر الإسلامي بعامة وبرسالة الغفران خاصة؛ بيد أن دانتي ربما استوحى شكلها دون مضمونها؛ بل هو ذهب إلى مخالفتها ومعارضتها تماماً، حين عمد إلى إنطاق (بياتريس) التي توفيت في ريعان شبابها ـ حبيبته وبطلة عمله ذاك ـ بعبارات وأوصاف تضمنت بالغ الإساءة إلى الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. كما إنها ذهبت إلى وصف المسلمين بالملحدين (Infidels) وما إلى ذلك من أوصاف تجافي الحقيقة وتتجنى على الواقع؛ ناهيك عما حفلت به من تجديف بحق الذات الإلهية في أمور ننأى عن الخوض فيها بطبيعة الحال، بل إننا نستنكرهاوندينها. نصُّنا هذا، من ثم، بريء من شبهة الأخذ أو التأثر بأي من العملين المذكورين.
وجدير بالذكر أن عمل دانتي كان هادفاً وعامداً إلى الإساءة للإسلام والمسلمين، متأثراً بالمفاهيم المتخلفة التي سادت ذلك العصر (عصر النهضة Renaissance في أوربا) من آثار حروب الفرنجة الغربيين المعادين للإسلام كدين، وللمسلمين كأمة، فلا سبيل إذن إلى الظن بتأثر عملنا هذا بذلك العمل المغرق في التقوقع والانغلاق على مفاهيم عصره المغرضة الحاقدة، والتي مازلنا نرى آثارها فيما يجري في عالمنا في زمننا الراهن.ولا يستقيم الأمر، قطعاً، مع العقل والمنطق بأن يذهب كاتب هذا العمل إلى محاكاة عمل أدبي هو على خلاف واختلاف وتناقض تام معه فكراً وتوجهاً الأمر الذي سوف يلمسه القارئ بنفسه إبان قراءته لهذا العمل.
وبعد، وتبعاً للقول الماثور قديماً (لكل مجتهد نصيب)، فإن ما ذهبنا إليه محض اجتهاد متواضع يحدونا الأمل في أن يجد له موقعاً مرضياً من نفس القارئ وعقله.

والله من وراء القصد.



طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس