هل جمال المرأة نقمة ام نعمة عليها ؟؟
الكاتب والباحث/احمد محمود القاسم
سيدة فلسطينية رائعة الجمال، بيضاء اللون، زرقاوية العينين، شعرها اشقر " نيجرو " طويلة القامة، ممشوقة وملفوفة القوام، تحمل شهادة الماجستير بالعلوم الاقتصادية، متحررة نسبيا، تملك شخصية قوية و ثقة كبيرة في نفسها، جريئة، لا تخاف من احد، إلا من الله سبحانه وتعالى، تحمل الكثير من الافكار التقدمية والمنفتحة، يعلو وجهها دائما ابتسامة رقيقة، لكنها عصبية المزاج، بحيث تثور لأتفه الأسباب، إذا ما حاول احد، النظر إليها نظرة خاصة.
دار حديث بيني وبينها، فيه الكثير من الصراحة والانفتاح، تضمن حديثها معي مشكلة كانت تعاني منها كثيرا عندما كانت تبحث عن وظيفة مناسبة كي تعمل بها وتدر عليها دخلا مناسبا، تتعلق بجمالها، تعلم بأنني من مناصري المرأة، ومن المدافعين عن حقوقها وحريتها الشخصية، طلبت مني ان اجد لها حلا لمشكلتها، وكيف تواجه بعض الرجال، الذين ينظرون لجمالها الجسمي بشكل مجرد عن شخصيتها وذكائها وثقافتها، وقالت لي ما ذا تفعل لو كنت مكاني؟؟؟ وعندما سألتها عن حقيقة وطبيعة مشكلتها؟؟
قالت لي، بان جمالها اصبح نقمة على نفسها، وليس نعمة كما يتصور البعض.
وعندما سألتها عن السبب؟ ولماذا هذا الإحساس والشعور بالضيق من جمالها الذي تتمناه الكثير من الشابات والسيدات؟؟
قالت لي، بان هذا جمالها هو المشكلة الحقيقية لها والمقلق لراحتها ونفسيتها، لأنها كلما ذهبت للبحث عن وظيفة مناسبة لها تتناسب مع مستواها العلمي وشهادتها العلمية وطموحها، بالشركات الخاصة أو القطاع العام، فكل المسئولين يرحبون بها اجمل ترحيب، والكل يرغب بان تشتغل الى جانبه براتب مغري نسبيا، ويشعرونها أحيانا، بأنهم مستعدون لاعطائها راتبا اضافيا من جيبهم الخاص، وأنهم يودون الجلوس معها بشكل منفرد، والحديث معها بشكل أكثر استفاضة.
كانت تتساءل عن سبب اهتمامهم بها بشكل غير طبيعي، ولماذا كل هذا الترحيب والاغراءات المادية لها، ولماذا هذا الإصرار للجلوس معها بشكل منفرد، والتباحث معها على انفراد؟
وكانت تصطدم بواقع اليم ومزعج فعلا، عندما تعلم اهدافهم الحقيقية منها؟ والمتمثلة في رغبتهم الجنسية منها فقط، لجمالها المثير والأخاذ.
لم تعد تحتمل أكثر، ولم تعد ترغب بالبحث عن وظيفة، لأنها لم تعد تثق في الرجال كثيرا، علما كما تقول لي، بأنها متزوجة من انسان بسيط جدا، وموظف عادي، راتبه يكاد يكفي للعيش فيه، حياة مستورة مع زوجها وأولادها، و تابعت حديثها معي والالم يعتصرها وتقول، بان الكل لا ينظر لها كإنسانة متعلمة، وترغب بأداء عمل يتناسب مع مؤهلاتها العلمية وامكانياتها.
إنهم ينظرون فقط إلى جمال وجهها وجسمها بشكل مجرد، دون فهم لشخصيتها وافكارها واخلاقها وتعلمها وشهاداتها، احدهم قال لها، بأنة يرغب بالزواج منها لليلة واحدة، وعليها ان تطلب الثمن الذي تريده، تصوروا زواج ولليلة واحدة، أي يريد معاملتها (كالمومس) أو (القحبة).
هل يعقل أن يكون هذا زواجا ؟؟ تذكرت بعض العروض التي كانت تعرض على بعض الممثلات والمطربات، وقالت أخاف أنهم يحسبونني هيفاء او نانسي أو أليسا؟؟؟
علما بأنها قالت لهم بأنها متزوجة، ولما هذا العرض كله؟؟؟ أمقابل الوظيفة، ومبلغ كبير جدا من المال كما أدعى وقال أحدهم، لماذا كل هذه التضحيات؟؟ أيستحق جسدها كل هذه الإغراءات؟؟؟.
طبعا لم توافق رغم الاغراءات الكبيرة التي وعدها بها البعض منهم، تقول وكان أن انتهى الأمر معهم بمشادة كلامية كبيرة كالعادة، كان يمكن ان تصل الى الشرطة والمحاكم، لولا أنها لا تريد ان تدخل في صراعات مع شخص قذر، ولديه نفوذ، وقد يتهمها اتهاما باطلا، ويحول القضية الى صالحه.
حاولت العمل في عدة مجالات وعدة شركات، فلم تجد مجالا، وكلما عملت في مكان ما، اصطدمت بأحد المسئولين ، كان يود التحرش بها جنسيا، ويراودها عن نفسها، مما يضطرها الى ترك العمل، ولما يمض عليها وقت كبير في عملها بعد، حتى أن الكثير من الموظفين، كانوا يحاولوا افتعال أي شيء حتى يحتكوا بها وحتى يرونها وينظروا الى جمالها، علما بأنها لا تلبس الا ملابس عادية جدا، كباقي السيدات، ولكن كل ما تلبسه تعتقد أن الشباب والرجال، كانوا يعتبرونه مثيرا عليها، مع أنها لا تضع الماكياج كونها تملك جمالا طبيعيا وأخاذا، كثير من الزملاء في العمل كانت تسمعهم يقولون عنها بأنها جميلة جدا " كالقمر " واحدهم سمعته يقول أمامها، بأنة يمكن ان يضحي بكل راتبه من اجل قضاء ليلة حمراء معها.
لم تعد تحتمل كثيرا مثل هذا الكلام الذي تسمعه يتردد امامها يوميا، مع أنها لا تريد اهتماما لكل ما تسمعه وتراه، حتى أنها فكرت بان تشوه وجهها بماء النار، حتى لا ينظر احد الى جمالها ويتمته به، حتى يحاولوا فهم شخصيتها وافكارها ومعتقداتها.
تقدم لها كثير من الرجال في السابق للزواج منها، على سنة الله ورسوله، قبل أن ترتبط بزوجها الحالي، منهم المهندس والطبيب والمحامي وغيرهم كثيرون، ومنهم كانوا يعرضون عليها السيارة التي تختارها، والفيلا، وعلى استعداد تام لتوفير كل احتياجاتها المالية والترفيهية، بمقابل أن توافق على الزواج من احدهم، وان تجلس بالبيت ولا تخرج منه، رفضت كل هذه العروض والإغراءات، لأنها كانت تعلم ان كل هؤلاء الخطاب من الرجال، إنما يريدونها لا لروحها او لشخصيتها وعلمها وثقافتها، بل لجمال وجهها وجسمها فقط، وكانت مقتنعة بمثل شعبي كانت تردده والدتها امامها باستمرار يقول:
" يا ما خد القرد على ماله، بكره يخلص المال، ويبقى القرد على حاله ".
تزوجت من شاب احبها وتحبه كثيرا، حالته المادية ضعيفة نسبيا كونه موظفا بسيطا، لذلك حاولت العمل حتى تتعاون معه في خلق ظروف معيشية افضل لهما، لكنها وصلت الى طريق مسدود، فلم تعثر بعد على شخص يقبل بان يوظفها على اساس شهاداتها العلمية التي تحملها، معظمهم، كانوا يقولون لها لديك مؤهلات جسمية وجمالية، أهم من الشهادة الجامعية التي تحملينها، فجمالك هو المدخل للعبور للوظيفة، كانت تعلم مضمون كلامهم واحاديثهم، ولو كانت تقبل بكلامهم وتبيعهم جسمها وأنوثتها، لجمعت ثروة كبيرة من المال، لكنها لم تقبل ان تبيع جسدها وشرفها، لاعتقادها بأن الجسد والشرف والكرامة لا يباعوا بالمال، إلا عند الذين لا شرف ولا كرامة لهم.
استمعت إليها كثيرا، وأنا أفكر لها عن حل لمشكلتها هذه، فمثل مشكلتها لم أواجهها من قبل ، كل ما واجهته من المشاكل، وما سمعته كانت مشاكل، على هيأة علاقات زوجية اصعبها حلا، كنت أجد بالطلاق حلا وحيدا لها، فهذه المشكلة بعيدة عن موضوعات الزواج والطلاق .
جلست افكر بيني وبين نفسي هل فعلا الجمال نقمه ام نعمة على المرأة، حتى يصل الامر بهذه المرأة الجميلة، بان تفكر بتشويه وجهها، هل يمكن ان يكون هذا حلا ؟ لا اعتقد ذلك، فهل الحل يكمن عندها، ام بالآخرين ؟ قلت في نفسي، اعتقد أن الثقافة والوعي، وكثرة الاختلاط في المجتمعات بين النساء والرجال، والتعود على مشاهدة مناظر وصور الجنس اللطيف في كل الساحات والميادين والمجالات من قبل الشباب والرجال، هو مدخل أساسي ومهم، لتهجين ذوي النفوس المريضة، للتعود على تدجين أخلاقهم ومفاهيمهم عن المرأة وجمالها، وعن العلاقات الاجتماعية السوية والإنسانية، فالبعض من الشباب والرجال، لا يتحكم بعواطفه الشخصية، لشدة ما يعانونه من الكبت الجنسي والحرمان، لعدم تعودهم على مشاهدة مناظر السيدات والشابات المثيرة، كما أن الثقافة المجتمعية وهي في غالبيتها ثقافة ذكورية، تنظر للمرأة كوعاء جنسي مجرد، ومثير للغرائز الجنسية، بعيد كل البعد عن الشخصية والكرامة والعلم والأخلاق.