عرض مشاركة واحدة
قديم 27 / 12 / 2009, 20 : 02 PM   رقم المشاركة : [6]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: محرقة غزة ونهاية الأسطورة .. كتاب من تأليف د. يوسف جاد الحق

[align=justify] <H1 dir=rtl style="MARGIN: 5pt 0cm">النتائج المترتبة على ما حدث



ما هي النتائج التي تحققت على الجانبين إثر ذلك العدوان السافر الغاشم؟
ـ الدولة اليهودية (النقية):

بصمود غزة، مقاومة وشعباً خابت آمال العدو في تحقيق هذا الهدف، ولعلها ولّدت لديه القناعة بأنه لن يتحقق أبداً. فالفلسطينيون، كما بدا واضحاً، ودونما لبس، متشبثون بأرضهم، على الرغم من بؤس أحوالهم المعاشية المفروضة عليهم ظلماً وعدواناً. لم يفتَّ في عضدهم كل الذي حدث. لن يرحلوا عن ديارهم أياً كانت الضغوط والتآمرات التي تنصب عليهم بلا هوادة ولا رحمة.
ولن يستطيع العدو إفناءهم في سائر الأحوال، اللهم إلا أن يعمد (إلى محرقة ذَرِّية) هذه المرة، أو هيدروجينية مثلاً. وهذا أمر مستبعد إذ من شأن ذلك إلحاق الدمار الشامل بالعالم كله، بمن فيه أنصارهم وأحباؤهم سواء هنا بين ظهرانينا أوهناك في الغرب، أي أولئك اللاهثون وراءه ابتغاء مرضاتهم، دونما تدبر أو تفكر في عواقب ذلك.
فها هم يغضون الطرف عن كل ما يقترفون من موبقات وجرائم في حق الفلسطينيين والعرب. وما انفك أمرهم كذلك على مدى قرن كامل من الزمان، وقد رأوا ما آلت إليه أحوال المنطقة، إن لم نقل العالم، جراء هذه التفضيلية في التعامل مع اليهود، و(تدليلهم) على نحو غير مألوف في حسابات الدول والأمم. واليوم رأيناهم يهرعون إلى الكيان الصهيوني، عقب وقف إطلاق النار ليطمئنوا عليه، وليطمئنوه أيضاً إلى أنهم يقفون إلى جانبه بغير ما تحفظ أو قيد أو شرط، يشدون من أزره حين يعتدي، ويواسونه ويضمدون جراحه إذا ما حاقت به هزيمة أو أصابته خدوش على جلد إسرائيل الرقيق ووجهها الصفيق..!
لقد أقاموا احتفالات باهرة (راقية) سادتها الضحكات والقبلات والاحتضانات وكأنهم في عرس بهيج، ولكن فوق دماء أطفالنا ونسائنا وسائر أبنائنا في البلد المكلوم، الصابر الصامد في مواجهته، ليس في وجه إسرائيل وحدها وإنما في وجه المظالم الصادرة عن هؤلاء جميعاً معها.
هذه المقاومة لم تدافع عن غزة وحدها، وإنما دافعت عن حق الإنسان، في كل مكان، في الدفاع عن نفسه ووطنه. وهي بهذا واجهت أعداء البشرية دفاعاً ــ ضمنياً ــ عن هذه البشرية،إزاء عدو دولي يكاد أن يكون كلِّي القدرة.. إسرائيل وأمريكا والغرب.. أليست هذه معجزة بكل المقاييس..؟
أوَ ليس حريّاً بنا تعريف العالم بهذه الحقيقة؟ تحذيراً له مما يحتمل أن يواجهه من أخطار سوف تطاله هو أيضاً ذات يوم ـ إن لم يكن عاجلاً فآجلاً ـ ذلك أن إسرائيل تقودها مجموعة من المجرمين المتطرفين، تلمودياً وتوراتياً، وهاهي الانتخابات الأخيرة تؤكد ذلك، وهم فوق هذا، مجموعة من الأشرار لا يفكرون في أية نتائج قد تترتب على سلوكياتهم، ما داموا يعتقدون أنهم فوق البشر وسائر القوانين الأرضية والسماوية. أليسوا (شعب الله المختار) الذي يحق له ما لا يحق لغيره، وأن الأمم جميعاً لا تعني لهم شيئاً إلا بمقدار ما تحققه لهم من منافع أو تقدمه لهم من خدمات (مجانية أيضاً). ولا ينبغي لنا أن ننسى أن من بين أدبياتهم حكاية شمشون (عليّ وعلى أعدائي..) وحكاية (قلعة ماسادا) والانتحار الجماعي.. وحكايتهم مع (نبوخذ نصر) والسبي البابلي بأن لجأوا إلى قتل أبنائهم وزوجاتهم بأيديهم كيلا يقعوا في أسر الأعداء.
وهم لا يستثنون من نظرتهم الفوقية إلى (الآخرين) أحداً، حتى حين يكون له فضل عليهم كأمريكا اليوم، وبريطانيا الأمس، ودول غربية أخرى في سائر الأوقات. كما لا يستثنون، بطبيعة الحال العرب في تاريخهم المديد الذين عاشوا بينهم في سلام وأمان، وحفاظٍ على حقوقهم كمواطنين لهم سواء بسواء.
ويذكر التاريخ (وهم لا يذكرون) مأساتهم في أواخر عهد العرب بالأندلس بأنهم لم يجدوا ملجأ أميناً لهم إلا عند العرب.. لم يعمد العرب إلى اضطهادهم كما فعل غيرهم في أوروبا وأمريكا، حيث كانت تكتب على واجهات المطاعم والملاهي والمحلات العامة عبارة (ممنوع دخول اليهود والكلاب). وأما حكايتهم مع النازية فمعروفة لا يجهلها أحد. ولكن الغريب العجيب أنهم، ومعهم الغرب (لكي يكفر عن ذنبه كما يزعم) صدَّروا إلينا (ضحاياهم) لكي ينتقموا منا نحن (كعرب) نيابة عن أوروبا. نحن الذين لم نكن طرفاً، بأي حال، فيما حدث لهم هناك. ربما كانت هذه هي (العدالة) كما يفهمها الغرب.. واليهود الصهاينة معاً.!!([1])
ـ* ــ سقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد

هذا الهدف الإسرائيلي ـ الأمريكي أصبح الآن أبعد ما يكون عن التحقق نتيجة لصمود المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، فضلاً عن وعي الجماهير العربية على هذه الحقيقة، والتفافها، من ثم، حول المقاومة مما أسفر عن إجهاض المشروع قبل ولادته. وكانت قد تولت كبره (السنيورة..) كوندا رايس..!
كانت أمريكا ــ بوش تعتمد على قوة إسرائيل لتحقيق مشروعها هذا، ذي الأهداف البعيدة التي لسنا هنا في صدد الخوض فيها.
حرّضت أمريكا إسرائيل في المرتين (لبنان 2006 وغزة الآن) على القيام بحربها العدوانية من منطلق قدرتها ـ بفضل السلاح والتكنولوجيا الأمريكية ـ على الحسم العسكري السريع على جيوش الدول العربية مجتمعة، إذا اقتضى الأمر فما بالنا ـ بموجب حساباتهم ـ ببلدين صغيرين كهذين، أحدهما محتل أصلاً..؟
لقد تصوروا معاً، في أمريكا وإسرائيل، بأن هذا في متناول أيديهم، وأن تحقيقه مؤكد في غضون أيام معدودات، فيما يتعلق بلبنان، وربما في ساعات فقط، فيما يختص بفلسطين، آخذين في الاعتبار الحجم والمساحة والتضاريس، وعوامل سوسيولوجية تسهم في تسهيل المهمة وإنجازها على أكمل وجه. عندئذ تنتهي المقاومة وتصبح عبرة لمن يعتبر، ودرساً لكل من يفكر في مقاومة (الجبَّاريْن) في المستقبل. وهذه النتيجة المرتجاة عندما تتحقق ـ هكذا فكروا ـ ليست إلا وسيلة لتحقيق الهدف الأبعد. أما هذا الهدف فكان نصب أعينهم منذ أن وضعه على الورق كمخطط لمستقبل المنطقة الصهيوني العريق (ريتشارد بيرل)، أحد كبار المحافظين الجدد قبل أن يأتي هؤلاء واللوبي معهم بجورج بوش رئيساً للولايات المتحدة، متعهداً لهم قبل فوزه بالرئاسة التي وصلته أيضاً نتيجة للتلاعب بالأصوات في قصة مشهورة معروفة للقاصي والداني. وكيف استطاع هؤلاء إيصاله إلى الرئاسة التي كانت وشيكة للفوز بها لنائب الرئيس كلينتون آنذاك (آل جور). أما مخطط (بيرل) فقد نص على ضرورة الوصول إلى الهيمنة المطلقة على المنطقة عن طريق تحقق المشروع إياه، ومؤاده ـ بعد القضاء على كل مقاومة في المنطقة ـ الذهاب إلى حرب تشن على سوريا (بعد أن يستولوا على العراق) ثم إيران، ثم السعودية، ثم (الجائزة الكبرى) مصر. وهذه التسمية ـ الجائزة الكبرى ـ هي تسميته (بيرل) نفسه كما وردت في توصياته.
وسنلحظ هنا كيف أن هؤلاء ـ يهوداً وأمريكان ـ لا يعرف لهم صديق أو حليف إلا بمقدار خدمته لهم، وما دام قادراً على تأدية الوظيفة الموكلة إليه. وإذا ما أدركوا عجزه أو ضعفه أو فقدان نفوذه وسلطانه على شعبه، فما أسرع ما يتنكرون له ثم يتخلصون منه تماماً كمادة فقدت مدة صلاحيتها. والأمثلة على ذلك كثيرة لسنا بصدد تعدادها.
هدفهم هذا أيضاً من وراء عدوانهم الأخير على غزة هل تحقق..؟ نحسب أنه أصبح في خبر كان. والفضل كل الفضل لانتصار المقاومة والشعب في غزة، وقبل ذلك في لبنان والمقاومة بقيادة حزب الله في لبنان عام 2006 وقبل ذلك في عام 2000 كما أسلفنا في الصفحات السابقة.
*ـــ استبدال العداء ليتحول إلى إيران مشروع فاشل

أما الهدف الثالث وهو استبدال العداء العربي لإسرائيل الذي كان قائماً منذ قيام الكيان الصهيوني بعداء موجه إلى إيران فما نحسبه قابلاً للتحقيق. ذلك أن العرب حتى أولئك الموالين لأمريكا، يخشون عواقبه وتبعاته على أقطارهم، وعلى أنظمتهم، لأسباب منها (أولاً): أن إيران هي الأقرب إليهم جغرافياً وتاريخياً ودينياً. فالمشترك بين العرب وإيران أكبر من أي مشترك مزعوم أو متوهم بينهم وبين الغرب كله. ذلك الغرب الذي لا يكنُّ للعرب احتراماً أو تقديراً، ولا يخشى منهم تأثيراً ضاراً على مصالحه النفطية والتجارية. هذه حقيقة أمسى العرب يدركونها وإن هم تجاهلوها فإلى حين. ومنها (ثانياً) أن إيران أصبحت دولة قوية في المنطقة يحسب لها الحساب، وهي توشك أن تصبح واحدة من الدول الكبرى. ومنها (ثالثاً) أن إيران دولة ذات (أيديولوجيا)، دولة وحكومة وشعباً كفيلة ــ في حال الاعتداء عليها ــ بالوقوف عن بكرة أبيها لصد ذلك العدوان والانتصار عليه. ولديها من الإمكانات ما يمكنها من ذلك لاسيما وأنها تقاتل فوق أرضها غازياً معتدياً قادماً من أعالي البحار. ومنها (رابعاً) أن أمريكا وإسرائيل لن تستطيعا حماية حلفائهما في المنطقة من عواقب انصياعهم لرغباتهما في معاداة إيران. فأمريكا اليوم، وكذلك إسرائيل بدت سوءاتهما، وهما في حالة تراجع مشهود. فإذا كانت المقاومة المظفرة في لبنان وفي غزة بإمكاناتهما المتواضعة ـ سلاحاً ومالاً ـ أمكنهما إحباط الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية وإيقاع الهزيمة بها، برغم الدعم الأمريكي المادي والتسليحي والمعنوي لدى المحافل الدولية. وكذلك الحال بالنسبة لأمريكا في حروبها الكارثية التي جلبتها على نفسها هي أيضاً ولكن بدفع إسرائيلي في أفغانستان والعراق وغيرهما.
ولا ننسى التغير الذي حدث في أمريكا على أكثر من صعيد، وما آلت إليه أمورها على يد (رئيسها ــ الكارثة) جورج دبليو بوش.
ولا ننسى أيضاً انكشاف إسرائيل على حقيقتها أمام العالم بأسره، دولة عدوانية إجرامية قاسية نازية. هذه الأوصاف أقل بكثير في الواقع مما هي عليه. أي أننا نوردها كصفات لها أمست معروفة لدى من كان يجهلها، وليس لمجرد التنفيس عن مشاعرنا نحوها.
ولن ننسى كذلك مآل عديد ممن سموا (بالمحافظين الجدد) من الصهاينة، وابتعادهم إلى حد كبير عن مركز القرار في الإدارة الأمريكية. لن تذهب بنا التمنيات أو الغفلة إلى حد التصور بأن هؤلاء قد فقدوا ــ ومعهم اللوبي الصهيوني ــ نفوذهم تماماً، ولكننا نقول أن بريقهم قد خبا، وأن قدراتهم تضاءلت ونفوذهم انحسر. وفوق ذلك فقد انكشفت أدوارهم وممارساتهم المدمرة للشعب الأمريكي نفسه، الذي عرف أن ولاء هؤلاء المطلق لإسرائيل كلّف أمريكا ثمناً باهظاً، سواء في المال والاقتصاد، أو في الرجال الذين قضوا في حروب عبثية نتيجة لأكاذيب اصطنعها هؤلاء واختلقها (بوش) و(تشيني) لتبرير تلك الحروب، أو حتى تأثيرهم على سمعة أمريكا التي تشوهت تماماً على اتساع العالم كله.
الجنود الذين عادوا في نعوش تحملها الطائرات إلى ذويهم ومواطنيهم كان لها ـ ولسوف يكون ـ أثر ذو بال على الشعب الأمريكي. عواقب ذلك وتبعاته قادمة([2]).
إذن، فإن أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ لن تتمكنا من جرّ العرب إلى هذا الشرك الخطير. وهما أيضاً لن تستطيعا إكراههم على ذلك، فالعداء والمصادقة، والحب والكره، أمور تنبع من داخل الذات ومن الأنفس والقلوب، والمصالح أيضاً، ولا سبيل إلى إيجادها، أو فرضها عن طريق القوة الغاشمة التي غالباً ما تنقلب على أصحابها.
* ــ وهناك هدف خامس هو إجهاض حق العودة.

وحق العودة هو عودة الحق إلى أصحابه هذا الحق لا مساومة عليه ــ كما أشرنا سابقاً ــ لدى أي من الفلسطينيين، أفراداً وجماعات، أحزاباً وتنظيمات. هو حق مقدس لا سبيل إلى نكرانه أو نسيانه أو بطلانه أبداً. لا يلغيه التقادم أو التجاهل من قبل أي جهة كانت. هو حق شرعي تقرّه قوانين السماء قبل قوانين الأرض. وقد أقرّته هيئة الأمم المتحدة بقرارها الصادر عام 1948 تحت رقم (194) إلا أنها للأسف لم تعمل على إلزام إسرائيل بتنفيذه، والأسباب معروفة لا حاجة بنا هنا للعودة إليها. أهمها ما عهده العالم كله من استهتار إسرائيل بالقوانين والشرائع كافة، وضربها عرض الحائط بكل ما يصدر عن المحافل الدولية بحقها، تدعمها في ذلك الأوساط النافذة التأثير على تلك المحافل والتي أمست في أيامنا هذه ـ أكثر من أي وقت مضى ـ كأنها واحدة من مؤسسات الإدارة الأمريكية، تأتمر بأمرها وتسير في ركابها، كارهة أو راضية. وكأن المشرفين عليها والعاملين فيها ليسوا أكثر من موظفين لدى أمريكا.
هزيمة العدو في غزة أبعدته عن القدرة على إهدار هذا الحق، كما كان يرجو، عن طريق هزيمة المقاومة، وتسليم غزة بعد ذلك، للسلطة التي أقر رئيسها في عديد من تصريحاته بأن العودة للاجئين الفلسطينيين (عملياً) صعبة (للغاية)..!! (من خوَّل الرجل التحدث باسمي ملغياً حقي ـ وأبنائي ـ في العودة إلى الديار..!؟)([3]).
تحدثوا حيناً عن التعويض وحيناً عن التوطين. إلا أن هذا كله أمسى الآن في خبر كان. ولن تستطيع قوة ــ أياً كانت ــ أن تحول بين الفلسطيني والعودة إلى وطنه عاجلاً أو آجلاً، فالوطن ليس عقاراً يباع ويشترى. والمواطنة حق لكل فلسطين،ي وهي فرض عين عليه لا يغني فيه أحد عن أحد، يورثه الآباء للأبناء والأحفاد.
أما حكاية التعويض فمضحكة. الوطن لا يعوّض بالمال ومتاع الدنيا. من ثم تدفع الشعوب أرواحها ودماءها ثمناً لوطن يستحق الفداء.
ماذا عن الأسباب المعلنة كذرائع؟

هل تحقق أيّ منها؟
*هل كفت الصواريخ عن الانهمار على أسدود ويبنا وعسقلان والمجدل وبئر لسبع حتى اليوم الأخير من الحرب العدوانية الثلاثة والعشرين؟ أم إنها سقطت بغزارة أكبر بُعيد إعلان إسرائيل عن توقف إطلاق النار من جانب واحد؟([4](.
*هل استطاعت القضاء على المقاومة في غزة؟ أم إنها عادت بخفي حنين؟ ألم تعلن عند بدء عدوانها الأثيم بأنها تستهدف القضاء على حماس تحديداً؟([5]( ولكن ألا تبدو حماس الآن أقوى من أي وقت مضى بعد التفاف الجماهير العربية وغيرها حولها في سائر أرجاء العالم، ولتصديها للعدو برغم المخاطر الهائلة التي تعرضت لها وصمودها الأسطوري في وجهه وإعجازه عن تحقيق أهدافه، بل وانسحابه مذموماً مدحوراً، رغم أنفه عن غزة وما حولها.
*هل استعادت إسرائيل الأسير (الشهير) (جلعاد شاليط)؟
أم بقي شاليط حيث هو لا تعرف شيئاً عن مصيره؟ ثم إنها ـ فوق ذلك ـ خسرت أسرى آخرين وقعوا في أيدي المقاومة. ثم قتلوا بالنيران الإسرائيلية نفسها. فضلاً عن قتلاها الآخرين في المعارك.؟
أي فشل أكبر من هذا؟ أن تشن حرباً من ضمن أهدافها استخلاص أسير واحد فإذ بها تضيف إليه أسرى آخرين، ثم تقتلهم عمداً أيضاً، فلا هي خلصته من أسره ولا هي وفَّرت على نفسها قتلى بغير طائل.
*هل استطاعت فرض هدنة جديدة على حماس وهي إحدى الأهداف التي أعلنت عنها؟ فشلت هنا أيضاً فها هي حماس ترفض التمديد والتهدئة إلا بحسب شروطها هي لا شروط إسرائيل.
إذن من المنتصر..؟

وهناك أهداف إضافية للعدو لم ترد في المعلن أو الخفي منها.
من هذه الأهداف محاولة استعادة قوة الردع لجيشها، لاسيما وأن غزة حلقة ضعيفة في المعادلة بمساحتها الصغيرة وشعبها المحاصر، وتضاريسها السهلة المنبسطة المكشوفة أمامها. أرادت استعادة الهيبة التي أفقدتها إياها من قبل المقاومة اللبنانية أمام حلفائها وأنصارها، بل وأمام شعبها أيضاً.
فهل تحقق لها ذلك أم إنها أجهزت على ما تبقى منها؟ يبدو أنها لم تفد من تقرير (فنوجراد..!)
ومن الأهداف المسكوت عنها بسبب من حرج التصريح بها أمام أي أحد، لأن أطرافه متعددة، فخجل العدو عن الإفصاح عنها أمام شعبه نفسه، فضلاً عن الآخرين، نورد منها على سبيل المثال الانتخابات الأخيرة التي كان موعدها يقترب. لم يجد ساسة إسرائيل (الكبار) وسيلة تضمن لواحدهم الفوز بأكبر عدد من الأصوات سوى الصعود على جثث الفلسطينيين ودمائهم. من ثم راحوا يتسابقون على إبراز مواهبهم واستعراض عضلاتهم أمام أنفسهم أولاً، ومنافسيهم ثانياً، وشعبهم ثالثاً، أيُّهم الأقدر على إيقاع ضحايا أكثر بين الفلسطينيين العزل والمدنيين الأبرياء من رجال وأطفال ونساء. أيهم الأقدر على حمل صفة (الجزَّار) عن جدارة واستحقاق لكي يفوز في تلك الانتخابات..!؟
إذن خسرت (إسرائيل) رهاناتها كلها، وباءت بالفشل والخذلان في كل ما هدفت إليه من وراء عدوانها، وردَّ الله كيد المجرمين في نحورهم.
من الأدلة الواضحة على هذا الخسران المبين أن عميدة الإجرام، خليفة (غولدامائير) (تسيفي ليفني) هرعت إلى واشنطن لتلتقي صديقتها الحميمة المتواطئة علينا معها (كوندا ليزا رايس) لكي تسعفها باتفاق أمني جديد تتعهد فيه الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات إضافية لحماية (أمن) إسرائيل. ولا ندري إذا كانت (رايس) يحق لها، وهي في آخر أيامها راحلة مع الإدارة الراحلة، أن تعقد مثل هذا الاتفاق. ولكن من قال أن بروتوكولاً أو قانوناً يحدد العلاقات الحميمة بين إسرائيل وأمريكا؟ أليست هي فوق سائر القوانين والأعراف والتقاليد؟
كان من نتائج ذلك الاتفاق:
(آ) أن هرع إلى إسرائيل أقطاب حكومات الاتحاد الأوروبي والأمريكي لحضور حفل عشاء على مائدة (هتلر الصغير) إيهود أولمرت في القدس المحتلة، ساده جو من المرح والبهجة والودّ بدا في الابتسامات والضحكات والاحتضانات بين الحضور احتفالاً بما أريق من دماء الفلسطينيين ــ الأعداء المشتركين ــ وما دُمِّر من ممتلكاتهم وبنيانهم.
ألم يحرك ضميراً لأحد منهم ــ إبان مرحه وفرحه وانشراحه بعرس أولمرت ـ ليفني ـ اشكنازي مشهد تلك الطفلة ـ مما يدمي القلب ويفتت الكبد ويؤسي الروح ـ يرتعش جسدها الصغير الضامر خوفاً، وترتجف شفتاها كأنما أصابهما مسٌّ كهربائي، تنظر بعينيها المرعوبتين في هلع مذهل لجنود أمامها بخوذهم ورشاشاتهم ووحشيتهم، ومن فوقها دويّ الطائرات يصمّ الآذان، ضائعة بين الأنقاض التي انسحق تحتها أخواتها وأخوتها الصغار وأمها.. لا تدري إلى أين تذهب ولمن تلجأ؟ من سيعتني بها؟ من سيطعمها؟ من سيقرؤها درسها ـ هكذا صاحت ضارعة مرتاعة؟
ألم ينغّص عليهم مرحهم وانشراحهم فيسد نفوسهم عن طعام (أولمرت) وشرابه وتبادل أنخابه مشهد أولئك الصبية، بنين وبنات إثر استخراجهم من بين الأنقاض قابعين إلى جوار أمهم الميتة جياعاً عطاشاً.. وقد استشهد بقية أهليهم في أبشع صورة للموت بالنار وحرائق الفسفور.
لم يحدث شيء من هذا بالقطع، فهؤلاء عرب فلسطينيون، دمهم رخيص لا يعني شيئاً لأحد ــ حتى لكثير من سلطتهم ــ وكثير من بني جلدتهم.. إذن فليكفوا عن التشدق بالحديث المنافق المراوغ عن الإنسان والإنسانية وجمعيات رعاية الطفل.. وما إليها من صور الكذب (الديكورية). ليمضوا في تناول طعامهم الفاخر، وشرابهم الباهر، بالشوكة والسكين وكؤوس الكريستال.. وليواظبوا على لمس ربطة العنق للاطمئنان على أنها في موضعها تماماً، وللتأكد من أناقتها وسلامة وضعها، وملاءمة لونها للقميص المنشّاة ياقته البيضاء، لكي يحظى بإعجاب ليفني ورفيقاتها في تلك الأمسية البهيجة...! ألا ليته منح الطفلة الشقية اليتيمة من كل ما في الحياة انتباهة توازي انتباهته لرباط عنقه..!! ألا حبذا لو أسمعتنا (بريجيت باردو) ([6]( صوتها، أم تراها لا وقت لديها فجلُّ وقتها تمنحه لجمعيات الرفق بالحيوان..! عقدة الذئب في اللاوعي الأوروبي تلجؤه، لتدليل القطط والكلاب تعويضاً عن مظالمه لشعوب بعينها من بني الإنسان.
لعل الهدف الذي ابتغوه هو التغطية على الخسائر والإخفاقات الإسرائيلية من جهة، والتأكيد، من جهة ثانية، على أنهم يقفون إلى جانب الشريكة إسرائيل في الملمات، يشدون من أزرها ويواسونها على إخفاقها في استنقاذ (شاليط)، ناسين بالطبع أن أسرى الفلسطينيين (أحد عشر ألفاً) أو يزيدون مقابل (الشاليط) الواحد أسيرها. ( وهو حيث هو لايناله أذى فيما يتعرض أسرانا لويلات العذاب الوحشي المميت في كثير من الحالات) إضافة لذلك كله، لكي يفهموا القاصي والداني بأن (إسرائيلهم) ليست وحيدة، ولن تكون كذلك في يوم من الأيام..
(ب)من نتائج ذلك الاتفاق الذي جاء أشبه ما يكون بالسرقة:
العمل على إقامة ذلك المؤتمر التآمري الخطير الذي عقد في (كوبنهاجن ــ بالدنمرك) في يومي الرابع والخامس من شهر شباط الماضي.
يضمّ المؤتمر ثماني دول أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، وإلى دول أخرى لم يعلن عن أسمائها، تفادياً لإحراجها أمام شعوبها وحسب رغبتها. وقيل أن أطرافاً عربية دعيت إليه، منها من استجاب للدعوة ومنها من اعتذر عنها. السلطة الفلسطينية من بين المدعوين. أما إسرائيل فهي على رأسهم بطبيعة الحال إذ أنه عقد من أجلها في الأساس.
ولكن ما الغاية من هذا المؤتمر العتيد؟.
لم يخفِ أولئك السادة الغاية الواضحة التي لا لبس فيها من وراء انعقاده وهي: (البحث في كيفية العمل على منع وصول أي سلاح إلى غزة..)..!
بهذا الوضوح الفج يعلنون ولاءهم ورعايتهم وانحيازهم لإسرائيل، وعداءهم لنا أصحاب القضية. نفاق وتواطؤ وتآمر (على المكشوف) مع العدو الذي لوثت كيانه كله دماء أطفال غزة ونسائها.
كتبت النائبة في الكنيست الإسرائيلي (شالون ألوني) في صحيفة معاريف في 3/3/ 2009 تقول:
(لماذا لا يوافق زعماء إسرائيل على إطلاق سراح أسرى ومعتقلين فلسطينيين بحجة أن هؤلاء ملوثة أيديهم بدماء إسرائيليين. ولكن دعونا نسأل بصراحة: كم من دماء الفلسطينيين لوثت أيادي جنود وزعماء إسرائيليين؟ من سفك دماء كل هؤلاء؟ أليس هذا نفاقاً وتمييزاً عنصرياً بامتياز..؟)
لماذا يمنعون السلاح عن غزة؟
ألكي تبقى محتلة وأهلها عزل تماماً أمام اعتداءات إسرائيل القادمة لتقتل من تشاء في الوقت الذي تشاء دون أن يجد الغزِّيون في أيديهم ما يدافعون به عن أنفسهم..؟ ألكي تأمن إسرائيل من أي ردٍّ مسلح على عدوانها الآتي..؟)
كيف يسمح لإسرائيل التزوّد بالسلاح، من كل مكان وكل نوع، فوق ما لديها؟ وهذا الذي لديها كفيل بخوض حرب جيوش عالمية، وفي الوقت نفسه تمنع عن الفلسطينيين الرصاصة والبندقية دفاعاً عن أنفسهم في وجه احتلال غاشم، استثنائي في تعسفه وجبروته ووحشيته.
ولعلّنا جميعاً نعرف أن الغرب حرص دائماً على تسليح إسرائيل بما يجعلها قادرة على مواجهة جيوش الدول العربية مجتمعة ــ وهزيمتها أيضاً. لطالما صرح زعماء غربيون ــ وعلى رأسهم أمريكيون ــ بهذا المبدأ دون مواربة ودونما اعتبار لمشاعر حلفائها من رؤساء وقادة تلك الجيوش المعنية. والغريب أن الدول العربية لم تبدِ في يوم من الأيام استهجانها، على الأقل، كيلا نقول اعتراضها عليه، برغم أنه يمسّها في الصميم كخطر داهم على أمنها الوطني والقومي، وكأن الأمر لا يعنيها في شيء.
كيف وبأي منطق..؟
* ــ لماذا حلف الأطلسي..؟

حلف الأطلسي هذا الذي أنشئ في الأصل لمواجهة (حلف وارسو) المؤلف من الاتحاد السوفياتي ـ أيام عزِّه ـ ومعه دول أوروبا الشرقية.
ما دخل هؤلاء جميعاً في مسألة مصيرنا الذي يخصُّنا نحن..؟ بأي حق نصَّبوا أنفسهم أوصياء على منطقتنا!؟.
ومن أعطاهم حق نزع سلاحنا والإبقاء، في الوقت عينه، على سلاح العدو للفتك بنا..؟
ولكن هل المقاومة إذن على هذا القدر من القوة بحيث تحشد لها قوى عظمى كهذه تفد إلى ديارنا من أقاصي الأرض، لتمكين إسرائيل منا، ومجرموها في منأى عن أي خطر؟
هل حلَّت غزة مكان الاتحاد السوفياتي الذي أعد حلف الـ(NATO) لمناجزته؟
إنهم يعدون العدة إذن، ويهيئون الأجواء والأرضية المناسبة لتمكين إسرائيل من القيام بمحرقة جديدة أشد هولاً من سابقتها، لكي تنام (السنيورة) ليفني لياليها قريرة العين، تحلم بلون دماء الفلسطينيين القانية وأشلائهم الدامية.وربما على أمل أن يتحقق لها مستقبلاً ما لم يتحقق لها في عدوانها الأخير.. وإذا ما هي أخفقت هذه المرة أيضاً، فهؤلاء كفلاء بتحقيق أهدافها بالسياسة والتآمر ما لم تستطعه هي بقوة السلاح.
مواقف الغرب المثيرة للتساؤل حول نواياه إزاءنا كثيرة قد لا نحتار في تفسيرها، من الأمثلة:
كيف لنا أن نفهم أن يستشيط هؤلاء غضباً على حرمان المرأة من حق ما في حياتها العادية ــ حسب مزاعمهم ــ كحريتها في طرح الحجاب عن رأسها، أو عن حقها في قيادة السيارة مثلاً، ثم لا يغضبون ولا يكترثون لحرمانها من حياتها نفسها، تحرمها إياها أسلحة إسرائيل الفتاكة فتحيلها إلى أشلاء ممزقة. بل هم سعوا ويسعون إلى تحديد نسلها كيلا تزعجها كثرة الأولاد، ثم لا يتورعون عن الإجهاز عليها قتلاً (هي وأولادها) في غزة (وأي مكان آخر من بلاد العرب والمسلمين).
ترى لو أن المرأة خيرت بين ما كنتم تطالبون به لها وبين موتها تحت جنازير دبابات (الميركافا) ماذا كانت ستختار، أيها السادة، المؤتمرون المتآمرون؟
تساؤلاتنا هذه على فرض أن المرأة عندنا في حالة كهذه التي يدَّعونها من الكبت والحجر على حريتها، وهي ليست كذلك على أرض الواقع.
ولكن، وبصرف النظر عن هذا الجانب من المسألة، أليس هذا التجمع الأوروبي المعادي، في حد ذاته، يعني بالضرورة أن إسرائيل هزمت بالفعل في معركتها الأخيرة في غزة..؟


([1]) من المعروف أن زعماء الوكالة اليهودية ــ ومنهم وايزمن وبيجن وجابوتنسكي وشامير ــ اتفقوا مع هتلر عام 1931 على مضايقة اليهود وترويعهم لكي يهاجروا إلى فلسطين لإقامة (الوطن القومي اليهودي). وعدهم هتلر بذلك ولم يكن قد انتخب رئيساً للرايخ الثالث بعد.

([2]) قتلى الأمريكان في العراق نحو خمسة آلاف وجرحاهم أكثر من ثلاثين ألف، عدا المرضى والمعاقين والمنتحرين.

([3] ) وهذا شأن كل فلسطيني في الشتات.

([4]) هذه هي المرة الثالثة التي ينسحب فيها جيشهم أمام المقاومة. الأولى كانت عام (2000) بانسحاب باراك بجيشه ليلاً وسراً. والثانية كانت انسحاب أولمرت بجيشه عام (2006) ( بقيادة الجنرال دان حالوتس رئيس أركان جيشه) تحت وطأة صواريخ حزب الله وبسالة مقاوميه. والثالثة كانت انسحاب أولمرت وجيشه (بقيادة رئيس أركانه الجنرال اشكنازي) عام 2009 عن غزة عجزاً عن التقدم والتوغل في المدينة بفضل = المقاومة الباسلة والتفاف الشعب من حولها. وخابت عملية (الرصاص المصبوب..!!).

([5]) لا بد لي من التنويه بأني لست منتمياً لأي تنظيم. انتمائي لفلسطين ومن أرى أنه يعمل من أجلها.

([6]) بريجيت باردو تأخذ على المسلمين ذبحهم للخراف في عيد الأضحى، بوصفها رئيسة لجمعية الرفق بالحيوان في فرنسا. كانت من شهيرات الممثلات في شبابها.


[/align]
</H1>
طلعت سقيرق غير متصل