31 / 01 / 2008, 46 : 07 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
ضيف
|
بدايات ..
بدايات ..
محمود العزامي
أحسها محتقنة أكثر من ذي قبل ، لا تسمح بمجرد ذبابة تهديء على أنفها :
(بحبك ، بحبك ، بحبك ، شو إنت يا أخي : أنا فاتحها مسلسلات وأفلام عندي .. روح حل عني..شوف لك وحدة غيري تحبك)
أدرك نصار أن الهوة بينهما تتسع ، تتفاقم ،تكاد تكون براكين تتطاير منها الأتربة ، لكنه لا يستطيع أن يتخلص من حبها ، بينما هي تستنفد جميع الطرق كي ينسى .
( أنا لست طاغية ، وهذه المشنفة التي يزين حبلها عنقي ، صنعتها بنفسي ، صنعتها من مواد بسيطة وأولية للغاية : (حبل كنت أستخدمه لتناول الصحف من الشارع ، وبرميل كان مهملا على السطح ، وفتق حديدي لمروحة سقف ) أتحدى أن يقدم طاغية على قتل نفسه ، إن الطغاة لا ينتبهون للحظة إلى الموت ، هم منسربون دوما في أوردة الحياة ، ومتفائلون في الأغلب
أما أنا ، فكل ما في الأمر أنني كنت مادة خصبة لطغيان الحياة ، كنت معينا مستكينا على الدوام وآن لي أن أضع لمستي الأخيرة )
لا أحتاج أحدا يتهمني بالطغيان حتى أرد وأبرر ، كل ما حدث ، أنني أحببتها ، أحببتها بجنون وطغيان لم يخلق الله مثله في أي قلب ، وفي إحدى الليالي السالفات ، بين اليقظة والحمى والنوم ، ظهر لي مجنون بني عامر ، بقلنسوة مغبرة ، ولحية طويلة شائبة ، صرخ بي : لقد نفوقت في حبك ، وآن لي أن أتنحى جانبا ، وودت أن أحادثه بما يعتمر في نفسي ، لكنه غاب بين الصحاري تاركا وراءه غمامة من ألم .
لا أحتاج أحدا يؤنبني على فعلتي ، في الدفتر الذي دسسته تحت ملابسي ، هناك ستجدون كل شيء ، قبل أن تغسلوا جثتي ، أخرجوا دفتري الأزرق واقرأوه ، ستعرفون بسهولة أنني لست طاغية ، ستعرفون أن العشق هو الذي أعمى قلبي ، ويتم روحي ، وقذفني في مواجهة الأمواج .
ما حدث أنني أحببتها ، ولم أسع لامتلاكها أو استهلاكها كما يفعل سواي من العاشقين ، وددت أن أبقيها بقعة طاهرة في شغافي ، لكنها هربت ، ذابت من بين ناظري واختفت إلى غير رجعة .
في دفتري الأزرق أيها السادة ستقرأون كل شيء ، أحببتها بعظمة غير موجودة على الأرض ، ورفضت أن أحبها بذات الطريقة ، ولما كان صدودها بذات مقدار حبي ، عاهدت النفس ، وكل ذرة في دمي أن يكون مهرها : عشرة آلاف امرأة ، أكذب حتى في نظرتي إلى العيون ، ابتسم وأعلم أنني أنتقم ، نساء عزباوات ، أعدمت طفولتهن في فراشي ، وأخريات متزوجات ابتلاهن الله بكذباتي ، دمرت حيوات لا طول لها ، ولا أريد أن يكون رفض حبيبتي تبريرا لغياب ضميري ، وأنا مجرد بشر كان يتوق ذات يوم للحب الصادق العظيم ، ومن البشر من هو خير ومنهم من هو شرير ، والشر والخير موجودان على سطح الأرض بنفس المقدار والخيبة .
أقف الآن على برميل كان مهملا على السطح ، يزين رقبتي حبل صنع من أشجار تم إعدامها رغما عنها ، أما أنا ، فبمحض إرادتي سأموت ، كما لم أعش بمحض إرادتي ، النهايات يا سادتي لا يمكن التنبؤ بها ، قد تكون نهايات سعيدة ، وقد تكون حزينة ، والكل في النهاية سيلقي النظرة الأخيرة ثم يمضي .
امرأة من لحم ودم ، تملك وجها دائريا مثل أي كرة ، ما وددت أن ألعب بها كما يفعل بعضهم ، كنت أريد تأمل هذه الدائرة والسكن بداخلها ، وحراستها بأهداب صادقة .
أقف الآن ، على البرميل ، وبيني وبين الموت لحظات قليلة ، أتخيل كفتي ميزان أمامي، رفضها لحبي ، وجرائمي التي ارتكبتها في محاولة أن لا أخرج خاسرا ، فتفاجئني كفة رفضها بالرجحان .
وودت من بعد الموت أن أضع موتي فوق كفة جرائمي مع النساء ، وأطالع الميزان ، لعله يرجح لصالحي .
أنا لست مجرما ، ثقوا يا سادتي أنني بشر معرض للخطأ والصواب ، لكن هناك مساحة لا يمكن معرفتها بين الحب والكره ، بين الموت والحياة ، منطقة محايدة في الغالب ، أريدها وحدها فقط التي تحكم بيننا ، فأنتم يا سادتي بشر مثلي ، ولا أثق بأحكامكم على الإطلاق ، لا أثق بكم ،أنتم معرضون أن تعيشوا ما عشته ، وستحتاجون لحظة إذن أشياء محايدة .
الدفتر ستجدونه تحت ملابسي ، ها إنني أذكركم بين فينة وأخرى ،قد يفصح عن قصتي أو لا يفصح ، لكنكم ستعرفون أن للحب أكثر من وجه ، ستعلمون أنني وقعت في حمى الحب المدمر ، الحب الذي دمرني ، فساهمت في تدمير كل ما تطوله يدي من نساء ، مهر حبيبتي هو عشرة آلاف امرأة ، ابتسم ، ثم ينهمر الكذب ، فأظفر ، وهناك أترك بحيرة من ألم لا يزول .
لقد أحببتها بجميع الجوارح والأحاسيس ، يومذاك لم تستطع أن تخرجني من آدميتي بعد ، لكن الله يكتب أن تنتصر في النهاية ، لأتحول إلى وحش ، وحش راجع معظم العيادات التناسلية التي تطوّل ذلكم العضو ، فحصلت على سلاح لا راد له سوى القدر خيره وشره ، مدية عندما أنفخ فيها روحها ، تصل أدنى ركبتي ، أعرف متى وكيف أغرسها ، هكذا قررت أن أقتل كل امرأة أصادفها ، أقرأ عليها آيات وتعويذات أؤلفها بعناية ، فتتبعني الفريسة كل فريسة إلى حتفها .
ليس في البال أي سؤال الآن ، من قبيل : لماذا أخرجني رفضك لحبي من إنسانيتي ؟
ليس في البال شيء ، أؤكد لكم أنني أشعر بشوق إلى موتي ، شيء مثل أن تنتظر بداية فيلم شائق ..
وبعد يا سادتي ، أعلم أن كثيرا منكم لن يصله الدفتر الذي أخبئه لصق صدري ، لكنه في النهاية سيصل إلى شريحة ، ربما سيحقدون علي أو لا يحقدون ، لكن المهم لدي أن لا يصدر حكم في حقي ممن هم بشر على شاكلتي ، وهكذا جهزت نفسي للموت : لبست أجمل ما لدي من ملابس ، تأنقت كما لو أنني رائح إلى حفلة مهيبة ، كيف لا ، وأنا سعيت إلى الموت بقدمي ، كيف لا وأنا الذي سأنهي آخر الأخبار التي تخصني .
ثوان معدودة فقط ، وسأكون في عالم لا يشبه عالمك ، يا أيتها المرأة التي أحببت ، كي تخبرني بطريقي إلى الموت ..
(سمع بعد دقيقة واحدة ، ثلاثة فرقعات ، صادرة من أعلى عنق الرجل ، وشوهد جسد مدلى ، لكن الرأس كان في حالة علو عن باقي الأعضاء ..)
أنا (علياء عبد الحميد أحمد "53") عاما ، أعمل في خدمة المنازل منذ ثلاثين عاما ، ليس لي أولاد ، وزوجي يعاني المرض المزمن ، كان المهندس نصار مثل ابن لي ، ترددت على منزله منذ خمس عشرة سنة تقريبا ، عرفته عن قرب ، إنه رجل طيب معي على الدوام ، أكنس له البيت ، وأحيانا يطلب أن أصنع بعض أصناف الطعام . صباح هذا اليوم : طرقت بابه ، ولم يرد كعادته ، ولأنني أملك نسخة من مفتاح منزله ، دخلت ، ولم أفاجأ أبدا عندما وجدته جسدا معلقا ، لقد قال لي مرارا : إنه يهوى الموت بهذه الطريقة ، لكنني - و يعلم الله - لم أشجعه ، بل نصحته أن يبقى حيا وينسى ما جرى .
لقد أوصاني المهندس نصار على الدفتر الأزرق ، ولحسن الحظ ، وجدته قد وقع أسفل قدميه المعلقتين ، فأخذته ، وهو أمانة في عنقي ما دمت على قيد الحياة .
حضر إلى البيت كل من الدفاع المدني ، والطبيب الشرعي ، ورجال أمن ، وقرروا جميعا أن سبب الوفاة هو الانتحار ، وليس هناك أية شبهة جنائية في الموضوع .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|