03 / 01 / 2010, 30 : 05 PM
|
رقم المشاركة : [10]
|
أستاذة وباحثة جامعية - مشرفة على ملف الأدب التونسي
|
فلسفة الثعبان المقدس - أبو القاسم الشابي
فلسفة الثعبان المقدس
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً *** غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ *** ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه *** قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكومُ من مظهرِ الحياة كأنما *** هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً *** للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ *** سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه *** ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه *** سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح في هزل القضا *** متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: *** «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، وإلا أنني متعزلٌ *** بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً *** وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! *** أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا *** رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ *** عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها *** حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة *** ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى *** وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ *** وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني *** أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ التلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى *** جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها *** شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى *** ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ *** فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها *** يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً، *** قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي *** فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً *** في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي *** وتصيرَ بَعََ ألوهتي وشبابي..؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً *** في روحي الباقي على الأحقابِ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه *** أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى *** والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا أرى للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، *** الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها *** وارحم جلالَكَ منت سماع خطابي"
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً *** عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ
|
|
|
|