الموضوع: عشــــتروت
عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 02 / 2008, 31 : 08 AM   رقم المشاركة : [1]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


عشــــتروت

عشتروت وعشبة الخلود الدائمة

دراسة تحليلية عن نصوص الكاتبة


( عشـــــــــتروت )




قراءة وتحليل الدكتور / حســين سرمك حسن

ناقد عراقي مقيم في دمشق

(( لم اسمع أن عاشقا غص بعشيقته كما غصصت بك عندما رايت عينيك ))

(( ان الله يدرك فينا رغبة مخفية الى حين , أنت تلك الرغبة و انا أشكر كل آلهة سومر لأنها حملتك الى أحضاني كما تحمل عيون السمكة غرقى النهر ))

– عشتروت –


عشتروت , كاتبة من العراق - من هي ؟ هل هذا هو اسمها الحقيقي أم اسم مستعار ؟ قديكون هذا مهما , لكنه ليس بقدر اهمية المتعة الباهرة التي منحتنا إياها من خلال نصوصها التي تنشرها في مواقع ثقافية عديدة و التي سناخذ منها النص المعنون بـ (( هوامش إمرأة عاشقة , تشتهيك شفاهي )) . وقد يعتقد البعض ان تناول نصوص أمرأة عاشقة هو امر ثقافي (( كمالي )) وزائد عن الحاجة في وقت يشتعل العالم – ووطن الكاتبة بالذات - بالمقت والكراهية و الموت، ولكن هذا الاعتراض نفسه هو مبرر الانشغال بنصوص (( عشتروت )) فالعالم يتحول من روح الى حجر وقد تسيدت فيه غريزة الموت – thanatos – على غريزة الحياة – eros – التي انزوت مخذولة كسيرة ترقب بصمت جريح الكيفية التي تلتهم فيها السنة الخراب كل مظاهر النماء و الخير التي اسستها. انها نصوص تنفخ الحياة في اوصال جسد يحتضر تنهشه مخالب الحقد الباشطة من كل جانب و على طريقة المعالجة السلوكية لاضطرابات النفس البشرية من خلال إطفاء ما هو سلبي بنقيضه الايجابي RECIPROCAL INHIBITION فان بامكاننا أن نتوقع – توقع اليائس ربما وهو توقع شديد الضراوة – أن مراجعة هذه النصوص الباذخة بدفعات الحب و العشق سوف ينعش ارواحنا الجريحة . إنني أتذكر تلك اللحظة الهائلة , وبعد أن أخليت كطبيب عسكري , عشرات الشهداء من الشباب الذين حصدتهم مناجل المثكل – كما يصف جلجامش الموت -بل مئات وامتلأت روحي بالحزن و الاسى حد الأختناق فتحت المذياع بحركة عشوائية فانطلق صوت مذيع (( مونت كارلو )) ليقول : الساعة الآن العاشرة إلاّ أغنية وهذا عبد الحليم حافظ و اغنية (( تخونوه )) و تستطيعون تخيل التركيب الانفعالي – على الطريقة الهيغلية - الناتج عن إجتماع أطروحة الثكل و الخسارات بطباق الحياة و الأمل . و حين تتامل العنوا ن تشتهيك شفاهي (( ستجده )) ((محايدا)) أو ((مزدوجا متكافئا )) فهو يصلح للمخاطبة من قبل الذكر أو الأنثى . وهي لعبة ذكية ففي احشاء الخطاب الانثوي - الاطار الكلي – الموجه من المرأة العاشقة الى الرجل المعشوق هناك خطاب معاكس موجه من الرجل العاشق الى المرأة التي لا نستطيع الحاق صفة المعشوقة بها هنا لان خطاب الرجل – في صيغته المتمناة – مصوغ من قبل المراة – عشتروت –التي يأتي مدد الحب و منذ فجر الخليقة – على يديها . إنانا / عشتار التي كانت قصائدها (( كخبز معتق وجدوه في كهف بابلي أثري )) , وهنا لا بد من الاشارة الى قصدية العنوان (( تشتهيك شفاهي )) حيث تسيطر الرغبة (( الفموية – oral )) من بداية النص حتى نهايته . فمن شهية الشفاه الآلتهامية الى الخبز المعتق .. الغصة .. الجوع. الخمرة .. القبلات .. و الأنفاس .. و يبدأ النص بالمدخل الإطاري الأنثوي و ينتهي به . يبدأ بخطاب حميم متفرد : (( عشقي - أي يا عشقي - لو رحلت ترى من سيكتب لي نص عشق كل يوم .. و يعزف لي على قيثارات أور السومرية أجمل سمفونية للحب ويخلدني بأشعاره )) و ينتهي : (( اناديك عشقي فيرجع الصدى تشتهيك شفاهي )) ليعبر عن وعي المبدعة الحاد في توفير شروط صارمة و رقيقة في آن لوحدة نصها الذي يبدأ و ينتهي بـ (( تشتهيك شفاهي )) لنعود الى ربكة الخطاب المتعادل المتكافئ التي اشرنا اليها في البداية. فحين تقول الكاتبة : (( أناديك احبك : أ ح ب ك . أناديك : عشقي , فيرجع الصدى : (( تشتهيك شفاهي )) لتختم هوامشها فاننا – و بفعل مخطط – لا ندري من يرجع الصدى : تشتهيك شفاهي .. هل هو انعكاس نداء المرأة العاشقة ام استجابة الرجل المعشوق/ العاشق ؟. لكن المكر العشتاري الأخاذ أوقعنا منذ بداية النص – أو منذ بداية الخليقة- في شراك الأنتفاخ النرجسي الذكوري الذي هو انعكاس باهت و متنفخ للنرجسية الانثوية الاصلية . و ضمن عملية تصميم هذا الانعكاس الموهم تتصدى عشتروت للتعبير عن اعماق دخيلة ذكورية مفترضة فتضع على لسان الرجل تفصيلات بنفس الخطاب الذي تتمناه (( لو رحلت ( ----- ) من يقول لي : (( انتي لا تخلدين في كتاباتي كحبيبة فقط .. بل كمثال لنساء الارض للصدق و البراءة والطيبة و الحسن لانك الذاكرة الانثى للمراة الحلم )) (( في العشق لا يشتاق الرجل سوى الى أمرأة . هذه حكمة اكتبها لاجلك لاول مرة ،خذيها عني و بشري بها كل جياع العالم للحب )) . و بعد وقفة غياب و عودة من ارض دلمون تضع المراة – من جديد – همسات مشتهاة على شفاه الرجل يشتي بها لشفاهها : (( نثرك مدثربالشعر . و شعريرتدي قبعة النجوم و تحت اجفان لخطة الكتابة عندك يشعل شموعه و ينام جرأة في المشاعر , عاطفة لا تنتهي , و بوح يشبه بوح موسيقى قيثارات اور والواح سومر.. تلك هتافات المراة الرائية التي ولدت جلجامش و أحبت دموزي )) , وفي هذه المقارنة : (( ولدت جلجامش و احبت دموزي )) التي ستصدم العقول الذكورية المنتفخة التي تحاول عبثا طمس الحقيقة الوجودية الكبرى التي جسدها بنشيد عشتار الأزلي :

(( انا الاول وانا الاخر / انا البغي و انا القديسة / أنا الزوجة و انا العذاراء / انا الام و انا الأبنة / زوجي من أنجبني / أنا ام أبي و اخت زوجي / و هو من نسلي ))

-نص سومري قديم- .

وفي كل نصوص عشتروت تجد هذا الحضور الكوني الحي الذي ينسرب بصورة مغلفة من خلال خطاب المراة العاشقة الموجه الى الرجل المعشوق و الذي تمررمن خلاله معاني حضورها الشامل الضروري للحياة , بل هوالحياة نفسها :

(( أحبك , يشتعل فيك شوق اللغة و عطر المنطق و حلم عينيك و انا اتخيل هدوءهما بحدس سومري فأرى اشواقك الكبيرة مهومة تحت اجفانك كما غيوم الصيف .. أشكر روحك وليت لجنون الشعر الذي فيك أن يصير وطنا خليجيا , أطلسيا , او فراتيا تنصب فيه خيام السلام و الامان ))

و في هذا النص – بل في النصوص الاخرى كلها – تقوم عشتروت بتلقين الرجل / دموزي أو جلجامش معاني وقصائد الحب . الحب و الحياة و الشعر أختصاص أنثوي اما الحرب و الموت فهو أختصاص ذكوري , و هذا هو العامل السايكولوجي الحاسم في اختلاف بنيتين نفسيتين – الذي جعل الذكر الاله اللاحق يخفي – مستميتا – حضور و دور الالهة الأم , الاول و الكلي , ولكنها – اي عشتار او عشتروت – تعود لحصانتها المقتدرة المؤصلة النابعة من ادارة عملية الخلق الاساسية و الوحيدة التي تنمو في احشائها – الى الحضور الامومي الصبور التعليمي الذي يسعى إلى تلقين (المعشوق ) – المعشوقة هي عشتروت نفسها ولنفسها- أسس الفن العشتاري / الفن الأمومي الضروري للحياة والبقاء ، ولذلك نجد المبدعة تضع على لسان الرجل كل إشارات الخطاب الحبي المسقط فتصبح الرسالة النصية مغلقة بمعنى أن الاطار/ الرحم العشتاري يحتوي الابن والحبيب الدموزي في الوقت نفسه. تعلم دروس الحب رغم أنها تستظل بخلاقيتها من عدوانية الرجل)) أنت تكتبين بحميمية قلبك وبراءته وهويرى احلامه تتمزق على خاصرة التاريخ لهذا تستنجدين با لاسطورة لتستظلي بها من مطر الحروب)) أن التلبس بمشاعر المذكر هنا ،والتعبير عنها لا يأتي ضمن محاولة يونغ التفسيرية المتفردة في عمل الظل الذكوري – animus- المتخفي في لاشعور شخصية الانثى و الذي يفعل فعله من وراء ستار يتشكل في النتاج الابداعي على سبيل المثال. إنه يتلبس فعله المسؤول بتلقائية عالية آسرة و ينطلق من ينبوع الكرم العاطفي العشتاري ( أو العشتروتي ) ليتصاعد من الهمس الشفاهي – لكن الألتهامي في باطنه – الى الفداء العاطفي الاحترافي :على مذبح الحب العشق كملاذ أخير للسلامة النفسية و الوجودية لحياة الكائن الحي :

(( تحيلني الى فتات جسد لامرأة عاشقة من جمر يذروه طوفان حروفك الى هاوية قمة هملايا ذروة كبريائك , لتحتفي بحرق جثمان انوثتي بأتون رجولتك و تنثره رمادا يذهب مع الريح )) .. ولا تتحدد اللغة (( النارية )) في هذا المقطع حسب، نحن نجدها في كل مكان .. في كل النصوص .. و الاهم ان التعبير الملتهب في نوع حدّته هو شكل من اشكال فعل النار : (( جسدي المجبول من قارورة عطر و خمر معتقة و كومة قش ينتظر أن تقدح قربه حجر رجولتك ليحترق ثم تعمد جسدي بدفئك و شعرك و تنقله من عصر الحجارة الى عصر النار )) وهنا يصل الأحتدام اللاشعوري منتهاه الى الحد الذي يغيب البصيرة النقدية الذاتية للكاتبة فيشتبك بصورة مسمومة – و هذا هو الدرس الاساسي لمعلم (( فينا )) و الذي يثير المقاومة – resistance – النفسية داخلنا فنستفز و كأن جرحا ملتهبا يفرك في نفوسنا – يشتبك الجنسي الفج – لكن الرمزي الخلاق ضمن سياقه – بالسردي البريء المتواصل على سكة الخطاب المنتظمة : (( تنقل جسدي من عصر الحجارة الى عصر النار ليسيل لعابا من جمر بين احضانك و شهوة على سفح غواية جسدك و عشقا على قمة بركان (فوجي) و مرتفعات ويذرنغ )) . و لأننا ننطلق من حقيقة وجود حتمية لاشعورية - حتمية لكن خلاقة – ترسم افعالنا و خطاباتنا دون أن ندري – فيمكننا القول أن ذكر بركان فوجي و مرتفعات وذرنغ ليس أمرا اعتباطيا . الاول ياتي ضمن إطار الحماسة النارية (( و الانفجارية )) لتعبيرات الدوافع النفسية المحتدمة المشتعلة بسبب الحرمان الواقعي (( عشقي اوقف طوفان اشعارك و اعصارك و كفاك تحريضا لانوثتي الغافية في أحضان رجل اخر من العصر الجليدي .. جسده ثلج معلق من جبال سيبيريا على جسدي )) أما الثاني فلا اعتقد أن احدا قرأ (( مرتفعات ويذرنج )) و رواية الحب المدمرة بين جون هيثلكيف و كاثرين ايرنشو ولم ير فيها سمة ((ما بعد الحب )) , اللحظة التي يطمح فيها المحب الى امتلاك حبيبه كاملا فيدمره , يدمره كاملا و يحرقه حسب تعبييرات عشتروت أو عشتار - والنارالامومية الحبيّة مآلها النهائي هو استعادة الابن – الحبيب – دموزي – الى الرحم الامومي الفردوسي , و هي البداية لكل شيء, كل شيء في الكون و الحياة و الوجود , ولذلك نجد عشتار تنعى فقيدها فتنشد : ((ناحت إنانا على عريسها الفتى : لقد مضى زوجي الحبيب / لقد مضى بني / مضى إبني الحبيب ))-نص سومري قديم- . ولعل ما يرسخ لحمة التحليل الذي يعزز تماسك الفعل الأبداعي لعشتروت هو انها مخلصة تما ما للوحدة النسيجية لجسد النص / أو النصوص . أنها تبدأ من أرض سومر و تنتهي بها ليس بسبب انحياز عرقي – وهو مشرف رغم كل شيء – ولكن بفعل إدراك حاد لحقيقة أن أنموذج الحب الاول في تاريخ البشرية شهدته هذه الأرض و لذلك نجدها تضع على لسان رجلها عبارة تقول : (( ستبقى روحك السومرية تنبع من عراقيتك . عطرا تأتي لنا به ليالي حانة (( سيدوري )) , هي تؤشر مثلما كلماتك لجلجامش طريق خلود الحكمة )) و (( ثم تعود من رحلتك اليّ بعد ان سلبن النساء الذين عشقت من قبلي عشبة خلودك خلسة من عمرك ... )) و هذا يحيلنا الى موضوعة حياتنا المضيعة الكئيبة التي يجعلنا عجزنا النفسي و الوجودي الفاضح تجاه شبح المثكل الى المعاندة في التسليم بالمصير الشخصي و العام على حد سواء , آليات دفاعية تخديرية مدوخة و متعبة تعطل لكنها لا تبطل , ذهب بعيدا جلجامش , تعذب جلجامش/جدنا بحثا عن عشبة الخلود , العشبة التي تعيد الشيخ الى صباه - وانظر الى المضمون الجنسي المستبطن في ثنايا الجهد العام – لكن عشتروت تخاطب رجلها قائلة بطريقة تتماها فيها مع الدور الحاسم الذي لعبته (( سيدوري )) – و كان أصلا – و انموذجا – لتذكره بالسبق التاريخي الممسك بطريق الخلود المباشر – و اليائس – الذي يختصر المداورة المهلكة التي اتبعها جلجامش / الرجل المعصوب الذي يحسد المراة بسبب عدم قدرته على الخلق , و لذا لم تكن عشتروت مجانبة الصواب حينما اكدت أكثر من مرة الملامة المريرة التي لا يعوضها أسف لتبريرات للنصيحة التي قدمتها سيدوري – و انظر الى معنى اسمها فهو الشباب الدائم باللغة السومرية و الشباب الدائم يكمن في نصوص عشتروت , هي الطريق الخلودية. من بداية نصوص عشتروت وحتى نهايتها هناك خيط مرارة خفي بربطها ويحاول صدم رؤوس و اقعنا ليوقظها على حقيقة خطيرة مفارقة مشكلتها انها لا تتصل بنا بوجودنا و سعينا اليائس للحصول على عشبة الخلود – و لعل هذه الحروب الطاحنة و الحملة المدمرة التي نشنها على الحب ردة فعل على هذا اليأس – هذه الحقيقة هي ان (( سيدوري )) قد منحت جلجامش الوصفة العلاجية الناجزة حين نصحته أن يعود و يضع زوجته في أحضانه . و ها نحن بعد عشرات القرون من ضلالة البحث نتسلم وصفة علاجية اكثر احتداما و صدقا ترسمها نرجسية الانوثة البهية من التي يتيح لها الابداع تكثيرالذات والانتشار الكوني : (( تحتفي بحرق جثمان انوثتي بأتون رجولتك بطقوس فيروزية و بوذية ... و تنثره رمادا يذهب مع الريح فوق ارض سومر .. اوروك .. بابل .. اشور .. أور .. اكد .. ليورق من جسدي مليون عشتار و امراة عاشقة تشبهني )) ...


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس