عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 12 / 2007, 12 : 03 AM   رقم المشاركة : [1]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

المــــــــــــــــــــرآة - 3

المــــــــــــــــــــرآة - 3


[align=justify]لا أدري كم مر من الوقت و أنا في غفوتي . لكني حين فتحت عيني ، وجدت نفسي في الحمام ، منتصبا أمام المرآة وقد بدا وجهي واضحا وتعلوه ابتسامة رضا ... كان ينبعث من المرآة طرق عنيف ومناداة متلاحقة .. من يناديني ؟ .. لعلها الصبية ؟.. يا للفرحة ! .. فركت جفوني ،ثم انتبهت إلى الباب ، وأمي تكاد تخلع مقبضه :
- حكيم .. رد علي .. ابني .. ماذا أصابك ؟
كانت تصيح في شبه هستيريا ، و ميزت في صوتها إجهاشا بالبكاء ، فأدرت المقبض ليفتح الباب بسهولة غريبة . كان هناك رهط من الجيران يتطلعون إلي بفضول وهم يهدئون من روع أمي .. ها هو أبي مقبل ، بعد أن أسرع أحدهم للمناداة عليه في مقر عمله . فانفض الجمع لرؤية وجهه متجهما ، وقادني هو إلى الصالون وأمي تهرول من ورائنا .
جلست حائرا أنظر إلى عيون والدي وقد بدا فيهما تساؤل وارتياب .. أجبت ساهما :
- كنت أنظر إلى المرآة ...
لكني لم أكمل . فنظرت أمي إلى أبي و لسان حالها يقول :" أرأيت ؟ ".. ثم التفتت إلي من جديد وقالت :
- ثم ماذا ؟
كان هياجها كافيا ليجعلني أعدل عن مواصلة الحديث ، فسكتت . عندئذ وضعت يديها على خصرها و صاحت :
- ألم أقل لكما إن هذه القمامة ستجلب الشر عاجلا أو آجلا ؟ .. انظر إليه .. عيناه كعيني مجنون .
- هدئي من روعك .. لعله غفا .. أو سقط ..
- الله يحفظ .. على أية حال ، يجب التخلص من هذه المرآة ، وفي أقرب وقت .
- والصبية ؟
تفوهت بالكلمة دون أن أعي ما أقول ، فنظر إلي الإثنان باستغراب وهتفا :
- الصبية ؟!!
لم أجب ، وتظاهرت بالرغبة في النوم ، فنهضت أمي تهيئ لي الفراش و هي تتنهد . وأحسست بها عند رأسي تتمتم ببعض الآيات القرآنية وتمسح على رأسي .. ثم تلثم جبهتي وتنسحب بهدوء إلى خارج الحجرة .
استيقظت باكرا في اليوم التالي دون مساعدة أمي على غير عادتي ، موفور النشاط ، بالغ الحيوية ، و أسرعت إلى الحمام لأجد مكان المرآة فارغا .. لقد فعلتها أمي .. أين تكون وضعتها ؟ ... عسى ألا تكون كسرتها أورمتها .
حين نهضت أمي ، وجدتني مرتديا ملابسي وقد أعددت الفطور . فنظرت إلي نظرة امتزجت فيها الدهشة بالرضا . من كان يظن أني سأقوم يوما بعملي لوحدي دون الاتكال على أمي ؟.. ولم يكن استغرابها أقل وهي تراني أغسل الكوب والملعقة ، و أضع الزبدة والمربى في الثلاجة ، ثم أنظف المائدة . وحين أنتهي ، ألبس معطفي الأبيض ، وأقبلها وأنطلق إلى المدرسة مترنما .
بعد عودتي ، قضيت بقية النهار كالفراشة . أنجز واجباتي ، و ألعب مع ابن الجيران الشغوف بلعبي التي كنت أحرمه منها كلما زارنا في بيتنا . كل هذا وأمي تتابع تصرفاتي بحيرة .. ومع مرور الوقت ، لم أعد أعير اهتماما للمصير الذي آلت إليه المرآة .. لقد اختفت .. كسرت أو ألقي بها بعيدا عن المنزل ، وصرت يوما بعد يوم أزداد يقينا أن ما رأيته كان مجرد أضغاث أحلام .
في هذا الصباح ، استأذنت أمي في الخروج للعب ، فهزت رأسها إيجابا وهي تنظر إلى جارتها الواقفة عند أسفل السلالم و كأنها تقول لها :
- أرأيت ؟
ثم تحكي لها ربما للمرة الألف ما طرأ على تصرفاتي من تغيير .. أخبرتها كيف صرت مهذبا لطيفا بعد أن احتارت في طريقة تعاملها معي ، وكيف انقلبت من غلام مشاغب ، مهمل ، عنيد ،إلى لد هادئ مطيع ، لا يخاف لومة لائم . وضربت لها عشرات الأمثلة .. لكن كل هذا لم يكن ليملأني غرورا .. فقد شعرت أنني يجب ألا أمشي في الأرض مرحا ، مختالا ، فخورا .
ابتسمت الجارة وهي تتابعني بنظراتها وقالت :
- هوني عليك .. فهذه نعمة من الله .. ثم لا تنسي أن ابنك قد صارفي سن بدأ يعتني فيها بحاله .. ألم تذكري لي أنه فاه بكلمة "صبية" ؟
و حين كنت أهم بمغادرة العمارة ، استوقفني كلام أمي وهي تودع جارتها :
- تعرف يا أختي .. كل ما يحدث يشعرني بالسعادة ، لكن حز في نفسي شيء واحد .. وهو اختباؤه في الحمام ليزدرد السمك .. و نحن لم نحرمه من أي شيء قط... لقد حاول الإنكار ، لكن رائحتها كانت تفوح من فمه و يده .. أيعقل هذا ؟ .. وبالليل ؟ " [/align]


الجزء الأول على هذا الرابط :
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=237

الجزء الثاني على هذا الرابط :
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=260

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)

التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 22 / 11 / 2011 الساعة 58 : 02 AM.
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس