عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 03 / 2010, 26 : 02 AM   رقم المشاركة : [14]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(13)
[align=justify]
اليوم قررت أن أغادر عشي بحثا عنك والعودة بك أنى كنت و حيثما وجدت .. كيف جال هذا بخاطري ؟ وكيف اتخذت هذا القرار و أنا اعتدت ملازمة عشي ليلا و نهارا تقريبا ؟ .. و ما الذي جعلني أطيق فراقه و تحمل البعد عن شجرتي و ما يحيط بها ، بل و هجر عصفورتي الجريحة و بومي العزيز الذي لم يكد يستأنس بي و يتعرف علي ؟

كان ذاك في سحر تلك الليلة .. بدأت الفكرة بذرة ثم امتدت جذورها في نفسي مع بزوغ ضياء الفجر .. كنت متكئا على الغصن المحتضن لعشي و أنا أرقب السماء تنزع عنها سواد الليل لترتدي أزهى الحلل .. أخذتني سنة وأغمضت عيني مستمتعا بهبة نسيم من جهة الشرق .. هناك الجبال المطلة من الناحية الأخرى على البحر .. حلمت أنني ألمح طيفك يبزغ في الأفق .. ناديتك فلم تردي و لم تلتفتي .. صرخت بكل ما أوتيت من قوة .. حاولت النهوض لكني بقيت مسمرا في مكاني .. انتحبت و أشرت إليك .. عندئذ رايتك تستديرين نحوي وتبتسمين .. نفس الابتسامة التي عهدتها من شفتيك .. ومن عينيك .. تكلمت عيناك وطيفك يبتعد و يتلاشى في الأفق .. تناهى إلي صوتك مع هبوب الريح .. أصخت السمع فلم أميز إلا كلمات قليلة تردد صداها حتى أفقت مرعوبا .. ّالحق بي إن شئت .. تعال حيث أنا إن كنت فعلا تحبني ..تتبع الغدران حتى تستقبلك النوارس ."
صدى كلماتك لا يزال يرن في أذني و تردده الجبال من حولي .. فما كان مني إلا أن نهضت أجري هنا و هناك .. أتسلق أعلى الشجرة لأراقب الأفق لعلي أراك من جديد .. لكن لا شيء .. ما ذا أفعل الآن ؟ هل أنبذ عن ذهني كل هذا و أعتبره أضغاث أحلام ؟ .. أم أني بهذا أخفي ضعفي و أتوارى خلف حجج واهية كي لا أغادر عشي و شجرتي وكل ساكنيها ؟ هل أنا جبان إلى هذا الحد ؟ ولكن ..أين أذهب ؟ و إلى أين أتجه ؟ .. الغدران .. يعني أنه علي السير بمحاذاة النهر الكبير .. و النوارس .. نعم .. وا فرحتاه .. هذا النهر يسري حتى يصب في البحر من وراء هذه الجبال .
هكذا قر عزمي على الرحيل .. رغم أن قلبي يتفطر على مغادرة عشي و هجران أحبتي قربه .. لكن ما العمل وحبك ينخر في الضلوع و يتغلغل في حتى النخاع ؟
قضيت اليوم كله وما تلاه في الاعتناء بعشي و تفحص عصفورتي الصغيرة .. فوجدت أن جرحها قد التأم و أنها صارت قادرة على الطيران من جديد .. صنعت لها وكرا خشبيا ثبته بإحكام فوق الغصن و أمددته بكل ما يلزم من بر و ماء .. ثم نزلت لأتفقد الزاد الذي سأحمله معي .. وقررت المبيت تلك الليلة الأخيرة في عشي حتى أهدئ من روع كل ما اعتدت عليه .. الشجرة .. العصفورة .. العش .. البوم .. حتى الجدول الذي ينساب بالقرب من شجرتي بدا لي حزينا فلم أشأ أتركه ليلة كاملة دون أن يراني ؟
وعند الفجر، نزلت بحذر حتى لا أوقظ جيراني فيصعب علي فراقهم و هم ينظرون إلي بعين كسيرة يعلوها الأسى . وانحدرت صوب النهر الكبير حاملا على كتفي زادي ..
ها أنت ترين أنني استجبت لندائك .. وغامرت بالذهاب إلى مكان لا أعرف حتى وجهته .. وفارقت أحب الأمكنة إلى قلبي لعلي أجدك و أضع حدا لغيابك .. لتعلمي فقط أنني لا أدخر وسعا في إرضائك و إرضاء نزواتك .. ما كان ضرك لو أتيت عن طيب خاطر ؟ .. هل تريدين اختبار حبي لك ؟ .. كان يكفي أن تأتي فتزهر الربى و تتراقص مياه الجداول احتفاء بك وتعبيرا عن مشاعري المتأججة نحوك .
هاأنذا عند الغدير والصبح قد تنفس .. خرير المياه يختلط بزقزقة العصافير المستيقظة لتوها من النوم ، الساعية للقوت و اللهو و الحب .. كم أغبطها على سذاجتها و فطرتها .. لم لا نكون مثلها ؟ .. لم لا نحب و نلهو و نقتات بكل تلقائية ؟ .. ألتفت حوالي فأجدني محاطا بالجبال الشاهقة و أنظر إلى النهر فيبهرني اتساعه و هدير مياهه . لكن هل يشعرني كل هذا بالضعف ؟ لا .. بل يزيني قوة و عنفوانا .. فأحث الخطى على الضفة المعشوشبة .. كم كنت أود لو أنك هنا معي نرتع و نلهو طول النهار ، ثم نعود عند الغروب إلى عشنا لنتسامر ونبوح ونتناجى .. بدل أن تتركيني أهيم على وجهي وحيدا تائها .
أنا لبيت نداءك لأنني قبلت التحدي .. أريد أن ابرهن لك على أنني لن أضعف ولا أجبن مهما كانت الصعاب .. سأظل أحاذي هذا النهر و ألتف حول الجبال حين يستحيل السير على ضفته بسبب الصخور الملساء على جانبيه .. سأوغل بين الأشجار مقتفيا أثر حوافر قطيع مر من هنا حتى أعود إلى النهر .. ها أنت ترين أن كل شيء يوجهني .. حتى أغصان الأشجار أخالها تشير إلى ناحية النهر .. وسرب الطيور يتجه نحوه .. الريح تهب تجاهه .. كل شيء يحس بنبض حبي وتأجج مشاعري ، فيسرع لمساعدتي .
عما قريب سأصل إلى مصب النهر .. لأني أحس بنسمات بدأت تبرد قليلا فتنعش جسدي الموهن .. وتطفئ لظى نفسي و لهيب شوقي إليك .. [/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس