عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 03 / 2010, 27 : 02 AM   رقم المشاركة : [15]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ


(14)



[align=justify]عند المنحدر إلى النهر تراءى لي كوخ خشبي وسط الأشجار الكثيفة في تلك المنطقة من الجبل .. وكأني كنت محتاجا للحظات أستريح فيها من عناء المشي طول النهار ، خاصة و أن الشمس كانت تميل نحو المغيب و قد ران على المكان سكون شامل .. أحس بالجوع يقرص معدتي فأقترب من الكوخ لأجلس على عتبته .. و أبدأ في تناول بعض الزاد .. ثم يتناهى إلي وقع حوافر آتية من وراء الكوخ .. ألتفت فأجد قطيعا من المعز يتوجه نحوي و في مؤخرته أقبل راع وهو يمسك بعصا غليظة شدت إليها صرة كبيرة .. استطعت أن أستشف من هيئته فقرا مدقعا وبؤسا .. حياني بأدب جم ثم دعاني إلى الداخل لأقاسمه ما يحمله من طعام .. بينما كان القطيع يدخل الزريبة بجانب الكوخ .
كان في أحد الأركان مصطبة على شكل سرير وضعت عليه أغطية و مخدة .. و في وسط الكوخ كانت حفرة مملتئة رمادا .. وبالقرب منه إبريق أزرق شابه سواد وكرسي خشبي مهترئ .
تحدثنا باقتضاب في البداية ، وعرفت منه أنه يشتغل عند أحد أعيان القرية ، ويقضي أسابيع هنا لرعي المعز ثم سألني عن وجهتي .. حدثته أنني أيمم شطر البحر للبحث عن شخص عزيز لدي .. وكنت أحسب أن بداوته تعني سذاجة و غفلة عن أمور الحب و العشق .. لكن ابتسامته بدت لي ذات معنى .. وهز رأسه كمن يريد أن يبين لي أنه فهم كل شيء . ضحكت فضحك .. أحسست أن الكلفة زالت بسرعة بيننا ، ونظرت إلى عينيه الحزينتين وتساءلت هل يكون الفقر وحده سبب هذا الأسى المطل منهما أم أنه مثلي يعاني من لوعة الحب و مرارة الفراق .
شكرت له ضيافته ونهضت أستعد للرحيل فقال :
- إلى أين تذهب في هذا الوقت ؟ .. ألا ترى أن الظلام قد حل ، و انك لن تستطيع تمييز الطريق ؟
نظرت من خلال الباب إلى الخارج فتبين لي صواب قوله .. لكن أين أبيت ؟ .. و كأنه عرف ما يجول بخاطري ، فأشار إلى المصطبة ثم رأيته يأخذ غطاء من فوقها و يفرشه في ركن آخر .. حاولت منعه ، لكنه أصر على أن أنام على مصطبته ..
جلسنا على عتبة الكوخ وقد ساد السكون التام .. يتناهى إلينا هدير النهر من بعيد لكن الليل بدا جميلا هادئا . لا أدري كيف بدأت أحدثه عن عصفورتي و خروجي للبحث عنها وتصميمي على العودة بها .. كنت متحمسا وأتحدث كأنني أراها قبالتي .. أما هو فكان يبتسم دون أن تفارق محياه تلك المسحة من الحزن .. وعلى حين غفلة سألته إن كان هو الآخر يحب .. تنهد طويلا و نظر بعيدا أمامه قائلا :
- أنا لست مثلك .. أنا قريب جدا ممن أحب .. أراها كل يوم حين عودتي إلى البلدة .. لكن دون الوصول إليها الدنيا بطولها وعرضها .. لا أمل لي .. لأنها ببساطة بنت السيد الكبير.. هي لطيفة معي لكني لا أرى إمكانية أن تكون لي يوما ما .
- وما الفرق ؟ .. أنت إنسان طيب و وشهم ..
- لاشك أنك تقرأ القصص الغرامية كثيرا .. أنا اقرأها أيضا رغم توقفي عن الدراسة . لكني أضحك لتلك النهايات الغبية .. أميرة تتزوج راعيا ؟ أنا فقير و أعلم بحالي و أرضى بواقعي .. أحب فتاتي لكني لا أطمع فيها ولا أحلم بأن تكون من نصيبي .. هنا أعيش فترة من السنة و هذا يجعلني أتغلب على ما أحس به من لوعة لأنني هنا أعيش وحيدا مستمتعا بما حولي من جمال وبهاء خلقه الله .. في بعض الأحيان أشكو حبي لقطيعي .. لا تضحك .. فهذه البهائم تمنحني قوة و أنا انظر إليها في تصرفها حسب غريزتها .. هل تعلم أني سميت معزة باسم فتاتي ؟ .. هي الأجمل بين المعز .. سأريك إياها غدا صباحا .. هيه .. لا تنس أنك ستكون في ضيافتي حين نصل .. أليس كذلك ؟
رفيقي مجهد .. يتثاءب فأطلب منه الإخلاد إلى النوم لأنني أعلم أنه يقضي النهار كله في مرافقة القطيع من قمة الجبل إلى هنا .. أنا أيضا متعب ، لكن ذهني متيقظ .. أريد أن أعيش الليل كما يحلو لي .. أن اسهره و أناجيه .. الليل فرصة لي كي أطلق العنان لأفكاري و أحاسيسي .. وها أنذا وحيد أحضن ليلي و يحضنني . أحملق في سواده فتتراءى لي جذوع الأشجار كأشباح لكنها لا تخيفني ، بل إن أقربها إلي تتمثل لي قامة محبوبتي الممشوقة ، وتبدو لي أوراقها كجدائل شعرها .. حتى شكل هذه الأوراق يشبه عيون الحبيبة حين تبتسم فيخيل إلي أنها تغمضهما .. ثم أرفع بصري إلى السماء فيبهجني سوادها و قد رصعته النجوم المتراصة في بهاء قل نظيره .. أشعر بها قريبة من رأسي وألمح شهابا يمر فأسبح بحمد الخالق وألهج بذكره .. وأذكر عشي فأحس بالحنين يغزو قلبي .. كيف هو الآن و كيف هي شجرتي ؟ وهل لا يزال البوم ، الحارس الأمين مرابطا في أعلاها ؟ وماذا حل بالعصفورة المسكينة ؟ ترى هل عاد إليها رفيقها ؟ ليته يفعل .. صرت أربط مصيره بمصير محبوبتي ..
البحر لم يعد بعيدا .. لم تبق إلى ثلاث منعرجات جبلية و أصل .. لهفتي كبيرة للوصول لكن رفيقي يلح علي بالمكوث عنده بمنزله ليلة أخرى ونحن ننحدر من وراء القطيع .. أنط من صخرة إلى أخرى ، و أقف على جرف أتملى بالوادي و قد تناثرت في أرجائه دورا و أكواخا .. أحس بحب جارف تجاه كل من يسكن تلك البيوت المستسلمة في حلم للربى وهي تكتنفها من كل جانب . أفتح ذراعي وأملأ رئتي الهواء فإذا بصدري ينتعش ببرودته .. حبور طاغ يعم جسدي فأطلق صيحة تردد صداها الجبال وأعود للعدو و النط هنا و هناك .. ثم حين أنتبه إلى أنني سبقت القطيع و راعيه بمسافة كبيرة أجلس لأنتظره ، أو أستلقي على ظهري و أغوص في الأعشاب الكثيفة تاركا إياها تدغدغ عنقي و أذني .
كانت المعزة التي حدثني عنها تسير في المقدمة وقد علق جرس حول عنقها .. حقا هي معزة جميلة بيضاء الحوافر و بعض الأجزاء من وبرها وقد تدلت من عنقها قلادتان زادتاها بهاء .. ضحكت في سري من رفيقي الذي يرى حبيبته في معزته ، ثم انتبهت إلى أنني كنت أرى محبوبتي في العصفورة الجريحة .. متى أراك أيتها الحبيبة ؟ و هل ستكونين في انتظاري لتتكلل رحلتي بالنجاح أم أنك سوف تستسيغين هذه اللعبة .. لعبة المطاردة ، لتشبعي نزواتك وغرورك ؟ .. متى ستبددين هذا الخوف الذي يعتريك كلما صرت قريبا منك ؟
أنا آت .. و سأصل إلى البحر عما قريب .. أكاد أتخيل صخب موجه من هنا .. و يتمثل لي وجهك وأنت تذرعين الشاطئ المقفر بعيدا لألحق بك .
[/align]

رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس