عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 03 / 2010, 28 : 02 AM   رقم المشاركة : [16]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(15)


[align=justify]كثيرا ما نخطئ في حق شخص لا نعرفه حق المعرفة فلا نعطيه حقه من العناية أو التقدير اللذين يستحقهما .. ونحس بشيء من التعالي تجاهه فقط لأنه يزاول مهنة أو عملا مهينا في نظرنا ..
رفيقي الراعي تشبث بي وكأنه كان على موعد معي في الغابة ، و أصر على أن أقضي معه بضعة أيام ليريني أشياء هامة حسب قوله .. خجلت أن أقابل حفاوته بالإعراض و الرفض رغم شوقي لمتابعة الرحلة و الوصول إلى حيث يسبقني قلبي محموما متلهفا للقاء عصفورتي والعودة بها سريعا إلى عشي الذي طال فراقي له .
وصلنا القرية قبل المغرب بقليل .. اشتد نباح الكلاب من حولنا لكنها ما لبثت أن تراجعت عند سماعها لصفير تعودت عليه من رفيقي و أقبلت تتمسح بساقه .. وجدت نفسي محاطا بفتية و فتيات ينظرون إلي بفضول وقد علا سحنتهم سواد من أثر الغبار و بقايا حلوى مذابة التصقت حول شفاههم .. شعر أشقر منفوش و ثياب رثة .. لكن العيون كانت تنطق بالحسن و الجمال .. عيون كبيرة زرقاء بلون السماء .. أحببتهم سريعا و ابتسمت لهم .. جذبني رفيقي إلى واجهة أخرى من المنزل تطل على منحدر سحيق يبدو في نهايته مسرى النهر .. أشار لي إلى غرفته فولجتها لأجد لمسة تنم على ذوق رفيع .. كل شيء مرتب ومنظم بكل عناية .. قصص و مجلات أخبرني أنه يقتنيها من أخ محبوبته الذي يزورالمدينة أحيانا . كانت لوحة تزين صدر الغرفة الصغيرة عند رأس السرير تمثل صبايا و شبان يلعبون على العشب . أبديت إعجابي بكل ما رأيته ثم خرجت إلى الباحة المطلة على المنحدر لأجلس منهكا بينما انصرف هو لإعداد الأكل .. مرة أخرى أجد نفسي وسط سكون ينفث في كياني حبورا و طمأنينة .. نقيق الضفادع يتناهى إلي من المروج القريبة .. لا شك أن منبعا هناك .. أحسست بالحركة من حولي فوجدت رؤوسا صغيرة تطل من النوافذ ومن الباب ومن فوق السطح .. من كل مكان .. ابتسمت من جديد و أشرت إلى أحدهم بالاقتراب ففر بعيدا .. أخبرني رفيقي أنهم غير متعودين على غريب هنا .. حدثته عن رغبتي في أن يشاركونا طعامنا فنهض و نادى عليهم ..كنت متشوقا للتحديق في عيونهم دون أن ادري لماذا .. أثار انتباهي تعامل رفيقي مع إخوته السبعة .. يربت على رأس هذا و يقرص خد هذه و يحتضن هذه و يتفحص ذاك .. ثم يبدا الأكل فلا أراه يضع لقمة في فمه .. كل همه أن يطعم الصغار كأنهم عصافير .. آه .. العصفورة .. محبوبتي .. العينين .. الآن عرفت لماذا أحببت عيونهم ..
رفيقي لا يأكل .. ينظر دائما إلى الأفق مفكرا .. حتى وهو في سهوه ، يمد بقطعة خبز إلى هرتين تموؤان بالقرب من المائدة الصغيرة المستديرة .. تقبل علينا الأم ببعض القناديل الغازية و بعض الشموع فأحييها و ألحظ كبر عينيها .. تتحدث إلى ابنها البكر بمودة ظاهرة وتحمل صبيا لها بدأ يتثاءب من النعاس فتسرع إحدى بناتها لإعانتها .. شملني شعور بالحنان و المودة تجاه هذه الأسرة .. كل ما حولها ينطق بالحب .. الحب في الوجوه .. في العيون .. في الكلام .. في الحركة ..
نهضنا نتمشى .. تعمد أن نمر أمام منزل كبير تدل زخرفته و شرفاته عن ثراء فاحش .. نظرت إلى شرفة ينبعث الضوء منها وانتبهت إلى رفيقي يختلس النظر ثم يولي وجهه صوب الوادي .. كانت لهفتي كبيرة في معرفة هذه التي أخذت بلب مضيفي .. لكني تيقنت أنها ستكون قمة في الجمال لأن ذوقه لا يمكن إلا أن يوفق في اختياره ..
أخبرته برغبتي في الذهاب إلى المنبع فغير الاتجاه نحو صف من أشجار العرعر المصطفة على تلة صغيرة .. السكون شامل .. خرير المياه يتعالى كلما اقتربنا من المنبع .. السواد يلف المكان فيصعب تمييز الطريق الذي نسلكه .. جلسنا على صخرة تشق الماء شقين فينساب من جانبيها . رفيقي لا يمل من الحديث عن آماله و مشاريعه .. وكلها تصب في الاعتناء بأسرته و رعايته لها .
كم أود أن اسأله عن عواطفه و ما سيؤول إليه حبه المستحيل .. لكني أتراجع كي لا أثير همومه .. كنت أحس بنبضه و لهفته في أن يتحدث عن تلك التي لا يأمل بالفوز بها . نسيت للحظة لهفتي و شوقي لمن أحب و انشغلت بهذا القلب الكبير الذي ينبض حبا و ينفث حبا .. مسحة الحزن التي تعلو محياه انتقلت عدواها إلي فصرت أغالب دموعي في غفلة منه .. أشار إلى ربوة تطل على المنبع و أخبرني انه يحلم بإقامة بيت صغير خاص به .. كم أغبطه على اختياره و ذوقه .. أحس بتشابه في طبائعنا .. شرد فكري إلى عشي المطل على الوادي هناك أيضا .. كم تمنيت لو تحققت آماله في الفوز بمن يحب ، وعلى حين غرة وجدت نفسي أسأله :
- ما المانع من أن تبني مستقبلك من الآن ؟
سكت ولم يجب .. هل أزيد في معاناته ؟ .. صمته يجيبني أنه لا يمكن أن يفكر في نفسه و ينسى إعالة أسرة تكتظ بالأفواه الجائعة .. كم يبدو لي كبيرا .. تعلو هامته أمامي حتى تطال الأشجار المحيطة بنا في صمت و جلال وكأنها تعيش مشاعرنا و تشاركنا معاناتنا .
لم أدر كم لبثنا نتحاور في صمت .. لكني وجدت نفسي بعد ذلك مستلقيا على سريره الخشبي المحاذي لكوة تطل على الباحة .. استويت جالسا و صرت أطل من الكوة محدقا في الظلام .. شعور طاغ يدفعني للرحيل في هذه اللحظة .. الوقت مناسب لكي أنصرف .. لكن كيف أفعل هذا دون أن أعلم رفيقي ؟.. حسنا سأنتظره حتى يبزغ الفجر ثم أستأذنه .. شعرت براحة لاتخاذ هذا القرار و لبثت أنتظر ..
قد يكون من الإطناب التحدث عن اللحظة التي استيقظ فيها رفيقي و ما تلا ذلك من جولة قصيرة عبر القرية .. لكني أجد نفسي الان منطلقا عبر الوادي حاثا الخطى نحو البحر ..
ستبقى ذكراك أيها الراعي في قلبي .. وستبقى لي رمزا للحب و الوفاء والقلب الكبير .. تعلمت منك الكثير .. سوف أعود يوما ما لأجدك فزت بمن تحب .. الحب لا يعرف المستحيل .. لا يعرف الفوارق .. سوف تجني ثمار صبرك و شهامتك ايها الراعي الأمين .. كم أحبك .. كم أحبك ..
أصعد مرتفعا دون أن أحس بأية صعوبة .. نفسي في سباق محموم مع الزمن .. قلبي يوجعني بلهفته في الوصول سريعا .. وما هي إلا خطوات عبر أشجار تعلو قمة الجبل حتى وجدت نفسي أشرف على البحر .. و أخيرا ..
هاهو البحر .. صفحة ملساء يمتزج بالسماء هناك في الأفق البعيد .. الشاطئ يمتد بعيدا حتى يلفه الضباب .
أخيرا وصلت .. فهل تكون هنا بداية النهاية .. ؟
[/align]

رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس