عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 03 / 2010, 35 : 03 AM   رقم المشاركة : [24]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]

22


. . . . . قل لي . . من أنت ؟!!!

حين اتذكرك . . تذوب الكلمات ... في فمي . .
ويرغد في الحياة . . قلبي
. . . . قل لي من أنت !؟ . . .
. . . بل . . . دعني ابكي . .
دعني ابكي .. وألجم نفسي
لئلا يغيب في حضورك .. عقلي
لئلا استجدي من اوقاتك . . اللحظات
ومن حروفك . . الكلمات
فقد اودعت بين الجوارح . .
لتبدع في معزوفة عشق
.. تدق بألم بين الضلوع
اليوم أنا على موعد مع غادتي عند الغدير .. موعد هو الأول من نوعه منذ عرفتها .. افترقنا بعد لقائنا الأخير ، فذهبت هي حيث تقيم .. وعدت أنا إلى عشي بعد أن ودعتها وشيعتها بنظري حتى غابت بين الحقول وقد شملها ضباب كثيف أضفى على الليل سحرا و غموضا .. اختفت و قد تضوع الجو بعبيرها المألوف لدي .. غادتي تسكن في كل مكان و في تظهر في كل زمان .. كان وداعها لي أرق من النسيم العليل و أدفأ من خيوط شمس الخريف .. انسلت كما ينسل الصبح عن دجى الليل .. و لبثت أحدق في الظلام لعلي أميز شيئا من وراء الضباب الكثيف الذي غطى الحقول ..
وعدت لا تسعني الدنيا سعادة و حبورا .. أكاد أطير من الفرحة .. وبدت الأشياء من حولي تنتفض لفرحتي و تتمايل لسعادتي . فطغا حبي لكل شيء ، وشعرت بأني أرغب بمعانقة الشجر والحجر والطير وازددت أنسا
بالليل رغم لهفتي لانتهائه كي ألتقي بغادتي من جديد .. بدا لي الليل حنونا فلم تهب ريح ولم تغط سحابة سماءه المتلألئة .. وتعالت أصوات كأنها ترانيم تشدو بما أشعر به من ابتهاج .. فهذه الصراصير تعالت أصواتها في تواصل بدد الصمت الذي كان سيبدو لي موحشا في غير هذا الموقف ، وهذه الضفادع يتردد نقيقها عبر المروج .. وهذا الجدول يسمح لمائه بخرير ممتع .. كل يشدو و يترنم فيشعرني بالأنس و يملأ نفسي بالأمان و الأمل .. سألت غادتي متى نلتقي ؟ .. فلم تجب و إنما نطقت عيناها بما كنت أهفو إليه . عينا غادتي تنطق دونما حاجة إلى الكلام . قالت لي العينان : انتظر عند السحر حتى بزوغ الفجر .. وقالت لي ابتسامتها اصبر حتى يطلع أول شعاع للشمس ..
وانتظرت إلى السحر و أنا في عشي .. لم أطق فراقه لأجد نفسي من جديد حبيسا بين الجدران .. كم غفوت و استسلمت لسنة طافت بي أصقاع المعمور .. وفي كل مرة أنتفض خشية أن أكون استسلمت للنوم فتفلت مني فرصة اللقاء المرتقب .. وجاء السحر و تيقظت حواسي مترقبة متوثبة .. الآن توقفت الأصوات كلها وكأنها تشاطرني ترقبي و انتظاري .. وهفا كل شيء مثلي إلى ذاك المنعرج الذي يختفي بين الحقول الهامدة حركتها ..ربما همدت لتسمعني خطوات غادتي إذا أقبلت . وكعادتي حين تستبد الأشواق بي ، صرت أترنم :


سكن الليل


سكن الليل
و في ثوب السكون
تختبي الأحلام
وسع البدر
و للبدرعيون
ترصد الأيام
فتعالي
يا إبنة الحقل
نزور كرمة العشاق
علنا
نطفي
بذياك العصير
حرقة الأشواق
أسمع البلبل
ما بين الحقول
يسكب الألحا
في فضاء
نفخت فيه التلول
نسمة الريحان
لا تخافي
يا فتاتي
فالنجوم تكتم الأخبار
و ضباب الليل
في تلك الكروم
يحجب الأسرار
لا تخافي
فعروس الجن
في كهفها المسحور
هجعت سكرى
و كادت تختفي
عن عيون الحور
و مليك الجن
إن مر يروح
و الهوى يثنيه
فهو مثلي
عاشق كيف يبوح
بالذي يضنيه

الآن .. حان وقت نزولي من أعلى شجرتي .. علي أن أهيئ استقبالا يليق بمقدمها .. أعلم أنها مفتونة بورق الزيتون ، فأسرعت بنسج إكليل تخيلتها مثل آلهة الإغريق و أنا ألبسها إياه .. كم ستبدو رائعة ، بل فاتنة و قد عقصت شعرها الغجري إلى الوراء و انزاحت خصلات منها بعض وضع إكليلي على رأسها الجميل .
أقف عند الغدير وفي يدي إكليل من ورق الزيتون .. فرشت الضفة ببعض الأوراق الذابلة التي أطاح بها الخريف ووقفت أتأمل الأفق منتظرا أول خيط أبيض من الفجر .. وبحركة لا إرادية صوبت بصري نحو المنعرج و كأن هاتفا يهتف بي أن انظر إلى هناك فعن قريب سوف ينجلي الضباب عن غادتك .. ومن هناك سمعت وقع خطوات خفيفة تقترب .. وترنيمة شجية تعلو فتكسب المكان و الزمان رونقا و سحرا ..
يتلون الأفق ببياض باهت بينما تزداد الخطوات اقترابا .. أحس برعشة تسري في كياني فأضم الإكليل إلى صدري وأحدق في المنعرج .. هناك تبدت الهالة التي رأيها عند الشاطئ فعادت بي الذكريات إلى تلك اللحظات التي تجرعت فيها مرارة اليأس و القنوط .. لكن اليوم ليس كالأمس .. اليوم احتفال .. وانتصارعلى اليأس .. مرحبا بك أيتها الغادة الفاتنة .. ومرحبا بك من جديد في عشي الذي طالما هفا إلى مقدمك و حن إلى معانقتك .. تعالي إليه ، فهو رغم هروبك و اختفائك لا زال يصبو إلى طلعتك و يأمل في وصالك ..
لا أكون مغاليا إذا قلت أني لا أتذكر كيف كان لقاؤنا من جديد في ذالك الصباح الندي ، و متى جلسنا على حافة الغدير ، ومن بدأ منا الكلام ، أو على الأصح هل تحدثنا حقا .. لكني وجدت نفسي في لحظة أستمع بشغف إليها وهي تعود بذاكرتي إلى الشاطئ ولقائنا المثير هناك ..
"كان قلبي يتمزق ألما و أنا أراك تنصرف غير عابئ بنظراتي وهي ترجوك البقاء .. كنت أراك مندفعا تحت تأثير ثورة خفت أن تؤدي بك إلى ما لا تحمد عقباه .. لكني أيضا كنت لا أملك من أمري شيئا .. كنت فقط أتضرع سرا أن تبقى حتى تمنيت في لحظة من اللحظات أن تمرض أو تصاب بالتواء خفيف ليحول ذلك بينك و بين رحيلك .. لكنك انصرفت لتفضي بأحاسيسك إلى العجوز بينما أنا لم أجد أحدا يسمعني إلا بعد رحيلك .. ولو انتبهت لوجدتني قريبة منكما تلك الليلة وهو يحدثك عن حكايته الحزينة .. خفت أن ينعكس نور الشمعة على وجهي و أنا أقرب إليك مما تتصوره .. خشيت أن تفضحني دموعي و شهيقي فآثرت الابتعاد وأوغلت في الليل الذي لم يتبق لي غيره لأشكوه همي و حسرتي ..
رأيتك تصعد الجبل فاقتفيت أثرك ، وحمت حولك و أنت تتوقف لتستريح وقد بدت عليك آثار الطمأنينة .. فرحت لأنك لم تعد حزينا لكني حزنت لأنك لم تعد تفكر بحالتي و أحاسيسي .. وكنت عازمة على تتبع خطواتك إلى ما شاء الله ، لكني رأيتك تعرج على كوخ صاحبك وتلتقي به .. فعدت أدراجي منتحبة وقد استبد بي القنوط .. لكني لم أستطع الابتعاد عنك ، فسلكت الطريق المؤدي إلى بلدة رفيقك الراعي لإحساسي بأنك ربما تقضي عنده بعض الوقت .. وكان ما توقعت .. وصرت أحوم من جديد حولك ، إلى أن رأيتك منبهرا بمحبوبة صديقك .. حقا أبهجني انها تشبهني و أن افتتانك إنما هو دليل على أنيي اسكن ذاكرتك .. لكن إحساسي تحول إلى غيرة فلم أعد أطيق المقام هناك وقفلت راجعة إلى الشاطئ وحيدة لا أنيس لي .. ولم أجد إلا العجوز أبوح له بآلامي و معاناتي .. ما أعظمه من رجل .. الآن علمت كيف استطعت محو آثار لقائنا الحزين و اندفعت نحو الجبل بروح مرحة .. قضيت معه النهار كله وأخذني معه كما فعل معك ، في رحلة بحرية قصيرة و هو لا يفتأ يذكرني بضرورة التحلي بالصبر و التفاؤل .. ولم تنته جولتنا حتى كنت أتأجج شوقا للحاق بك رغم أن ذاك الخوف من المجهول لم يفارقني ..
- عجبا لهذا الخوف الذي لا تريدين إزاحته عن صدرك ..
- آه لو أستطيع .. ليس بيدي .. قد تعجب لو قلت لك أنني وفي صعودي للجبل من جديد كان الخوف يزداد مع ازدياد شوقي للقاء بك .. وبقدر ما كان هديل اليمام ينعش فؤادي ، بقدر ما كان نعيق الغراب يشعرني بالرعب .. فأعود أدراجي ، لكني سرعان ما أنفض عني هذا الإحساس بالتشاؤم و أستمر في السير مهتدية بما يمليه علي حدسي .. وقر رأيي أخيرا على التوجه إلى عشك لأنتظرك هناك بعد أن أكون أعددته و أزلت ما خلفته العاصفة من دمار و خراب .. وجدت العصفورين فتفاءلت باجتماعهما و منيت نفسي بلحظات هناء نقضيها سويا.. حتى إذا قدر لنا الفراق من جديد ، كان لنا في ذكرياتنا خير العزاء ..
- أولا زلت تذكرين الفراق ؟
- رغما عني .. الحياة لا أمان فيها .. اليوم لقاء .. وغدا فراق ..
- ما أشد ما يحزنني ذكر الفراق .. ألا يمكن أن ننسى ذلك و نعيش لحظتنا ؟
- لا تسئ الظن بي ولا تحسبن أني أهوى النكد .. لكني أضع في الحسبان ما يمكن أن يحدث .. فإذا وقع ما لم يخطر ببالنا لن يشكل ذلك صدمة لنا .. أنا لا اقل عنك لهفة في الوصال و العيش معا طول عمرنا .. لكني أخشى المجهول .. ربما كان مللا .. لا أستطيع تحمل حياة تطبعها الرتابة و الضجر ..
- ولكن حبنا سيبعد كل هذا ..
- ربما .. لكني تعودت أن أعيش طليقة .. نفترق لتكون لهفتنا إلى اللقاء كبيرة .. استمتاعنا بهذه اللهفة و الانتظار لا تقل عن متعتنا باللقاء .. صدقني .. وكلما بعدت المسافات بيننا كلما ازداد حجم الشوق وتأججت نار الحب في قلبينا ..
كم هو عذب حديث غادتي رغم ما حواه من نذير بفراق جديد .. تضاربت أحاسيسي بين السعادة بقربها وبوحها ، وبين الأسى لاحتمال الفراق من جديد ..
- على الأقل .. اخبريني حين تزمعين الرحيل ..
ضحكت فتألق الكون من حولنا وافتر ثغرها عن أروع ابتسامة ارتسمت على شفتين .. وقالت :
- لا تستدن الرحيل من الآن .. ولنعش حاضرنا بعيدا عن كل ما ينغص صفونا ..
امتدت يدي في حركة غير إرادية إلى الإكليل الذي نسجته من ورق الزيتون ووضعته على رأسها .. كانت حركة مفاجئة لها .. لكن عينيها نطقتا ببهجة لم أعهدها فيها من قبل .. امتنان وعرفان و بريق غريب جعلني ارتعش .. كان بريقا يغني عن كل قول ..
وصمتنا .. لم ننبس ببنت شفة .. لكن كل شيء فينا كان يتحدث .. يصيح .. يتوهج .. الوقت يمر سريعا .. و الشمس تميل من جديد إلى المغيب .. لا أدري كم مر من الزمن ونحن جالسان علي حافة الغدير .. ربما ساعات أو أيام .. لكن غادتي لا تفارقني وأزداد تشبثا بها محاولا بكل ما أوتيت من قوة طرد شبح الخوف عنها و إرجاء الرحيل إلى أجل لا أدري متى يحين .. قالت لي إنها قد ترحل مع هجرة الطيور نحو الجنوب أو مع بداية العواصف عند انتهاء الخريف .. بل وحددت السحر موعدا لرحيلها .. فصرت أستفيق دائما عند السحر وأنتظر متوجسا أن تأتيني الرياح بخبر هذا الرحيل .. ثم أنظر إلى السماء عند المساء لأرقب مرور أسراب الطيور المهاجرة و أحدق في الأفق كي أميز عارضا ممطرا ينبئ بقدوم العاصفة .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس