عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 03 / 2010, 49 : 03 AM   رقم المشاركة : [25]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]


23
قل لي . . من أنت ؟!!!
حين أتذكرك . . تذوب الكلمات ... في فمي . .
ويرغد في الحياة . . قلبي
. . . .
قل لي من أنت !؟ . . .
. . .
بل . . . دعني ابكي . .
دعني ابكي.. وألجم نفسي
لئلا يغيب في حضورك .. عقلي
لئلا استجدي من أوقاتك . . اللحظات
ومن حروفك . . الكلمات
فقد أودعت بين الجوارح . .
لتبدع فيمعزوفة عشق
.. تدق بألم بين الضلوع
كان هذا آخر ما همست به غادتي و نحن نودع معا آخر شعاع الشمس قبل أن تختفيا معا .. الشمس تهوي من وراء الجبل الذي استحال لونه إلى سواد .. و غادتي توغل بين أشجار الصنوبر التي اصطفت في خضوع لتحيي مرورها .. تأملت الكلمات و أنا أردد كل حرف منها ..هل أطلب منها أكثر من هذا ؟ طبعا لأني أعلم أن روح العاشق طماعة و تهفو دائما للمزيد .. في الحقيقة لم أكن في وعيي حين كانت تردد كلماتها .. كنت واقعا تحت تأثير قوة لا مناص لي منها .. كان كل شيء في كياني في حالة خدر واسترخاء .. حتى الأصيل الذي غالبا ما كنت أهفو لتأمل شمسه وهي تزداد اصفرارا ، سهوت عنه وتعطل تفكيري .. وشلت حركة دماغي .. حتى الزمن توقف للحظة .. كان الأصيل .. وصار أصيلا وخلته سيبقى أصيلا سرمديا .
كل حركة توقفت من حولي .. فلا الريح عادت لتسمعني حفيف الأوراق .. ولا الجدول استمرت مياهه الرقراقة في شدوها .. ولا العصافير كما عهدتها ملأت الجو بزقزقتها ..
ألتفت إليها فأجد حقا دمعة تسري في هدوء على خدها الأسيل .. وأتساءل : لماذا تبكي ؟ .. هل هو إيذان باقتراب الرحيل ؟ أم أنه الوجد بلغ بها إلى هذا الحد ؟ .. إن كان هذا صحيحا ، فما أسعدني .. و إن كان الرحيل آن أوانه ، فما أشقاني .
ابكي يا غادتي ولا تتساءلي من أنا .. أنا قدرك الذي لا مفر لك منه .. أنا العاشق السرمدي .. أزلي أنا في حبي و أبدي في عشقي .. أنا ظلك الذي يلازمك في الحل و الترحال .. أنا الريح العاتية التي تثور حيت يستبد الشوق بالنفس و أنا النسيم العليل حين تهدأ ثورة الحب .. ابكي ودعي دموعك تروي نفسك المتعطشة كما نفسي للحب .. دعي أنفاسك تسري عير مسامي كمعزوفة عشق و ترنيمة حب .. اتركي نفسك تنساب مع هبات النسيم العليل لتتغلغل في أعماقي و تلتحم مع كياني .. اتركيها تنصهر في مهجتي و تسري في دمي .. حتى إذا آن أوان الرحيل ، رحلت و رحلت أنا معك .. بكل ما في من نبض .. ليكن الوداع ، فلم أعد أخشاه ، لكني أريده وداعا يليق بحبنا .. أريد أن يشهده كل من شهد ولادة حبنا بين الأحراش و الوديان .. لن أفزع للوداع ولن أجزع للفراق ، لأنك ستبقين بداخلي و أنا سأرحل معك .. فاجعليه وداعا لا ننساه أبدا .. وداعا تتحدث عنه كل الطبيعة بما فيها و بمن فيها ..
أعرف أنك سترحلين قريبا .. فهاهي أسراب الطيور مقبلة تتجه نحو الغرب وفي زقزقتها ما يشي بدنو لحظة الفراق.. وها هو الأفق يتلبد بالغيوم فتسود الدنيا و يهتز كل شيء على وقع الريح و الرعد .. لم يبق إلا أن أنتظر السحر .. لم يعد الغروب يؤجج الوحشة في نفسي .. فقد اعتدته ، بل صرت أستدنيه كل يوم منذ جلسنا على الصخرة نتأمل الوادي و رأسك مستند على كتفي .. كنت أشير إلى أسفل الوادي حيث يتهادى زوج من الحمام في ود و انسجام .. ثم نتابعه ببصرنا حتى يقتربا و يحطا على غصن قريب منا .. كم كانا رائعين و هما ينظران إلينا بفضول .. وحين لا تبدر منا حركة يبدآن في طقوس العشق الخاصة بهما فأرنو إليك لأجد عينيك الحالمتين تسرحان إلى الأفق البعيد .. و أسرح بدوري فأخالنا تحولنا إلى هذا الزوج من الحمام ، نفرد جناحينا لنحلق بعيدا بين الأودية و الخوانق ثم نعود إلى عشنا لنحط على الغصن المقابل له لنبدأ بدورنا في طقوس العشق غير مبالين بمن حولنا .. لأن ما حولنا كان يعيش طقوسه أيضا ..
هذه الليلة ليست ككل الليالي .. لا أعرف إن كانت قد طالت أكثر من اللازم أم أن ساعاتها انصرمت بسرعة لم أشعر بمرورها .. وقت السحر مألوف عندي .. حين يأزف ، أشعر بأن شيئا ما بداخلي يتأجج و أنني على موعد مع شيء ما .. كل شيء يستيقظ الآن .. ربما لأن العش و العصفورين و الشجرة و الجدول و المنبع و المرج و التلة كانوا يعلمون بموعد رحيلك الجديد .. حركة دائبة هنا وهناك .. الأوراق يشتد حفيفها مع اقتراب العاصفة .. وأولى قطرات المطر تنقر على أنفي و جبهتي كأنها تنبهني من غفوتي .. حسنا .. أنا انتظرك الآن يا غادتي لنقوم بطقوس وداع لم يشهد الماضي لها مثيل ..
بالأمس أعددت لك باقة من كل ما وقعت عليه يدي عند المرج الأخضر و فوق التلال القريبة .. زهور وورود و رياحين .. حتى العشب أبى إلا أن يلتحق بالباقة و يجد له مكانا بها .. أوراق الصنوبر و السنديان و العرعر تتوسل أن أضيفها إلى الباقة .. ماء الجدول يصيح ، فلا أملك إلى أن أغمس الباقة فيه ليبللها .. وفي غفلة من الجميع وقبل أن تظهري ، وضعت قبلة طويلة دافئة على باقتي لأني أعلم انك ستحملينها معك دوما وتحتفظين بها حتى إذا قدر لنا اللقاء مرة أخرى ، كانت لنا ذكرى نستحضر بها أيامنا و ليالينا .
في هذه اللحظة ، يطبق الصمت .. أعلم أن غادتي ستظهر بعد قليل .. كل ما حولي يغض الطرف احتراما لمشاعرنا المتأججة في هذه اللحظة الحرجة .. تقبل علي متهادية كعادتها في خطوها لتجدني وقد غادرت عشي ووقفت بجانب الشجرة .. لا نأبه للمطر المتزايدة حدته و لا للريح العاتية و هي تميل الشجر و تكاد تقتلعه .. تنظر إلى أعلى حيث العش و ألمح شبه ابتسامة حزينة على شفتيها المبللتين بماء المطر وقد ألصق شعرها الغجري على جبهتها .. مددت يدي بالباقة .. تفحصتها بحنو ولم أدر إن كان المطر المنساب على وجنتها مختلطا بدمعها ، لأني لمحت في عينيها بريقا و احمرارا .. هل تبكي غادتي ؟
آخذها من يديها و أسير بها نحو الغدير .. لا أدري لماذا أحب أن يكون اللقاء أو الوداع عند هذا الغدير الغارق في صمته وكأنما يصلي .. تستسلم ليدي وهي سارحة النظر مشتتة الفكر .. ربما ندمت على قرارها بالرحيل ولا تريد التخلي عن كبريائها .. أو لأنها لم تكن تريد أن تعيش هذه اللحظات ..
وفي لحظة .. ترفع الباقة إلى شفتيها وتقبلها في خشوع .. بل و تمرغ وجهها في زهورها و رياحينها و عشبها وأوراقها .. ثم تلتفت إلي و قد توهج عيناها وجدا .. كانت لحظة التحام .. أحسست أن روحينا تمتزجان و تنصهران في بوتقة واحدة .. بينما كان كل شيء من حولنا يهدر و يصيح بل ويغلي على إيقاع غليان روحينا و جسدينا .. حتى لم أعد أرى شيئا إلا ما يظهر لي من خلال وميض البرق ، لأجد نفسي في لحظة من اللحظات وحيدا قرب الغدير مستسلما للمطر يغزو جسدي .. واضعا يدي على شفتي و كأن المطر لم يكن كافيا لإطفاء لهيبهما ..
ماذا علي فعله الآن ؟ .. هل انتهى كل شيء ؟ .. هذا ما يبدو لي .. لكني في قرارة نفسي لم أستسلم لفكرة النهاية .. كنت لا أزال تحت تأثير لحظة الوداع .. وقد تضوع الجو بشذا غادتي .. حتى قطرات المطر الغزيرة خلتها تلونت بكل ألوان الطيف .. الآن علي التفكير في عشي .. لقد أقبل الشتاء .. ومحال أن يصمد أمام عتو رياحه و زخات مطره .. أين ألجأ الآن ؟ .. حانت مني التفاتة إلى الجبل وتذكرت كوخ صديقي الراعي .. هناك أيضا بالقرب مني أكواخ منتشرة بالجبل .. فلم لا ألجأ إلى أحدها لقضاء فترة من الشتاء الذي يبدو أنه سيكون عاتيا هذه السنة .. حدثتني جدتي يوما أن منازل الشتاء تكون قاسية خصوصا "الليالي" وأيامها الأربعين .. وحين تنتصف و تأزف ليلة "حاكوزة" يولد الربيع ويكون كحشرة ، ثم ينمو مع مرور الأيام حتى يصير فصلا كاملا .. وروت لي أيضا أن أصعب المنازل هي "سعد ذابح" .. فلا "وجه صبيح و لا كلب نابح" ، من شدة البرد .. آه يا جدتي كم أحن إلى حكاياتك و أنا في وحدتي هذه .. كم اشتاق إلى خبزك المرصع زبيبا و فستقا و لوزا في ليلة "حاكوزة " .
سآخذ كل لوازمي من أعلى الشجرة و سأصحب معي وكر العصفورين الخشبي ليكونا في مأمن من العاصفة هناك في الكوخ .. سيشعرانني بالأنس و يبددان وحشتي ووحدتي بعد رحيل غادتي في انتظار أن تجود الأقدار بلقاء آخر .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس