عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 03 / 2010, 52 : 09 PM   رقم المشاركة : [36]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

26
[align=justify]
كان اليوم مشهودا .. لا أدري هل كنت أكاد أطير فرحا لرؤية صديقي الراعي وهو يهل علي من باب الغرفة الضيق ، أم أني صدمت للهزال الذي اعتراه .. عانقته وكل كياني ينتحب .. أطلت العناق حتى لا يلحظ دمعي .. ثم نظرت إليه مليا .. عينان غائرتان ، وجفنان حفتهما هالتان سوداوان .. رباه .. كم تغير . جلسنا على حافة السرير ونحن صامتان .. ثم سألته متصنعا المرح :
- أين كنت كل هذه المدة أيها – ثم همست – العاشق الولهان ؟ .. ألم تأكل صدرك الغيرة و أنا هنا ؟
ابتسم ابتسامة باهتة و هو يرنو عبر النافذة إلى الخارج وقال :
- البركة فيك .. على الأقل أنا مطمئن إلى أنها بيد أمينة ..
- هيا حدثني عن كل شيء .. إيه .. نسيت أن أشكرك على ما تحملته من أجلي .. لولاك لكنت مت هناك ..
- الفضل لله تعالى و ما أنا إلا سبب ..
تحدثنا طويلا بينما كانت حليمة تدخل علينا بين الفينة و الأخرى لتحمل إلينا إبريق شاي أو لتأخذ شيئا من الغرفة .. وفي كل مرة ألاحظ أن صديقي يطأطئ رأسه و يغض بصره .. بدت واضحة حالة اليأس و القنوط التي وصل إليها وتمنيت في قرارة نفسي أن أفعل شيئا من أجله .. تخيلت أنني أنهض مسرعا و امسك بتلابيب الأب متوسلا إليه أن يبارك الحب الذي يجمع الاثنين .. و أتيه في حلمي الوردي فأراها متأبطة ذراعه و هما يبتسمان في سعادة . لكني أعود إلى واقعي فأجدني عاجزا عن فعل شيء .. همست في أذنه :
- ألم يحن الوقت لكي تفوز بعنزتك المدللة ؟
بدا سؤالي غريبا وذا صدى غير مألوف .. لم يبتسم كعادته .. بل سرح من جديد ناظرا إلى الأفق ، ثم التفت إلي فجأة قائلا :
- دعك من هذا الآن .. واحك لي عما جد من جديد لديك ..
- ماذا تنتظر من واحد يلازمه النحس وسوء الطالع ؟ فشل وإحباط و .. لاشيء .
- لماذا لا تتغلب على حالتك هذه بالكتابة في انتظار أن تلتقي بها ؟ كنت تحدثني عما كنت تكتب لها من أشعار ..
وكأنما أيقظتني فكرته من سبات عميق . انتفضت وقلت على الفور :
- عندك حق .. لكن أصارحك أنني لم أعد آمل في لقاء جديد .. ثم .. ماذا سأكتب الآن لها و قد غادرتني عن طواعية ؟
- المهم أن تكتب .. لتخفف عما بك ..
- بشرط ..
نظر إلي مستفهما فقلت :
- أن تأتي كل يوم إلى هنا لكي نقرأ سويا ما كتبت .. ما رأيك ..
كنت أحاول أن أجد طريقة ما لأجعله بالقرب ممن يحب .. لكنه نظر غلي نظرة لن أنساها ما حييت .. نظرة امتزج فيها الألم و اليأس .. وقال :
- ومن أدراك أننا يمكن أن نلتقي يوميا هنا ..
- أنا أعرف أن هذا سيسبب لك حرجا و أن لك أشغالا ستمنعك ..لكن .. ممكن أن نحدد أوقاتا بالقرب من المنزل ..
من جديد ينظر إلي تلك النظرة الرهيبة وقال بوهن :
- ربما هناك أشياء خارجة عن إرادتنا .. المهم أنني مطمئن على حالتك .. سأودعك الآن ..
رنت كلمة الوداع في أذني حتى خلتها طنينا يسبب لي دوارا .. ما ذا يعني ؟ .. هل سيرحل من هنا ؟
- بل قل إلى اللقاء .. سنلتقي عما قريب .. أليس كذلك ؟
- كل بمشيئة الله ..
- ونعم بالله ..
تعانقنا من جديد و لا أدري لم أحسست أنني أودعه فعلا و أن هذه اللحظات هي آخر عهدي به .. قلت له دون أن أحاول إخفاء دموعي هذه المرة :
- أنا لن أنساك ابدا ، فلا تنسني ..
وانصرف تتبعه نظراتي ويرتمي قلبي من ورائه .. وحين تدخل حليمة بالشاي يبدو لي شحوبها و سهوم عينيها .. نظرت إلي مليا وأنا أمسح دمعي بكم قميصي .. تشجعت و قلت :
- مسكين .. كأنه لم يخلق إلا للمعاناة ..
لم تجب ولكني أحسست أن داخلها كان يصرخ مؤيدا قولي .. ولتبدد أجواء الحزن الذي ران على الغرفة قالت و في نبرتها ما يشبه الإجهاش بالبكاء :
- هل تحب أن ترى العنزة و صغيريها ؟
- أجل ..
- لكن عليك بالتدثر جيدا لئلا تصيبك نزلة برد ..
عند عتبة الباب .. كانت العنزة تقف في وداعة و بقربها صغيراها .. انحنيت و لامست جبهتي خطمها فجعلت تتشمم وجهي وأنا أداعب الصغيرين اللذين التصقا بها .. تارة يتمسحان بها وتارة يقبلان على ضرعها بكل قوة .. نظرت إلى عينيها الوديعتين و خلتني أرى فيهما حليمة . كان الجو قد بدأ يصفو في الوقت الذي ابيضت فيه جوانب البيت بالثلج .. ووجدت نفسي أخاطبها في همس :
- ما أشقاك أيتها الجميلة ، و ما أتعس من يحبك .. كتب عليكما الشقاء مثلي .. لكني لست مثلكما .. على الأقل أنتما تستطيعان رؤية بعضكما البعض .. أما أنا فقد اختارت هي الفراق .. قد تعود وقد لا تعود .. صرت أخشى عودتها لأنها تكون نذيرا بالفراق من جديد .. لم أعد أثق بوعودها ولا بمبررات غيابها .. هي تحاول الهروب في كل مرة و أنا اعتدت على ذلك ..أحاول أن أنسى رغم أن هذا صعب ، بل أقرب للمستحيل . أرجوك .. كوني لطيفة معه كما أنت دائما .. هو يحبك فأحبيه . لن تجدي قلبا يضاهي قلبه طيبة و حنانا . لن تكوني سعيدة إلا معه .. "
العنزة مستمرة في تشمم جبهتي لكني أنتبه فجأة إلى قدمين مسمرتين إلى جانبي .. حليمة تنظر إلي بفضول .. ترى هل سمعت ما كنت أهمس به للعنزة ؟ .. لا شك في ذلك .. فعيناها ترمشان دامعتين و قد تورد خداها وجدا و تأثرا ..
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس